«الاستثمار العالمي»: المستثمرون الدوليون تضاعفوا 10 مرات    قيود الامتياز التجاري تقفز 866 % خلال 3 سنوات    رئيسة (WAIPA): رؤية 2030 نموذج يحتذى لتحقيق التنمية    سعود بن مشعل يشهد حفل "المساحة الجيولوجية" بمناسبة مرور 25 عامًا    السد والهلال.. «تحدي الكبار»    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    أمطار على مكة وجدة.. «الأرصاد» ل«عكاظ»: تعليق الدراسة من اختصاص «التعليم»    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    إسماعيل رشيد: صوت أصيل يودّع الحياة    من أجل خير البشرية    وفد من مقاطعة شينجيانغ الصينية للتواصل الثقافي يزور «الرياض»    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    مملكتنا نحو بيئة أكثر استدامة    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    في الشباك    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    قمة مرتقبة تجمع الأهلي والهلال .. في الجولة السادسة من ممتاز الطائرة    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    نائب أمير الشرقية يكرم الفائزين من القطاع الصحي الخاص بجائزة أميز    ألوان الطيف    ضاحية بيروت.. دمار شامل    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    حكايات تُروى لإرث يبقى    جائزة القلم الذهبي تحقق رقماً قياسياً عالمياً بمشاركات من 49 دولة    نقاط شائكة تعصف بهدنة إسرائيل وحزب الله    أهمية قواعد البيانات في البحث الأكاديمي والمعلومات المالية    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    تطوير الموظفين.. دور من ؟    السجن والغرامة ل 6 مواطنين ارتكبوا جريمة احتيالٍ مالي    قصر بعظام الإبل في حوراء أملج    كلنا يا سيادة الرئيس!    القتال على عدة جبهات    معارك أم درمان تفضح صراع الجنرالات    الدكتور ضاري    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    صورة العام 2024!    ما قلته وما لم أقله لضيفنا    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    وزير الخارجية يطالب المجتمع الدولي بالتحرك لوقف النار في غزة ولبنان    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    أمير الشرقية يستقبل منتسبي «إبصر» ورئيس «ترميم»    الوداد لرعاية الأيتام توقع مذكرة تعاون مع الهيئة العامة للإحصاء    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    الأهل والأقارب أولاً    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" تزور قواعدهم ومراكزهم وتحاور عدداً منهم : "الأفغان العرب": مجاهدون ... أم إرهابيون ؟
نشر في الحياة يوم 15 - 02 - 1993


"الأفغان العرب" هل هم مجاهدون أم ارهابيون؟
يتوقف الامر على موقع صاحب الجواب. فالمسؤولون في عدد من الدول العربية - خصوصاً في الجزائر ومصر وتونس - يعتبرون ان "المئات" من هؤلاء المقاتلين العرب الذين جاؤوا الى افغانستان مطلع الثمانينات من دول مختلفة فحاربوا الى جانب المجاهدين الى ان تحررت البلاد، وتلقوا تدريباً عالياً على اساليب حرب العصابات وعلى استخدام مختلف انواع الاسلحة والمتفجرات… المئات منهم تخلوا عن الجهاد بعدما انتهى زمان الجهاد، وتحولوا الى "قنابل متحركة" يضربون ويزرعون العنف ويغتالون "رموز الدولة" ويهاجمون مؤسساتها ومبانيها. بل ان هؤلاء، بالنسبة الى عدد من الحكومات العربية، هم "الذراع المسلح" لحركات وتيارات اسلامية تريد اسقاط النظام في هذا البلد او ذاك. ويذهب آخرون الى حد القول ان هؤلاء "المئات" من "الافغان العرب" هم جزء من "تنظيم اصولي دولي" او "حركة اسلامية ثورية متطرفة" تلقى دعماً من مسؤولين ايرانيين ومن الجبهة القومية الاسلامية في السودان بقيادة الدكتور حسن الترابي.
