فقيه للرعاية الصحية تحقق 195.3 مليون ريال صافي ربح في أول 9 أشهر من 2024 بنسبة نمو 49%    البنك الأهلي السعودي يطلق محفظة تمويلية بقيمة 3 مليارات ريال خلال بيبان24    القبض على يمني لتهريبه (170) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    حاكم الشارقة يفتتح الدورة ال 43 من معرض الشارقةالدولي للكتاب    الأمير محمد بن عبدالعزيز يدشّن فعاليات مهرجان شتاء جازان 2025    بانسجام عالمي.. السعودية ملتقىً حيويًا لكل المقيمين فيها    "ماونتن ڤيو " المصرية تدخل السوق العقاري السعودي بالشراكة مع "مايا العقارية ".. وتستعد لإطلاق أول مشاريعها في الرياض    إيلون ماسك يحصل على "مفتاح البيت الأبيض" كيف سيستفيد من نفوذه؟    "البحر الأحمر السينمائي الدولي" يكشف عن أفلام "روائع عربية" للعام 2024    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    الطائرة الإغاثية السعودية ال 20 تصل إلى لبنان    أمانة الشرقية: إغلاق طريق الملك فهد الرئيسي بالاتجاهين وتحويل الحركة المرورية إلى الطريق المحلي    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    أمير منطقة الباحة يستقبل الرئيس التنفيذي للمركز الوطني للأرصاد    محافظ جدة يشرف أفراح آل بابلغوم وآل ناصر    «الإحصاء»: ارتفاع عدد ركاب السكك الحديدية 33% والنقل العام 176%    السعودية بصدد إطلاق مبادرة للذكاء الاصطناعي ب 100 مليار دولار    إصابة فلسطيني برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال اقتحام بلدة اليامون    هاريس تلقي خطاب هزيمتها وتحض على قبول النتائج    الذهب يقترب من أدنى مستوى في أكثر من 3 أسابيع    منتخب الطائرة يواجه تونس في ربع نهائي "عربي 23"    العام الثقافي السعودي الصيني 2025    المريد ماذا يريد؟    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    ترمب.. صيّاد الفرص الضائعة!    ترمب.. ولاية ثانية مختلفة    أربعينية قطّعت أمها أوصالاً ووضعتها على الشواية    قصص مرعبة بسبب المقالي الهوائية تثير قلق بريطانيا    صمت وحزن في معسكر هاريس.. وتبخر حلم الديمقراطيين    «البيئة» تحذّر من بيع مخططات على الأراضي الزراعية    الاتحاد يصطدم بالعروبة.. والشباب يتحدى الخلود    هل يظهر سعود للمرة الثالثة في «الدوري الأوروبي» ؟    «بنان».. سفير ثقافي لحِرف الأجداد    اللسان العربي في خطر    الإصابات تضرب مفاصل «الفرسان» قبل مواجهة ضمك    ربَّ ضارة نافعة.. الألم والإجهاد مفيدان لهذا السبب    الجلوس المطوّل.. خطر جديد على صحة جيل الألفية    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي أستراليا وإندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    الإصابة تغيب نيمار شهرين    التعاون يتغلب على ألتين أسير    الدراما والواقع    يتحدث بطلاقة    سيادة القانون ركيزة أساسية لازدهار الدول    التعاطي مع الواقع    درّاجات إسعافية تُنقذ حياة سبعيني    العين الإماراتي يقيل كريسبو    التكامل الصحي وفوضى منصات التواصل    تقاعد وأنت بصحة جيدة    الأنشطة الرياضية «مضاد حيوي» ضد الجريمة    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    تطوير الشرقية تشارك في المنتدى الحضري العالمي    فلسفة الألم (2)    سلام مزيف    همسات في آذان بعض الأزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" تتجول في عاصمة ايرلندا الشمالية . بلفاست ... مدينة الخوف الدائم وعقدة الوحدة والانفصال !
نشر في الحياة يوم 08 - 04 - 1996

في شارع كروملين، أحد أشهر خطوط التماس في غرب بلفاست عاصمة ايرلندا الشمالية، لا يزال سكان الأحياء المجاورة لمبنى جمعية "فلاكس" الخيرية التي تركز نشاطها على تطبيع العلاقات بين الكاثوليك والبروتستانت يدلفون إلى بوابات المبنى، كل من المدخل الذي يطل على شارعه لتجنب المرور عبر الحي المقابل خوفاً من أعمال انتقامية، رغم جهود الجمعية على مدى السنوات الماضية لجمعهم في نشاطات متنوعة وفرص عمل بهدف تحطيم حاجز الخوف الذي حصد أكثر من ثلاثة آلاف قتيل وخلف آلاف الجرحى والمشوهين والسجناء.
