تعاني الامارات من مشكلة ديموغرافية تتمثل في قلة عدد سكانها الاصليين واكتظاظها بالوافدين من جنسيات مختلفة، وتداركاً لهذه المشكلة بدأت قبل خمس سنوات خطة مدروسة على المستوى القومي لرفع نسبة السكان تمثلت في تحسين ظروف المواطنين ولفت انتباههم الى ضرورة التخفيف من أعباء الزواج التي تُثقل كاهل الشباب وتزيد من نسبة العوانس بين الفتيات. ولعل تجربة الزواج الجماعي التي نجحت الشارقة في جعلها تقليداً سنوياً دفعت بالجهات الرسمية الى حل جزء من المعضلة تبعها قيام ما يعرف بصندوق الزواج الذي يقدم منحاً مالية للشبان الراغبين في تكوين أسرة. ويبدو جلياً حتى الآن نجاح خطة الدولة في ما تفعله على مستوى المدن الرئيسية، الا ان سكان الداخل من أبناء البادية، المعروف عنهم تمسكهم الشديد بالعادات والتقاليد التاريخية التي أمنت لهم ولزمن طويل نظاماً اجتماعياً متماسكاً وقوياً يؤمن بالتكامل ويعطي لكل مناسبة حقها من الاهتمام والالتزام، مخلصون لعاداتهم القديمة رغم المتغيرات البسيطة التي طرأت عليها والتي رصدتها "الوسط" في هذا التحقيق. العرس يبدأ بالنحر عندما نتحدث عن الطقس الصباحي المبكر الذي يسبق الوليمة الرئيسية، وهي في العادة آخر وليمة تأكل منها العروس في منزل أهلها يستيقظ رجال العائلة لأداء صلاة الفجر ثم تجر بعدها "القعدان" جمع قعود وهو الجمل الصغير الذي لا يزيد عمره على العام ويتم اختياره لطراوة لحمه الذي يشبه الى حد بعيد لحم الخرفان وهكذا يبدأ طقس النحر الجماعي ولا يقل عدد الرؤوس المعدة للنحر عن الستة. لكنه قد يصل الى مئتي قعود وذلك مرتبط بمكانة القبيلة التي تنتسب اليها العروس وبامكاناتها المادية. الغريب في الأمر ان القعدان يتم توجيه رؤوسها نحو الغرب بحيث تترك الشمس من خلفها ويفضل تزامن وقت النحر مع بزوغ الشمس، أما عملية النحر نفسها فهي الأخرى مسألة تستحق الوقوف عندها لضآلة عدد الذين يعرفون حقيقة اسرارها. يبدأ المشهد بنصل من نوع خاص حيث يمسك القعود رجل مدرب تدريباً عالياً يهوي به على موقع يحدده بدقة في أسفل عنق القعود بعد ان يلوي مساعدون أشداء عنقه الى الوراء ويقيدوا ساقيه. ثم يترك لدقائق قصيرة لتبدأ على الأثر عملية فصل الرقبة والرأس عن الجسد وسلخ القعود بدءاً من منتصف السنام الذي يحمل أفضل الشحوم المستخدمة في الطهي كما عرفنا منهم، ولا تأكل أهل البادية إلا اجزاء محددة من القعود في حين تدفن الرؤوس والقوائم والاحشاء في مكان مخصص لها. وبعد تقطيع اللحوم يبدأ طباخون مهرة بإعداد الأطباق المعروفة في مثل هذه المناسبات مستخدمين أوعية ضخمة رصت بالعشرات على مسافة بعيدة من بيت "المعاريس". في هذه الاثناء تصل قافلة العريس، وتحمل سيارات الدفع التي يفضل أهل البادية استعمالها الآن بدلاً من قوافل الإبل "الذهبة"، أي هدايا العريس وأهله الى العروس وأهلها، ليبدأ مهرجان من نوع آخر له مذاقه الخاص ونكهته المميزة. ما هي الزهبة؟ إن الهدايا الكثيرة التي يجري ترتيبها الآن في حقائب جلدية فاخرة كانت قديماً تعرض داخل صناديق خشبية مطعمة بالنحاس تحتفظ بها العروس وتورثها لبناتها لاحقاً. أما الهدايا نفسها فهي مسألة محسومة، اذ تُجمع ما بين أطقم الذهب والمجوهرات بأشكالها التقليدية والعطور الغالية وبعض الملابس والأقمشة المتنوعة التي تستطيع العروس خياطتها وارتداءها لسنوات عدة مقبلة، وثمة تقليد يعتبر أبرز مظاهر عرس البادية الاماراتية وهو فتح حقائب الهدايا امام جميع النساء القادمات الى العرس حيث تتولى احدى قريبات العريس ووالدة العروس على الأغلب عرض هذه الهدايا على المدعوات