لكن الافغان العرب، الذين لا يزالون في بيشاور باكستان او افغانستان، ينفون ذلك كلياً. البعض منهم يعترف بإنه يعمل ضد هذا النظام او ذاك، لكن لا احد منهم يقول ان مثل هذا العمل - ولو كان مسلحاً - يدخل في اطار "النشاط الارهابي". وهؤلاء النشطون في مصر والجزائر وتونس - واليمن في الآونة الاخيرة - يعتبرون نشاطهم جزءاً من "الجهاد الجديد" الهادف الى تغيير النظام في هذا البلد او ذاك.
وبالطبع هذا ليس رأي حكومات الدول العربية المستهدفة من قبل هؤلاء "الافغان العرب".
"الوسط" نشرت في عددها الرقم 24 الصادر يوم 13 تموز يوليو الماضي، وقبل اية مجلة سياسية عربية اخرى، تحقيقاً كبيراً شاملاً عن "الافغان العرب"، كما نشرت، في اعداد لاحقة، تحقيقات عن نشاطات هؤلاء "الافغان العرب" في مصر والجزائر وتونس واليمن وبعض الدول الاخرى.
لكن "الوسط" رأت ان تقدم "الوجه الآخر" لهؤلاء "الافغان العرب". وعلى هذا الاساس توجه موفد "الوسط" جمال خاشقجي الى بيشاور وزار مراكز و"قواعد" "الافغان العرب" وتحاور مع عدد من ممثليهم ووجوههم البارزة بهدف الاطلاع على اوضاعهم وظروفهم وطريقة تفكيرهم. كما ان "الوسط" اجرت حواراً قصيراً - لعله الاول من نوعه في الصحافة العربية - مع محمد شوقي الاسلامبولي شقيق خالد الاسلامبولي الرجل الذي اغتال الرئيس انور السادات. ويعتبر محمد شوقي الاسلامبولي من ابرز "الافغان العرب" النشطين ضد حكوماتهم وقد صدر بحقه في كانون الاول ديسمبر الماضي حكم بالاعدام.
ليس هناك رقم محدد ودقيق لعدد هؤلاء "الافغان العرب" الذين لا يزالون مقيمين في باكستان او افغانستان. البعض يقول ان عددهم يبلغ "الفين او ثلاثة آلاف" والبعض الآخر يقول ان عددهم اقل من ذلك ولا يتجاوز 1500 شخص. وهم ينتمون الى دول عربية ابرزها سورية ومصر وفلسطين والجزائر وتونس والسودان وليبيا. لكن هل لا تزال لديهم بالفعل معسكرات تدريب في باكستان؟ المصادر الباكستانية الرسمية تنفي ذلك. لكن مصادر مطلعة اكدت لپ"الوسط" انه لا يزال هناك على الاقل معسكرا تدريب لهؤلاء العرب في افغانستان. المعسكر الاول يقع شرق مدينة جلال آباد وهو تابع للحزب الاسلامي برئاسة قلب الدين حكمتيار، والمعسكر الثاني في جنوب افغانستان. عدد من هؤلاء العرب يتدرب في هذا المعسكر او ذاك ثم يتوجه الى هذه الدولة العربية او تلك، والبعض الآخر ينتظر داخل افغانستان نفسها.
كيف يعيش ويفكر الافغان العرب؟ التحقيق الآتي الذي كتبه جمال خاشقجي بعد زيارته لبيشاور يجيب عن السؤال.
بيشاور، اكثر مدن باكستان ارتباطاً بأفغانستان وقضيتها طوال سنوات الجهاد ضد المحتلين السوفيات وانصارهم، فقدت اليوم الكثير من طابعها "الافغاني" المثير. فقد كانت هذه المدينة، الواقعة على مسافة قريبة من الحدود الافغانية، وحتى اشهر قريبة، تعج بزعماء المجاهدين الافغان الذين اتخذوها قاعدة ومركزاً سياسياً لهم، وبالمقاتلين الذين جعلوها استراحة لهم.
وكانت بيشاور، ايضاً، "عاصمة" الافغان العرب، هؤلاء المتطوعون الآتون من دول عربية عدة، اما للقتال الى جانب المجاهدين الافغان او للعمل في اغاثة اللاجئين الافغان، جنباً الى جنب مع متطوعين اوروبيين ومن دول اسلامية عدة.