قال القس الكاثوليكي مايلس كافنغه الذي دمرت كنيسته في شارع كروملين العام 1972 نتيجة انفجار عبوة زنتها 500 رطل من المواد الشديدة الانفجار وضعها متطرفون بروتستانت، انه صمم على بناء المجمع التجاري المعروف في ايرلندا الشمالية ب "مركز بروكفيلد" على بعد بضعة أمتار من الكنيسة المدمرة حتى يمكن الزائر أن يرى من على سطحه الاحياء الواقعة على شارعي اردوين الكاثوليكي وشانكل البروتستانتي. ويطمح معظم الكاثوليك إلى الاتحاد مع الجمهورية الايرلندية ايرلندا الجنوبية فيما يريد البروتستانت البقاء تحت سيادة التاج البريطاني.
وأضاف كافنغه ان الذي شجعه على المضي في مشروعه لبناء مركز مهني للتدريب على وظائف مختلفة وتشجيع أصحاب المشاريع الصغيرة على الانطلاق في أعمالهم من مكاتب في بروكفيلد مقابل أجور رمزية، جاء بعد أن اطلع على تقرير عن حياة 100 شخص في بلفاست، ذُكر فيه أن 20 في المئة من الذين استطلعت آراؤهم واصلوا تعليمهم العالي وحصلوا على وظائف، في حين قتل 11 شخصاً، أما الباقون فهم إما في السجون أو عاطلون عن العمل.
في الطريق من الفندق الذي نزلت فيه، وسط بلفاست، وبعد مرور أقل من شهر على انهيار وقف النار الذي كان الجيش الجمهوري الايرلندي أعلنه قبل 19 شهراً، كانت حركة المرور خفيفة، وباستثناء سائح ياباني وزوجته كانا يلتقطان الصور التذكارية أمام الفندق، وبضع سيارات وموظفين يعودون إلى منازلهم بعد يوم عمل طويل أو متسوقين، كانت الشوارع شبه خالية من المارة.
تسود امارات القلق وجوه الايرلنديين الشماليين - كاثوليك وبروتستانت - إذ كان كل من هؤلاء يحرص على العودة إلى منزله قبل غروب الشمس. سائق السيارة التي أقلتني من شارع الجامعة إلى شارع كروملين حيث يوجد مركز بروكفيلد التجاري ومكتب جمعية "فلاكس" في المنطقة المحايدة على خطوط التماس، نظر إليّ باستغراب عندما سألني عن المكان الذي اعتزم التوجه إليه. عندما استفسرت منه عما إذا كان هناك أمر غير طبيعي في المنطقة، قال بتردد: لا...لا. بعد برهة قال: كانت هذه المنطقة، خصوصاً شارعي شانكل البروتستانتي واردوين الكاثوليكي، مسرحاً لاحداث عنف وعمليات اغتيال وتفجير متبادل. إذ كثيراً ما كان يلجأ السكان إلى الانتقام من أبرياء في الاحياء المقابلة عندما يسمع بقتل أو اصابة أحد اقاربه، دون ان يكون للضحية سواء كان بروتستانتياً أو كاثوليكياً أي ذنب في ما حدث.
وأضاف السائق: ما على القاتل المنتمي إلى تنظيم متطرف هنا أو هناك إلا أن يعبر الشارع المجاور لمنطقته ويختار ضحيته الذي يكون في الغالب رجلاً، إما يغط في نوع عميق أو جالساً في غرفة الاستقبال في منزله. ومن دون انذار يفرغ القاتل رصاصات في جسد الضحية ثم يلوذ بالفرار. وعادة يطلق الرصاص من النوافذ المطلة على الشارع أو الحدائق الخلفية، إذا صعب عليه اقتحام أبواب المنزل.
ولا يتردد أي من سكان بلفاست ان يحكي لك عن طفل يعرفه، كيف شاهد اباه يهوي صريعاً أمام عينيه. ولعل في صورة الفتاة التي خاطبت الرئيس الأميركي بيل كلينتون يوم زار مدينة بلفاست في نهاية تشرين الثاني الماضي وسط المدينة لتتحدث عن كرهها للعنف بعد أن رأت والدها يترنح مضرجاً بدمائه أمامها، الأمر الذي شجع الكثيرين من البروتستانت والكاثوليك على الدعوة إلى اعطاء فرصة للسلام بعد كل هذه السنوات من الحرب التي جعلت مشكلة ايرلندا الشمالية تتصدر القضايا الدولية.
