قلما شهدت صفقة تسليحية احتداماً في التنافس الدولي على الفوز بها مثلما تشهده حالياً الصفقة الضخمة التي تعتزم دولة الامارات العربية المتحدة عقدها في اطار برنامجها الهادف الى تحديث قواتها الجوية وتتضمن شراء نحو 80 طائرة مقاتلة جديدة بقيمة اجمالية تقدر بحوالى 6 مليارات دولار. وبعد أشهر من التوقعات والمعلومات المتضاربة حول مصير هذه الصفقة، يبدو الامر الوحيد الثابت حتى الآن ان الاختيار لم يُحسم بعد، وان المنافسة على الفوز بالصفقة، أو بحصة منها، لا تزال على أشدها. كما اصبح واضحاً ان الاعتبارات التي ستساهم في ترجيح كفة أي من الاطراف المتنافسة لن تقتصر على الجوانب العسكرية والتقنية البحت، بل ستدخل فيها عوامل سياسية واقتصادية واستراتيجية. وكانت خطط الامارات لتحديث قواتها الجوية استحوذت، منذ الاعلان عنها قبل سنوات، على اهتمام متميز من جانب شركات الصناعة الجوية العالمية وحكوماتها التي سارعت الى الدخول في المنافسة على الفوز بالعقود التي ستنتج عن هذه الخطط. وأبقت الامارات من ناحيتها الباب مفتوحاً امام المنافسة في مراحلها الأولى، تمهيداً لاختيار قائمة مصغّرة من العروض. وفي مطلع هذا العام، أعلنت الامارات رسمياً، خلال معرض "آيدكس 97" الدولي للمنتجات الدفاعية التي أقيم في أبو ظبي في شباط فبراير الماضي، انها قررت استبعاد طرازات عدة من الطائرات القتالية المعروضة عليها. واشتمل ذلك القرار على كل من المقاتلات الاميركية "ف - 15 إيغل"، وطرازها الهجومي "ف - 15 إي سترايك إيغل"، و"ف - 18 هورنت"، وجميعها من انتاج شركة "ماكدونل دوغلاس" التي اصبحت في ما بعد جزءاً من شركة "بوينغ"، والمقاتلات الروسية "ميغ - 29"، وطرازها المحسن "ميغ - 29م"، و"سوخوي - 27" وطرازيها المحسنين والمعدلين "سوخوي - 30" و"سوخوي - 35". وأعلنت الامارات في ذلك الوقت ايضاً ان المنافسة على الفوز ببرنامج تحديث قواتها الجوية باتت محصورة رسمياً بكل من المقاتلتين الفرنسيتين "رافال" و"ميراج - 2000" بطرازها المحسن المعروف باسم "ميراج - 2000/5"، من انتاج شركة "داسو"، والمقاتلة الاميركية "ف - 16 فالكون" التي تنتجها حالياً شركة "لوكهيد"، علماً بأنها أساساً من انتاج شركة "جنرال ديناميكس" التي ضمتها "لوكهيد" قبل سنوات، والمقاتلة الاوروبية المشتركة الجديدة "يوروفايتر - 2000" التي تتولى شركة "بريتيش إيروسبايس" البريطانية مهمة تسويقها في منطقة الشرق الأوسط. الآمال الفرنسية ولم يكن ادراج المقاتلتين الفرنسيتين "رافال" و"ميراج - 2000/5" في هذه القائمة النهائية المصغرة مفاجئاً، بل متوقعاً ومنطقياً. فالامارات ترتبط مع فرنسا بعلاقات سياسية واقتصادية وتسليحية وثيقة منذ اكثر من ربع قرن. وتؤلف الاسلحة والمعدات الفرنسية حالياً الركيزة الاساسية في تجهيز القوات الاتحادية، لا سيما سلاح الجو الذي حصل في السبعينات على مقاتلات "ميراج - 5"، ويعتمد في الدرجة الأولى حالياً على مقاتلات "ميراج - 2000". كما فازت فرنسا قبل سنوات بالعقد الضخم الذي تضمنه برنامج تحديث الوحدات المدرعة في الجيش الاماراتي، الذي أوصت أبو ظبي بموجبه على 436 دبابة فرنسية من طراز "لوكلير" بقيمة اجمالية بلغت نحو 6.3 مليار دولار. ومن هذا المنطلق، تشعر فرنسا، وشركة "داسو" تحديداً، بأنها لا تزال تملك فرصة طيبة للفوز بصفقة الطائرات الجديدة التي تخطط أبو ظبي لعقدها، أو أقله بجزء لا يستهان به من هذا البرنامج. وتشير مصادر الصناعة الجوية الفرنسية في هذا المجال الى ان الامارات أبدت اهتماماً خاصاً بالمقاتلة الجديدة "رافال" منذ المراحل الأولى لبرنامج تطويرها، وانها أعربت في وقت من الاوقات عن استعدادها للمساهمين في تمويل جزء من تكاليف هذا البرنامج تمهيداً للحصول عليها في مرحلة لاحقة. كما تقول المصادر نفسها ان سلاح الجو الاماراتي قد يفضّل الحصول على عدد من مقاتلات "ميراج - 2000/5" كخطوة أولى واعتمادها طرازاً انتقالياً موقتاً مكان مقاتلاته العاملة حالياً من طراز "ميراج - 2000" في انتظار بدء عملية تسليمه مقاتلات "رافال" التي يرغب في الحصول عليها عندما تصبح هذه المقاتلات قيد الانتاج والخدمة الفعلية مطلع القرن المقبل. ويبدو من شبه الأكيد الآن ان الامارات قد تقرر فعلا التعاقد لشراء عدد من مقاتلات "ميراج 200/5". بل ان المصادر الفرنسية ذهبت الى حد التأكيد خلال الأشهر الماضية على وجود "تفاهم مبدئي" بين باريس وأبو ظبي تحصل هذه الأخيرة بموجبه على 22 مقاتلة من هذا الطراز لاحلالها مكان مقاتلات "ميراج - 2000" الاماراتية العاملة حالياً. لكن الأمر الذي لم تستطع هذه المصادر توقعه هو موقع هذه الصفقة، في اطار البرنامج العام لتحديث القوات الجوية الاماراتية، وما اذا كانت ستشكل مقدمة لشراء مقاتلات "رافال" كما يأمل الجانب الفرنسي، أم مجرد "ترضية" لباريس على خسارتها الصفقة الاساسية التي يفترض ان ينطوي عليها هذا البرنامج الشامل البعيد الأمد. وفي الوقت الذي قد يكون لدى الجانب الفرنسي ما يكفي من معطيات تبرر شعوره الضمني بالاطمئنان الى انه سيحصل في نهاية المطاف على حصة معينة من هذا البرنامج الاماراتي، حتى ولو اقتصرت على مقاتلات "ميراج - 2000/5" ولم تتضمن مقاتلات "رافال" كما كانت باريس تأمل أصلاً، فان المنافسة الحقيقية التي يبدو انها تزداد حدة للفوز بهذا البرنامج باتت تنحصر بالمقاتلتين الاميركية "ف - 16 فالكون" والاوروبية "يوروفايتر - 2000". حتى مطلع هذا العام لم تكن المقاتلة الاوروبية الجديدة تعتبر في عداد الطرازات المتنافسة جدياً على الفوز بالصفقة الاماراتية، بل ان مجرد ورود اسمها على قائمة التنافس التي أعلنتها الامارات في شباط فبراير الماضي شكل مفاجأة للمختصين بشؤون التسلح في الخليج. لكن التطورات تسارعت في ما يتعلق باهتمام الامارات بالحصول على هذه المقاتلة خلال الأشهر الماضية، وظهر اتجاه واضح نحو اعتبارها الطراز الاكثر ترجيحاً للفوز بالصفقة الرئيسية التي سيشتمل عليها هذا البرنامج. وعلى رغم الحرص البالغ الذي أبدته المصادر السياسية والصناعية البريطانية على تجنب التعليق على فرص هذه المقاتلة بالفوز، وامتناعها عن الكشف عن المراحل التي بلغتها المفاوضات في شأنها مع الجانب الاماراتي، فان الانطباع الذي تكوّن خلال تلك الفترة عزز صحة ذلك الاتجاه. وبرز ذلك في صورة خاصة بعد قيام بعثة عسكرية وفنية رفيعة المستوى من سلاح الجو الاماراتي بزيارة بريطانيا في نيسان ابريل الماضي للاطلاع عن كثب على برنامج تطوير المقاتلة والمراحل التي قطعها. وكان طبيعياً ان