99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    الأمن.. ظلال وارفة    اجتثاث الفساد بسيف «النزاهة»    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    سورية الجديدة.. من الفوضى إلى الدولة    خادم الحرمين يهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده    إحالة 5 ممارسين صحيين إلى الجهات المختصة    قليل من الكلام    حقوق الإنسان بين قيم الإسلام والسمات السعودية ونظرة الوزَّان    ضيوف برنامج خادم الحرمين يؤدون العمرة    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    هل حقن التنحيف أخطر مما نعتقد ؟    5 طرق لحماية أجسامنا من غزو البلاستيك    122 ألف مستفيد مولهم «التنمية الاجتماعي» في 2024    ضبط شخص افتعل الفوضى بإحدى الفعاليات وصدم بوابة الدخول بمركبته    «إسرائيل» ترتكب «إبادة جماعية» في غزة    التحليق في أجواء مناطق الصراعات.. مخاوف لا تنتهي    ليندا الفيصل.. إبداع فني متعدد المجالات    منازل آمنة بتدريب العاملات    الجمال والأناقة    من «خط البلدة» إلى «المترو»    أهلا بالعالم    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    كرة القدم قبل القبيلة؟!    قائمة أغلى عشرة لاعبين في «خليجي زين 25» تخلو من لاعبي «الأخضر»    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    منتخبنا كان عظيماً !    رفاهية الاختيار    الضحكة الساخرة.. أحشفاً وسوء كيلة !    وانقلب السحر على الساحر!    النائب العام يستقبل نظيره التركي    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    حرس الحدود بجازان يدشن حملة ومعرض السلامة البحرية    استثمار و(استحمار) !    الإستراتيجية الوطنية للبحر الأحمر    5 مشاريع مياه تدخل حيز التشغيل لخدمة صبيا و44 قرية تابعة لها    وسومها في خشومها    الأخضر يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة العراق في خليجي 26    نيابة عن "الفيصل".. "بن جلوي" يلتقي برؤساء الاتحادات الرياضية المنتخبين    اختتام دورات جمعية الإعاقة السمعية في جازان لهذا العام بالمكياج    إحباط تهريب (140) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    آل الشيخ: المملكة تؤكد الريادة بتقديم أرقى الخدمات لضيوف الرحمن حكومة وشعبا    موارد وتنمية جازان تحتفي بالموظفين والموظفات المتميزين لعام 2024م    "التطوع البلدي بالطائف" تحقق 403 مبادرة وعائدًا اقتصاديًا بلغ أكثر من 3مليون ريال    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    التخييم في العلا يستقطب الزوار والأهالي    مسابقة المهارات    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صدام وكلينتون : مواجهة محسوبة والخاسرون الأكراد
نشر في الحياة يوم 09 - 09 - 1996

على رغم اعلان الرئيس بيل كلينتون ان عملية "ضربة الصحراء" في العراق انجزت، وأن المهمة كانت ناجحة... الا ان اوساطاً ديبلوماسية ودفاعية عربية وغربية استبعدت ان تكون الهجمات الصاروخية التي شنتها الولايات المتحدة ضد ما وصف ب "اهداف عسكرية" عراقية خلال الايام الماضية اسفرت عن اي "تغيّر حقيقي" في خطوط المواجهة الجغرافية او في موازين القوى الاساسية. وأعربت عن اقتناعها في المقابل بأن تلك الهجمات ليست اكثر من "رد فعل مدروس ومقاس بدقة" يستهدف في الدرجة الاولى "اظهار واشنطن مظهر من فعل شيئاً" في مواجهة التحركات العراقية الاخيرة في المنطقة الكردية الشمالية.
وأضافت هذه الاوساط: "كان لا بد ان ترد الادارة الاميركية بشكل او بآخر على سقوط اربيل في أيدي قوات صدام حسين، لكن الاميركيين يدركون قبل غيرهم ان اطلاق مجموعة من الصوايخ ضد اهداف عراقية ثانوية في جنوب البلاد لن يؤثر في قدرة صدام العسكرية ولا في موازين القوى او مسار المواجهة في كردستان. انه رد رمزي يحتاج اليه الرئيس كلينتون في حملته الانتخابية من دون ان يحمل في طياته الكثير من عوامل المجازفة السلبية التي يريد الجميع في واشنطن استبعادها قدر الامكان من المعادلة".