خيارات وقرارات خاطئة
قال مايكل ستيفنس مدير قسم المساعدات الاجتماعية في "جمعية فلاكس" ل "الوسط": ان الخسارة لا تقتصر على 3500 قتيل ونحو عشرة آلاف جريح، "بل على الأزمة الاجتماعية التي تتركها بشكل عام". وتابع: ان الحديث عن الأزمة الايرلندية قد يعطي الانطباع بأن الوضع متوتر في كل انحاء ايرلندا الشمالية، لكن الحقيقة غير ذلك، إذ أن هناك مناطق معينة يحدث فيها التوتر والعنف، "منها بلفاست، خصوصاً منطقة وودفيل وأردوين اللتين تحولتا كابوساً يعاني منه الكاثوليك والبروتستانت".
وأشار إلى ان 50 في المئة من النساء في منطقة أردوين الكاثوليكية يتناولن أدوية مهدئة للاعصاب ومسكنات مختلفة. كما أن الكثيرين من الرجال والشبان يعانون من الافراط في تناول المشروبات الكحولية. ولاحظ ان جانباً آخر من الأزمة انعكس على الحياة العائلية فزاد من تعقيداتها، الأمر الذي كان سبباً لارتفاع نسبة الطلاق، خصوصاً بين الشبان الذين لا يزالون في مقتبل العمر، وقال إن اطفال بعض الأسر لديهم ثلاثة آباء مختلفين، "وهذا هو الألم الحقيقي الذي أشعر به".
وأشار مدير قسم المساعدات الاجتماعية في فلاكس ان هذه المشكلات لا تقتصر على فئة بعينها في ايرلندا الشمالية، وانما تطاول الكاثوليك والبروتستانت على حد سواء. وأوضح أن مهمته تتركز في تقديم مساعدات للمحتاجين من مسنين وأطفال ونساء ورجال، وذكر ان نشاط الجمعية يشمل البروتستانت والكاثوليك. وأوضح ان نسبة البطالة في هذه المنطقة المتوترة تزيد على 50 في المئة، وترتفع لتصل إلى 80 في المئة بين الشباب. "إذ أن هؤلاء الشبان أو الشابات أتوا من أسر عانت مشكلات عائلية وطلاقات، وفي تقديري أنهم لم يتعرفوا على شيء في حياتهم غير سوء استعمال السلطة، سواء أكانت سلطة الاب أو الأم، أو سلطة العناصر المسلحة والمتشددة في مجتمعاتهم".
وأشار إلى ان الشبان العاملين في الجيش أو الشرطة أو التنظيمات المسلحة التابعة للاتحاديين والجمهوريين هم الذين يدفعون الثمن، في حين نجمت رغبتهم في الانضمام إلى تلك التنظيمات العسكرية عن الحرص على لقمة العيش.
وقال "إن مثل هذه الأمور هي التي تقلقني أكثر من اصابة شخص أو وقوع حادث عنف، اضافة إلى ما ستتركه هذه الأزمة من أثر سلبي على المجتمع. والخطورة في الأمر ان هذه الأزمة ليست جديدة العهد، بل يعود تاريخها لأجيال تعاقبت على مدى سنوات النزاع الخمس والعشرين.
وأضاف ان عدد سكان منطقة أردوين الكاثوليكية يبلغ ثمانية آلاف أسرة، نصف عدد الزيجات هناك انتهى بالطلاق، ونسبة نجاح أي زواج في الظروف الحالية لا تزيد عن 50 في المئة. وعزا ستيفنس ذلك إلى أن الخيارات التي تتخذ تحت الضغط النفسي كثيراً ما تؤدي إلى اتخاذ القرارات الخاطئة. وان معظم الشبان او الشابات في اردوين يعيشون وسط ما يسمونه "منطقة محاطة بالاعداء، ولذلك ما أن تسنح الفرصة لشاب أو شابة بلحظة سعيدة فهو لا يتوانى عن انتهازها، ومثل هذه الفرصة قد تكون سراباً في صحراء".
ذكر لي سائق السيارة الذي رافقني في جولتي وسط بلفاست الاحياء البروتستانتية المحيطة بأردوين الكاثوليكية مثل وودوفيل وبيلي سلين وشانكل وكروملين، وقال: حتى سكان الاحياء البروتستانتية يعانون، بدليل ان 90 في المئة من السكان - كاثوليك وبروتستانت - لا يريدون للعنف أن يتجدد في ايرلندا الشمالية، لكن كل ما يحتاجه الأمر لا يتجاوز 30 - 40 مسلحاً لتبدأ عمليات القتل ... الناس هنا لا يعرفون كيف يوقفون دورة العنف. وقد خرج سكان اردوين الكاثوليك في مسيرة أعربوا فيها عن تأييدهم للسلام، لأنهم عانوا ما فيه الكفاية.
