فيما بدت انتصارات الحركة الدينية المتشددة لطالبان التي أوصلتها الاسبوع الماضي الى أبواب العاصمة الأفغانية كابول سريعة ومذهلة، فإن الحركة الاسلامية الحديثة تجرعتها ببطء ومرارة طوال الأعوام الأربعة الماضية بسبب خلافاتها واقتتالها الداخلي، مما أفقدها سريعاً انتصارها الكبير بتحرير كابول العام 1991، بعد صراع استمر عقداً كاملاً ضد الشيوعية والاتحاد السوفياتي السابق بكل قوته وجبروته. وتبدو الطالبان للمراقب مجرد فصيل اسلامي آخر يقاتل من أجل السلطة في افغانستان ولكن للمراقب من كثب تبدو حكومة بنازير بوتو في باكستان والادارة الأميركية التي يتردد ان لها دوراً مؤيداً بصمت للطالبان انهما اختارتا معاً حركة اسلامية متخلفة من دون فكر استراتيجي بدلاً من حركة اسلامية حديثة مرتبطة بما اتفق على تسميته "الأممية الاسلامية العالمية"، ويمكنها ان تستعيد عافيتها إذا تخلت عن خلافاتها. وهكذا يبدو ان واشنطن واسلام اباد اختارتا الأقل سوءاً تبعاً لمصالحهما كما ان بساطة قادتها وحداثتهم للعمل السياسي تجعلهم أكثر قابلية للتسيير. فالطالبان اذن مجرد رد فعل على الاقتتال الاسلامي - الاسلامي اذ كره عامة الشعب الأفغاني "الحركيين" كما يطلق هناك على الاسلاميين الذين اغرقوا البلاد في دماء المجاهدين أنفسهم، فصبر الافغان على التضحيات امام الشيوعيين والروس. لكنهم لم يصبروا على تضحيات مزعومة لقتال الاخوة، فاعتلت الطالبان موجة العداء وانطلقت من معاقلها في قندهار جنوب البلاد ومعها "المولوية" أو علماء الدين وطلابه، وحصلت على دعم باكستاني مادي من الاستخبارات العسكرية، ودعم معنوي من حركة دينية تماثلها هناك هي "جمعية علماء باكستان" واكتسحت خلال عامين ثلثي الولايات الافغانية. وتفاعل معها الشعب المتدين بطبيعته والباحث عن الأمن قبل تعليم المرأة والتلفزيون والتسامح المذهبي. وهي المسائل التي تتخذ منها الطالبان مواقف حادة، فهي ضد خروج المرأة ومشاهدة التلفزيون، وتفتقر للثالثة. لذلك يقلق منها الايرانيون الذين استثمروا في "أحزاب الله" تتبعهم في افغانستان وسط الأقلية الشيعية التي يهمهم أمرها. ولذلك ايضاً اقتتل معهم "سلفيو كونار" في شرق افغانستان بشراسة فالحركتين تشتركان معا في الافتقار للتسامح المذهبي. فالطالبان أخاف متعصبون ينظرون الى "سلفيي كونار" باعتبارهم كفاراً. وينظر هؤلاء الى الطالبان باعتبارهم "مبتدعة خرافيون". وبين هؤلاء لا تستقيم حياة لذلك انتهى زعيم السلفيين لاجئاً في بيشاور. ولا يتوقع لابطال الجهاد الافغاني، كما كانوا يقدمون للعالم الاسلامي في الثمانينات، امثال الرئيس برهان الدين رباني ورئيس الوزراء قلب الدين حكمتيار ومعهم الشيخ سياف شيئاً سوى أن يصبحوا لاجئين سياسيين. وربما كانت مفارقة مؤلمة لحكمتيار اذا أضحى لاجئاً في وادي بنشير، معقل عدوه اللدود احمد شاه مسعود، قبل ان يجمع بينهما العداء للطالبان. وكان مسعود قد واجه الاحتلال السوفياتي ببسالة من ذلك الوادي ولكن هل لا يزال لديه من المعنويات ما يواجه به الطالبان هناك؟ أيام افغانستان القادمة لا تبشر بخير فالطالبان لم يظهروا حتى الآن تسامحاً تجاه مخالفيهم من القادة، فعندما وقع في يدهم زعيم حزب الوحدة الشيعي أسيراً قتل على يد أحد حراسه بشكل فوضوي. كما انهم لا يملكون خبرة سياسية أو خبرة في التواصل مع الخارج. ويزيد الطين بلة انهم غير مستقلين سياسياً.