رد رمزي على وضع جديد
ولكن اذا كان الرد الاميركي لم يتعد الحدود الرمزية وتوجيه "الرسائل الحامية" الى بغداد، فان مصادر "الوسط" تتفق على وصف ما حدث في شمال العراق على الصعيدين السياسي والعسكري معاً بأنه كان "أبعد ما يكون عن الرمزية، بل انه اثبت نقاطاً وأدى الى تحولات ستكون لها آثار بعيدة المدى على اكثر من صعيد داخلي واقليمي في حال السماح بتكريس الوضع القائم الجديد". ويمكن تلخيص ابرز هذه النقاط والتحولات على الشكل الآتي:
* هناك اجماع على وصف ما آل اليه الحال بين الحزبين الكرديين الرئيسيين الديموقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال طالباني، بأنه "مأساة حلت بأكراد العراق ستكون لها نتائج كارثية على مستقبلهم ومستقبل منطقتهم"، فالحزبان على حد سواء اثبتا "فشلاً تاريخياً" في التعايش، كما ان نزاعاتهما الدموية والتبدلات السريعة في تحالفاتهما الداخلية والاقليمية كانت "السبب الذي افسح المجال امام عودة المنطقة الكردية الشمالية الى دائرة العنف والتقاتل الاهلي والتجاذب الاقليمي".
وتلقي الاوساط الكردية والعربية والغربية "المحايدة" اللوم على الحزبين وقيادتهما معاً، في صورة متساوية، في ايصال الاوضاع هناك الى ما وصلت اليه، حيث "اصبح طالباني وحزبه تحت رحمة التحالف مع ايران، وبارزاني وحزبه تحت رحمة التحالف مع النظام في بغداد، بل مجرد تابع لهذا النظام ومنفذ لأوامره وسياساته"، على حد تعبير مصدر ديبلوماسي عربي.
* المعارضة العراقية اثبتت مجدداً "عجزها الكامل" عن ادارة شؤونها وتنسيق المواقف بين الاطراف التي يفترض ان تكون منضوية تحت لوائها، مما أدى الى خسارتها احد اهم الفرقاء الرئيسيين فيها أي بارزاني وحزبه الذي اصبح الآن متحالفاً علانية مع بغداد، وفقدانها اهم معقل جغرافي ومعنوي أي مدينة أربيل ومحيطها الذي يشكل قلب المنطقة الكردية في شمال العراق وعصبها الرئيسي.
* على الصعيد العسكري، اثبت صدام انه "لا يزال قادراً على التحرك والتحكم ميدانياً في اي منطقة عراقية"، كما برهن عن استمراره في "الاحتفاظ بقوة عسكرية لا يستهان بها، اقله بالمعايير الداخلية وبالمقارنة مع قوات الدول المجاورة للعراق مباشرة". وأوردت مصادر دفاعية غربية تقويماً للوضع العسكري وصفت فيه أداء القوات العراقية التي تحركت شمالاً واستولت على اربيل بأنه كان "مفاجأة"، واعتبرت ان ذلك الاداء وفر فرصة للعالم الخارجي للاطلاع عن كثب على ما تستطيع القوات العراقية تنفيذه وما لا تستطيع في الوقت الحاضر، وبشكل لم يتوافر على مثل هذا النطاق الواسع نسبياً منذ انتهاء حرب الخليج قبل حوالي خمس سنوات".
ورأت هذه المصادر ان العمليات الاخيرة في شمال العراق اثبتت مرة اخرى النتائج النهائية التي اسفرت عنها "عاصفة الصحراء" على المستوى الاستراتيجي، وهي ان "العراق خرج من تلك الحرب بقوة عسكرية متقلصة لم تعد قادرة على تشكيل مصدر تهديد اقليمي رئيسي للدول المجاورة، لكنها ما زالت كافية لاثارة القلق والازعاج واشاعة التوتر على الحدود من جهة، وقادرة على الحشد والتحرك وتنفيذ عمليات عسكرية واسعة النطاق وحسم الاوضاع لمصلحتها داخل البلاد من جهة ثانية". واستنتجت ان "مثل هذه القدرة العسكرية المزدوجة هو تماماً ما يحتاجه صدام للاستمرار في السلطة واضعاف معارضيه وادامة المخاوف في صفوف جيرانه، وهي تحديداً الاهداف التي يعمل على تنفيذها حالياً".