ولا يستبعد السائق الذي تحفظ على ذكر اسمه ان يتم تطبيع العلاقات بين البروتستانت والكاثوليك، وقال: نظمت إحدى الجمعيات لقاءات بين سجناء سابقين كاثوليك وبروتستانت وكانوا سعداء، بدليل أنهم اتفقوا على ضرورة حل الأزمة سلمياً. وأضاف: صحيح ان هناك حاجة لبناء الثقة بين الجانبين، خصوصاً ان التشكيك لا يزال في أوجه، كما هي الحال بين الفلسطينيين والإسرائيليين أو كما حدث في بداية احلال السلام بين الفرقاء اللبنانيين.
طي أوراق الماضي
ورأت السيدة ماري تيرلي أن المتقدمين في السن هم الأكثر تقبلاً لطي الماضي. وذكرت الخبيرة في العلاقات الاجتماعية ل "الوسط" ان تجربتها في تسيير رحلات لشبان وشابات من الجانبين إلى الخارج، اثبتت نجاحاً، "بدليل ان الكثيرين منهم حافظوا على العلاقات التي بنوها في هذه الرحلات، بعد أن كانت السنوات التي سبقت وقف النار سجنتهم داخل احيائهم، ومنعتهم من الاختلاط والتفكير بعيداً عن العنف والعصبية". وقالت "ان السياسيين في ايرلندا الشمالية خيبوا آمالنا، لأنهم أبدوا عدم استعدادهم للتنازل لبعضهم حتى بات عسيراً التوصل إلى حل وسط".
وتشكك تيرلي في امكان ان يعمل السياسيون باخلاص وجدية لمصلحة البروتستانت والكاثوليك. وتأمل أن تكون فرص التوصل إلى سلام دائم كبيرة، خصوصاً بعدما اعتاد السكان على الحياة الهادئة والخروج في الليل والسير في الشوارع حتى وقت متأخر. وذكرت ان الأشهر الماضية من عمر وقف النار انقضت على مراحل، الستة أشهر الأولى قضاها الناس في التكهن بهل تعمر هذه الهدنة وبعد تلك الفترة بدأوا يغامرون بالخروج إلى الشوارع والتسوق والمشي، وهي أشياء لم يعهدوها من قبل. أعقبها انحسار الحواجز، ولكن لسوء الحظ في الاسابيع الماضية - تحديداً بعد الانفجارات التي وقعت في لندن - عاد القلق والحذر إلى الشوارع، الأمر الذي دفع مجموعة من النساء - كن مجتمعات في كنيسة مجاورة لحي أودرين بالتهديد بتسليم انفسهن إلى مصحة للأمراض العقلية إذا عادت دورة العنف من جديد.
وقالت تيرلي إن النساء الكاثوليكيات خائفات على مستقبل أسرهن وحياتهن. إذ أن أولادهن تربوا في حدود ميل مربع فحسب، إلى درجة ان بعضهم كان يشعر بأنه أمر غير طبيعي ان يترك هذا "الغيتو" الذي فرضت عليهم الأوضاع الأمنية والعنف العيش في داخله.
سألت سائق السيارة عن الجيوب المعزولة بسبب الصراع بين البروتستانت والكاثوليك غير منطقة أردوين، فأجاب: نيولدج، وشارع فولز. انهما تشبهان الى حد بعيد "الغيتو" لا يدخلهما غير الجمهوريين ورجال الأمن ودوريات الجيش، خصوصاً أنه في هذه الدائرة التي لا يزيد قطرها عن ميلين سقط ثلثا ضحايا النزاع الايرلندي.
وفي كبرى مدن المقاطعة قابلت "الوسط" مارتن أوريلي، وهو رجل أعمال ايرلندي تنقل في المنطقة العربية، فقال ان الحديث عن العنف يوحي بأن كل ايرلندا الشمالية خطوط تماس وحواجز عسكرية، في حين ان الحقيقة تتمثل في أن العنف يقتصر على عدد من الأحياء في بلفاست أو خارجها. وأضاف: ان السياسيين في ايرلندا الشمالية لم يعيشوا أجواء العنف التي يعيشها المواطنون العاديون، بسبب ابتعادهم عن السكن في المناطق المتوترة، كما أن معظم ابناء الطبقة الوسطى والغنية لا يتأثرون بما يجري، إلا في حال تحويل السير من أحد الشوارع التي يسلكونها الى منطقة أخرى.