وكان منظراً طبيعياً ان يتواجه المجاهد العربي في زيه الافغاني في احد ازقة بيشاور مع الاوروبية العاملة في الاغاثة المرتدية الشروال والقميص الباكستاني من دون ان يحيي احدهما الآخر على رغم انهما جاءا لخدمة قضية واحدة، فالاوروبية تخشى العربي الذي تلاحقه قصص عن فظاظته ودمويته وكرهه لغير المسلمين، اما العربي فليس مستعداً لتبادل المجاملات مع اوروبية سافرة وقد جاء من بلده طلباً "لحياة اسلامية نقية" وجهاد قد يوصله الى "الشهادة في سبيل الله".
ووفرت بيشاور هذه الحياة لآلاف من العرب الذين قصدوها منذ اوائل الثمانينات غير ان البداية كانت متواضعة جداً. تحدث الى "الوسط" عصام الليبي عن تلك الفترة فقال: "لم يتأسس مكتب الخدمات مضافة الانصار الخاصة بالعرب الا عام 1984، وقبل ذلك كنا نعمل مباشرة مع المجاهدين وبالتحديد الشيخ سياف الذي كان اميراً لاتحاد المجاهدين، وكان الوضع صعباً جداً والمشاكل عديدة".
كان العرب الاوائل الذين وصلوا الى بيشاور والتحقوا في صفوف المجاهدين "لاجئين سياسيين" من دون ان يعلنوا ذلك، فمعظمهم من سورية والعراق. وكان الاخوان المسلمون في سورية مشتبكين آنذاك مع الحكومة السورية في معركة دامية جعلت منهم مصدراً للمجاهدين العرب، خصوصاً بعد الضربة التي تلقوها في حماه عام 1982. وتميز السوريون عن غيرهم من العرب بأنهم كانوا اصحاب خبرة عسكرية وكثير منهم من ضباط الجيش السوري، فرحب بهم الافغان لما وجدوا عندهم من خبرة عسكرية يحتاجونها، خصوصاً في صفوف الحزب الاسلامي الذي يقوده قلب الدين حكمتيار اذ كان الانشط عسكرياً داخل افغانستان. ولا يزال السوريون يشكلون حالياً اغلبية "عرب بيشاور" بعدما رحل الآخرون. فمعركة الاخوان والنظام السوري، لم تنته بعد - وفقاً لما يقوله عدد من السوريين في بيشاور - كما ان اغلبهم لا يحملون جوازات من الحكومة السورية تسمح لهم بمغادرة باكستان الى أماكن اخرى.
وعانى العرب الذين لا يرغبون في العودة الى اوطانهم لاسباب امنية اياماً قلقة منذ ان اعلنت الحكومة الباكستانية الشهر الماضي عزمها على اغلاق مكاتب الاحزاب الافغانية وابعاد المقيمين بصورة غير قانونية على ارضها. وفسر القرار بأنه يمس آلاف عدة من العرب المقيمين في بيشاور. وبالفعل غادر بيشاور عدد منهم، ومن بين هؤلاء ناشطون في الجماعة الاسلامية او جماعة الجهاد المصرية، وابرزهم محمد شوقي الاسلامبولي شقيق خالد الاسلامبولي الضابط الذي اغتال الرئيس انور السادات، وتردد انه توجه الى افغانستان وبالتحديد الى جلال اباد التي تعيش آمنة حتى الآن من الصراعات الحزبية الدامية الدائرة في كابول بين تنظيمات المجاهدين.