معضلات أساسية
ومثل هذا الوضع المعقد لا بد من ان يطرح معضلات اساسية على جميع الاطراف المهتمة بتقويض النظام العراقي تمهيداً للتخلص منه في وقت من الاوقات، وبالذات امام الولايات المتحدة التي لاقت صعوبة كبيرة هذه المرة في العثور على مؤيدين في صفوف حلفائها للرد العسكري الذي نفذته ضد الاهداف العراقية. وتنبع هذه المعضلات من مجموعة اعتبارات سياسية وعسكرية لم تغب عن ذهن بغداد في محاولتها "تبرير" ما قامت به قواتها في أربيل، و "استنكار" رد الفعل العسكري الاميركي عليه. بل انها قد تكون المرة الاولى التي تجد فيها مجموعة كبيرة من الدول والاطراف المتحالفة من حيث المبدأ، والمتفقة تماماً في موقفها من النظام العراقي ورغبتها المشتركة في التخلص منه، ان من الصعوبة بمكان تأييد عمل عسكري نفذته واشنطن ضد صدام في هذا الظرف بالذات.
وتجلى هذا الأمر من خلال مواقف صدرت عن تلك الدول والاطراف. فالمعارضة العراقية غير الكردية وجدت لزاماً عليها الاعراب عن "ارتياحها" الى العمليات الاميركية، لكنها شددت في المقابل على اعتبارها "غير كافية"، وهو على اي حال وصف ينطبق على تلك العمليات بشدة. وكانت بريطانيا الدولة الوحيدة تقريباً في العالم التي أيدت رد فعل واشنطن من دون تحفظ، فيما اكتفت دول مثل اليابان والمانيا وكندا بابداء التأييد والتفهم الفاترين.
وكان لافتاً في صورة خاصة الموقف الفرنسي المتميز الذي "حجب" التأييد عن العمليات الاميركية ودعا الى اعطاء بغداد "فرصة لسحب قواتها من المنطقة كما تعهدت ذلك، واستئناف الحوار بين الاطراف الكردية والعراقية المعارضة لاعادة الوضع في المنطقة الشمالية الى ما كان عليه".
الموقف العربي
وينسجم هذا الموقف الفرنسي الى حد بعيد مع مواقف دول عربية عدة وكذلك مع موقف روسيا التي حذرت على لسان وزير خارجيتها يفغيني بريماكوف من "نتائج كارثية" قد تترتب على تصاعد الموقف العسكري. اما الدول الخليجية فبقدر عدم رضاها عن ضرب العراق وعدم تأييد العمليات العسكرية الاميركية هناك بالقدر نفسه غير راضية عن اوضاع المعارضة العراقية وانقساماتها وتصرفات الفئات الكردية التي اوصلت الى الازمة الحالية. والموقف نفسه هذا عبرت عنه دول عربية تعتبر اساسية في اي معادلة اقليمية، وفي مقدمها مصر وسورية. اما اسس هذا الموقف المتحفظ، بل المعارض، الذي بات يشكل شبه اجماع في المنطقة باستثناء الكويت التي أبدت تفهمها لاعتبارات مفهومة ومبررة فهي ببساطة "عدم شرعية العمليات الاميركية وعدم كفايتها" حسبما قال ل "الوسط" مصدر ديبلوماسي عربي.
والمشكلة، حسب المصدر نفسه، ان الرئيس صدام استطاع "اللعب على اعتبارات بالغة الحساسية بالنسبة الينا جميعاً، وتمكن من ذلك بفضل حماقة المعارضين له وقصر نظرهم". وهذه الاعتبارات التي يقصدها المصدر الديبلوماسي العربي هي:
1- الاجماع على ضرورة المحافظة على سيادة العراق ووحدة اراضيه وحدوده الدولية. وبالتالي، فان تدخل القوات العراقية وتحركها داخل أراضيها "لا يمكن ان يشكلا في نظر الدول العربية تصرفاً غير شرعي من حيث المبدأ".
2- ان أي قرارات دولية صادرة في حق النظام العراقي منذ انتهاء حرب الخليج "لا تتضمن صراحة ولا ضمناً، حظراً على تحريك القوات البرية، بل انها تقتصر على منع استخدام القوات الجوية فوق المناطق المحظورة شمالاً وجنوباً. وهذا لم يحدث".
3- يصعب اللجوء في تبرير العمليات الاميركية الى القرارات المتعلقة بحماية المدنيين العراقيين، شمالاً وجنوباً، من بطش النظام في بغداد، لأن التدخل العراقي في أربيل "تم بناء على طلب من طرف كردي اساسي يمثل نصف المواطنين الاكراد على الاقل، اي حزب بارزاني، وهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها".