في شارع شانكل أو حتى في شارع أردوين وغيرهما من الشوارع التي يشهد تاريخها لها بالعنف، تكاد البوابات الحديدية التي تسد منافذ هذه الشوارع ان تكون أبرز معالم "الغيتو" القائم هناك. أما الشعارات المكتوبة والرسوم على الجدران في الاحياء الكاثوليكية أو البروتستانتية فهي دلالة لأي زائر لهذه المناطق على هوية السكان، اذ تعكس الشعارات المكتوبة والرسوم ما إذا كان سكان هذا الشارع أو ذاك الحي من مؤيدي التبعية لبريطانيا أو الانفصال عنها.
من كروملين، وعبر وودفيل، دلفنا الى شارع فولز حيث مكتب حزب "شين فين" في بلفاست. الرسوم والشعارات تغطي معظم الجدران طوال الطريق. رحب بي الكس ماكي عضو مجلس بلدية بلفاست وأحد أبرز مسؤولي "شين فين" الجناح السياسي للجيش الجمهوري الايرلندي. وقال ان الحكومة البريطانية هي التي ضيعت فرص التوصل الى حل للأزمة والخوف ان تستمر على هذا النهج في المرحلة المقبلة.
وأضاف ان ما تعاني منه المناطق الكاثوليكية من حرمان لجهة الخدمات يبدو واضحا، بدليل ارتفاع البطالة وعدم توفر فرص العمل المطلوبة.
في جولة في شارع فولز، لم يتردد ماكي الذي ذكر انه ممنوع من زيارة بريطانيا لأسباب أمنية، في القول انه غير متفائل بوقف جديد للنار، معتبرا ان الظروف والشروط المطلوبة لذلك لا تزال غير موجودة. واشار الى مركز الاعلام التابع ل "شين فين"، وقال ان نشاطاته لا تتعدى الاتصال بالصحف وتوزيع البيانات. الجو داخل المكتب يذكر بالذين عاشوا وعملوا في مكاتب الفصائل والتنظيمات الفلسطينية في لبنان وسورية والأردن وحتى الفصائل الافغانية في باكستان وافغانستان. الاجواء نفسها: مقاعد متناثرة، ومكاتب متواضعة، لكن الأكثر تميزاً في بلفاست وجود بوابات حديدية وكاميرات مراقبة. على بعد أقل من 200 متر مركز للشرطة، قال مرافقي انه تعرض في السابق لهجمات مسلحة.
مقابل المركز المقبرة الكاثوليكية المعروفة بمقبرة ملتاون حيث للجيش الجمهوري الايرلندي قسم خاص دفن فيه محازبوه الذين قتلوا على مدى الخمسة والعشرين عاما الماضية. قادني ماكي الى القسم الذي يرقد فيه ضحاياهم، وبدأ يشرح ظروف موتهم، كانت الاسباب تتراوح بين مواجهات مع القوات البريطانية، أو اضراب عن الطعام داخل السجن، أو انفجار عبوة ناسفة أثناء محاولة نقلها من مكان الى آخر، مثلما حصل قبل شهرين وسط لندن.
في الحي المقابل للمقبرة، وعلى امتداد الشارع المؤدي اليه لا يخلو حائط منزل مطل على الطريق من رسم أو شعار يدعو القوات البريطانية الى الرحيل. الحركة هنا شبه معدومة. قال ماكي ان حي بالي ميرفي هو الحي الذي يقطنه جيري ادامز. الأجواء وملامح الذين التقيتهم تعبر عن الأوضاع الاجتماعية المتواضعة التي تميزهم. نسبة البطالة مرتفعة، والمنطقة شهدت نزوحا في السابق، لكن الذين رحلوا هروباً من اجواء التوتر وبحثاً عن لقمة العيش عادوا.
وزارت "الوسط" نادي "فيلونز" في شارع فولز. وقال ليون شانون مدير النادي المخصص للمعتقلين السابقين في السجون البريطانية ان عدد الأعضاء يتجاوز 500 شخص، بينهم نساء. جدرانه مغطاة بصور عدد من رموز الجمهوريين الذين قتلوا في مهمات تنظيمية. وتقام هنا حفلات اجتماعية واخرى لجمع تبرعات أو نشاطات اجتماعية مختلفة. في زاوية من زوايا النادي دعاني شانون الى مشاهدة اشغال يدوية صنعها الاعضاء أثناء فترة عقوباتهم داخل السجن.
انتقلت بعد ذلك الى شارع دنغل البروتستانتي حيث مقر القس إيان بيزلي زعيم الحزب الديموقراطي الاتحادي الذي يرفض الانفصال عن بريطانيا ويعارض الحوار مع الجمهوريين الذين يدعون الى الوحدة مع دبلن.
