أكد الرئيس السوداني الفريق عمر حسن أحمد البشير أن حكومته أوقفت نشاطات المهندس اسامة بن لادن إثر احتجاج سعودي، ومنعتها "جملة وتفصيلاً" على حد تعبيره. وأبلغ الفريق البشير "الوسط" بأن السودان أمر جميع "الأفغان العرب" بمغادرة أراضيه بعدما تأكد له أنهم يمارسون نشاطات معادية لحكومات بلدانهم. ونفى الرئيس السوداني أن تكون بلاده أجرت أي اتصالات غير مباشرة مع إسرائيل، غير أنه ذكر أن حل المشكلة العربية مع إسرائيل قد يملي على السودان تغيير موقفه الحالي من عملية السلام. وكانت "الوسط" التقت الفريق البشير قبل مغادرته جدة في ختام موسم الحج. وقال مجدداً إنه لم تكن ثمة علاقة تنظيمية بين الانقلاب الذي قاده العام 1989 والجبهة الإسلامية القومية التي يتزعمها الدكتور حسن الترابي، وفي ما يأتي نص المقابلة: لماذا نفيتم في بداية الأمر وجود أي علاقة لحركتكم الانقلابية ثورة النقاذ بالجبهة الإسلامية وزعيمها حسن الترابي. وعدتم لتقروا بهذه العلاقة أخيراً؟ - أؤكد لك أنه لم تكن هناك في بداية الأمر أي علاقة لثورتنا الانقاذية بالجبهة القومية الإسلامية أو قادتها أو عناصرها. ويعلم الجميع اننا قمنا آنذاك باعتقال كل القيادات السياسية، بمن فيهم الدكتور حسن الترابي. ولكن التنظيم الذي كان يجمع بيننا كضباط عسكريين داخل الجيش السوداني كان إسلامياً، يهدف إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد، ومن هنا كان التقاءنا بالجبهة الإسلامية، وهو التقاء في المبادئ والبرامج وليس التقاءً تنظيمياً. وبالفعل وجدنا تجاوباً كبيراً من كل عناصر الجبهة منذ اندلاع ثورة الإنقاذ، وحتى ابان اعتقال الترابي والقيادات الحزبية الأخرى، إذ بادرت القواعد الشعبية للجبهة الإسلامية وقياداتها السياسية في تأييد الثورة ومباركتها، وبعد ذلك فتحنا الباب أمام كل الناس ورحبنا بكل من أراد مشاركتنا طالما أيد برامج الثورة ووقف معها. ومن يلحظ تشكيل القيادات السياسية للإنقاذ، سواء بالنسبة للحكومة الاتحادية أو الحكومات الولائية، يجد أن بين عناصرها شخصيات لا علاقة لها بالجبهة الاسلامية ولا يمكن أن تكون في يوم من الأيام ذات علاقة بالجبهة. ولكن نتيجة للتأييد العام الذي حظيت به الثورة من كل عناصر الجبهة الإسلامية، على الرغم من أنها محلولة رسمياً كغيرها من الأحزاب الأخرى، فإن عناصرها انخرطت الآن في كل مؤسساتنا السياسية، كما دخل زعيمها السابق حسن الترابي انتخابات المجلس الوطني البرلمان وانتخب في إحدى الدوائر الجغرافية ولم يُعيّن وفاز برئاسة المجلس. لماذا لم تمنحوا المغتربين السودانيين حق المشاركة في الانتخابات رغم الدور الكبير الذي يقومون به في تنمية البلاد من خلال التحويلات الضخمة من العملات الصعبة؟ - نعترف بأن المغتربين يمثلون شريحة مهمة جداً من الشعب السوداني، وقد أبدينا اهتماماً كبيراً بهم وأسسنا لهم جهازاً خاصاً ينظم شؤونهم، وظلت علاقتنا معهم متواصلة، سواء عن طريق سفاراتنا في الخارج أو بواسطة تنظيمات المغتربين أنفسهم. ولكن مشاركتهم في انتخابات المجلس الوطني البرلمان تعذرت لأن نظام هذه الانتخابات كان يقضي بضرورة اقامة الشخص في الدائرة الجغرافية التي سيشارك من خلالها طوال الأشهر الثلاثة التي تسبق الانتخابات على أقل تقدير، وهذا لم يتوافر في المغتربين. أما بالنسبة إلى