تحاط زيارة البعثة بستار من الكتمان، لكن المعلومات التي تسربت عن الزيارة أفادت انها استمرت حوالى اسبوعين، وانها تضمنت اختبارات تفصيلية على المقاتلة لتقويم قدراتها وخصائصها ومدى ملاءمتها للمتطلبات القتالية المحددة للقوات الجوية الاماراتية. واستناداً الى هذه المعلومات، كانت نتائج الزيارة "ايجابية جداً"، حيث توصلت البعثة الاماراتية الى الاستنتاج بأن المقاتلة "يوروفايتر - 2000" تشكل "الطراز الامثل والاكثر استجابة" لحاجات قواتها الجوية. ونقل عن مسؤول كبير في هذه القوات قوله في هذا المجال: "نريد تزويد سلاحنا الجوي أفضل المتوافر في العالم. ونعتبر ان هذه المقاتلة هي الأفضل". وفي أعقاب زيارة البعثة الجوية الاماراتية والنتائج الايجابية التي أسفرت عنها، والتي تزامنت مع التأكيدات المتكررة للاوساط الصناعية والديبلوماسية الفرنسية في شأن التوصل الى الاتفاق المبدئي مع الامارات على صفقة مقاتلات "ميراج - 2000/5" من جهة اخرى، ساد اعتقاد قبل أشهر بأن برنامج تحديث القوات الجوية الاماراتية ربما حسم فعلاً لمصلحة بريطانياوفرنسا من خلال "اختيار مزدوج" تحصل فيه هذه القوات على مقاتلات "ميراج - 2000/5" كمرحلة أولى موقتة في انتظار تزويدها مقاتلات "يوروفايتر - 2000" اعتباراً من مطلع القرن المقبل. الضغوط الاميركية الا ان تطوراً مفاجئاً آخر ما لبث ان قلب هذه التوقعات، وأعاد التكهنات في شأن البرنامج والمنافسة الدولية الى نقطة البداية عملياً. فبعدما كانت المؤشرات تدل على استبعاد المقاتلة الاميركية "ف - 16 فالكون" من هذه المنافسة، خصوصاً في ضوء المعلومات التي تحدثت مطلع هذا العام عن عدم رضى الجانب الاماراتي عن العرض الذي قدمته الولاياتالمتحدة واعتراضه على الجوانب التقنية والعملياتية التي تضمنها، سربت المصادر الاميركية مطلع الصيف الماضي معلومات معاكسة ذهبت الى حد القول ان الامارات اختارت المقاتلة "ف - 16 فالكون"، وانها على وشك ابرام العقد الخاص بشرائها. وسرعان ما تبين ان هذه المعلومات، التي تزامنت مع زيارة كان يقوم بها لواشنطن آنذاك الشيخ محمد بن زايد رئيس أركان القوات المسلحة الاتحادية، كانت بعيدة عن الواقع. وشددت المصادر الاماراتية الرسمية في حينه على ان "أي قرار في شأن الطراز الذي سيتم اختياره لم يتخذ بعد"، وان المقاتلة الاميركية لا تزال "واحدة من المقاتلات الاخرى" التي تتنافس على الفوز بالصفقة. وبدا واضحاً ان هذه الخطوة الاميركية كانت تهدف الى الضغط على الجانب الاماراتي، لا سيما انها ترافقت مع تصريحات وتسريبات أشارت فيها واشنطن الى "تسوية الخلافات" التي كانت قائمة مع أبو ظبي على مسألة القوات الاميركية التي تنص معاهدة التعاون الدفاعي الموقعة بين البلدين منذ حرب الخليج على احتمال تواجدها في الامارات عند الضرورة. ويذكر ان هذه الخلافات كانت تتركز على "المرجعية" التي تعود اليها إمرة الوحدات الاميركية في حال تمركزها في الامارات، وما اذا كانت تلك الوحدات ستخضع للقيادة الاماراتية ولقوانينها، أم تظل خاضعة لامرة القيادة الاميركية واشرافها المباشر. وفي مواجهة هذه التسريبات، ردت المصادر الاماراتية الرسمية بالتأكيد على ان هذا الموضوع "لا علاقة له اطلاقاً" ببرنامج تحديث القوات الجوية أو