لا تزال الحركات الاسلامية - متطرفة ومعتدلة - تقاتل وحدها النظام الدولي الجديد الذي بسط جناحيه على العالم اثر انهيار الشيوعية وانتهاء الحرب الباردة. وتبحث هذه الحركات، على بعد الشقة بين طروحاتها ومواقفها، سبل القبول والتعايش، كل حسب تفسيره لمعنى "الجهاد". وهي تواجه في المقابل برفض مطلق، عنيف في الغالب، من الآخرين داخل المنطقة الاسلامية وخارجها. وبدا، في أعقاب التطورات المتلاحقة الأخيرة منذ وقوع افغانستان في براثن العنف الدموي بين المجاهدين، واتجاه النزاع البوسني صوب حل، ان فترة التقاط النفس التي انتهزتها الحركات الاسلامية - أو ربما ارغمت على انتهازها - كشفت ثلاثة وجوه رئيسية لحركات "الاسلام السياسي" لم يعترض مثقفو بعض تلك الحركات ومنظريها على تسميتها "أمميات اسلامية". يسعى كل منها بطريقته الى فرض أسس "نظام عالمي اسلامي جديد" اثر انهيار الخلافة العثمانية وعقود الهيمنة الاستعمارية و"الاستعمار الجديد" الذي تحولت إليه الحركات الوطنية بعد الاستقلال. ترسم "الوسط" في هذا التحقيق ملامح كل من الامميات الاسلامية الثلاث. تفجير المركز التجاري الاميركي في نيويورك، محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في أديس ابابا، تفجير السفارة المصرية في اسلام آباد... ثلاث عمليات ارهابية تمت خارج مصر، وأعلنت "الجماعة الاسلامية" و"الجهاد" مسؤوليتهما عن تنفيذها. هذه العمليات كشفت وجود علاقات تنظيمية اممية تربط "الجماعة الاسلامية" وتنظيم "الجهاد" المصريين بتنظيمات اسلامية ناشطة في اكثر من بلد عربي واسلامي. وأكدت التحقيقات في العمليات الثلاث حصول منفذيها على دعم لوجيستي ومتفجرات وبطاقات وجوازات سفر مزورة، فضلاً عن مساعدات اخرى لاخفاء منفذيها عن عيون رجال الأمن. ووفقاً لسلطات التحقيق الاميركية فان منفذي عملية تفجير مركز التجارة العالمية في نيويورك في شباط فبراير 1993 ينتمون الى جنسيات عربية مختلفة فهم مصريون وباكستانيون وعراقيون وسودانيون. وصدر اخيراً حكم بالسجن مدى الحياة على الشيخ الدكتور عمر عبدالرحمن الزعيم الفعلي ل "الجماعة الاسلامية"، وكذلك على السيد نصير الذي اتهم ايضاً بالتورط في اغتيال الحاخام الاسرائيلي المتطرف مائير كاهانا. وكشف تقرير لوزارة الداخلية الاثيوبية تورط عناصر سودانية في تهريب منفذي محاولة اغتيال الرئيس مبارك من مسرح العملية. كما اكد التقرير حصول المنفذين على دعم عناصر سودانية على صلة مباشرة بأجهزة الحكم في الخرطوم، خصوصاً الجبهة الاسلامية القومية التي يتزعمها الدكتور حسن الترابي. وقد أقال الفريق البشير مدير جهاز الأمن العام نافع علي نافع وهو عضو بارز في الجبهة الاسلامية إثر محاولة الاغتيال. واذ تسعى السلطات الباكستانية إلى القبض على منفذي عملية تفجير السفارة المصرية في اسلام آباد، فان ثمة مؤشرات عدة إلى حصول المنفذين على دعم، خصوصاً المتفجرات التي حولت مبنى السفارة الى اطلال، واخفاء المنفذين وتهريبهم. والعمليات الثلاث يربطها خيط واحد: انها تمت خارج مصر، ونفذتها عناصر مصرية واخرى اسلامية معاونة، مما يعزز وجود علاقات تنظيمية بين الجماعات الاسلامية المتطرفة في مصر ومنظمات عربية واجنبية مماثلة. فهل تعني هذه العلاقات وجود اطار تنظيمي اممي يربط التنظيمات الاسلامية المتطرفة؟ الحزب الاسلامي الافغاني "الوسط" وجهت السؤال الى منتصر الزيات محامي الجماعات الاسلامية المصرية، فقال: "ينبغي التمييز بين وجود فكرة تأسيس تنظيم عالمي، وتحقق هذه الفكرة عملياً في هيكل تنظيمي واضح المعالم. ان فكرة الانتشار خارج مصر وبلورة تصور تنظيمي لم تكن غائبة عن الكوادر القيادية في الجماعة الاسلامية، وبصفة خاصة بعد حادثة اغتيال الرئيس انور السادات العام 1981، اذ دارت حوارات خلف قضبان السجون بين اعضاء مجلس شورى الجماعة حول المستقبل، وظهرت اجتهادات فكرية مكتوبة، منها دراسات اعدها عبود الزمر وطارق الزمر وعصام دربالة عن الموقف من اسرائيل والحركة الصهيونية، ووضع اليهود في القرآن والسنة. وجرت حوارات اخرى حول الموقف من اميركا، وضرورة الجهاد في افغانستان. وبطبيعة الحال شمل الحوار مناقشة اوضاع الحركات الاسلامية المعارضة في غير بلد عربي، ووشائج الارتباط بين المجموعات التي اصطلح على تسميتها الافغان العرب". ونفى الزيات ما يتردد عن وجود هيكل تنظيمي عالمي يضم "الجماعة الاسلامية" المصرية مع الحزب الاسلامي الافغاني بزعامة قلب الدين حكمتيار. وقال: "العلاقة توقفت مع الحزب الاسلامي عندما انخرط حكمتيار في الحرب الأهلية الافغانية، وشعرت قيادات الجماعة الاسلامية في الخارج، وتحديداً في بيشاور، بأن هناك من يحاول توظيفها في فتنة لا علاقة لها بتأسيس دولة اسلامية في كابول". وأكد "ان الانشقاق الذي وقع داخل السجون العام 1983 وقسّم الجماعة الاسلامية، وظهور تنظيم الجهاد، ساهما الى حد كبير في تقليص نشاط الجماعة الاسلامية خارج حدود مصر، او تحويل فكرة التنظيم الاممي الى حقيقة واقعية". والمعروف ان عصام القمري - وهو ضابط في القوات المسلحة برتبة عقيد قتل العام 1988 اثناء محاولة هروبه من سجن ليمان طرة - هو الذي فجر الخلاف داخل "الجماعة الاسلامية"، عندما اعترض على "امارة" الدكتور عمر عبدالرحمن حيث رأى انه "لا تجوز إمارة لضرير"، فضلاً عن انتقادات تيار "الجهاد" لعملية اقتحام مديرية الامن في اسيوط، في اليوم التالي لاغتيال السادات، إذ وصفها بأنها عشوائية، واسفرت عن سقوط عدد كبير من اعضاء "الجماعة" بين قتيل وجريح وتعرض قياداتها للسجن. توزيع الادوار ويرى الدكتور رفعت سيد احمد مدير المركز العربي الاسلامي للدراسات "ان حركتي الجهاد والجماعة الاسلامية في مصر لم يُسقِطا الجهاد بالمعنى الاممي. ومن واقع متابعتنا ورصدنا لأدبيات هاتين الحركتين منذ السبعينات نلحظ حضور البعد الدولي او الاممي في الصراع مع الآخر، الا ان اعتبارات الصراع مع اجهزة الأمن شغلت قيادات الحركتين عن النظر الى الحركات