مشاركتهم من خلال المؤتمر الوطني، فإن ذلك أيضاً كان متعذراً، لأن عضوية المجلس الوطني تتطلب تفرغ العضو ووجوده في العاصمة، وبالتالي يستحيل على المغترب أن يجمع في وقت واحد بين اقامته في الخارج ووجوده في العاصمة لممارسة مهمات عضويته في المجلس، فالأمر يتطلب إنهاء اغترابه ورجوعه للسودان، وهو في هذه الحالة لا يصبح ممثلاً للمغتربين. ولكن ذلك لا يمنع أن يتجه التفكير مستقبلاً إلى بحث سبل مشاركتهم في انتخابات رئاسة الجمهورية، لأن هذه الانتخابات ليست مرتبطة بالاقامة في موقع معين. وما الذي حال دون حدوث ذلك في الانتخابات الرئاسية الأخيرة؟ - المشكلة تكمن في أن السجل الخاص بانتخابات الرئاسة كان مقتصراً على الدوائر الجغرافية داخل البلاد، مما يتطلب مشاركة الشخص من إحدى هذه الدوائر. هناك من يقول إن حكومتكم رفضت منذ البداية مبدأ مشاركة المغتربين في الانتخابات، ولولا ذلك لكان بالامكان تعديل قانون الانتخابات بحيث تتاح الفرصة للمغترب للمشاركة كما حدث في التجارب الانتخابية السابقة؟ - قانون الانتخاب وضع أصلاً للسودانيين المقيمين داخل السودان. ووجود المغتربين في الخارج يعتبر حالة استثنائية. أما بالنسبة إلى التجارب الانتخابية التي سبقت حكومة الانقاذ وشارك فيها المغتربون، فإن ذلك تم من خلال ما كان يسمى دوائر الخريجين. لكن ليس لدينا الآن مثل هذه الدوائر، وإنما هناك نظام المؤتمر الوطني، وكما سبق أن أوضحت فإن عضوية هذا المؤتمر والعمل في المجلس يتطلبان الاقامة داخل السودان. لوحظ أن التشكيل الوزاري الأخير لحكومتكم لم يتضمن أي وجوه حزبية رغم الاتصالات الواسعة التي أجريتموها قبل اعلانه مع القيادات الحزبية في الداخل... - أجرينا اتصالات عدة مع من كانوا يسمون قادة الأحزاب المنحلة في الداخل. وكان حديثنا معهم عاماً، تبادلنا الآراء حول المسيرة السابقة لعمل الحكومة، وما يمكن ان يكون عليه السودان في المستقبل، وإمكان المشاركة في العمل السياسي. واعتقد أنها كانت بداية لمسيرة حوار لم يتبلور حتى الآن في مشاركة فعلية في إدارة دفة البلاد. تردد أخيراً أن حكومة السودان أنذرت أعداداً من "الأفغان العرب" بمغادرة البلاد. هل ذلك صحيح؟ - كل من لديه نشاطات معادية لحكومة بلاده أو الحكومات الأخرى ويقيم داخل السودان يجب ان يغادرها فوراً. وانطبق ذلك على بعض الأشخاص الذين شعرنا بأن لديهم نوعاً من هذه النشاطات، فطلبنا منهم مغادرة البلاد. كم كان عددهم؟ - لا اذكر ذلك الآن. هل حدث ذلك في إطار تحسين علاقاتكم مع مصر؟ - هذا مبدأ نعمل به ونحرص عليه لأننا لا نريد ان يكون السودان منطلقاً لأي عمل عدائي لأي دولة من دول الجوار. أمن غذائي على رغم اعلانكم شعارات الاكتفاء الذاتي ورفع المعاناة عن الجماهير، إلا أن ذلك لم يتحقق حتى الآن. إذ ان الأوضاع المعيشية صعبة، والغلاء فاحش... - في ما يتعلق بالاكتفاء الذاتي، قطعنا فيه شوطاً لا بأس به. فالسودان الذي كان يوصف بأنه بلد المجاعات لم يعد كذلك الآن. وقد تحقق الاكتفاء الكامل في الذرة والسكر وزيت الطعام، وأصبحنا الآن نصدرها إلى الخارج بعد أن كنا نستوردها في السابق، كما ضاقت الفجوة الغذائية في محصول القمح. ومن هذا المنطلق نستطيع القول إننا قطعنا شوطاً كبيراً في الاعتماد على الذات وتوفير الأمن الغذائي، لكننا لا زلنا نعاني من التضخم