غير ان قلقهم ما لبث ان تلاشى، ذلك ان الحكومة الباكستانية لم تبعد احداً او تسلم اياً منهم الى سفارة بلاده كما تردد الشهر الماضي، وحصل هؤلاء العرب على تأكيدات من بعض الاحزاب السياسية، خصوصاً الدينية منها، كالجماعة الاسلامية وجماعة علماء الاسلام بأنها ستضغط على الحكومة الباكستانية لمنع ترحيلهم الى اوطانهم، كما اكد مسؤولون باكستانيون ان العرب لن يرحّلوا طالما انهم موجودون بصورة قانونية في باكستان، ومع وجود عدد كبير من هيئات الاغاثة الاسلامية والجامعات والمعاهد لم يكن من الصعب تعديل الاوضاع القانونية وتقديم مبرر لبقاء العرب. وقالت مصادر المفوضية العامة للمهاجرين الافغان ان منظمات الاغاثة الاسلامية التي يبلغ عددها حوالي 15 الف منظمة توظف ما يزيد على 700 عربي.
وكان المفوض العام روستم شاه مهمند واضحاً في حديثه الى "الوسط" عندما اكد ان بلاده "لن تقدم على تسليم الشباب العرب الى دولهم او سفاراتهم". وقال ان على الدول "التي تدعي ان مواطنيها المقيمين في بيشاور قاموا بأعمال ارهابية ان تعلم السلطات الباكستانية بذلك، وستقوم الجهات المعنية في باكستان بالتحقيق، واذا ثبت صحة الاتهام سنطلب منهم مغادرة البلاد". وتعتبر المفوضية العامة للمهاجرين الجهة المخولة من الحكومة الباكستانية للتعامل مع ملايين المهاجرين الافغان ومنظمات الاغاثة الغربية والاسلامية وكذلك المتطوعين العرب.
وأكد مهمند ايضاً ان المنظمات الاغاثية المسجلة رسمياً "تستطيع الاستمرار في اعمالها من دون اية مشاكل، لكن المنظمات غير المسجلة يجب عليها ان تتوقف عن العمل في مدة اقصاها نهاية آذار مارس المقبل".
هيئة الاغاثة الاسلامية
ويقول يوسف الحمدان، وهو مهندس سعودي يدير مكتب هيئة الاغاثة الاسلامية في بيشاور، ان المسؤولين الباكستانيين اكدوا له ان لا تغيير في سياسة باكستان تجاه منظمات الاغاثة الاسلامية شرط "الا يحمل احد العاملين فيها اوراقاً مزورة او يعمل في التهريب او المخدرات". ويضيف الحمدان: "هذه مسائل نحن ابعد ما نكون عنها منذ البداية، فنحن ما جئنا هنا الا خدمة للدين والجهاد". وتعتبر هيئة الاغاثة الاسلامية اكبر الهيئات العاملة في اغاثة المهاجرين الافغان ولها نشاط واسع منذ اكثر من 6 اعوام في داخل افغانستان، وبلغت موازنتها هذا العام 45 مليون ريال سعودي 12 مليون دولار اميركي.
ويقدم يوسف الحمدان نموذجاً لمجاهد تحول الى العمل الاغاثي. فعندما وصل الى بيشاور قبل 5 اعوام بعدما ترك عمله كمدير لادارة شبكة كهرباء جدة عمل مع المجاهدين العرب، خصوصاً مع اسامة بن لادن الذي اجتمعت حوله اكبر مجموعة من العرب، ويرى الحمدان اتفاقاً في الناشطين "ما كنا نستطيع فعل الكثير وايصال المساعدات الى مختلف المناطق داخل افغانستان من دون مساعدة المجاهدين العرب فهم الذين يستطيعون حماية القوافل ويعرفون القادة العسكريين ويحمون المستشفيات والمدارس في الداخل".
وكان الشيخ عبدالله عزام الذي قتل مع اثنين من ابنائه قبل ثلاثة اعوام في عملية اغتيال اتهمت به "الخاد" الاستخبارات الافغانية اول من سن جمع "الجهاد والاغاثة"، فبعد ان استقر في بيشاور مشكلاً اول خلية للمجاهدين العرب في اوائل الثمانينات انتظمت الامور في مكتب الخدمات الذي لا يزال ينشط في العمل الاغاثي في افغانستان وامتد نشاطه الى كشمير شرقاً والبوسنة غرباً، ويتفرع عن المكتب بيوت للضيافة اشتهرت في سنوات ازدهار الجهاد الافغاني 1985 - 1991 حيث استضافت مئات من العرب بعضهم كان يمضي ما بين بيشاور ومعسكرات التدريب في المناطق الحدودية في افغانستان شهراً واحداً واجازة صيف يعود بعدها الى بلاده.
