لا يمكن وصف ما حدث في اسرائيل بعد النتائج التي آلت اليها انتخاباتها الأخيرة بأقلّ من صدمة شاملة طاولت آثارها جميع المقوّمات والعناصر التي كان يعتمد عليها الكثيرون، داخل الدولة العبرية وخارجها، لرسم معالم المرحلة المقبلة في المنطقة. وقد لا نكشف جديداً اذا قلنا ان فوز بنيامين نتانياهو وتحالفه اليميني - الديني في انتخابات اسرائيلية على هذا القدر من الأهمية والمصيرية لم يكن امراً محبّذاً ولا متوقّعاً، خصوصاً لدى الأطراف الاقليمية والدولية التي وضعت كلّ رهاناتها في سلّة التسوية، من منطلق استمرارية شمعون بيريز وتحالفه العمّالي - اليساري - العلماني في حكم اسرائيل، ضامناً بالتالي استمرارية العملية السلمية في اطارها الذي قامت عليه منذ مؤتمر مدريد للسلام العام 1991، وعلى أساس المسارات والوتيرة التي ميّزتها تحديداً منذ التوصل الى اتفاق اوسلو العام 1994. وقد يشعر الجميع الآن، بدءاً من الزعماء العرب المعنيين بعملية السلام وصولاً الى الرئيس الاميركي بيل كلينتون، بأن من الضروري والحكمة ان يعربوا عن الحد الأدنى الممكن من الأمل والثقة بأن نتانياهو "الحاكم" سيكون مختلفاً في شعاراته وسياساته والتزاماته عن نتانياهو "المرشح". كما انهم سيقرون بضرورة اعطاء الزعيم اليميني الشاب وحكومته الجديدة "منفعة الشك" على شكل مهلة زمنية يقرّر خلالها توجهاته الفعلية التي ستحدد معالم حكمه وأهدافه. لكنّ كلّ ذلك سيظل محفوفاً بكل انواع المخاطر والاحتمالات والحسابات المتباينة، فالثابت الوحيد حتى الآن ان الاستمرارية التي كانت منشودة فُقدت، وأصبح الغموض وعدم الاستقرار سيّدي الموقف في اسرائيل وعلى حدودها وفي المنطقة عموماً. ولهذا السبب لا يعود مستغرباً ان تشهد المنطقة ما تشهده حالياً من تحركات محمومة، فالرئيس حافظ الأسد في زيارته الى القاهرة، واجتماعه بالرئيس حسني مبارك، ثمّ القمة الثلاثية التي جمعت الرئيس المصري في عمّان بالعاهل الأردني الملك حسين والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، والاستعدادات المتسارعة لعقد قمة عربية مصغّرة قد تكون المملكة العربية السعودية مسرحاً لها بمشاركة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، وربما شهدت أول لقاء منذ زمن طويل بين الرئيسين الأسد وعرفات، والجولة التي يقوم بها السلطان قابوس بن سعيد في ما وصفتها المصادر العمانية بأنها "محاولة لجمع الشمل العربي ومواجهة تحديات المرحلة دفاعاً عن الحقوق الفلسطينية والعربية"، كلّها تحركات تعكس بوضوح حجم الصدمة وعمق التحوّل الذي طرأ على خريطة المنطقة والتطورات المرتقبة فيها. مرحلة جديدة فعلياً بدأت، ولن يكون سهلاً التكهن بنتائجها قبل مرور وقت تتضح خلاله الوجهات التي سترسو عليها الأمور. لكن هذا الوقت سيكون مليئاً بأحداث وتطورات من شأنها ان تحدّد مستقبل الصراع ونتائجه، حرباً كانت أم سلاماً منشوداً. فلسطين: مرشح ومنتخب في الرسالة التي بعث بها الرئيس بيل كلينتون الى الرئيس ياسر عرفات بعد فوز بنيامين نتانياهو عبارات تطالب ابو عمار باعطاء وقت كاف لزعيم الليكود لتدبير اموره، ومما تضمنته الرسالة، حسب