الاقتصادي الذي يرجع إلى العجز في ميزان المدفوعات بسبب وقف الدعم الخارجي الذي كان يعتمد عليه السودان في السابق بنسبة 70 في المئة، اضافة إلى الصرف الكبير على الحرب في الجنوب والتنمية أيضاً. وهذه أمور يدركها كل السودانيين. نحاول سد الفجوة في ميزان المدفوعات الخارجي بزيادة صادراتنا ونعمل الآن على فتح أسواق جديدة للحوم والخضروات والفواكه السودانية التي ثبت أن لها مستقبلاً جيداً، كما يجري العمل على زيادة قيمة صادراتنا الأخرى بتصنيع المواد الخام ثم تصديرها، بدلاً عن تصديرها كمواد خام. أيضاً هناك فتح الصرافات لجذب مدخرات المغتربين، وحررنا سعر الدولار لأن ذلك يمثل الآلية الاقتصادية الوحيدة والصحيحة لجذب هذه المدخرات إلى الداخل، رغم ما يترتب عليه من ارتفاع في أسعار السلع، إلا أنها في النهاية تساعد على إحداث الموازنة المطلوبة بين حاجات البلاد وإيراداتها. هل تحدثت إليكم القيادة السعودية خلال اتصالاتكم السابقة معها أو في زيارتكم الحالية في شأن اسامة بن لادن الذي يقيم في الخرطوم؟ - أبدى السعوديون استياءهم وشكواهم من نشاطات اسامة بن لادن، فقمنا بوقف هذه النشاطات ومنعها جملة وتفصيلاً، وهو الآن لا يمارس أياً من هذه النشاطات، وإنما يدير مشاريع استثمارية في السودان. إلى أي مدى سيؤدي قرار مجلس الأمن فرض عقوبات سياسية وديبلوماسية على السودان إلى تقييد حركة الحكومة الرامية إلى تحسين علاقاتها الخارجية، خصوصاً مع دول الجوار؟ - لا شك أن الدول التي ستتجاوب مع هذا القرار ستقيّد حركتنا إلى حد ما، ولكن كما هو معروف فإن قرار مجلس الأمن لم يطالب بقطع العلاقات الديبلوماسية مع السودان وبالتالي طالما سيظل هناك وجود ديبلوماسي فستتوافر امكانات التحرك من خلاله. وإذا شدد مجلس الأمن تدريجياً من عقوباته ضد السودان لتشمل الجوانب العسكرية أو الاقتصادية... - عند ذلك سيكون لكل مقام مقال. لكننا عموماً نتمنى ان لا يحدث شيء من ذلك. اقصد معرفة الاحتياطات والاستعدادات الداخلية لمواجهة تبعات هذا القرار في حال حدوثه... - منحنا أسبقية العمل لإستغلال البترول السوداني لأن ليس هناك ما هو أخطر من الحظر النفطي وإن كان ذلك مستبعداً تماماً. لأن النفط عصب الحياة، لكننا على أي حال منحنا الأسبقية القصوى لاستغلال النفط السوداني. في ظل استمرار عملية السلام في الشرق الأوسط والتطبيع مع إسرائيل الذي شمل بعد مصر كلاً من المغرب والأردن ودولاً عربية وخليجية أخرى، ما هو موقف السودان؟ - موقفنا واضح جداً في هذا الأمر، وهو: تمكين الشعب الفلسطيني من استرداد حقوقه كافة واقامة دولته المستقلة على أرضه. لكن في حال نجاح المفاوضات على المسارين السوري واللبناني وتوقيع سورية اتفاق سلام مع إسرائيل، ماذا سيكون موقفكم؟ - نحن لا نربط مواقفنا بتوقيع دولة معينة أو عدم توقيعها لاتفاقات سلام مع إسرائيل. موقفنا مرتبط بجوهر القضية التي تخص الشعب الفلسطيني بأكمله، وتتعلق بأراضيه المحتلة، فإذا قامت الدولة الفلسطينية على الأرض العربية المحتلة، واسترد الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة، فإن موقفنا لا بد أن يتغير في هذه الحالة. إذن لا علاقة لموقفكم بالمسار السوري؟ - نحمد لسورية مواقفها القوية وإصرارها على ثوابت القضية العربية، وإن شاء الله عندما توقع سورية ولبنان على اتفاق السلام نكون وصلنا إلى حل نهائي للقضية الفلسطينية. تردد أن الجولة التي قام بها أخيراً العميد صلاح كرار وزير شؤون مجلس الوزراء في حكومتكم إلى بعض الدول العربية ذات الصلة بإسرائيل بأنها شملت اتصالاً غير مباشر مع إسرائيل. ما هو تعليقكم؟ - مبتسماً جاءت هذه الزيارات في إطار اتصالات واسعة قامت بها الحكومة مع عدد من دول العالم لتوضيح موقف السودان من قرار مجلس الأمن في الدرجة الأساسية. وفي هذا الاطار قمت أنا شخصياً بزيارة بعض هذه الدول، وهناك دول ارسلنا إليها مبعوثين أو رسائل أو أجرينا معها اتصالات هاتفية. انفلات شوارع الخرطوم في الوقت الذي تعلن فيه الحكومة عن تبني "المشروع الحضاري الإسلامي" نجد أن هناك نوعاً من الانفلات الاخلاقي والفساد بدأ يتسرب إلى الشارع السوداني الذي لا ينم ّبرأي الكثيرين عن أي صورة إسلامية... - هذا الحديث مبالغ فيه كثيراً. العكس هو الصحيح، واعتقد ان أي مراقب محايد يجد أن هناك انضباطاً في الشارع السوداني، خصوصاً في ما يتعلق بالتزام المرأة الزي الإسلامي المحتشم الذي لا يُظهِرُ منها سوى الوجه والكفين، أما من يتحدثون عن زيادة اعداد الطالبات في الخرطوم وانتشارهن بشكل لافت، فذلك يعزى إلى التوسع الكبير الذي حدث في التعليم الحالي، إذ استوعب أكبر عدد ممكن من الطلاب والطالبات، وهؤلاء يمثلن أكثر من 50 في المئة من المنتسبين إلى هذه الجامعات، اضافة إلى وجود جامعة خاصة بهن هي "جامعة الأحفاد" التي تستوعب أكثر من أربعة آلاف طالبة. كما استوعب عدد كبير جداً منهن في سلك التعليم العام والعالي، لأن نسبة النساء في مجال التدريس أكبر من الرجال. اضف إلى ذلك آلاف الموظفات في الدوائر الحكومية وشركات القطاع الخاص. وهذا فقط هو السبب الذي أدى إلى انتشارهن بشكل لافت في العاصمة. وعلى كل من يشكك في ذلك أن يخرج إلى شوارع الخرطوم ومساجدها ليرى كيف أن حجم المصلين في المساجد من الرجال وحتى النساء تضاعف بشكل لم يسبقه مثيل. ما هي حقيقة الموقف العسكري على الحدود الشرقيةوالجنوبية للسودان؟ - ما يحدث على الحدود الشرقية لبلادنا نتيجة مشكلة بيننا وبين النظامين الاثيوبي والاريتري وليس هناك وجود لقوات التمرد الحركة الشعبية لتحرير السودان التي يقودها العقيد جون قرنق على الحدود الشرقية، فمعظم القوات التي تحاربنا هناك اثيوبية واريترية ومعها عدد ضئيل جداً من المتمردين، لأنهم حقيقة فقدوا الآن كثيراً من قوتهم. ما هي الظروف التي أدت إلى تراجع الجيش السوداني من مدينة فشلا القريبة من اثيوبيا لمصلحة قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان؟ - القوة الحكومية التي كانت ترابط في فشلا كانت كتيبة مهمتها حماية المدينة من هجمات المتمردين، وكانت هذه القوة كافية لأداء هذه المهمة، لأن الأهالي كانوا متجاوبين معها في الدفاع عن مدينتهم. لكن ما حدث هو أن الهجوم عليها شنته القوات الاثيوبية ولم يشارك فيه من المتمردين سوى 166 شخصاً فقط، وهذا العدد قليل كان يستحيل عليه أن يقتحم الحامية الحكومية لولا مشاركة قوات اثيوبية مدعومة بالدبابات والطائرات. وبطبيعة الحال فإن الحامية الحكومية هناك كانت مجهزة للتعامل مع مقاتلي قوات التمرد الذين يستخدمون الأسلحة الخفيفة عادة، إذ لم يكن هناك مجال لحصولهم على دبابات في تلك المنطقة، خصوصاً أن موسم الخريف كان قد بدأ وأصبحت كل الطرق المؤدية إليها داخل السودان مغلقة تماماً ما عدا الطرق المرتبطة بها من داخل الهضبة الاثيوبية ذات الطبيعة الصخرية. هل هناك خطة عاجلة لإستعادة المدينة وغيرها من المناطق التي تسيطر عليها قوات قرنق؟ - إن شاء الله قريباً. إقبال الناخبين الجنوبيين كيف أقنعتم رياك مشار وكاربيو كوانين منافسي قرنق بتوقيع اتفاق سلام مع الحكومة، خصوصاً أن فصيل مشار يطالب بمنح الجنوب استقلاله؟ - رأينا أن رياك مشار أوضح في مواقفه من قرنق، فهو مشار عندما تحدث عن استقلال جنوب السودان كان منطلقه أن القضية تعني الجنوبيين فقط الذين حملوا السلاح من أجل الجنوب وليس من أجل السودان بأكمله. وهذا هو جوهر الخلاف بين مشار وقرنق الذي أصبح من غير المنطقي أن يتحدث عن تحرير السودان بعد الخسائر التي تكبدها على يد القوات الحكومية، وبعد أن فقد عاصمته توريت. ونحن من جانبنا اعترفنا بأن هناك مشكلة في الجنوب وقدمنا طرحاً موضوعياً ندعو فيه إلى تطبيق الحكم الاتحادي، وبدأنا العمل فيه، ووجد ذلك تجاوباً كبيراً في أوساط الجنوبيين، سواء من داخل حركة التمرد أو خارجها، بدليل مشاركة الجنوبيين في الانتخابات الأخيرة التي وجدت منهم إقبالاً وحماساً منقطع النظير. وأدرك مشار أن طرح الحكومة كان موضوعياً وجدياً. ولما اتصلنا به توصلنا إلى اتفاق لوقف النار، وبعد ذلك طلب مشار لقاء اللواء الزبير محمد صالح، النائب الأول لرئيس الجمهورية، الذي ذهب إليه واجتمع معه في الغابة. وهذا ربما زاد قناعة مشار بجدية الثورة للوصول إلى السلام، مما شجعه على المجيء إلى الخرطوم وتوقيع اتفاق سلام مع الحكومة. هل خيار الحكم الذاتي أو تقرير المصير للجنوب مطروح لارضاء تطلعات مشار؟ - نعتقد أن مشار يؤيد فكرة النظام الفيديرالي، كما أن الميثاق الذي وقعه معنا شدد على وحدة السودان وعلى اجراء الاستفتاء على الوضع الدستوري للجنوب بعد التوصل إلى سلام شامل وكامل، وتحقيق التنمية الاجتماعية. وكشفت لنا نتائج الانتخابات الأخيرة والاقبال الكبير من الجنوبيين عليها ومشاركتهم الواسعة في التصويت لصالح رموز الانقاذ مدى ارتباطهم بالثورة وطروحاتها المتعقلة بالسلام والتنمية، وبالنسبة إليّ كانت أعلى نسبة حصلت عليها من الأصوات من الجنوبيين. وكانت أكبر ثماني ولايات وقفت جانبي في انتخابات رئاسة الجمهورية جنوبية. على رغم ان حكومتكم تتبع النهج الإسلامي، فقد تخليتم في بداية الأمر عن دعم حركة الجهاد الاسلامي الاريترية للوقوف مع أساياس أفورقي الذي انقلب على حكومتكم لاحقاً، كيف ترون ذلك؟ - عندما جاءت ثورة الانقاذ وجدت أن الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا كانت المنظمة الأكثر نشاطاً وقوة عسكرية في الساحة الاريترية، وكنا في تلك الفترة على خلاف مع نظام الرئيس السابق منغستو هايلي مريام في اثيوبيا الذي كان يدعم حركة التمرد في جنوب السودان. وكان تعاملنا يقتصر على الجبهة القوية الموجودة على الساحة الاريترية آنذاك وهي الجبهة الشعبية. بعد تحرير اريتريا اعتبرنا أي خلافات موجودة بين أطرافها السياسية خلافات داخلية لا علاقة لنا بها، لذلك اوقفنا تعاملنا مع كل الفصائل الاريترية، وليس مع حركة الجهاد الاريترية فحسب، وصرنا نتعامل منذ ذلك الوقت مع الحكومة الموجودة في أسمرا مباشرة.