يتوقع ان يقوم رئيس الوزراء التونسي الدكتور حامد القروي بزيارة الى المغرب بدعوة من نظيره المغربي. وكانت العلاقات بين البلدين المغاربيين شهدت شيئاً من التحسن اثر التدهور الذي اصابها الربيع الماضي، وتمثل في حملات اعلامية متبادلة. ويسعى البلدان الى ازالة الخلافات بينهما والعمل على الانطلاق مجدداً على طريق بناء علاقات متميزة. وإذا نجحت هذه المساعي فإنها قد تتوج بزيارة رسمية يقوم بها الرئيس التونسي زين العابدين بن علي للمغرب الاقصى. وكانت العاصمة التونسية، التي تحركت طويلاً في اتجاه انجاز البناء المغاربي المشترك، قد ادركت ان الارادة السياسية لدى الاطراف المغاربية لاقامة هذا الصرح ليست موجودة، وأن هذه البلدان لم تتجاوز خلافاتها السياسية او تتركها جانباً لتتفرغ لعمل متعدد الاطراف في زمن التكتلات الكبرى والمجموعات الاقتصادية والسياسية. ويبدو ان القيادات التونسية ادركت اخيراً ان ما راهنت عليه ليس قناعة مشتركة لدى الاطراف المغاربية الاخرى. اذ لا تزال قضية الصحراء الغربية تسمم العمل المغاربي المشترك، ولا يزال القياديون في الجزائر والمغرب يقيّمون مواقف الدول ازاء بلدانهم حسب مواقفهم من هذه القضية بعيداً عن اي تقييم موضوعي. والرأي السائد الآن ان كلاً من الطرفين يبني علاقاته مع الدول الخارجية، خصوصاً المغاربية، على اساس التزام موقف قريب من وجهة نظرها، وإلا فإن اي موقف يعتبر معادياً حتى اذا كان محايداً. ومن هنا تحولت الديبلوماسية التونسية منذ دعوة المغرب الى تجميد العمل المغاربي المشترك قبل 9 اشهر وهو مجمد فعلياً منذ عامين او ثلاثة نحو خيار التعاون الثنائي تاركة أمر التعاون المتعدد الاطراف الى اوقات افضل. لذلك فإن رئيس الوزراء التونسي الدكتور القروي تحرك، بتعليمات من الرئيس زين العابدين بن علي، في اتجاه العمل على تطوير العلاقات الثنائية بين تونس وشريكاتها المغاربيات. وعلى ذلك قام بزيارة للجزائر ذللت، على ما يبدو، الكثير من العراقيل التي كانت تقف وراء اهتزاز العلاقات بين البلدين ومهدت السبيل للعودة بقوة للمبادلات التجارية التي تضاءلت بشدة. وحُلّ عدد من المشاكل العالقة، إذ سلمت تونس السلطات الجزائرية بنايتين يقول الجانب الجزائري انهما مملوكتان للحكومة الجزائرية منذ عهد الحكومة الموقتة الجزائرية التي شكلت في تونس قبل استقلال الجزائر العام 1962. وخصصت احداهما مقراً للحكومة الجزائرية الموقتة، والثانية لصحيفة "المجاهد" الناطقة بلسانها. كما أزيلت كل العراقيل امام تدفق الصادرات الجزائرية الى تونس، وشرعت تونس في تسوية وضع الجزائريين المقيمين في اراضيها وذلك بتسليمهم وثائق اقامة طويلة الأجل. وينتظر التونسيون ان تترجم هذه المبادرات الايجابية بمبادرات مماثلة من الجانب الجزائري، باعتبار ان كلاً من البلدين يعتبر سوقاً طبيعية وامتداداً للآخر. واذا تأخر اتخاذ مبادرات ايجابية في هذا المجال فاعتباراً من كانون الثاني يناير المقبل ستباع السلع الوافدة من بلدان الاتحاد الاوروبي، بعد رفع الحواجز الجمركية وفق اتفاق الشراكة، بأسعار أدنى من سلع الدول المغاربية. وفيما كانت المساعي جارية مع الجزائر، كانت تونس تبذل مساعي اخرى مع ليبيا، ولذلك قام العقيد معمر القذافي بزيارة رسمية اجرى خلالها محادثات مع الرئيس بن علي. وتعتقد اوساط ديبلوماسية في تونس ان السلطات الليبية الخائفة من مزيد من العزلة عربياً ودولياً خففت مواقفها ولم تعد تتهم الدول الاخرى، خصوصاً المغاربية، بأنها لا تقدم لها الدعم الكافي ما دامت تنفذ قرارات مجلس الامن الدولي التي تفرض حظراً جوياً على ليبيا. وشهدت العاصمة الليبية طرابلس اجتماعاً للجنة العليا المشتركة بين البلدين، وأسفر الاجتماع عن نتائج وصفت بأنها ايجابية، منها رفع حجم المبادلات بين البلدين الى 300 مليون دولار سنوياً. وإذا كانت العلاقات التونسية - الليبية تتميز بقلة الاستقرار، بل وصفها احد الديبلوماسيين العرب في تونس بأنها كأسنان المنشار في صعودها وهبوطها، فإن الجانبين يأملان بأن تكون الاتفاقات الاخيرة التي شملت مجالات عدة فرصة لتنشيط دائم للعلاقات. بقي المغرب الذي تمر العلاقات بينه وبين تونس حالياً بفترة استقرار بعد توقف الحملات الاعلامية المتبادلة، التي خرجت لفترة من الفترات عن نطاق السيطرة. وهناك، على ما يبدو، ارادة من الطرفين لتنشيط علاقاتهما بعيداً عن المظاهر الخلافية، خصوصاً ان المبادلات التجارية لم تتأثر كثيراً بتدهور العلاقات السياسية. ومن المحتمل ان تتم زيارة الوزير الأول التونسي للرباط في أيلول سبتمبر، وبذلك يستكمل زيارات الدول المغاربية المؤثرة في المنطقة، ويقيم أسس علاقات متميزة معها، وهي علاقات يدرك المسؤولون التونسيون انها لا يمكن ان تعوض البناء المغاربي المشترك، غير انهم يعتقدون انها افضل من لا شيء، وانها يمكن ان تساعد عندما تتوفر الارادة السياسية لمختلف الدول المغاربية في اقامة كتلة مغاربية متكاملة، خصوصاً ان ذلك يعتبر ايضاً مطلباً ملحاً للاتحاد الاوروبي. ويُطالب الاتحاد الاوروبي بضرورة اقامة اتحاد مغاربي ليكون الطرف الكفؤ للتفاوض معه، لا سيما ان العلاقات بينه وبين مجموع الدول المغاربية تمثل ما لا يقل عن ثلثي مجموع مبادلاتها التجارية. كما يعتقد البنك الدولي ان من شأن قيام هذا الاتحاد ان يكون سوقاً مهمة لا تقل عن 75 الى 80 مليون نسمة بحلول العام 2000. ويأمل المراقبون ان تتمكن تونس من القيام بدور لاعادة تحريك اجهزة الاتحاد، على أمل ان تحصل قضية الصحراء في الاطار القليمي.