الذين اطلعوا على مضمونها، "اننا نفهم قلقك على عملية السلام، ولكننا متأكدون من ان بنيامين نتانياهو سيستمر فيها ... لا تحاسب نتانياهو المرشح ولكن حسب نتانياهو المنتخب، وأعطه بعض الوقت لكي يتدبر اموره، واعطنا فرصة لكي ننتهي من انتخابات الرئاسة". واضافة الى رسالة كلينتون لعرفات، كانت هناك اتصالات اميركية مماثلة، منها اتصال وزير الخارجية وارن كريستوفر ومساعده لشؤون الشرق الأوسط دنيس روس بالرئيس عرفات الذي سمع منهما عبارات في المعنى نفسه. ومن عواصم عربية وغربية كانت الاتصالات التي تلقاها الرئيس عرفات تصب في الاتجاه نفسه. وقال احد مستشاري عرفات انه عندما بدأ فرز نتائج الانتخابات الاسرائيلية كان ابو عمار يتابع الاخبار لحظة بلحظة، وعندما ضاقت الهوة بين بيريز ونتانياهو لتصل الى فارق في الاصوات مقداره 1.2 بالمئة في نحو الساعة الثانية فجراً، ذهب أبو عمار لينام. وأضاف ان عرفات استيقظ صباح اليوم التالي على نتائج تقدم نتانياهو مهيأً لهذه النتيجة. وقال ان الصدمة التي اصابته كانت مماثلة للصدمات التي شعر بها زعماء عرب وأجانب يتابعون عملية السلام. وأكد المسؤول الفلسطيني ان هناك خطوطاً حمراء وظروفاً محلية وعربية ودولية لن تسمح لنتانياهو بتخطي توقيع من سبقوه في الحكم وتعهداتهم بتنفيذ تلك الاتفاقات. ولعل ما يخشاه الفلسطينيون في المرحلة المقبلة ليس الخوف من اعلان نتانياهو التراجع عن عملية السلام، بل هو اعلانه التزامها واللجوء الى التفاوض على طريقة اسحق شامير رئيس الوزراء الليكودي السابق، وفي الوقت نفسه محاولة فرض أمر واقع جديد من خلال بناء مستوطنات اسرائيلية جديدة. وأشار الدكتور صائب عريقات احد أبرز المفاوضين الفلسطينيين وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني الى ان تجاهل نتانياهو لذكر منظمة التحرير والفلسطينيين في خطابه يعود لطبيعة شخصيته وللحملة الانتخابية التي خاضها. وأضاف في حديث مع "الوسط" ان نتانياهو رئيس وزراء "شاب وطموح لكن لن يستطيع التحلل من اتفاقات دولية، واذا أراد الاستمرار في الشعارات التي طرحها فلن تكون هناك عملية سلام على اي من المسارات المعروفة". وأكد عريقات انه ليس في نية القيادة الفلسطينية تغيير مواقفها. وقال ان المطالبة بدولة فلسطينية تكون عاصمتها القدس لن تستبدل بأي معادلة اخرى. وذكر مروان كنفاني عضو المجلس التشريعي الفلسطيني وأحد مستشاري عرفات ان الرئيس الفلسطيني يقوم بجهود واتصالات دولية لفرض واقع قائم يحاصر من خلاله نتانياهو. ولعل تحرك عرفات النشط من عاصمة الى اخرى يعكس ما يجري. ففي لندن التي زارها لمدة يومين الأسبوع الماضي عرض رئيس الوزراء جون ميجور استعداده لدعم مسيرة السلام ومساعدة الفلسطينيين، حتى ان مسؤولاً فلسطينياً قال ان ما عرضه ميجور على ابو عمار خلال اللقاء الذي استغرق ساعة لم يترك مجالاً للرئيس الفلسطيني ليطلب شيئاً. وفي اتصالات مماثلة تحدث الرئيس الفرنسي جاك شيراك الى عرفات هاتفياً اثناء زيارته للندن وأبلغه بدعم فرنسا لعملية السلام، وبأنها لن تدخر جهداً لاقناع زعيم الليكود المنتخب بأن هناك مصلحة دولية واسرائيلية وعربية