كان بيزلي، المعروف في الاوساط البريطانية والايرلندية بانتقاده للحكومة البريطانية بسبب ما يصفه بالتفاوض مع من يسميهم الارهابيين، منفعلاً ذلك اليوم، إذ كان نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الايرلندي ديك سبرنغ يزور قلعة ستورمنت. قال بيزلي ل "الوسط" ان اعطاء سبرنغ مكتباً في قلعة ستورمنت لكي يشارك مع الحكومة البريطانية في الاتصالات التي تجري بموجب المقررات التي وضعت بعد اجتماع رئيسي الوزراء جون ميجور وجون بروتن يمثل "على الأقل تدخلاً ايرلندياً في شؤون مقاطعتنا". وأضاف: نرفض معاملة سبرنغ مثل وزير شؤون ايرلندا الشمالية في الحكومة البريطانية، لأن ذلك يعني اعطاء دور لحكومة دبلن للتدخل في حل مسألة داخلية في اراضينا.
وأشار الى انه يجب أن يسبق أي حديث مع الحكومة الايرلندية بشأن مقاطعتنا ومستقبلها اتخاذ دبلن قراراً يلغي مادتين من قانونها وضعا العام 1937 تقولان ان ايرلندا الشمالية تابعة لها. وأوضح انه رغم وعود بالالغاء الا انه لم يحصل شيء. وعزا القس بيزلي هجمات الجيش الجمهوري الايرلندي ضد القوات البريطانية والبروتستانت الى هاتين المادتين الثانية والثالثة من القانون الايرلندي. وقال ان حزبه حذر في السابق من أن وقف النار لن يكون دائماً، لأن الاعلان عنه قبل 19 شهرا كان الهدف منه الحصول على تنازلات من الحكومة البريطانية. ورفض المقارنة بين الوضع في ايرلندا الشمالية والأوضاع في فلسطين أو جنوب افريقيا، لكنه لاحظ انه "ليس من الممكن التفاوض مع الارهاب، ولا يجب أن يدخل الارهابيون في أي عملية تفاوض ديموقراطية لأنهم غير ديموقراطيين".
ونفى بيزلي الادعاء بأن البريطانيين استوطنوا في القرون الماضية في ايرلندا. واستعان بأحد مساعديه - ارثر نوبل - لتفنيد ذلك. وقال ان هناك الكثير من الأدلة التي تؤكد ان جزيرة ايرلندا كانت تدعى في السابق بريطانيا الصغرى في حين كانت تدعى المملكة المتحدة بريطانيا الكبرى أو بريطانيا العظمى. وأضاف نوبل ان تسمية العظمى لم تكن بسبب الانتشار الواسع لبريطانيا مطلع القرن الحالي أو بسبب نفوذها في المستعمرات، بل لأنها كانت الجزيرة الأكبر. وأضاف: في القرن الأول الميلادي وضع المؤرخ اليوناني تولوني رسما للجزر البريطانية، وقال ان قبيلة بريطانية تدعى يولوتي هي التي كانت تعيش في ما يسمى حالياً بايرلندا، وأشار الى ان كلمة أولستر Ulster التي تعني ايرلندا اشتقت من اسم هذه القبيلة، ثم هاجرت قبائل بريطانية أخرى في القرنين الثاني والثالث. أما الايرلنديون فلم يصلوا الى هذه الأرض قبل حلول القرن الثالث.
وبرر نوبل حديثه عن الماضي، بالقول ان الجمهوريين هم الذين يثيرون هذه القضية الآن، في حين ليس هناك ما يبرر مطالبتهم، لا تاريخياً ولا سياسياً، بالانضمام الى ايرلندا. وأشار الى اتفاقات وقعت بين بريطانيا وايرلندا العام 1925، قال ان أبرزها كان اتفاق "ديفليرا" الذي قبلت فيه الجمهورية الايرلندية بايرلندا الشمالية "مقاطعة تابعة للمملكة المتحدة".
واتهم الحكومة البريطانية بأنها لا تعتبر وتتعظ من التاريخ، وقال ان للجيش الجمهوري ماضياً قديماً وسجلاً عريقاً في خرق اتفاقات وقف النار. وأشار الى ما حدث في 1922 و1925 و1978 و1989. وأضاف: "للأسف لا تشعر الحكومة البريطانية بمشكلاتنا الا عندما تتعرض لندن وغيرها من المدن على الأرض البريطانية للانفجارات وتقع ضحية الارهاب. ومع ذلك أخطأت بفسحها المجال لدبلن أن تكون لها كلمة في مستقبل ايرلندا الشمالية".