وطور صيغة الجهاد ثلاثة افراد اصبحوا محوراً لنشاط المجاهدين العرب، فبالاضافة الى الشيخ الفلسطيني عبدالله عزام الذي تولى التوجيه والقيادة الروحية كان هناك رجل الاعمال السعودي اسامة بن لادن الذي تولى التمويل وامارة المجاهدين، والناشط الاسلامي السعودي وائل جليدان الذي ترك دراساته العليا في جامعة اميركية ليتولى النواحي الادارية والتنظيم، ومن ثلاثة مواقع مختلفة انطلق الرجال الثلاثة في ارسال بعثات الجهاد والاغاثة الى الولايات الافغانية، وكانت كل بعثة مشكلة من حوالي 10 افراد مهمتهم ايصال الدعم المادي وشراء السلاح للمجاهدين وفتح المدارس والمستوصفات وضمت كل بعثة معلمين واطباء كثيراً ما كانوا يتحولون الى مقاتلين، واستشهد عدد كبير منهم في مختلف الولايات الافغانية كما وقع بعضهم اسرى ولم يخرجوا من سجن بولي شرقي الرهيب في كابول الا بعد سقوطها في ايدي المجاهدين في نيسان ابريل الماضي، ولا يزال المنهج نفسه مستمراً في بيشاور، ويتحدث يوسف الحمدان عن طبيب مصري اسمه الدكتور عبدالرحمن توجه الى قندز في اقصى الشمال الافغاني لخدمة اللاجئين الطاجيك بلا راتب، ويقول الحمدان "لقد اخبرته ومعه عدد آخر من المتطوعين انني لا أملك موازنة للعمل بين الطاجيك وان هيئة الاغاثة تريد ارسال ادوية ومؤن لهم، ولكن ليس لدي ما ادفعه كرواتب فوافق بلا تردد". واستقل الدكتور عبدالرحمن اول طائرة انطونوف تابعة للحكومة الافغانية تغادر من بيشاور الى قندز ومعه كمية من المؤن والادوية لاغاثة حوالي مئة الف لاجئ طاجيكي مكرراً بذلك ما فعله قبل سنوات مع الافغان.
"حرب الاخوان"
ويراهن بعض العرب على قضية الطاجيك كبديل آخر لنصرة الجهاد ويجدون فيها تشابهاً مع افغانستان. وكانت عودة الشيوعيين الى الحكم في طاجكستان بالقوة وطردهم للحكومة الائتلافية المشكلة من الاسلاميين والوطنيين فجرت الاوضاع في الجمهورية السوفياتية السابقة المتاخمة لافغانستان واندلعت فيها حرب اهلية قصيرة كانت الغلبة فيها للشيوعيين السابقين الذين وجدوا دعماً من جمهورية اوزبكستان المجاورة والقوات الروسية المرابطة في طاجكستان، ويتردد ان حزب النهضة الاسلامي الذي كان الطرف الرئيسي في الائتلاف السابق ينظم اوضاعه ويستعد لاعلان الجهاد متخذاً من افغانستان قاعدة له وينتقل رئيسه محمد شريف ما بين بيشاور وكابول وقندز ملتقياً بالقادة الافغان. غير ان انشغال الافغان بصراعهم الداخلي حرمه من الحصول على دعمهم الكامل حتى الآن.
واكدت مصادر عربية في بيشاور لپ"الوسط" ان العرب يتباحثون حالياً مع الحكومة الافغانية لتأجيرهم مجمعاً سكنياً في مدينة قندز كان يستخدمه الضباط السوفيات خلال احتلالهم لافغانستان، وان مسؤولي الولاية وافقوا على ذلك، ولا تستبعد المصادر ان يتوجه كثير من العرب بعوائلهم الى هناك، الامر الذي قد يحول قندز الى بيشاور الجديدة.