تقضي باستمرارها. وأضاف كنفاني: "قد يكون نتانياهو ألطف في التعامل مع الفلسطينيين من بيريز، اذ ان الحكومات الليكودية السابقة لم تلجأ مرة واحدة حتى إبان ذروة الانتفاضة الفلسطينية الى اغلاق قطاع غزةوالضفة الغربية، كما أنها لم تقدم يوماً على منع العمال الفلسطينيين من الذهاب الى مراكز عملهم في اسرائيل، في حين تميز تعامل بيريز في الأشهر التسعة الأخيرة بالتشدد والمماطلة في الانسحاب وتنفيذ الالتزامات. وقال: "ان محاولة تملص نتانياهو من الاتفاقات ستكون مستحيلة لأن الاجواء التي بدأت تخيم على العالم بشكل عام وعلى الاسرائيليين الذين بدأوا يتطلعون لتطبيع علاقاتهم مع العرب سترغمه على المضي في طريق عملية السلام". وجهان لسياسة واحدة وقال مستشارون لعرفات انهم نصحوا الرئيس الفلسطيني بعدم تعجل طلب الاجتماع مع نتانياهو، لأنه لن تتوافر نتائج ايجابية في التو، اذ ان الأمور قد تبقى مجمدة الى مرحلة ما بعد الانتخابات الاميركية. وقد يوافق الرئيس الفلسطيني على هذه النصيحة بعد ان استمع بتمعن الى تحليل بشأنها. معادلة الشارع الفلسطيني الذي أبدى بعض الارتياح لفوز حزب الليكود برئاسة الحكومة تقوم على قاعدة واضحة لدى الشارع الفلسطيني: ان الليكود والعمل وجهان لسياسة واحدة على الصعيد الاسرائيلي. غير ان ما يميز ليكود وضوح وشفافية سياساته من جهة، ومن الجهة الأخرى يأمل الشارع الفلسطيني في مناطق السلطة الفلسطينية ان تخفف حكومة ليكود اجراءاتها الادارية وتسمح بهامش اكبر من الحركة بين مناطق السلطة واسرائيل. وبالتالي تأمل بأن تخف حدة ازمتها الاقتصادية التي نتجت عن اجراءات الحصار المتعدد الاشكال الذي فرضته حكومة العمل إثر العمليات العسكرية التي نفذتها حركتا حماس والجهاد الاسلامي. هاتان الحركتان دخلتا ايضاً على خط الانتخابات، وعليهما التعامل مع نتائجها ورؤية الواقع التي عليهما التعامل معها شاءتا أم أبتا، وهنا لا تخلو المسألة من تعقيدات فاذا كان فوز ليكود عامل ارتياح لحماس والجهاد الاسلامي على المستوى المعنوي على الأقل، وربما شعر بعض اطراف تلك الحركات بنشوة النصر لأنها تدرك ان الخيار الوحيد المتاح من خارج فعلها وتأثيرها يتمثل في فوز الليكود الذي سيعطل مسيرة اوسلو السلمية ليتيح لها تحقيق برنامجها "الجهادي" مرة أخرى مستندة الى فشل السلام الناجم عن اتفاق اوسلو. وتكهنت اوساط فلسطينية مستقلة بأن تحمل نتائج الانتخابات الاسرائيلية مفاجآت للحركة الاسلامية في فلسطين قد تدخلها في معادلات سياسية جديدة غير مرئية حتى هذه اللحظة. وتعزو تلك الاوساط هذا التقويم الى مواقف ليكود من الحركة الاسلامية في السبعينات حتى بداية الانتفاضة، هذا الموقف الذي اتسم بغض الطرف عن تلك الحركات لتشكل بديلاً منافساً لمنظمة التحرير داخل الأراضي المحتلة في حينه. وتوسع تلك الاوساط دائرة احتمالاتها لتصل الى احتمال نشوء تحالف ضمني بين بعض دول الطوق وحكومة ليكود يضم الحركة الاسلامية في اطار مشروع الحل الاقليمي الذي يتبناه ليكود، كما تضيف تلك الاوساط بأن نتائج الانتخابات الاسرائيلية قد يكون لها انعكاس مهم وحاسم لعملية التحولات التي بدأت السلطة