لم تتردد عاصمة من العواصم المعنية بحل أزمة ايرلندا الشمالية، خصوصاً لندن ودبلن وواشنطن، في مطالبة جيري آدامز زعيم حزب "شين فين" بادانة عمليات التفجير التي يعلن "الجيش الجمهوري الايرلندي" المسؤولية عنها، او الاشتراط عليه عدم المشاركة في المفاوضات التي حدد موعداً لها في العاشر من حزيران يونيو المقبل بين كل الأطراف المعنية بالأزمة المستعصية ما لم يحصل على موافقة الجيش الجمهوري الايرلندي على وقف اطلاق النار مجدداً في هذا النزاع الدموي المستمر منذ ربع قرن. لكن آدامز الذي أعرب عن دهشته وعدم معرفته بقرار الجيش الجمهوري العودة الى أعمال العنف أثار الاستغراب، بعدما كشفت اتصالات اجراها مع البيت الأبيض قبل وقت قصير من انفجار منطقة "الدوكلاندز" في لندن ليبلغ الأميركيين بألا يفاجأوا بسماع "أخبار مزعجة" الأمر الذي زاد اصرار المسؤولين البريطانيين والأميركيين والايرلنديين على مطالبة آدامز وحزبه بادانة عمليات التفجير واقناع "الجيش الجمهوري الايرلندي" بالتخلي عن العنف لاشراكهم في المفاوضات. في مكتبه في شارع فولز المعروف بشعبيته الكاثوليكية والشعارات التي تطالب برحيل القوات البريطانية التقت "الوسط" آدامز وتحدثت معه في شأن التطورات الأخيرة. توصفون عادة بأنكم الجناح السياسي لپ"الجيش الجمهوري الايرلندي"، ماذا يعني ذلك؟ وهل تشاركون في اتخاذ القرارات التي يعلنها؟ وما هو تأثيركم فيه؟ - ان حزب "شين فين" و"الجيش الجمهوري الايرلندي" تنظيمان منفصلان. لحزبنا برنامج سياسي واضح، وان كنا نشارك الجيش في طموحاته، لكن ليست لنا سلطة أو تأثير عليه. غير انه اذا طلب منا توجيهه سياسياً فقد نساهم في ذلك بقدر ما يتناسب مع توجهاتنا. وهل مشاركتكم في المفاوضات، تعني اشراك الجيش الجمهوري بشكل أو بآخر؟ - الجيش الجمهوري كما ذكرت تنظيم منفصل، واذا رأى ان ظروف مشاركتنا تلبي طموحات الجمهوريين، فهو يدعم خطواتنا بكل تأكيد. ما هي فرص موافقة "الجيش الجمهوري الايرلندي" على وقف جديد لاطلاق النار بعد انهيار الاتفاق الذي استمر تسعة عشر شهراً؟ - ان تضاؤل الأمل بالتوصل الى اتفاق سلام مع الحكومة البريطانية وعدم استغلال الفرص التي اتيحت خلال السبعة عشر أو ثمانية عشر شهراً الماضية وراء انهيار وقف النار بين الجيش الجمهوري والحكومة البريطانية. ولهذا فإن الظرف الحالي الذي يتميز بعدم وجود حد أدنى من الثقة من قبل الجيش الجمهوري بالحكومة البريطانية وعزمها على اقامة سلام عادل، يجعل احتمال التوصل الى اتفاق سلام أو اعلان وقف جديد للنار ضئيل جداً في المستقبل القريب. هل انتم على استعداد للقبول بمشروع السلام الايرلندي - البريطاني الذي بدأ بمحادثات كل الأطراف ما عدا حزبكم؟ - عارضنا الكثير من النقاط التي وردت في المشروع الذي أعلن عنه في لندن بعد اجتماع بروتن وميجور الشهر الماضي والذي بدأت اثره المحادثات في قلعة ستورمنت. كما أبدى الحزب الديموقراطي الليبرالي، وهو حزب جمهوري كبير، تحفظه عن نقاط كثيرة في المشروع. ولهذا فاننا نعتقد ان على دبلن ولندن اذا كانتا جادتين في دفع مسيرة السلام الى الأمام ان تتخليا عن بعض النقاط. اذ لا توجد ضرورة مثلاً للدعوة الى انتخابات طالما انه حدد 10 حزيران يونيو المقبل موعداً نهائياً