بالصفقات التي ستترتب عنه. وأوضحت من جديد ان الاختيار الذي سترسو عليه المنافسة في النتيجة سيكون نابعاً من "الاعتبارات العملياتية والمعايير التقنية والتفاصيل المالية التي تحددها المصلحة العليا للدولة والحاجات المحددة لقواتها الجوية". والمشكلة الاساسية التي تجابه الولاياتالمتحدة في محاولتها "اقناع" الامارات بالحصول على مقاتلات اميركية لتحديث قواتها الجوية تكمن في طبيعة العرض الذي قدمته، وفي المقاتلة "ف - 16 فالكون" نفسها. فهذه المقاتلة الفعالة والواسعة الانتشار تظل، أولاً وأخيراً، تصميماً تعود جذوره الى ما يزيد على ربع قرن، حيث بدأت طرازاتها الأولى بدخول الخدمة الفعلية لدى سلاح الجو الاميركي في اواسط السبعينات، وتبع ذلك حصول اسلحة جو الدول الاوروبية الاطلسية واسرائيل ومصر عليها اعتباراً من اواخر السبعينات ومطلع الثمانينات. وعلى رغم ان تطويرها استمر منذ ذلك الحين وتتابع انتاجها بطرازات محسنة ومعدلة خلال السنوات الماضية، فان مستواها التكنولوجي الأساسي لا يمكن ان يقارن بالمستويات التكنولوجية الجديدة والمستقبلية التي يتم على أساسها حالياً تطوير طرازات الجيل المقبل من الطائرات القتالية المتقدمة. وتنطبق هذه المقارنة التكنولوجية والعملياتية على المقاتلة الاميركية الجديدة "ف - 22 رابتور" التي يجري العمل على تطويرها بهدف ادخالها الى الخدمة الفعلية في مطلع القرن المقبل، مثلما تنطبق على المقاتلة الفرنسية "رافال" والمقاتلة الاوروبية "يوروفايتر - 2000" اللتين يخطط لدخولهما الخدمة الفعلية بدورهما خلال الفترة الزمنية نفسها. واضافة الى ذلك، فان الطراز الذي عرضته شركة "لوكهيد من هذه المقاتلة على سلاح الجو الاماراتي، وهو طراز محسن ومحدث يعرف باسم "ف - 16 المجموعة الانتاجية 60" بلوك 60، لم يدخل حيز الانتاج أو الخدمة بعد. كما ان سلاح الجو الاميركي نفسه لم يقرر حتى الآن الحصول عليه، بل فضل الاكتفاء بتحديث المقاتلات العاملة في صفوفه من طرازات هذه المقاتلة السابقة وتحويلها جميعاً الى الطراز الانتاجي الحالي منها، والمعروف باسم "ف - 16 المجموعة الانتاجية 50/52". ومع ان "لوكهيد" عرضت على الامارات تزويدها مقاتلات "ف - 16/60" فان الادارة الاميركية لم توافق رسمياً حتى الآن على بيع الامارات هذه المقاتلات في حال وقع الاختيار عليها، بل انها لا تزال تصر على ان تكون تلك الطائرات من طراز "ف - 16/50" الأقل تطوراً وفاعلية، خصوصاً من حيث المدى والحمولة والتجهيز الاداري والالكتروني. وكان "التنازل" الوحيد الذي قدمته واشنطن في هذا المجال حتى الآن الاستجابة لاصرار الجانب الاماراتي على ان يكون تسليح هذه المقاتلات مشتملا، في حال اختيارها، على الصواريخ جو - جو الجديدة المتوسطة المدى "أمرام" التي لا يشتمل عليها تجهيز الطرازات السابقة من المقاتلة "ف - 16" عادة. وحتى لو وافقت واشنطن في ما بعد على تزويد الامارات مقاتلات "ف - 16/60"، فان ذلك قد لا يكون كافياً لتلبية حاجات القوات الجوية الاماراتية المحددة للقرن المقبل. فهذه المقاتلات ستكون أكثر قرباً من مقاتلات "ميراج - 2000/5" الفرنسية التي تفكر هذه القوات في الحصول عليها كخطوة انتقالية موقتة، عوضاً عن ان تكون طرازاً متطوراً ينتمي الى جيل