الفلسطينية باجرائها على بنية الحركة الاسلامية في مناطقها، وكان ابرزها العمل على اطلاق الشيخ احمد ياسين زعيم حركة حماس المحتجز في السجون الاسرائيلية بمساعدة حزب العمل قبل تخليه عن الحكم. ترقب مصري ومواربة واتسم موقف القاهرة الرسمي من انتخاب رئيس وزراء اسرائيل الجديد بتدرج ملحوظ من الشعور بالمفاجأة والقلق إلى حال الترقب ومواربة الباب. ففي الساعات الاولى التي رُجح فيها فوز نتانياهو شاب الحذر موقف كبار المسؤولين الذين اما امتنعوا عن التعليق او اكتفوا بالقول "إن مصر ستتعامل مع أي حكومة منتخبة في إسرائيل". ولم تكن الزيارة السريعة التي قام بها وزير الخارجية عمرو موسى إلى دمشق للتباحث مع الرئيس حافظ الأسد، سوى أحد انعكاسات القلق الذي ساور القاهرةوعواصم عربية اخرى كانت تحبذ فوز بيريز زعيم حزب العمل. وبعد الإعلان رسميا عن فوز نتانياهو واتصاله هاتفياً بالرئيس مبارك مبدياً حرصاً على لقائه بعد تشكيل الحكومة الجديدة، تدرج الموقف المصري الى حال ترقب ميّزه اعلان مصدر رفيع المستوى بأن مبارك رحب بزيارة نتانياهو لمصر "لتوضيح رؤيته الصحيحة لعملية السلام بعيدا عن التصريحات التي واكبت الحملة الانتخابية". وأكد الرئيس المصري على ضرورة اعطاء الفرصة للحكومة الإسرائيلية الجديدة لتوضيح رؤيتها ونياتها دون تعجل. ويستفاد من استطلاع "الوسط" آراء عدد من الديبلوماسيين المصريين انه اذا كانت عملية التسوية تنتظر الآن موقف نتانياهو، فإن مستقبل نتانياهو نفسه وثيق الصلة بمستقبلها. ذلك ان التسوية ناتج توافق ارادات دولية واقليمية لحل الصراع وتعايش أطرافه. وخلصت المصادر الى ان مستقبل التسوية لم يعد رهنا بشخص من يحكم إسرائيل، فالمواقف الاسرائيلية حيال التسوية بحاجة إلى دعم اميركي واوروبي وتجاوب عربي. وبرأي هذه المصادر الديبلوماسية ان مسيرة التسوية لن تكون سهلة في المفاوضات مع حكومة الليكود، مثلما لم تكن سهلة مع حكومة العمل. وباعتقادها ان نتانياهو يمثل سقف المزايدة السياسية في اسرائيل. ومن هذه الزاوية ربما كان أقدر على المضي في عملية التسوية. ولفتت المصادر الى ان القاهرة ستكثف نشاطها في الاسابيع القادمة لبلورة موقف عربي قوي ومتضامن. من ناحية اخرى، اعتبرت احزاب المعارضة المصرية فوز نتانياهو نهاية للمرحلة الراهنة من التسوية السياسية للصراع العربي - الاسرائيلي، وفي حين لم تعترف هذه الاحزاب بوجود فروق حقيقية بين نتانياهو وبيريز، اعتبرت صحيفة حزب الوفد ان السلام في مأزق، واعتبرت صحيفة حزب العمل ان ما حصل لطمة قاسية لمستقبل التسوية ولأطرافها العربية خصوصاً السلطة الوطنية الفلسطينية. ودعت احزاب المعارضة الى بناء جبهة سياسية داخلية قوية جنبا الى جنب التحرك الحثيث لتحقيق التضامن العربي وعقد قمة عربية كاملة. دمشق: كل الاحتمالات امتدت خطوط الاجتماعات العربية بعد الحدث الاسرائيلي من اللاذقية على الساحل السوري قمة الرئيسين حافظ الأسد والياس الهراوي الى القاهرة اجتماع الأسد ومبارك. ومن قمة العقبة لموقعي اتفاقات السلام بين مبارك وعرفات والملك حسين الى قمة الرياض الثلاثية الأسد ومبارك وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز. وطالما ان التقويم العربي لفوز نتانياهو، شمل جبهتي "السلام المنجز" و"السلام المنتظر"، فإن الدول العربية تترقب انعكاسات ذلك على مستقبل المنطقة ككل وليس فقط على ملف المفاوضات وعملية السلام، خصوصاً في ضوء ارتفاع مقاعد أحزاب اليمين الديني المتطرف الى 23 مقعداً الأمر الذي يثير تساؤلات حول علاقة ذلك بالتطرف الاسلامي البارز في الجانب العربي والحديث عن تحول الصراع العربي - الاسرائيلي الى صراع ديني - يهودي. لذلك فان كبار المسؤولين السوريين فضلوا عدم التسرع بالتعليق على نتائج الانتخابات. وعندما ظهر أول موقف رسمي على لسان الرئيس الأسد في القاهرة فإنه فضل اعطاء مهلة لنتانياهو، مشيراً الى تشاؤم أو حذر حيال موضوعي عملية السلام واستئناف المفاوضات السورية - الاسرائيلية المعلقة منذ شباط فبراير الماضي. ان التقويم السوري لفوز نتانياهو سلبي، من دون ان يعني ذلك ان مسيرة المفاوضات كانت ممتازة في فترة ولاية رئيسي الوزراء الراحل اسحق رابين والسابق شمعون بيريز، لكن ملف السلام في الشرق الأوسط سيكون أسوأ اذا تضمنت تشكيلة الحكومة الاسرائيلية الجديدة أسماء متطرفة مثل ارييل شارون ورفائيل ايتان واسحق موردخاي، وسيكون أقل سوءاً اذا تضمنت أسماء شخصيات معتدلة. وترى دمشق ان شكل المفاوضات في زمن حكومتي حزب العمل تضمن بعض الاشارات الايجابية مثل: الاستعداد لانسحاب من الجولان، والخلاف على الحدود الدولية بين فلسطين وسورية للعام 1923 وحدود حزيران يونيو 1967، والتمهيد لتفكيك المستوطنات الپ40 القائمة في الجولان، والحديث عن استعداد بعض المستوطنين للرحيل، وتحقيق الأمن في المنطقة. الا ان جوهر المفاوضات لم يتغير في العمق اذ ان الوفود الاسرائيلية المفاوضة وقتذاك لم تقدم التزاماً خطياً الى سورية تتعهد فيه الانسحاب من الجولان أو ازالة المستوطنات. بل انها، خصوصاً حكومة بيريز، استطاعت عبر تغيير شكل الخطاب السياسي، حشد تأييد عدد من الدول العربية وتوقيع اتفاقات للتبادل الديبلوماسي بمستويات عدة مع دول خليجية ومغاربية، في اطار الضغط السياسي وتجريد دمشق من ورقة المقاطعة واسقاط ورقة التطبيع من اليد العربية اللتين تريد سورية استخدامهما للضغط أو تحفيز اسرائيل للتوصل الى سلام شامل في الشرق الأوسط. ودل كل ذلك الى ان الحكومة السابقة مترددة وغير قادرة على المضي قدماً في المفاوضات الى آخرها. وبرزت نتائجه في انقلاب الشارع الاسرائيلي الى اليمين طالما ان القيادة كانت مترددة وتخوض السلام بلغة الحرب في المفاوضات وجنوب لبنان. أما بالنسبة الى ليكود، فإن نتانياهو أعلن قبل الانتخابات انه غير مستعد للانسحاب من الجولان وتفكيك المستوطنات، لافتاً الى قرار ضم الجولان العام 1981، بسبب اهمية الهضبة الأمنية. ولا يختلف هذا من حيث الجوهر عن تصرفات بيريز ورابين على مائدة المفاوضات فقد أشارا الى الانسحاب لكنهما لم يسقطا الجانب الأمني. ومن الأسباب التي تدفع زعيم ليكود الى البراغماتية الدفع الأميركي الذي بدأه الرئيس الأميركي بيل كلينتون لاحراز تقدم قبل الانتخابات الرئاسية نهاية العام الحالي. واضافة الى ذلك، فإن