4- ان صدام "استفاد كثيراً من لعب الورقة الايرانية" التي تمكنت من الدخول الى المعادلة بفضل تحالف طهران وحزب طالباني، فكادت المسألة ان تتحول الى "مفاضلة بين خيارين كلاهما سيء، وشرين احلاهما مر، فاما سيطرة ايران على شمال العراق عن طريق طالباني، واما عودة بغداد الى المنطقة عن طريق بارزاني".
5- ان رد الفعل الاميركي "لن يكون اصلاً على قدر من الجدية والاتساع يكفي لالحاق الاذى الحقيقي بصدام". وهذا الامر الذي يكاد يكون هناك اجماع اقليمي ودولي عليه، دفع دولاً عدة الى "حفظ اوراقها" والتريث في تبني موقف واشنطن "الناجم عن اعتبارات محلية وانتخابية" اساساً حسب اوساط عربية وأوروبية.
خيارات متاحة... ولكن؟
وفي الواقع فان ثمة اجماعاً في الدوائر المعنية بالشأن العراقي، وفي صورة خاصة لدى الاوساط الديبلوماسية والدفاعية الخليجية والاوروبية، على انه "لا يعقل تصور اقدام الرئيس كلينتون على الزج بالقوات الاميركية في مواجهة جدية مع العراق حالياً، وهو في خضم حملته الانتخابية". ويشكل هذا "الافتقار الى الجدية" ثغرة اساسية في الموقف الاميركي، ومنها ايضاً تنبع الثغرة في الموقفين الاقليمي والدولي حيال ما يحدث. فالاقتناع بأن "رد فعل واشنطن ليس الا من باب رفع العتب"، على حد تعبير المصدر الديبلوماسي العربي، ساهم كثيراً في التخفيف من اطار التأييد الذي كان يمكن ان يحوزه الموقف الاميركي "لو كان أكثر صدقية وجدية في محاولته اضعاف صدام او اخراجه من السلطة".
وحتى لو كان هدف اطاحة صدام بواسطة القوة المسلحة امراً يفتقر الى الواقعية وبعيد المنال لاعتبارات سياسية وعسكرية، فان هناك خيارات متاحة يمكن اللجوء اليها لالحاق أذى فعلي في تركيبة النظام الحاكم في بغداد وتقليص قدرته. على الاستمرار والسيطرة على البلاد.
ومن هذه الخيارات ما هو عسكري بحت، وفي مقدور الولايات المتحدة وحلفائها استخدامه لو توافرت الارادة الاستراتيجية والسياسية لذلك. وهناك اتفاق عام على ان القوات الاميركية والمتحالفة الموجودة في الخليج والمنطقة المجاورة تتمتع بالقدرة على تنفيذ تلك الخيارات لو ارادت. لكن الدخول في عملية عسكرية واسعة النطاق من اجل تحقيق هذا الغرض يظل امراً محفوفاً بمجازفة لا ترغب واشنطن او اي عاصمة اخرى في التورط بها اقله حالياً، وربما ايضاً في المدى المنظور.
ويدرك صدام ذلك على الارجح، وهو يعمل ما في وسعه لاستغلاله والاستفادة منه عن طريق ادخال تحولات جزئية وتدريجية على موازين القوى المحلية داخل العراق والاقليمية على حدوده مع جيرانه من اجل تحسين مواقعه وتقوية فرص استمراره في السلطة واحتفاظه بهامش من التأثير والمناورة في المنطقة. وهذا تماماً ما فعله عندما ارسل قواته الى المنطقة الشمالية وتحالف مع نصف الاكراد ومد نفوذه الى اربيل، وبات قادراً على تهديد السليمانية وغيرها من المعاقل الكردية الحيوية.
ويبدو واضحاً الآن ان الاجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة لن تكون كافية لعكس هذه التطورات السلبية. فلا الهجمات المحدودة بواسطة الصواريخ الجوالة كروز، ولا توسيع منطقة الحظر الجوي في جنوب العراق، ولا تجميد العمل باتفاق "النفط في مقابل الغذاء"، تشكل خطوات فعالة تلحق ما يكفي من الضرر بالنظام العراقي وأدواته العسكرية والأمنية. فبغداد لا تحتاج اصلاً الى استخدام قواتها الجوية داخل البلاد، وهي لم تستخدم هذه القوات في صورة فعالة منذ حرب الخليج. كما ان الاهداف التي قصفها الاميركيون ليست حساسة ولا اساسية بالنسبة الى المجهود الحربي العراقي في الاطار الذي يجري فيه حالياً.