مستقبلي جديد من الطائرات القتالية كما هو الحال مع المقاتلة "رافال" أو المقاتلة "يوروفايتر - 2000" اللتين بدأ العمل على تصميمهما خلال النصف الثاني من الثمانينات ستظلان في مصاف مقاتلات الصف الأول العالمية حتى ما بعد الفترة 2020 - 2025. وبينما فضلت فرنسا المضي قدماً في تطوير المقاتلة "رافال" وانتاجها بمفردها، على رغم تقلبات أوضاع الخزينة الفرنسية وسياسات الحكومات المتعاقبة، فان "يوروفايتر - 2000" كانت منذ البداية مشروعاً أوروبياً مشتركاً تساهم فيه حالياً كل من شركة "بريتيش ايروسبايس" البريطانية وشركة "داسا" الالمانية وشركة "ألينيا" الايطالية وشركة "كازا" الاسبانية. والتزمت الاسلحة الجوية في الدول الأربع المشاركة في هذا البرنامج الحصول على حوالى 700 طائرة من هذه المقاتلة التي بدأ تطويرها حين كانت الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي على المسرح الاوروبي في أوجها، وكان الهدف الاساسي لها تزويد القوات الجوية الاوروبية الاطلسية طرازاً قتالياً متطوراً قادراً على التفوق على أي طراز من الطائرات المقاتلة الجديدة التي كان يفترض ان يعمل الاتحاد السوفياتي السابق على تطويرها خلال ما تبقى من هذا القرن وحتى الربع الأول من القرن الواحد والعشرين. اعتبارات مؤثرة وعلى رغم مرور برنامج هذه المقاتلة بصعوبات تقنية ومادية وسياسية، ابرزها تردد الحكومة الالمانية في العامين الماضيين حيال جدوى الاستمرار فيه، فان العمل عليه تواصل من دون توقف. وحسمت بون أمرها منه رسمياً مطلع الصيف الماضي عندما قررت مواصلة تنفيذ التزاماتها المالية والتقنية تجاهه، الأمر الذي ساهم في ارساء قواعده بشكل نهائي حيث بات من المقرر الآن ان يبدأ انتاج هذه المقاتلة ودخولها الخدمة الفعلية في الوقت المحدد أصلاً لذلك، أي بحلول عام 2002. ويتفق خبراء الشؤون الدفاعية والجوية على ان "يوروفايتر - 2000" ستكون، عند دخولها الخدمة، المقاتلة الأكثر تقدماً على المستوى التكنولوجي والأكثر فاعلية على المستوى القتالي والعملياتي بين سائر الطرازات العالمية المنافسة لها، أقله الى حين بدء المقاتلة الاميركية الجديدة "ف - 22 رابتور" الخدمة. لكن موعد البدء في استخدام هذه المقاتلة فعلياً يشهد حالياً تأجيلات متكررة. فبعدما كان مقرراً لها ان تبدأ العمل خلال عام 2002، تأخر هذا الموعد الآن حتى الفترة 2005 - 2006، وقد يشهد تأجيلا آخر حتى العام 2008. ويتشابه هذا مع وضع برنامج المقاتلة "رافال" الذي يشهد بدوره خفوضات في الاعتمادات المالية وفي عدد الطائرات التي سيتم انتاجها منها لحساب كل من سلاح الجو ووحدات الطيران التابعة للأسطول الفرنسي، ما أدى الى تأجيل موعد البدء في انتاجها وادخالها الى الخدمة من عام 1998 كما كان مقرراً أصلاً، الى العام 2002، كما أسفر عن زيادة ملحوظة. من هنا، تبدو المقاتلة "يوروفايتر - 200" في وضع متميز عن غيرها من الطرازات المتنافسة على الفوز بالصفقة الاماراتية. فبرنامج تطويرها وانتاجها يمضي قدماً بثبات. والتزامات الدول المساهمة في هذا البرنامج حيال الاعداد التي تنوي الحصول عليها من هذه المقاتلة تبدو ثابتة بدورها، ما سيعني استقراراً نسبياً في التكاليف الاجمالية المتوقعة لهذا البرنامج وفي ثمن