قطعة قطعة. وبعد استعراض الزهبة يتم تدوير زجاجات العطور والدخون على الجميع يليها وعاء الزعفران المطحون المغمس بالعطور، وهنا يبدأ طقس آخر يعتبر سمة أساسية من سمات الزينة للمرأة البدوية اذ تغمس الأصابع في هذا السائل النفاذ الرائحة ثم تمسح بها الذقن في خطوط هندسية مستقيمة، أما بالنسبة الى زينة العروس البدوية في ليلة العرس فإنها لا تزال مميزة هي الأخرى اذ تتم المحافظة على بعض التقاليد القديمة مع شيء من التجديد، ففي الماضي كان يخضب شعر العروس بشيء من العطور الجافة وخلاصات الأعشاب العطرية ثم تضفر الجدائل التي يسمونها "العجفة" ويتم رفعها على هيئة دائرة خلف الأذنين، أما اليوم فإن مصففات الشعر يقصدن العروس البدوية ويوفرن لها أجمل التسريحات. وتجدر الاشارة الى ان البدو ما زالوا يخضبون الأكف والأقدام بالحناء، ورغم اقتحام فستان الفرح الأبيض لبعض بيوتاتهم الا انه لا يزال قليل الحضور نسبياً وبدلاً من ستار الرأس الأزرق النيلة وثوب "الميترع" البديع الذي سرق ألوانه من قوس الغمام والذي يؤتى به من الهند تحت اسماء طريفة مثل الزراية وكرسي فيصل والكندورة المخورة، أي المطرزة بخيوط الفضة والذهب، تكتفي العروس البدوية الآن بفستان من الساتان أو التفتا المرصع بحبيبات الكريستال وبعض الأحجار الملونة. أما العريس فلم يطرأ على ثيابه اي تطوير أو تغيير اذ لا يزال يرتدي الكندورة العربية والغترة ويحتفظ بپ"البشت" أي العباءة الداكنة فوق كتفيه والاختلاف يقتصر على جودة الأقمشة فقط. وفي العرس الذي شهدته "الوسط" لفت انتباهنا تخلي الشابات ومنهن العروس عن لبس البرقع الشهير الذي كانت ترتديه الفتاة بعد اعلان الخطوبة أو الزواج مباشرة. رماية وسباقات وجوائز وتحرص بعض القبائل الاماراتية على تحويل العرس مهرجاناً حقيقياً تجري خلاله مسابقات الرماية لمختلف الفئات وينال الفائزون في نهايتها جوائز من أصحاب العرس، وجرت العادة ان يجتمع ابناء القبائل في ضيافة اصحاب العرس، لذا تقام خيام كبيرة تفرش بالسجاجيد الفاخرة وتعلق فيها الثريات ويتم تكييفها وتجهيزها بالمفارش وتسمى "المكسار" التي تخصص للجنسين الى جانب الاعلان عن ان عرساً سيقام في ذلك البيت حيث تنصب بعض المصابيح الملونة. ومن الأمور التي يحرص عليها البدو عقد الحلقات الشعبية الغنائية الراقصة مثل "الرزيف" أو "العيالة" وهي رقصة الرجولة والحرب التي لا بد ان تؤدى وسط مظاهر احتفالية رائعة يرافقها اطلاق الأعيرة النارية من الرشاشات والرقص بها الى جانب السيوف. اما كلمات الاناشيد التي تردد اثناء الأداء فهي اشعار مدح خاصة بالعريس وقبيلته وأهل العروس وقبيلتها. الوداع وبعد انتهاء الوليمة التي تضم أطباقاً من اللحوم والرز وبعض الأطعمة المحلاة مثل البلاليط والبثيث يتم استئذان أهل العروس باصطحابها الى بيت زوجها فتنطلق قافلة السيارات المغطاة بالعلم الوطني حاملة العروس الى بيت العريس وقد احاطت بها شقيقاته وقريباته. ويمتنع اهل العروس عن زيارتها لمدة اسبوع كامل بانتظار زيارتها لهم في يوم جمعة حيث تأتي برفقة زوجها وأهله لتناول الغداء والتزود بنصائح امها وقريباتها. وفي هذا اليوم يحمل العريس الكثير من الهدايا لأهل الزوجة التي وجدها صالحة ومطيعة كما يتمنى. وعندما سألت "الوسط" ابناء البادية عن امكان اختفاء هذه المظاهر الاحتفالية في المستقبل تحت ضغوط العبء الاقتصادي الذي قد تواجهه بعض العائلات كانت الاجابة واحدة: يمكن ان تختصر الكميات، لكن التقاليد راسخة ولا يمكن ان تتغير فالأعراس في باديتنا مؤتمر شعبي للقبائل ومهرجان يستحق الاهتمام.