الاسلامية المماثلة في بلاد عربية واجنبية اخرى، واقامة علاقات تنظيمية اندماجية، ولكن مع ذلك هناك تنسيق واضح مع بعض التنظيمات غير المصرية، سواء على صعيد توزيع الادوار، او الترتيب المشترك لمسارح العمليات على النحو الذي جرى في اديس ابابا، والسفارة المصرية في باكستان". وأضاف سيد احمد: "لا توجد دلائل قوية على تنظيم جهادي اممي تقوده الجماعة الاسلامية او تنظيم الجهاد، وتشارك في هيكله تنظيمات غير مصرية. لكن هذا الاطار قد يتشكل في وقت قريب، فعوامل تشكيله موجودة، واهمها الفكر النظري والعلاقات مع تنظيمات غير مصرية، خصوصاً مع وجود تنظيمات تتسمى بالجهاد في اكثر من بلد عربي فلسطين، ليبيا، اليمن... فضلاً عن التجارب او المحكات المشتركة التي جمعت الافغان العرب والاجانب ايضاً". وعلى رغم ان فكرة "الجهاد" في مصر قديمة، وترتبط الى حد كبير بكتابات سيد قطب، وابرزها كتاباه "في ظل القرآن" و"معالم في الطريق"، فان نشأة تنظيمات تحمل صفة "الجهاد" لم تكن مصرية، اذ ان الدكتور صالح سرية هو اول من وضع فكرة "الجهاد" في اطار حركي، وهو فلسطيني الأصل، اردني الجنسية. وقد وضع وثيقة نظرية لتنظيمه الذي حمل اسم "حزب التحرير الاسلامي" العام 1973، وهو تنظيم حدد له هدفاً باسقاط الحكومات العربية عنوانها "رسالة الايمان". وانتهى هذا التنظيم في مصر نهاية دراماتيكية، حينما دخل اعضاؤه ومعظمهم طلبة في الكلية الفنية العسكرية في مواجهة مع الأمن انتهت باعدام مؤسسه صالح سرية. والمثير ان فلسطينياً آخر يحمل الجنسية الأردنية هو محمد سالم الرحال يعزى اليه الفضل في صهر المجموعات التنظيمية التي تتبنى فكرة "الجهاد"، فقد استطاع ان يعقد تحالفاً مع رموز "الجماعة الاسلامية" في الصعيد نهاية السبعينيات مثل كرم زهدي وناجح ابراهيم وفؤاد الدواليبي وعاصم عبدالماجد، في الوقت الذي نجحت جماعة "الاخوان المسلمين" في استقطاب رموز "الجماعة الاسلامية" في الوجه البحري، مثل عصام العريان وعبدالمنعم ابو الفتوح وحلمي الجزار وابو العلا ماضي، والاخير هو مؤسس حزب "الوسط" الذي أعلن اخيراً ولم يحصل بعد على الموافقة. وضم الرحال ايضاً مجموعة محمد عبدالسلام فرج صاحب كتاب "الفريضة الغائبة"، وكمال السعيد حبيب ومجموعته، ثم عصام القمري وعبود الزمر وايمن الظواهري. هذه المحاولة هي التي اسفرت عن قيام تنظيم "الجماعة الاسلامية" الذي ظل متماسكاً حتى وقع الخلاف الشهير العام 1983. غير ان تحولاً مهماً حدث العام 1985 - حسبما تقول مصادر في "الجماعة الاسلامية" رفضت ذكر اسمها - ساهم في تغيير مسار "الجماعة" وتنظيم "الجهاد"، اذ لم يعد التركيز على عمليات عنف في الداخل هو شاغلهما، وانما امتد تفكيرهما الى خارج مصر. في 1985 سافر ايمن الظواهري الذي تزعم تنظيم "الجهاد" المنشق عن "الجماعة" الى بيشاور، وخلال الاعوام التالية وحتى 1989 اضحى نقطة ارتكاز ومحطة استقبال لعناصر "الجماعة الاسلامية" وتنظيم "الجهاد" المسافرة الى