تنتشر حالة حول العينين في البلاد العربية ومعظم دول العالم على رغم سهولة علاجها في مرحلة الطفولة، وتوافر الحلول الكفيلة بتصحيحها في مراحل العمر المتأخرة ايضاً. ونظراً لأهمية الدور الذي يمكن ان يلعبه ذوو المصاب في ملاحظة الخلل، وبالتالي المسارعة في تشخيصه وتأمين علاجه، اهتمت "الوسط" بمعالجة هذا الموضوع في التحقيق الآتي: الحَوَل هو عدم القدرة على تحريك العينين في اتجاه واحد وفي آن واحد. وهو حالة تصيب الأطفال عادة وتؤثر على الكبار ايضاً. فخلال الاشهر الستة الأولى من حياة الطفل تتحرك عيناه بشكل عشوائي في أي اتجاه. ولكن بعد هذا السن يجب ان تتحرك عيناه مع بعضهما في اتجاه واحد. فاذا بقيت العينان في وضع غير متوازن دلّ ذلك على اصابة الطفل بالحَوَل. وباستطاعة الطفل عادة استخدام عينيه سوية لخلط الصور التي تلتقطها كل عين على حدة فيوحدها لتعطيه صورة واضحة مثلثة الأبعاد. اما عندما يكون مصاباً بالحول فانه يعجز عن ذلك لأن عينيه تنظران في اتجاهات مختلفة. لذلك يحاول التعويض عن عجزه بكبت الصورة التي يلتقطها بعينه المنحرفة كي يتفادى ازدواج الرؤية. ونظراً لعدم اكتمال نضوج جهازه البصري يؤدي كبت الرؤية في العين المنحرفة الى تعطيل مستديم للرؤية الصحيحة وتصاب العين التي تعاني من الحول بالكسل ما لم يتم علاجها بسرعة. تجدر الاشارة الى ان معظم حالات حول الاطفال ناتجة عن تقارب العينين وتحرك بؤبؤ العين المصابة الى الداخل باتجاه جسر الانف. اما حالات الحول المتباعدة او العمودية فانها تظهر في مراحل متقدمة من العمر عندما يتحرك بؤبؤ العين المصابة الى الخارج بعيداً عن جسر الأنف. يولد عدد كبير من الاطفال وعيونهم تشكو من الحول في الأسابيع الأولى من الولادة. إلا ان هذه الحالة تصحح نفسها غالباً دون الحاجة الى تدخل علاجي. وفي معظم حالات حول الأطفال تتحرك العينان باتجاه بعضها وكأنها تراقب جسر الأنف. اما في حالات محدودة فان الحول ينتج عن تباعد العينين عن بعضهما وكأن كلاً منها ينظر في اتجاه معاكس نحو الخارج. وتشير الدكتورة جيل ادامز، استشارية جراحة العيون في مستشفى مورفيلد في لندن الى انه يمكن تجاهل حالة الحول خلال الثلاثة اشهر الأولى من الولادة. لكن يجب فحص الطفل مباشرة بعد انتهاء هذه المدة اذا استمرت حالة الحول لأن التأخر او التقاعس في علاجها يؤثر على امكانية الرؤية في العين المصابة، اضافة الى ضرورة وأهمية معرفة الأسباب الكامنة وراء استمرار حالة الحول. وعلى الطبيب العام او طبيب العائلة ان يحوّل الحالات المشكوك باصابتها بالحول الى اخصائي العيون للعناية بها. فحالات الفحص تختلف بين مركز وآخر ويشارك فيها عادة اخصائي في تقويم البصر ووظائف عضلات العيون لدراسة كيفية حركتها ومدى توازنها. يلي ذلك فحص للعينين بعد توسيع بؤبؤهما بواسطة قطرات خاصة، للتمكن من فحص خلفية العين وتحديد ما اذا كان الطفل بحاجة الى نظارات طبية أم لا. ونظراً لعدم وجود سبب واحد لحالة الحول فان الاخصائي يطلب الملف الطبي للطفل كي يتأكد ما اذا كانت ولادته تمت قبل أوانها ام ان حالة الحمل تعرضت لمضاعفات وتعقيدات ادت الى تلك الولادة المبكرة. وبما ان حالة الحول تتواجد وتتناقل بين العائلات فان الاخصائي يحتاج الى معلومات عما اذا كان أحد أفراد عائلة الطفل أو احد اقربائه تعرّض لمثل تلك الحالة او تم تشخيصه بأنه يعاني من كسل في حركة احدى العينين او كليهما. ترتبط حالة الحول احياناً بمعاناة الطفل من امراض اخرى كاعتلال الدماغ وسرطان العين او اصابتها بالسُّد او تعرضها للخلل والأذى. الا ان السبب الشائع غالباً هو عجز الطفل وفشله في تعلم الطريقة الصحيحة لتحريك عينيه باتجاه واحد بصورة آنية. وفي احيان كثيرة يكون الطفل مصاباً بطول البصر أي انه لا يستطيع تركيز نظره بسهولة على الاشياء القريبة وبالتالي يعجز عن رؤيتها بوضوح. بعض الاطفال لا يحتاج اكثر من مراقبة مستمرة لحالة عينيه، اما البعض الآخر فقد يحتاج الى ارتداء نظارات طبية او تغطية احدى عينيه بعازل لتقوية العين الأخرى المصابة بالكسل. وفي بعض الحالات لا بد من اجراء عملية جراحية تستغرق 35 دقيقة فقط، يقوم جراح العيون خلالها بترخية احد عضلات العين وشدّ اخرى. وتجرى في مستشفى مورفيلد للعيون في لندن اكثر من 100 عملية مماثلة سنوياً، لا