وباستثناء مد العمليات الهجومية الاميركية وتوسيعها بما يكفل تحويلها الى سلسلة من الغارات الجوية والصاروخية المتواصلة والمنهجية بهدف تقويض القدرات العسكرية والقتالية التي لا تزال في حوزة بغداد، وبشكل يؤدي الى شل قدرة القيادة السياسية على التحكم بقواتها وادارة عملياتها وقطع وسائل مواصلاتها واتصالاتها، فان الحد الادنى الذي يمكن ان يؤثر سلباً في تلك القدرة هو "فرض حظر على تحريك القوات المدرعة والمدفعية". وتقول مصادر دفاعية عربية وغربية في هذا المجال ان "لا بد من تحويل الحظر الجوي الى حظر عسكري عام يمنع دخول القوات المسلحة العراقية وتشكيلاتها الثقيلة الى مناطق الحماية الشمالية والجنوبية، وحصر قوات صدام وعزلها في منطقة ضيقة وسط العراق، اذا كان ذلك ممكناً. وهذه هي الوسلة الوحيدة الآن للحؤول دون نجاح صدام في استثمار ما حققه في أربيل وتحويله الى أمر واقع جديد وثابت".
لكن المحاذير السياسية والاستراتيجية التي تحول دون ذلك كثيرة وبالغة التعقيد، خصوصاً في وقت تعاني المعارضة من عجز وفراغ شبه كاملين، ويواجه فيه الاكراد انقساماً تاماً، ويبرز فيه بقوة احتمال استفادة ايران مباشرة من اي تراخ جديد في سلطة بغداد المركزية على الاطراف في الشمال كما في الجنوب.
وهكذا، "تدور الدائرة مرة اخرى دورة كاملة"، على حد تعبير مصادر "الوسط"، ليظل السؤال الاساسي المطروح حالياً هو نفسه الذي واجه قيادة التحالف العربي والدولي عند نهاية حرب الخليج قبل خمس سنوات ونيف: "ماذا نفعل بصدام؟". فالواضح ان بقاء الرجل يعني بقاء التهديد والخطر، في حين ان رحيله من دون توافر البديل الحقيقي الذي يستطيع المحافظة على وحدة العراق وعلى استقرار التوازنات الداخلية فيه والاقليمية المحيطة به يشكل ايضاً تهديداً وخطراً بالمقدار نفسه. هذه هي المعضلة التي يتضح اكثر فأكثر ان لا الولايات المتحدة ولا الدول العربية، بما فيها العراق نفسه، توصلت الى الحل المطلوب لها. لكن الثابت في المقابل ان الحاجة الى هذا الحل باتت ضرورية وملحة اكثر من اي وقت مضى.
القوات الاميركية والغربية في منطقة الخليج وجوارها
تحتفظ الولايات المتحدة حالياً بوجود عسكري دائم في الخليج وجواره يتألف من حوالي 24 ألف جندي وقوتي عمليات بحريتين تضمان حاملة الطائرات كارل فينسون ومجموعة السفن الملحقة بها، وحاملة الطائرات انتربرايز ومجموعتها في شرق البحر الابيض المتوسط. وتتألف كل مجموعة من حوالي 5 - 7 سفن قتالية ومساندة وغواصة واحدة او غواصتين. واجمالاً، يقدر مجموع السفن الاميركية الرئيسية بحوالي 20 قطعة بينها طرادات ومدمرات وفرقاطات جميعها مزودة صواريخ، الى جانب الغواصات والسفن المساندة. وتحمل هذه السفن ايضاً مجموعة قتال برمائية من مشاة البحرية المارينز تضم 4 آلاف جندي مع دروعهم ومدفعيتهم.