بيشاور للانضمام الى صفوف المجاهدين الافغان. قيادات في الخارج وتقول مصادر في "الجماعة الاسلامية" ان وجود عناصر قيادية في بيشاور، منها محمد شوقي الاسلامبولي ورفاعة احمد طه ومصطفى حمزة، فضلاً عن قائد "الجهاد" ايمن الظواهري، سمح باقامة علاقات تنظيمية واسعة مع رموز وحركات اسلامية عربية وباكستانية وافغانية. وتدلل على ذلك بالعلاقة بين "الجماعة الاسلامية" والجبهة الاسلامية للانقاذ الجزائرية، ووصلت إلى حد زواج اسامة رشدي وهو احد رموز "الجماعة" من ابنة الشيخ عباسي مدني زعيم جبهة الانقاذ. كما كانت - وربما لا تزال - هناك علاقة مع علي بلحاج، الرجل الثاني في جبهة الانقاذ. وتؤكد المصادر ان الشيخ عبدالله عزام شيخ المجاهدين العرب في بيشاور، وهو فلسطيني الجنسية، ساهم في ترتيب لقاءات تنظيمية بين الظواهري والاسلامبولي ورفاعة طه مع رموز الحركات الاسلامية المعارضة في اليمن والجزائر والسودان، فضلاً عن توثيق عرى العلاقة بين "الجماعة الاسلامية" وحكمتيار زعيم الحزب الاسلامي الافغاني. ويقول الدكتور رفعت سيد احمد: "اعتقد بأن ما نجم عن تجربة بيشاور هو علاقات وارتباطات مع تنظيمات اسلامية غير مصرية، لم تصل الى درجة تأسيس تنظيم اممي موحد. وكان هناك تنسيق سمح للجماعة الاسلامية المصرية بامتلاك ادوات الاتصال مع عناصرها داخل مصر، مثل الفاكسيملي، والنشرات الاعلامية، ووفر قنوات لاصدار تعليمات تنظيمية الى خلايا الجماعة الاسلامية والجهاد في الداخل، وتوجيه عمليات العنف. غير انه بمجرد انتهاء الجهاد في افغانستان عاد بعض افراد التنظيمات الاسلامية الى بلاده. ومعروف ان بعض افراد هذه التنظيمات ذهب في وقت لاحق الى الجمهوريات الاسلامية جنوب الاتحاد السوفياتي السابق والى البوسنة، لتشكيل فيالق عسكرية للمشاركة في الجهاد هناك، فيما ذهبت قياداتها الى اوروبا لاقامة مراكز اتصال واعلام هناك". مشروع "الجبهة الاسلامية" وتتوقف مصادر "الجماعة الاسلامية" عند مشروع "الجبهة الاسلامية" الذي طرحه عبود الزمر في 15 ايار مايو 1991 باعتباره مشروعاً اممياً، وإن انطلق من قاعدة توحيد الجماعات الاسلامية المختلفة، بما في ذلك "الاخوان المسلمون" داخل مصر اولاً. وتقول: "ان تنظيم الجهاد لم يختلف على مضمونه، وانما تشككت قياداته من احتمالات سيطرة الجماعة الاسلامية على المستويات القيادية للجبهة، في حين ان جماعة الاخوان المسلمين تجاهلته تماماً. والمشروع الذي لم ير النور كان يتبنى فكرة دمج الاطر التنظيمية الاسلامية داخل مصر، والانطلاق نحو دمج التنظيمات المماثلة في البلاد العربية وامتداداتها في اوروبا، على ان يكون "ميثاق العمل الاسلامي" الذي اعده عصام دربالة وناجح ابراهيم وثيقة فكرية للتنظيم الاممي، وهي تختلف مضموناً عن المشروع الاخواني، وعن مشروع الترابي المتمثل في المؤتمر الشعبي العربي الاسلامي". وتؤكد المصادر ان رفض تنظيم "الجهاد" مشروع الجبهة الاسلامية لم يثن "الجماعة الاسلامية" عن