يعاني الاطفال خلالها الا من بعض الحساسية والاحمرار في العين المصابة لمدة يومين على الأكثر. يحدث الحول ايضاً في سن متأخرة ولكن بنسبة ضئيلة جداً. ونظراً لأن نظام الرؤية عند الكبار يكون متكامل النمو فان هذا النوع من الحول يصاحبه ازدواج في الرؤية لا يمكن كبته. ومع انه لا يوجد خطر من ان تصاب العين المتضررة بالكسل، فان التوهان والارتباك الناتج عن ازدواج الرؤية يشعر المصاب وكأن العالم يسبح حوله. وتعود اسباب الحول في الكبرالى اصابة العصب البصري او العضلة التي تحرك العين بعطب او ضرر معين يتطلب فحصاً طبياً شاملاً. وقد تلعب امراض السكر وارتفاع ضغط الدم واضطراب الغدة الدرقية دوراً في ذلك. التشخيص والعلاج من اهم العوامل الكفيلة بعلاج حالات حول الاطفال سرعة التشخيص وعدم تردد الأهل في مراجعة اطباء العيون خلال الأشهر الستة الأولى من ولادة اطفالهم اذا ما لاحظوا عدم انتظام حركة العينين. فأخصائي العيون قادر على اجراء الفحوصات الضرورية واقتراح العلاج المناسب في الوقت المناسب قبل ان تتدهور وظيفة العين المصابة ويستديم ضررها وحال الخلل التي تعاني منها. إذ ان هناك حالات حول زائفة تظهر نتيجة لوجود طيات جلدية عمودية على جانبي جسر الأنف لدى العديد من الاطفال. وتختفي هذه الحالات عند وصول الطفل سن دخول المدارس. ولا يمكن تمييز هذه الحالات الزائفة من حالات الحول الحقيقية الا بواسطة اخصائي العيون. لذا فانه من الضروري جداً عدم التهاون في مراجعة الطبيب المختص حرصاً على سلامة الرؤية عند الاطفال. فاذا احتاج الاطفال لاستخدام النظارات لعلاج حالة الحول التي يعانون منها، لا بد من حثهم على استعمالها طوال الوقت لأن بعض حالات الحول تشفى بمجرد استخدام النظارات. لكن علينا ان ندرك بأن النظارات لا تحسّن بالضرورة الرؤية عند الاطفال لأن الغاية من استخدامها هي تخفيف عبء تركيز البصر المفروض على عضلات العين، ما يخفف من النزعة المتزايدة لحركة العين باتجاه الداخل بدافع التركيز. وفي حالات عدة تساعد النظارات جزئياً في تصحيح الحول، ما يستدعي استكمال عملية التصحيح بجراحة عاجلة تتناول العضلات المحرّكة للعين لتقوية العضلات الضعيفة المتدنية النشاط واضعاف العضلات المتزايدة النشاط. ان العمليات الجراحية المعنية بمعالجة حالات الحول ما هي الا عمليات روتينية يقوم بها اخصائي جراحة العيون، ولا تتطلب بقاء المريض داخل المستشفى سوى بضعة أيام لا يشعر المريض بعدها بانزعاج يذكر. وخلال 3 أو 4 أسابيع تشفى الجروح والندب ثم تختفي كليّاً. اما حالات الحول التي تظهر عند الكبار فانها تعالج بطريقة اخرى. اذ يجب علاج الخلل الصحي المسبب لها أولاً مع التركيز على تصحيح وضعية العدسة العينية للتخفيف من مشكلة ازدواج الرؤية. ويمكن تحقيق ذلك عن طريق تغطية العين المنحرفة بقطعة عازلة حتى تقوى العين المصابة بالكسل وتعاود نشاطها، او بادخال موشور لمّاغ ضمن عدسة نظارات المريض بحيث تعكس الاشعاعات الضوئية لتعويض انحراف العين. وبالنسبة الى الحالات الناجمة عن خلل في السيطرة على حركة العين يمكن تحسينها احياناً ببعض التمارين الخاصة بتقويم محور البصر وتقوية قدرة المريض على استخدام عينيه وتحريكها سوية بالتوافق. واذا تبين ان عضلة تقويم البصر مشلولة فلا بد من عملية جراحية بعد فترة ترقب لا تقل عن ستة أشهر وذلك لافساح المجال امام شفاء العضلة واحتمال عودتها الى نشاطها السابق. وفي اتصال مباشر ل "الوسط" مع البروفسور جون لي، استشاري جراحة العيون في مستشفى مورفيلد في لندن، أحد أشهر مراكز العلاج في العالم، اكد الدكتور "لي" ان علاج مشكلة الحول يعتمد بالدرجة الأولى على طبيعة الحالة التي يشكو منها المريض. فعلاج حَوَل الاطفال في سن مبكرة، اي قبل 3 سنوات، ممكن جداً وكذلك تقوية العين الكسولة وعلاجها بمجرد تغطية العين الأخرى بقطعة عازلة للرؤية ما بين سن 7 و8 سنوات. اما بالنسبة الى كبار السن فان تصحيح وضعية العدسة العينية وتقويمها ممكن جراحياً حتى في سن ال 70 او ال 80، أي انه لا يوجد حدود زمنية للعلاج. الا ان ذلك لا يعني ان حالة الحول ستشفى كليّاً او ان قوة البصر ستستعاد تماماً. لذلك يستحسن استشارة اخصائي العيون في مراحل مبكرة من العمر حتى لا يصعب علاج الحالة التي يشكو منها المريض ويندم عليها مستقبلاً.