وقد امتنع المجاهدون العرب عن المشاركة في "حرب الاخوان" الجارية حالياً في كابول. والمقصود بذلك الحرب بين القوات الموالية للرئيس الأفغاني برهان الدين رباني ووزير دفاعه احمد شاه مسعود من جهة، وقوات التحالف الذي يتزعمه حكمتيار رئيس الحزب الاسلامي من جهة اخرى، ويجد عدد كبير من المجاهدين العرب انفسهم اليوم بلا عمل مما يدفعهم الى العمل الاغاثي او التوجه الى البوسنة او كشمير. غير ان الحكومة الباكستانية التي ترحب بالمساعدات الانسانية كما تغض الطرف عن معسكرات التدريب في "كشمير الحرة" التي توفرها بعض المنظمات الاسلامية بالاضافة الى الاسلاميين الباكستانيين، ابلغت المسؤولين عن المجاهدين العرب انها "لا تريد مطلقاً عرباً يتسللون الى كشمير للمشاركة في الانتفاضة والعمليات الفدائية التي ينفذها المجاهدون الكشميريون في الجزء الذي "تحتله" الهند". ويقوم بمعظم النشاط هناك "حزب المجاهدين" الذي يحظى بدعم المؤسسات العربية وتدرب مئات من افراده في معسكرات تابعة للحزب الاسلامي حكمتيار في افغانستان غير انه، على رغم التحذيرات الباكستانية، شارك بعض العرب في اعمال قتالية داخل كشمير وسقط اول شهدائهم هناك وعرف بابو عبدالحميد.
وفي ما يتعلق بالخلاف الدائر في كابول انقسم العرب الى اغلبية تقف على الحياد وتصف الخلاف بأنه "فتنة" مع وجود افراد احتفظوا بولائهم القديم للقادة الافغان الذين عملوا معهم.
الدور الايراني
ويتحدث الكثيرون عن "الدور الايراني" في افغانستان. وقال احدهم ان الايرانيين يكافئون الشيعة الافغان عندما يأسرون عربياً. واخرج من جيبه صورة شاب جزائري وقع اسيراً في ايدي حزب الوحدة الشيعي الافغاني الموالي لطهران مع ستة عرب آخرين من الجزائر ومصر والمغرب يعملون في مكتب الخدمات.
ومن المستبعد ان تتطور علاقة ايجابية بين الافغان العرب وايران نظراً الى تركيز الخلافات المذهبية بين السنة والشيعة. كما ان "الاخوان" السوريين لا يثقون كثيراً بالايرانيين، ويبقى المصريون والعراقيون على علاقة محدودة بإيران، فالزعيم الروحي لحركة الجهاد المصرية عمر عبدالرحمن طور علاقة تعاون مع ايران، اما العراقيون فيمرون عبر ايران للعودة الى كردستان "المحررة"، ولا يقتصر ذلك على الاكراد منهم وانما يشمل ايضاً العرب العراقيين السنة الذين انضموا تحت لواء الحركة الاسلامية الكردية التي يقودها الشيخ علي عبدالعزيز.
ومع مغادرة المجاهدين الى اوطانهم او الى البوسنة او داخل افغانستان وانصراف من تبقى منهم لاعمال الاغاثة، اخذ المجتمع العربي في بيشاور يستقر في نوع من الحياة "المدنية" بعيداً عن عسكرية الجهاد، فأغلقت دور الضيافة التي كانت اشبه بالمعسكرات مع ضبط وربط وتوجيه معنوي وترك العرب بيشاور المزدحمة الى ضاحية هادئة قريبة منها تسمى حيات آباد وانتظموا في حياة عائلية رتيبة، فأبناؤهم يتعلمون في مدرستين عربيتين، احداهما تقدم المنهج التعليمي السعودي والثانية المنهج اليمني، وتوجه بعضهم الى اكمال تعليمه في جامعة بيشاور التي تأسست في عهد الامبراطورية البريطانية، وانصرف البعض الآخر الى التجارة وتصدير العسل والفواكه والسجاد، خصوصاً الى دول الخليج. وافتتح آخرون مكتبات تجارية ومطاعم.