وشدد القس بيزلي الذي كان يستعد لمغادرة مقره على أن حزبه يمثل غالبية سكان ايرلندا الشمالية، وأنه يرفض اجراء أي محادثات مع الحكومة الايرلندية في شأن مستقبل ايرلندا الشمالية. وذكّر بالأسباب التي أدت الى الغاء البرلمان المحلي في بلفاست العام 1972، وقال ان الذين شنوا حملة عنف وتستروا تحت اسماء حركات تعمل من أجل حقوق الانسان كانوا جماعة من الشيوعيين واليساريين، الأمر الذي أرغم الحكومة البريطانية على التدخل مباشرة.
وأضاف بيزلي ان القرار النهائي يجب ان يتخذ انتخابياً وديموقراطياً، وليس عن طريق الرصاص والارهاب. ونفى ان يكون حزبه معزولاً، بدليل انه حصل على أعلى نسبة أصوات في انتخابات البرلمان الأوروبي، في حين احتل الحزب العمالي الديموقراطي الاجتماعي المرتبة الثانية، وحل في المرتبة الثالثة حزب أولستر الاتحادي.
مستثمرون عرب في ايرلندا
في محيط مقر إيان بيزلي في شارع دنغل، يخيم صمت رهيب، وباستثناء صراخ أطفال داخل مدرسة ابتدائية، لا توجد حركة في الطرقات. قال لي السائق ان الناس هنا لا يجرؤون على مغادرة منازلهم بسبب الأعمال الانتقامية التي تحصل من وقت لآخر، فبعد اعلان وقف النار، كثيرا ما أقدمت تنظيمات متطرفة من الكاثوليك والبروتستانت على معاقبة خصومها بعد تبادل اتهامات مختلفة اما لأسباب اخلاقية أو لاتجارهم بالمخدرات. وأضاف: من الصعب ان تجد مواطناً يتحدث اليك في الشارع، خاصة اذا كنت غريباً.
في وسط بلفاست حيث تبدو الحركة طبيعية ولا أثر للتوتر، ما عدا وجود حاجز عسكري، استقبلني بريان أرلو احد مسؤولي مجلس انماء وتطوير الصناعة في ايرلندا الشمالية وبادرني بأن عدداً من المستثمرين العرب أبدى اهتماماً بالاستثمار في المنطقة. وذكر ان قطاع الصناعة في ايرلندا الشمالية الآن أقوى كثيراً مما كان عليه قبل 25 عاماً، كما ان انتاج المصانع تضاعف، وان الاستثمارات الخارجية سجلت ارقاماً قياسية.
وقال ادلو: من الصعب معرفة انعكاسات انهيار وقف النار على الاوضاع الاقتصادية والاستثمارات المتوقعة، لكن بشكل عام لا نتوقع ان تتأثر بذلك كثيراً، اذ ان الاضطراب الأمني لا تتأثر به الا مناطق محدودة. وأشار الى ان مجلس انماء وتطوير الصناعة في ايرلندا الشمالية افتتح في السنوات الماضية مكاتب في عدد من عواصم العالم، منها منطقة الخليج وأوفد بعثات زارت الدول العربية، وهناك شركات عالمية كبرى مثل شركة سيارات فورد وديبو ويونايتد تكنولوجي، اضافة الى عدد من الشركات الآسيوية لها وجود ملموس في ايرلندا الشمالية. وقال ان صادرات ايرلندا الشمالية الى العالم العربي زادت العام الماضي على 100 مليون جنيه استرليني، وان أكبر سوق مستهلكة للمنتوجات الايرلندية هي المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة ولبنان وسلطنة عمان.
وأشار الى أن ايرلندا الشمالية مشهود لها بصناعة السفن وبناء ناقلات النفط، وقال ان عدداً من رجال الاعمال العرب زاروا اخيراً احدى الشركات المتخصصة في بناء الناقلات للتفاوض معها. وتحدث عن وفود من رجال الاعمال زارت لبنان والسعودية وعمان، وقال ان بعض الشركات الايرلندية الشمالية لها مستودعات في المنطقة الحرة في جبل علي في دولة الامارات العربية المتحدة. وذكر ان شركة سيفان الايرلندية الشمالية أعادت ترميم قبة الصخرة في المسجد الاقصى في القدس. وتساهم شركات ايرلندية شمالية في بناء مرافق حكومية في لبنان. وأضاف مازحاً: حتى الكوفيات العربية تقوم شركة لنترند الايرلندية بتصنيعها ولمنتوجاتها سوق رائجة في الكويت والمملكة العربية السعودية.
غير انه قال ان السياحة ربما كانت الاكثر تضرراً من عدم استقرار الاوضاع الأمنية، لكن من السابق لأوانه اصدار احكام لأن عمليات التفجير التي نفذت لم تستهدف مناطق في ايرلندا الشمالية نفسها.
حيث لا جريمة!