مواصلة عملها خارج مصر، وفق تصور يذهب الى اعتبار العناصر القيادية الموجودة في غير عاصمة اوروبية نواة لفروع تنظيمية خارجية. وتلك القيادات هي: عمر عبدالرحمن نيويورك، طلعت فؤاد قاسم الدنمارك، هاني السباعي بروكسيل، عادل عبدالمجيد لندن، عادل عبدالقدوس النمسا، محمد شوقي الاسلامبولي البوسنة مصطفى حمزة الخرطوم، رفاعة احمد طه وهو المسؤول عن التنسيق بين المجموعات القيادية في الخارج. وتقول المصادر نفسها انه في العام 1993 شكل مجلس شورى الخارج من عشرة اعضاء، بعضهم من الحاصلين على حق اللجوء السياسي في عواصم اوروبية، وان الدكتور عمر عبدالرحمن كان المرجع الفقهي للمجلس، في حين ان رفاعة احمد طه عين "اميراً" للمجلس. ومثل مشروع "الجبهة الاسلامية" محاولة جديدة لتخطي الخلاف بين اسلوب "الجهاد" القائم على اساس العمل الانقلابي بعيداً عن عمل دعائي سياسي، واسلوب "الجماعة الاسلامية" القائم على العمل الدعائي السياسي والعسكري في آن واحد. مجلس شورى الداخل واتفق ايضاً على وجود هيئة مرجعية لقيادة العمل في الداخل، وهي أعلى هيئة فكرية وحركية ل "الجماعة الاسلامية" وفق لوائحها الداخلية، تضم عبود الزمر وكرم زهدي وناجح ابراهيم واسامة حافظ وفؤاد الدواليبي وعصام دربالة، والأخير تعتبره المصادر "المُنظر" للجماعة. ونظراً إلى وجود جميع اعضاء هيئة المرجعية في السجون، اتفق على تشكيل مجلس شورى آخر من "امراء" المحافظات، يتغير طبقاً لظروف القبض على عناصره القيادية. وتقول مصادر "الجماعة" ان مجلس شورى الخارج نشط في الاتصال بحركات اسلامية معارضة، تتبنى فكرة "الجهاد". وتزعم ان عناصر قيادية واخرى وسيطة في "الجبهة الاسلامية القومية" التي يتزعمها الترابي تقدم دعماً إلى "الجماعة الاسلامية"، في حين للترابي شخصياً آراء ليست ايجابية في اسلوب "الجماعة"، والعكس صحيح. وتشير، من دون ان تقدم أدلة، الى وجود اتصالات واسعة مع عناصر جهادية ناشطة في ليبيا، وتنفي وجود علاقات تنسيقية او تنظيمية مع جماعات تونسية، خصوصاً في الفترة الأخيرة. لكن هناك علاقات مع عناصر قاعدية في هذه الجماعات، وان منهج "الجماعة الاسلامية" هو تكوين علاقات مع العناصر القاعدية في التنظيمات الاسلامية التي تختلف حركياً معها. وتؤكد المصادر ان الامتداد التنظيمي ل "الجماعة" خارج مصر قطع شوطاً مهماً على الصعيد الفكري، وهناك عناصر قيادية فيها تمارس مهمة التثقيف لعناصر تنظيمية غير عربية. ويستبعد المحامي الزيات فكرة تأسيس تنظيم هرمي عالمي "نظراً الى تفاوت ظروف الحركة الاسلامية في كل بلد، الأمر الذي يجعل مهمة تأسيس تنظيم واحد أمراً صعباً". لكنه لا يستبعد التنسيق الفكري، وتبادل الأدبيات والكتب التي تعكس الاجتهادات النظرية، او المواقف السياسية. وتعترف مصادر "الجماعة الاسلامية" بأن جهود الحكومة المصرية في مطاردة عناصرها في الخارج، حققت متاعب كثيرة لقادتها في اوروبا. وتعتبر أن الاختفاء الغامض لطلعت فؤاد قاسم المعروف