السلام في الشرق الأوسط مصلحة أميركية عليا وليس مصلحة لكلينتون وحده. وفي كل الأحوال فإن الحذر في التفاؤل والتشاؤم لن يمنعا رؤية التغير الكبير الذي حمله فوز نتانياهو. بل ان الدول العربية تدرس ذلك بعمق، لكن المؤكد ان هذا التطور ترك بوابة المنطقة مشرعة لكل الاحتمالات بما فيها ختام الصراع العربي - الاسرائيلي. في عمّان رأى سياسي أردني ان لنجاح نتانياهو علاقة مباشرة بتدهور العلاقات بين سورية والأردن، لأن الأخير راهن على نجاح زعيم ليكود ولم يعد يثق بقيادة حزب العمل التي كانت تتجه لمنح سورية دوراً استثنائياً ربما على حساب مصر أيضاً في مقابل التوصل الى معاهدة سلام بحلول نهاية العام الحالي. وسألت "الوسط" السياسي الأردني عن العلاقات الأردنية - الاسرائيلية اثر فوز نتانياهو، فقال انه لا توجد مشكلات على المستوى الثنائي، ولكن أي مشكلة تقع بين اسرائيل والفلسطينيين ستنعكس على الأردن. وقال ان الأردن سيقول للحكومة الاسرائيلية الجديدة ما قاله للحكومة السابقة من انه لن يكون طرفاً في مرحلة المفاوضات للحل النهائي ولن يتدخل في الشؤون الداخلية للفلسطينيين. أميركا: بلبلة وارتباك وفي واشنطن أدى فوز نتانياهو الى حدوث ارتباك وبلبلة في البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية والى الشروع في البحث عن أسباب وجيهة لعدم فقدان الأمل في عملية السلام. اذ قال مصدر في مجلس الأمن القومي "اننا نأمل الا يساعده أفضل حلفائه، أي المتطرفون الفلسطينيون، بتفجير قنبلة أو اثنتين، وان تهدأ الحمّى التي عمت مؤيديه بعد الانتخابات، وان يخفق في تشكيل حكومة ائتلافية وفي الحصول على ثقة الكنيست، وبالتالي الى اجراء انتخابات جديدة". ويجدر بالذكر ان الدستور يعطي نتانياهو مهلة 45 يوماً لتشكيل حكومة جديدة والحصول على ثقة البرلمان. واذا ما أخفق في ذلك فان الدستور ينص على وجوب اجراء انتخابات جديدة في غضون 15 يوماً بعد التصويت في الكنيست. ووصف وزير الخارجية السابق جيمس بيكر نتيجة الانتخابات الاسرائيلية بأنها "نكسة خطيرة جداً" لاتفاقات أوسلو. وفي تصريح أدلى به الرئيس الأميركي السابق جورج بوش لپ"الوسط" قال: "ان المسألة برمتها مرتبطة بقراري مجلس الأمن الدولي الرقم 242 و181. فاذا أراد نتانياهو التحايل على القرارين والالتفاف عليهما فإنه لن يعزز أمن اسرائيل، بل على النقيض من ذلك سيضعفه". ويذكر ان القرار الرقم 242 يطالب اسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها العام 1967 بينما ينص القرار الرقم 181 على تدويل مدينة القدس واقامة اسرائيل ضمن حدود خطوط هدنة العام 1949 أي حدود ما قبل العام 1967. ويسود الاعتقاد في واشنطن بأن الملك حسين والرئيس مبارك سيطالبان نتانياهو اذا ما نجح في تشكيل الحكومة الجديدة بالتراجع عن تصريحاته التي أدلى بها أثناء الحملة الانتخابية ووعد فيها ببناء المزيد من المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، وسيصران على وجوب مواصلة المفاوضات مع الفلسطينيين بشأن الانسحاب من الضفة الغربية وبشأن مدينة القدس وقضية اللاجئين والتفاوض مع سورية والانسحاب من الجولان.