وقال سام بتلر، وهو مستشار اقتصادي في بلفاست، ان الوجود الاجنبي في ايرلندا الشمالية يقتصر على ستة آلاف من الصينيين، وثلاثة آلاف من الهنود وألفين من الفرنسيين، وعددپمماثل من الاميركيين. في حين يبلغ عدد سكان ايرلندا الشمالية كلها 6.1 مليون نسمة، يقطن في مدينة بلفاست ومحيطها نصف مليون منهم على الأقل. وأضاف ان السكان هنا - كاثوليك وبروتستانت - يدركون أهمية قطاع السياحة بالنسبة اليهم. كما ان الذي يشجع على ذلك انخفاض نسبة الجريمة، اذ هي أدنى منها في بريطانيا، ومن أقل النسب في اوروبا الغربية.
وتوجهت "الوسط" الى قلعة ستورمنت التي تعتبر أحد مراكز صنع القرار السياسي والاشراف على تطبيقه. في مدخل القلعة ما ان تعرف رجل الأمن الى مرافقي حتى فتح البوابة الحديدية الضخمة ليسمح لنا بالدخول. في أحد مكاتبها الذي شهد قبل ساعات اجراء محادثات بين الحكومتين الايرلندية والبريطانية من جهة، وممثلي الاحزاب الاخرى في محاولة للتوصل الى تصور مشترك قبل 10 حزيران يونيو الذي اقترحته لندن ودبلن لاجراء المحادثات النهائية بين كل الاحزاب المعنية بالأزمة، قال بريطاني في وزارة ايرلندا الشمالية ان السلطات تبذل قصارى جهدها لتحسين الوضع المعيشي للسكان، من خلال عدد من المؤسسات التي تهتم بايجاد فرص العمل واستقطاب الاستثمارات.
وأضاف انه لاحظ ان الطلاب البروتستانت يركزون في دراستهم على المواد العلمية، في حين يذهب الكاثوليك لدراسة الفنون! وأشار الى ان الكاثوليك بشكل عام يرفضون العمل في أجهزة الدولة الأمنية، رغم ان القوانين تشجعهم على الالتحاق بوظائف مساوية للوظائف التي يلتحق بها البروتستانت وبالشروط نفسها.
وقدم المسؤول الايرلندي الشمالي عرضاً للأزمة الايرلندية منذ العام 1920 حين أعلن استقلال ايرلندا وتقرر تقسيم الجزيرة. وتعرض لسياسة الحكومة البريطانية في مجالات الاسكان والصحة والاقتراع. وقال ان القوات البريطانية ارسلت الى ايرلندا الشمالية العام 1969 بعد تفاقم العنف. وقال ان حزب أولستر الاتحادي الذي يتزعمه ديفيد ترمبيل ربما كان أعرق الاحزاب الايرلندية، اذ تأسس العام 1921، ويليه حزب القس إيان بيزلي الذي تأسس العام 1971، وهو ينتهج سياسة يمينية في مجال التشريع واشتراكية في المجالات الاجتماعية.
كما ان هناك عدداً من الاحزاب الصغيرة المؤيدة لبقاء ايرلندا الشمالية تابعة لبريطانيا، مثل حزب "أولستر الاتحادي" الذي يتزعمه جاري ميك ميكل، و"تحالف اولستر الديموقراطي" الذي يرأسه هيو سميث، اضافة الى "قوات اولستر المتطوعة" وهي معروفة بتطرفها واللجوء الى العنف في مواجهة الجيش الجمهوري الايرلندي.
أما ابرز الاحزاب الجمهورية التي تتعاطف مع مبدأ الانفصال عن بريطانيا والانضمام الى الجمهورية الايرلندية فهو الحزب "الديموقراطي الليبرالي الاجتماعي" الذي يتزعمه جون هيوم، وقد أسس العام 1970، يليه "شين فين" الذي يعد جيري آدامز ابرز زعمائه، ويعرف عن هذا الحزب صلته الشديدة بالجيش الجمهوري الايرلندي. وهناك حزب آخر هو "حزب التحالف" الذي يرأسه جون الدرديس، وقد تأسس العام 1970، ويدعو الى التفاهم بين البروتستانت والكاثوليك على قواسم مشتركة. ويعتبر رابع أكبر الاحزاب في ايرلندا الشمالية.
ولا يبدو من المحادثات التي جرت حتى الان بين الحكومتين البريطانية والايرلندية من جهة، والاحزاب من الجهة الاخرى ان الامور تسير بالشكل المطلوب، وان كان مأمولاً ان تنجح الضغوط على الجيش الجمهوري وجناحه السياسي للعودة الى الهدنة، خصوصاً بعدما رسخت قناعة حتى لدى الداعين الى العنف بأن الرصاص لن يحل المشكلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.