شهدت العاصمة اليمنية صنعاء اخيراً "مهرجان الاعراس اليمنية" الذي نظمته وزارة الثقافة والسياحة وشاركت في اقامته فرق من مختلف المحافظات مثلت فيه تقاليد الاعراس المحلية التي تعود الى ما قبل اكثر من نصف قرن، بأزيائها ومظاهرها وأغانيها وأناشيدها، بصورة شملت وقائع او مراحل الزواج التقليدي بدءاً من الخطوبة وحتى ليلة الزفاف بعاداتها الموروثة في طريقة الخطوبة والمبالغ التي كانت تدفع بالعملة الفضية مهراً للعروس والملابس والحلى والولائم وطريقة تجهيز العروس واحياء الفرح بالغناء والرقص و "الطبل والزمر" وآلات الايقاع القديمة الدف والطبلة والصحن والطار والمزمار والربابة. وعلى مدى عشر ليال ظلت الفرق تعرض كل ليلة اكثر من نموذج تقليدي في "ملعب الظرافي وقاعة المركز الثقافي" في صنعاء. وفي الليلة الاخيرة شاركت كل الفرق مجتمعة في ما اطلق عليه "الكرنفال الجماعي" في مسيرة افراح عبر بعض الشوارع والساحات الرئيسية، خرج خلالها المواطنون للمشاركة فيها بالغناء والرقص والاناشيد حتى ساعة متأخرة من الليل، وحضر مهرجان الليلة الاخيرة السيد عبدالعزيز عبدالغني رئيس الوزراء وعدد من كبار المسؤولين في الحكومة وبعض من السفراء وأعضاء البعثات الديبلوماسية. متحف للأعراس ويؤكد المسؤولون في وزارة الثقافة والسياحة بأن اقامة المهرجان للمرة الاولى في اليمن، "يأتي ضمن احتفالات الشعب بالذكرى الثانية لانتصار الوحدة في 7 يوليو 94"، وله اهداف ثقافية واجتماعية في مقدمها "توثيق العادات الموروثة للأعراس اليمنية في مختلف المناطق"، ولعل اهمية التوثيق تكمن في ان كثيراً من هذه العادات القديمة يكاد ينقرض "بحكم تطور الحياة والهجرات الداخلية والخارجية وبعض العادات الوافدة". كما قال وكيل وزارة الثقافة والسياحة رئيس المهرجان عبدالرحمن مهيوب والذي اوضح بأن الفكرة طرحت العام الماضي وتم وضع الخطة في بداية هذا العام، الا انها ظلت مجمدة لعدم الموافقة على الخطة والاعتماد المالي اللازم، "وبدأ العمل قبل شهرين فقط بارسال فرق الى المحافظات لاجراء استبيان عن نماذج الاعراس"، وحول تقويم المهرجان، أشار الى ان اقامته مستقبلاً أمر مفروغ منه لتلافي بعض السلبيات والقصور الناتج عن الاستعجال "إذ ان اقرار المهرجان من قبل الحكومة تأخر حتى مطلع يوليو تموز"، وتابع ان في الامكان اعادة اخراجه في فيلم وثائقي وعرضه خارج اليمن لتعذر نقله كما هو الآن، من حيث المدة الزمنية وعدد المشاركين 600 مشارك في اقامته ونماذج الاعراس التي زاد عددها على 400 نموذج موثق بالتسجيل والتصوير السينمائي والفوتوغرافي. واستطرد وكيل وزارة الثقافة والسياحة موضحاً ان لدى وزارته اتجاهاً جاداً لاقامة معارضة نوعية عدة من خلال ما تم تسجيله "منها معرض للصور الفوتوغرافية وآخر للأزياء والاكسسوارات والحلى يتم جمعها في اول متحف يمني للعادات الخاصة بالاعراس اليمنية". تطور محدود من خلال الصورة العامة ل "مهرجان الاعراس" هذا، يلاحظ ان ما حدث من تغيرات على عادات وتقاليد العرس اليمني، يعتبر قليلاً وضئيلاً