ويصل مجموع الوحدات الجوية التي تعمل مع هذه القوات الى نحو 300 طائرة. وتشتمل على 80 طائرة قتالية على متن كل من حاملتي الطائرات، ونحو 150 طائرة قتالية تعمل انطلاقاً من قواعد جوية برية مجاورة. وتضم هذه الوحدات مقاتلات اعتراضية من طراز "ف - 15 اي سترايك ايغل" و "أ - 10 تندربولت"، ومعها ايضاً مقاتلات هجومية لا يكتشفها الرادار من طراز "ف - 117 ستلث". اما طائرات الاسطول فتضم مقاتلات اعتراضية من طراز "ف - 14 تومكات"، وأخرى متعددة الاغراض من طراز "ف - 18 هورنت" وقاذفات هجومية من طراز "أ - 6 انترودر". كما تدعم هذه الوحدات طائرات هليكوبتر هجومية من طرازي "أباتشي" و "كوبرا"، ومجموعة واسعة من طائرات الرصد والانذار والتنصت والاستطلاع والتشويش والمساندة الالكترونية والتموين الجوي بالوقود. ويمكن للولايات المتحدة الاستفادة ايضاً من قاذفاتها الاستراتيجية الثقيلة البعيدة المدى من طرازي "ب - 2 ستلث و "ب - 52" للقيام بطلعات هجومية انطلاقاً من قواعد خارج المنطقة.
وتحتفظ كل من بريطانيا وفرنسا ايضاً بوحدات جوية تتألف من 12 مقاتلة بريطانية هجومية من طراز "تورنادو"، و12 مقاتلة فرنسية تضم 6 متعددة الاغراض من طراز "ميراج - 2000" و6 هجومية من طراز "جاغوار". ومع هذه الوحدات القتالية هناك ايضاً طائرات نقل واستطلاع وهليكوبتر مساندة من البلدين.
وهناك قواعد وتسهيلات ومنشآت "تخزين مسبق" للقوات والعتاد تحتفظ بها الولايات المتحدة في المنطقة وتتيح لها رفع مجموع قواتها البرية والجوية والبحرية العاملة هناك الى 100 الف جندي و1000 دبابة و500 طائرة قتالية في غضون اسبوع واحد.
القوات المسلحة العراقية
يقدر مجموع القوات المسلحة العراقية بحوالي 350 - 400 ألف جندي، بينهم حوالي 60 - 80 ألف جندي من "الحرس الجمهوري" الافضل تدريباً وتجهيزاً. واستخدم العراقيون في عمليات الشمال الاخيرة ثلاث فرق من هذه الوحدات ضمت حوالي 35- 40 ألف جندي مزودين 450 دبابة وعدداً مماثلاً من العربات المدرعة ومئات من قطع المدفعية وراجمات الصواريخ.
وتشتمل معدات القوات البرية العراقية حالياً على نحو 3 آلاف دبابة بينها نحو 500 - 600 من طراز "ت - 72" جميعها لدى الحرس الجمهوري، والباقي من طراز "ت - 62" و "ت - 54 \ 55" و "ت - 59" و "ت - 69". ولديها ايضاً نحو 3 آلاف عربة قتال مدرعة وأكثر من 2000 قطعة مدفعية ميدانية وراجمة صاروخية.
ويضم سلاح الجو العراقي نحو 360 طائرة قتالية يعتقد ان حوالي نصفها قابل للتشغيل فعلياً. وأهم طرازاتها مقاتلات "ميغ - 29" و "ميغ - 25" و "ميغ - 23" و "ميغ - 21" و "سوخوي - 20" و "ميراج ف - 1". كما يملك العراق نحو 300 طائرة هليكوبتر معظمها قادر على تنفيذ مهمات قتالية هجومية، ويعتقد ان نصفها بدوره قابل للتشغيل فعلاً.
وتتألف الدفاعات الجوية العراقية من مئات عدة من بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات، لكن غالبيتها الساحقة تفتقر الى الصيانة. وينطبق الوضع نفسه على انظمة الرصد والانذار والتحكم الرادارية الملحقة بها. كما تضم هذه الدفاعات آلاف المدافع المضادة للطائرات من عيارات متنوعة.
وتختلف التقديرات في شأن ما يحتفظ العراق به سراً من ذخائر دمار شامل ووسائل ايصال صاروخية لها. لكن المرجح ان بغداد لا تزال تمتلك كميات غير محددة من الذخائر الكيماوية والبيولوجية وحوالي 50 منصة اطلاق صواريخ أرض ? أرض "سكاد" ومشتقاتها المتوسطة المدى، وعدداً مماثلاً من منصات اطلاق صواريخ أرض ? أرض "فروغ" ومشتقاتها القصيرة المدى. ويتراوح مدى عمل هذه الصواريخ بين 100 كلم و600 كلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.