الجزائريون و"الكفاح المسلح"
ووجد بعضهم الوقت الكافي لتأليف الكتب، مثل ابو زياد المكي الذي نشر رسالة "متى وكيف تسقط الحكومات"، في 27 صفحة فقط. وهناك من كان اكثر جدية مثل عمر عبدالحكيم السوري الذي الف كتاباً مثيراً للجدل عن "الثورة الاسلامية الجهادية في سورية" أرخ فيه لحركة الاخوان في سورية، وكشف تفاصيل عن علاقات مختلف المشايخ والتنظيمات داخل الحركة، وكان جريئاً في نقده للجميع.
فعمر عبدالحكيم، المقيم في بيشاور، لا يكتفي فقط بانتقاد الحكومة السورية بل ايضاً الاخوان المسلمين السوريين الذين قاتل الى جانبهم. ويقدم المؤلف في الجزء الثاني من كتابه الواقع في اكثر من 800 صفحة عرضاً لفلسفته في "الفكر الجهادي". ويبدو واضحاً انه تأثر بآراء وافكار جماعة الجهاد المصرية التي ترفض الانتخابات والمشاركة فيها كما ترفض التحالف مع القوى غير الاسلامية ولا تعترف بالحكومات القائمة.
الجزائريون في بيشاور حافظوا على آخر دور للضيافة، لكنهم يبدون منقسمين بين تيار يؤيد الجبهة الاسلامية للانقاذ وآخر يؤيد حركة حماس الجزائرية بزعامة الشيخ محفوظ نحناح.
وعلمت "الوسط" من مصادر وثيقة الاطلاع في بيشاور ان افراد المجموعة المؤيدة لجبهة الانقاذ سيسعون الى العودة الى الجزائر "للمشاركة في العمل المسلح" ضد السلطات هناك. ويقود هذه المجموعة في بيشاور عبدالله انس الذي عمل مع احمد شاه مسعود منذ عام 1985 ولا يزال مقرباً منه وتزوج ابنة الشيخ عبدالله عزام. اما افراد المجموعة الثانية المؤيدة لپحماس فيتوقع ان يتحولوا الى "المجتمع المدني البيشاوري" او يتوجهون الى دول عربية أو اوروبية طلباً للعلم.
وبينما يجد المصريون والتونسيون والسوريون صعوبة في التعامل مع سفارات بلدانهم في اسلام اباد، يتوجه الجزائريون بكل حرية الى سفارة بلادهم لتجديد جوازاتهم او اضافة ابنائهم او الحصول على تعريف. وينفي المسؤولون الجزائريون انهم طلبوا من باكستان اعادة الجزائريين الى بلدهم ويرفضون الادلاء بأية تصريحات صحافية ويكتفون بالقول "انهم يقدمون الخدمات المعتادة لكل مواطن جزائري خارج وطنه".
أما اليمنيون - وكان عددهم كبيراً - فقد عادوا الى وطنهم واغلقوا دور الضيافة الخاصة بهم. وكان لليمنيين معسكرات تدريب عدة في باكستان وافغانستان. كذلك فإن السعوديين والخليجيين لم يجدوا اية صعوبة في العودة الى بلادهم ولا يزال عشرات منهم يعملون في المجال الاغاثي والانساني، خصوصاً ان للسعودية مشروعاً طموحاً لاعمار افغانستان يقوده مهندس العمارة المعروف الدكتور احمد فريد مصطفى الذي توسع عمله كثيراً.
"أوسمة لا معتقلات"
ارتاح المجاهدون العرب للتطمينات الباكستانية الا انهم يتخوفون من اخطاء عناصر غير منضبطة منهم. قال لنا عبدالله أنس: "جاء وقت كان عشرات من العرب يصلون يومياً الى بيشاور للمشاركة في الجهاد ومعهم اعضاء منتمون الى شتى التنظيمات كالتكفير والخارجين من المعتقلات الحاملين معهم عاهات نفسية بالاضافة الى رجال المخابرات. وهؤلاء لا يعبرون عن المجاهدين العرب الذين جاؤوا لهدف نبيل وهو مناصرة المجاهدين الافغان".