الطائرة الواحدة منها على امتداد السنوات المقبلة. ومع انه لا توجد أي أرقام محددة في هذا المجال، فان التقديرات تشير الى ان "الثمن الاجمالي" للطائرة الواحدة من طراز "يوروفايتر - 2000" سيكون في حدود 45 - 55 مليون دولار، بينما يصل ذلك بالنسبة الى المقاتلة "رافال"، حسب التقديرات الحالية، الى نحو 65 - 75 مليون دولار، ويرتفع في حالة المقاتلة "ف - 22 رابتور" الى ما لا يقل عن 120 مليون دولار للطائرة الواحدة. اما على صعيد الخصائص والقدرات التقنية والقتالية فان من شبه الثابت ان سلاح الجو الاماراتي سيحصل، في حال وقع اختياره على هذه المقاتلة الاوروبية، على طراز ينتمي الى جيل تكنولوجي وعملياتي جديد تماماً لا تمكن مقارنته الا بالطرازات الجديدة المماثلة له من حيث التقدم والحداثة، كالمقاتلة الاميركية "ف - 22 رابتور" والمقاتلة الفرنسية "رافال"، في حين لن تكون المقاتلة "ف - 16 فالكون"، حتى بطرازها المقترح الجديد "ف - 16/60"، أكثر من مجرد تطوير لجيل تكنولوجي سابق تنتمي اليه غالبية الطرازات العالمية المنافسة العاملة حالياً، مثل "ميراج - 2000" الفرنسية و"ميغ - 29" الروسية و"ف - 18 هورنت" الاميركية. لكن هذه الاعتبارات لن تكون وحدها العوامل التي ستتحكم في نهاية الأمر بالاختيار الاماراتي. فالولاياتالمتحدة لا تزال تمارس جهوداً كثيفة لضمان فوز المقاتلة "ف - 16 فالكون" بالصفقة. كما ان فرنسا لا تزال تعلق آمالاً كبيرة بدورها على احتمال فوز المقاتلة "رافال" بجزء من هذا البرنامج. اما بريطانيا، فان مصادرها الدفاعية والصناعية لا تزال تلتزم الصمت حيال امكانات فوز "يوروفايتر - 2000" بالبرنامج ككل، أو بحصة منه على الأقل. وفي هذه الاثناء، كشفت المصادر الاميركية اخيراً عن تطور جديد على هذا الصعيد، اذ ذكرت ان الجانب البريطاني عرض على الامارات ان يتم عقد أي صفقة في شأن مقاتلات "يوروفايتر" على أساس مبدأ "المقايضة بالنفط"، حيث تتعهد لندن شراء كميات معينة من النفط الاماراتي في مقابل التكاليف التي ستنجم عن شراء أبو ظبي هذه الطائرات، وكذلك تقديم مغريات كبيرة في برنامج للتوازن الاقتصادي أوفست على غرار الاتفاقات المعقودة مع السعودية في اطار برنامج "اليمامة" للتعاون الدفاعي مع بريطانيا. ولم يتم التأكد من صحة هذه المعلومات الاميركية، التي امتنعت المصادر البريطانية عن التعليق عليها. لكنها تظهر بوضوح المدى الذي وصلت اليه حدة التنافس على الفوز بهذا البرنامج. ودفع ذلك الاوساط الدفاعية والصناعية الاميركية الى الاقرار بأن هذا العرض البريطاني الجديد، اذا ما كان صحيحاً فعلا، سيؤدي الى "زيادة تعقيدات" التنافس، وقد يؤدي الى "تقليص فرص فوز الولاياتالمتحدة به" على حد تعبيرها. وعلى أي حال، فان هذه الاوساط تتفق مع نظيرتها البريطانية والفرنسية على ان صدور القرار الاماراتي النهائي في شأن الطائرات التي سيتم اختيارها "لن يكون قريباً"، كما كانت التوقعات السابقة تشير، بل انه قد لا يصدر "قبل نهاية هذا العام، وربما حتى شهر شباط فبراير المقبل"، ليحسم بذلك عندئذ مصير هذه الصفقة التي بات هناك اجماع في صفوف الصناعات الجوية العالمية على اعتبارها الصفقة العسكرية الأهم خلال ما تبقى من هذا القرن وحتى مطلع القرن المقبل .