اكد ديبلوماسيون في الرياض نجاح الزيارة التي قام بها الاسبوع الماضي للمملكة العربية السعودية العاهل الاردني الملك فهد بن عبدالعزيز وكبار القادة السعوديين. وكانت ملحوظة حرارة الاستقبال الذي حظي به العاهل الأردني والوفد المرافق له، وتوقع المراقبون ان تنعكس طبيعة اللقاءات التي أجراها مع المسؤولين السعوديين وما تمخضت عنه تلك اللقاءات من توجهات على العلاقات بين البلدين المرشحة للتنامي بشكل مضطرد. وكان حجم الوفد الاردني الذي رافق الملك حسين قد لفت الى ما تعنيه الزيارة من دلالات تجاوزت مسألة القضايا العربية التي جرى بحثها والعلاقات بين الدولتين بمفهومها التقليدي الى ما هو أعمق ويدخل في صميم العلاقة بين العائلتين الحاكمتين في المملكة العربية السعودية والأردن، وبدا الأمر بمثابة مولد ميثاق جديد لعلاقة مستقبلية راسخة تتجاوز كل رواسب الماضي وتنتقل بالعلاقات السعودية - الأردنية الى فضاء أرحب. ورافق الملك حسين خلال الزيارة انجاله الخمسة ورئيسا مجلسي الأعيان احمد اللوزي والنواب سعد هايل سرور ورئيس الوزراء ووزير الخارجية عبدالكريم الكباريتي ورئيس الديوان الملكي عون الخصاونة ومستشار الملك حسين لشؤون العشائر ووزيرا البريد والاتصالات والصناعة والتجارة. تصور عربي مشترك وتناولت المحادثات التي اجراها الملك حسين مع الملك فهد والمسؤولين السعوديين قضايا الساعة والوضع العربي العام، خصوصاً عملية احلال السلام في الشرق الاوسط. وأكد الجانبان، وفقاً لما أعلنه العاهل السعودي في الاجتماع الاسبوعي لمجلس الوزراء وطبقاً لتصريحات العاهل الأردني لدى وصوله الى عمان، الموقف العربي الداعي الى استئناف عملية السلام على جميع المسارات استناداً الى الأسس التي التزمها مؤتمر مدريد وضرورة وفاء الحكومة الاسرائيلية بكل الالتزامات والاتفاقات السابقة. وجاء هذا الموقف استكمالاً لما نجم عن لقاء خادم الحرمين والرئيس المصري حسني مبارك. وترى الاوساط الديبلوماسية ان لقاءات خادم الحرمين مع العاهل الاردني والرئيس المصري الى جانب اللقاءات الاخرى التي شهدتها اكثر من عاصمة عربية في الآونة الاخيرة تهدف الى وضع تصور عربي لتحرك مشترك لمواجهة المماطلة الاسرائيلية انطلاقاً من المخاوف التي انتابت دول المنطقة من توجهات حكومة الليكود الاسرائيلية والتصريحات التي أطلقها رئيسها بنيامين نتانياهو في واشنطن وتل أبيب. وترى ان لهذه المخاوف ما يبررها، وأن سعي العرب الى رسم موقف قوي وفاعل ازاء العملية السلمية برمتها بات أمراً لا مناص منه. ورصد المراقبون طبيعة اللقاءات التي اجراها المسؤولون السعوديون والاردنيون خلال الزيارة، الى جانب الاجتماع الاساسي الذي عقده خادم الحرمين الشريفين مع الملك حسين وأعضاء الوفد الرسمي المرافق له، وشارك فيه ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران الأمير سلطان بن عبدالعزيز ووزير الداخلية الأمير نايف وعدد آخر من المسؤولين، عقد الملك حسين اجتماعاً مع ولي العهد الأمير عبدالله شارك فيه الكباريتي. كما عقد الأمير عبدالله يرافقه وزير الدولة السعودية عبدالعزيز الخويطر