وكانت حادثة اغتيال شاب تونسي في ضاحية حياة اباد العام الماضي كشفت عن وجود "نتؤات" في الجسم العربي في بيشاور اذ اسفرت التحقيقات - التي قام بها بعض العرب بالاضافة الى الشرطة الباكستانية - عن وجود تنظيم للتكفير كان التونسي احد افراده واغتيل قبل يوم واحد من موعد مغادرته بيشاور ترك الضحية مذكرة طويلة مع احد المسؤولين العرب يكشف فيها عن ممارسات خاطئة تجري داخل جماعة التكفير ومنها استباحتهم اموال المنظمات الاسلامية التابعة لدول اعتبروها "كافرة".
وبسبب وجودهم الطويل ونتيجة للخدمات التي يقدمها العرب للافغان وكذلك للباكستانيين في بيشاور وما حولها طور العرب علاقات جيدة بالمسؤولين الباكستانيين بما في ذلك الوزراء في اسلام آباد وقام وفد منهم برئاسة ابو الحسن المدني وائل جليدان مدير مكتب رابطة العالم الاسلامي في باكستان واحد مؤسسي الوجود العربي بين المجاهدين بمقابلة وزير الداخلية شجاعت حسين وحصلوا منه على ضمانات بعدم ابعاد العرب شرط "انضباطهم".
غير ان صحافياً باكستانياً قال لنا ان ابعاد العرب "قد يكون ثمناً بخساً مقابل ان ترفع الولايات المتحدة ضغطها على اسلام اباد في ما يخص قضيتين قوميتين هما المشروع النووي الباكستاني وقضية كشمير".
لذلك يقول العرب انه في اسوأ الظروف ستطلب منهم السلطات مغادرة باكستان لذلك بدأوا يستعدون لهذا الاحتمال واخذوا يبحثون عن بدائل اخرى كالحصول على وظائف في دول عربية او اوروبية. كما وجدت بعض دور الضيافة نفسها في وضع حرج امام مطالبة بعض المجاهدين بمستحقاتهم المالية وكانوا تلقوا وعوداً بالحصول على مستحقات معينة في حال رغبتهم في العودة الى ديارهم. وتعاني دور الضيافة من عجز مالي نتيجة لتوقف التبرعات، ويقدر احد المسؤولين العرب في بيشاور حاجتهم الى حوالي 3 ملايين دولار اميركي من اجل تمويل اعادة المجاهدين العزاب الى اوطانهم او الى اقطار اخرى تستقبلهم. ولم يعد سراً بين العرب ان السودان اصبح محطة "جيدة" يستقر فيها هؤلاء العرب ريثما يرتبون امورهم للعودة الى اوطانهم.
وبقي السؤال المهم الذي يطرحه الكثيرون وهو احتمال وجود تنظيم دولي للحركات الاصولية والمتطرفة يرعى هؤلاء المجاهدين ويوجههم. ويرد على ذلك وائل جليدان بقوله: "ما يجري حالياً من تهجم على المجاهدين العرب الذين سموا بالافغان العرب واتهامهم بالارهاب هو نكران للجميل. فقبل سنوات كانوا هؤلاء ابطالاً كانوا يحاربون امبراطورية الشر السوفياتية وكان الجميع بما في ذلك الاميركيون يعرفون بوجودهم بل يدعمونهم احياناً في مناسباتهم، وفجأة يتحول هؤلاء الى ارهابيين ينبغي ملاحقتهم وابعادهم".
وينفي ابو الحسن المدني، الذي يتنقل حالياً بين باكستان والبوسنة، وجود تنظيم ارهابي دولي يحرك المجاهدين العرب في بيشاور او في افغانستان ويقول: "ما اعرفه عنهم وما خبرته بنفسي انهم جاؤوا من اجل الجهاد. ولو كان هناك تنظيم لوجدنا من يرعى عشرات المعاقين من العرب بسبب الجهاد. لقد نساهم الجميع وتركوهم في بيوت بيشاور" ويختتم حديثه قائلاً "هؤلاء يستحقون اوسمة لا الزج في المعتقلات".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.