اعلامياً ب "ابو طلال القاسمي"، ويحمل الجنسية الدنماركية، اصاب مجلس شورى "الجماعة" في الخارج بالارتباك، نظراً إلى دور قاسم مسؤولاً اعلامياً، وصلاته وعلاقاته الواسعة برموز الحركات الاسلامية المعارضة في العالم العربي وخارجه. كما تؤكد ان صدور حكم بالسجن مدى الحياة على الشيخ عبدالرحمن في اميركا سيؤدي الى افتقاد "الجماعة" مرجعاً فقهياً مهماً كانت تستند الى فتواه في تحركاتها. لكنها لم تستبعد ان يكون غياب عبدالرحمن فرصة لتحقيق الوحدة الاندماجية بين "الجماعة" و"الجهاد"، بسبب الخلاف الشهير على "امارة" الشيخ عبدالرحمن عام 1983، خصوصاً انه صار يجمع صفتين ضرير وأسير لا تؤهلانه ل "إمارة" التنظيم. الاختفاء يلجم الحوار وتشير مصادر "الجماعة" إلى ان الجهود السياسية التي بذلتها مصر في العامين المنصرمين لاقناع دول اوروبا، وقبلهما باكستان ودول عربية اخرى منها اليمن، بخطورة ايواء العناصر القيادية ل "الجماعة الاسلامية"، او منحها حق اللجوء السياسي، حالت دون استكمال الأسس والحوارات لبناء هياكل تنظيمية مع تنظيمات عربية واجنبية، كما أن رفاعة احمد طه ومصطفى حمزة ومحمد شوقي الاسلامبولي اضطروا إلى الاختفاء في الدول التي يقيمون فيها حالياً، ما حجّم نشاطهم في توثيق العلاقات مع تنظيمات اسلامية معارضة، واستكمال حوارات التنسيق التنظيمي. ويذكر ان السلطات الامنية المصرية نجحت اخيراً في القبض على اكرم عبدالعزيز الشريف الذي يحمل الجنسية البريطانية، وهو متهم ضمن 67 آخرين، احالتهم السلطات الامنية على القضاء في كانون الاول ديسمبر الماضي. وقالت مصادر أمنية ان الشريف ابرز مساعدي العضو القيادي عادل عبدالمجيد الذي يقيم في لندن حالياً، في حين ترى مصادر "الجماعة" ان اختفاء طلعت قاسم يعتبر ضربة امنية قاسية وجهت الىها تكشف الاصرار على تتبع الخلايا العنقودية في الخارج قبل ان تنضج وتصبح تنظيماً اممياً. وتؤكد مصادر امنية نجاح خطتها في "تجفيف منابع التطرف والارهاب في الخارج". وتشير الى تسلم مصر عدداً من قيادات "الجماعة الاسلامية" و"الجهاد" العام الماضي من دول عدة عربية واجنبية، و"تمكن الاجهزة الامنية من الحصول على معلومات مهمة عن الخريطة التنظيمية للجماعتين في الخارج ساهمت في احباط مخططاتهما في الداخل". وكان حسني السيد البحيري المتهم الثالث في قضية "العائدون من السودان" كشف أثناء التحقيقات وجود علاقات تنظيمية بين "الجماعة الاسلامية" وتنظيمات اسلامية غير عربية، سهلت له السفر الى بيشاوروالخرطوم وصنعاء قبل القبض عليه ضمن مجموعة اخرى صدرت عليها احكام بالاعدام. ويرى مراقبون ان هناك مشروعاً تنظيمياً أممياً ل "الجماعة الاسلامية" و"الجهاد" لم تكتمل اركانه بعد، وإن كانت مؤشراته تتبدى في علاقات تنسيقية مع مجموعات مماثلة. وفي المقابل هناك رصد امني ومتابعة تواكبهما جهود ديبلوماسية لمحاصرة نشاط هاتين الجماعتين في الخارج، ومنعهما من تحويل علاقات التنسيق الى أطر أممية اوسع.