اجتماعاً مع رئيس الوزراء الاردني شارك فيه اعضاء الوفد الاردني. تعاون أمني بين البلدين واجتمع الكباريتي مع الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية السعودي في اشارة الى ان قضايا التعاون الامني بين البلدين حظيت هي الاخرى باهتمام خاص. وقد قال الملك حسين اثر وصوله الى عمان: "نحن نتعاون مع هذا المجال بأقصى طاقاتنا وامكاناتنا"، مؤكداً ان ما يهدد السعودية يهدد الأردن وما يهدد الاردن يهدد السعودية". على ان من أبرز ايجابيات القمة السعودية - الأردنية لدى رجل الشارع الاردني التطلع الى الانفتاح السعودي على العمالة الاردنية الذي بدأت تباشيره خلال هذا الصيف بعدما تعاقدت بعثة تعليمية سعودية مع 2500 مدرس أردني للعمل في المملكة. ويساعد فتح الباب امام استقدام العمالة الاردنية الى السعودية ومنطقة الخليج العربي بشكل عام على انتعاش الاقتصاد الاردني وتمكينه من تجاوز المصاعب التي يواجهها بسبب اهمية استمرار تحويلات العاملين الاردنيين في المنطقة لرفد اقتصاد بلادهم. وكان الملك حسين اكد ان هذا الموضوع بُحث خلال لقاءات جدة، وأشار الى ان النتائج كانت "ايجابية ومشجعة ومرضية". ويُذكر ان البلدين بدآ تطبيع علاقاتهما الاقتصادية العام الماضي 1995، وتوجت عملية التطبيع في حزيران يونيو الماضي في عمان بعقد اللجنة السعودية - الأردنية المشتركة للتعاون الاقتصادي اجتماعاً برئاسة وزيري التجارة في البلدين. وهو أول اجتماع لها منذ العام 1989، وتوصلت اللجنة الى اتفاقات جديدة في مجالات النقل والاعفاء الجمركي من شأنها تعزيز التعاون الاقتصادي، في حين ادت زيارة وفد كبير من رجال الاعمال السعوديين ضم 40 شخصاً في ايار مايو الماضي الى اتفاق على تشكيل شركة استثمارية قابضة للاستثمارات المشتركة، وعكست هذه اللقاءات وما تمخض عنها من نتائج انفتاحاً حقيقياً وجاداً للبلدين، كل تجاه الآخر. وكانت لزيارة الحسين لجدة، وهي الاولى التي تجمعه مع الملك فهد منذ العام 1990 إذ لم يتسن للعاهلين السعودي والأردني الاجتماع لدى زيارة الاخير لجدة في شباط فبراير الماضي لأن خادم الحرمين الشريفين كان يقضي فترة نقاهة، انعكاسات ايجابية اخرى على صعيد العودة الطبيعية للعلاقات الاردنية مع الكويت. وكانت وزارة الخارجية الكويتية توقعت لدى وصول العاهل الأردني الى جدة ان تساعد الزيارة على انهاء الفتور في العلاقات الأردنية - الخليجية، وهو ما فسر بأنه استعداد كويتي لفتح صفحة جديدة من العلاقات مع الاردن. وأدلى وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الأحمد ورئيس الوزراء الأردني عبدالكريم الكباريتي بتصريحات متفائلة بعودة قريبة للعلاقات بين بلديهما. وكان الكباريتي توقع اصلاً ان تشهد الفترة المقبلة انفراجاً مهماً على صعيد العلاقات مع الكويت. وعلى رغم ان الطرفين لم يحددا موعداً لاستئناف علاقاتهما، فإن ثمة اجماعاً على ان زيارة الملك حسين لجدة فتحت الابواب امام عهد جديد من العلاقات الاردنية - الخليجية، خصوصاً مع المملكة العربية السعودية، يُعيد لها خصوصيتها التي حافظت عليها طوال العهود السابقة.