اذا ما قيس بهذا الفارق الامني الذي يزيد على نصف قرن منذ العام 1940 وبما تخلله من تطورات كبيرة نسبياً، وان التغير في معظمه يظل شكلياً وخصوصاً في ما يتعلق بالمظاهر العامة، فمثلاً الفصل في "الزفة" بين الرجال مع "العريس" والنساء مع العروس لا يزال موجوداً بقوة وحتى في المدن الكبرى، وكذلك اغاني وأناشيد وأهازيج العرس و "الزفة" بالذات كلمات وألحاناً وأداء، مثل "مرحبا يا نور عيني..." في منطقة صنعاء و "على أسيري" في منطقة عدن و "ساعة ودا الحين..." في منطقة تعز. ولوحظ في السنوات الاخيرة انتشار "الزفة الصنعانية" في بعض المحافظات الشمالية. ومع اختلاف "الزفات" اليمنية في كلماتها وألحانها، فانها تتوحد في المعنى العام الذي تلتقي فيه اليمن مع كثير من البلدان العربية. من حيث تركيزه على "اطراء جمال العروسين وعلى الدعوات والصلوات وتعويذ العروسين من الشياطين وعيون الحساد" حتى ولو لم يكن في العروسين مطمع لشيطان او حاسد. وكما ان التغير في الملابس لا يكاد يتجاوز التطور الشكلي، وظلت بقية المظاهر الاخرى في معظمها، خاضعة للموروث التقليدي. ومع الأخذ في الاعتبار ما سلف، فان ظاهرة العادات الوافدة والمستحدثة، اصبحت تتداخل مع التقاليد القديمة وتخالطها، مثل "فستان الفرح" والمستحضرات الحديثة في تجميل وتزيين العروس ومثل "شبكة الخطوبة"، وان كان انتشار هذه العادات الوافدة الى اليمن ما زال محدوداً وفي المدن بالذات. كما ظهر في السنوات الاخيرة، اتجاه البعض الى اقامة حفلات العرس في الفنادق وصالونات الافراح الحديثة، وهنا يفقد العرس اليمني كثيراً من عاداته العريقة ومظاهره الموروثة، ولكن ما يرى فيه اليمنيون الخطر الحقيقي، هو ظهور عادات مستحدثة ومتخلفة تمثل مشكلة وعائقاً للزواج يعاني منها المجتمع عامة والشباب خصوصاً، وهي المبالغات في لوازم وتكاليف الاعراس، كالمهر والشرط الذي يدفع "نقداً" لأهل العروس، وكذلك في الملابس والحلى والمجوهرات والولائم. وتفيد بعض المعلومات ان هذه "العادات الطفيلية" ابتدعتها شخصيات التجار والمسؤولين وأصحاب المراكز الاجتماعية الذين استطاعوا في سنوات قليلة ان يجمعوا اموالاً طائلة بطرق ...". الا ان عدد هؤلاء المبالغين لا زال قليلاً نسبياً. كما ان هناك حملات مضادة في مختلف المناطق اليمنية، يقودها كثير من الوجهاء ورجال الدين والمشايخ والمثقفين وبعض التنظيمات السياسية والمنظمات والجمعيات النقابية والتعاونية، استطاعت ان تحقق نجاحاً ملموساً في محاربة هذه العادات والظواهر "الطفيلية" وان تحد من انتشارها. ويتفق الجميع في ان خطورتها لا تكمن فقط في ما تضعه من عوائق في سبيل الزواج امام غالبية الناس، بل وفي ما ينعكس على هذه العادات من "افساد وتخريب للمعايير الموضوعية والعلاقات الاجتماعية والروابط الأسرية"، وفي ما تسببه من "تعميق للفوارق بين طبقات المجتمع الواحد". ومع هذا فان الواقع المعيشي والاقتصادي العام في اليمن، يمثل في حد ذاته مقاومة شديدة في وجه هذه العادات، لأنه يضع الجميع امام الامر الواقع.