لبدء محادثات شاملة بين كل الأطراف المعنية والأحزاب في ايرلندا الشمالية. والوسيلة الأفضل في تقديرنا بدء هذه المحادثات الشاملة لوضع تصور لمستقبل ايرلندا الشمالية من دون فرض شروط مسبقة على بعض الأطراف للمشاركة فيها، خصوصاً تلك التي تتحدث عن اجراء استفتاء أو انتخابات على جانبي الحدود في ايرلندا. اننا لا نزال متفائلين بامكان الخروج من المأزق، لكن حدوث أمور من النوع الذي حصل عندما منع وفد شين فين من المشاركة في محادثات بلفاست الشاملة التي جرت أخيراً يكاد يبدد كل ذلك التفاؤل. كنتم دائماً تصرون على تحديد موعد لبدء المحادثات الشاملة بين كل الأحزاب الايرلندية الشمالية، وبعد ان حصل ذلك لا تزالون تطالبون بأشياء أخرى لماذا هذه الطلبات؟ - رُبِط موعد محادثات 10 حزيران المقبل بشروط منها اجراء استفتاء وانتخابات، ولا يوجد لدى حزبنا أي ضمانة بأنه سيشارك في تلك المحادثات. ولهذا يبدو حزيران موعداً غير منطقي، خصوصاً وانه لدينا شعور بأن توجهات الحكومة البريطانية لا تزال سلبية تجاهنا. الأمر الذي يعني ان استمرار هذا الموقف يجعل مشاركتنا في المحادثات غير ممكنة. ألا تعتقد أنكم برفضكم المشاركة في هذه المحادثات تجازفون باستبعادكم منها؟ - لا أعتقد ان ذلك صحيح، لأن الحزب الديموقراطي الليبرالي العمالي أبدى تحفظه عن الكثير من النقاط التي وردت في المشروع وكذلك فعلت الحكومة الايرلندية التي أعلنت صراحة عن قلقها أو مخاوفها من حساسية بعض النقاط التي طرحت في المشروع. وأود ان أشير الى انه من الصعب تحقيق سلام، اذا استبعدنا، خصوصاً ان شين فين وما يتمتع به من ثقل اثبت ان عدم مشاركتنا في أي محادثات أو مفاوضات لحل ازمة ايرلندا الشمالية سيبقيها ناقصة، وهذا ما أكدته تجربة الپ25 سنة الماضية. ما هو تقويمك للدور الذي تلعبه الولاياتالمتحدة في دعم عملية السلام؟ وهل تريدون منها مشاركة أكبر؟ - من الصعب دائماً ان تتدخل قوى خارجية في حل قضية لدولة ما، خصوصاً اننا كررنا في السنوات الماضية ان مصادرة الحكومة البريطانية لقرارنا وتسييرها لمقدراتنا اثبتت فشلها. ان ما تحتاجه ايرلندا الشمالية لحل أزمتها وسيط محايد. لهذا فإن ما نطلبه يتركز اما على تدويل القضية أو ابعاد كل التأثيرات التي تتركها الجهات الخارجية من خلال رفع يدها وعدم وضع العراقيل أمام حلول يتطلع سكان ايرلندا الشمالية لرؤيتها توضع موضع التطبيق العملي. ان جانباً من سكان ايرلندا الشمالية لا يثقون بالحكومة البريطانية، كما ان الجانب الآخر منهم لا يريد لجمهورية ايرلندا ان تلعب أي دور في حل الأزمة، بمعنى ان هناك من لا يثق بالجمهوريين، وهناك من لا يرتاح للاتحاديين. ولهذا من الأفضل اذا كانت هناك نية لدى أي جهات خارجية للمساعدة في حل الأزمة ان تكون جهات محايدة. ومن جانبنا فإننا ابدينا ارتياحنا ولا نزال بالدور الذي تقوم به الولاياتالمتحدة، لاعتقادنا بأنه ستكون له آثاره الايجابية على تحسين فرص التوصل الى حل عادل ومقبول. خلال السنوات الپ20 الماضية ارتبطتم بعلاقات عمل وتعاون مع منظمات وحكومات عربية مثل ليبيا. ماذا حصل لهذه العلاقات؟ - على مدى السنوات الماضية كان حزب شين فين والجمهوريون في ايرلندا الشمالية يسعون الى الحصول على دعم دولي، ومن بين الأطراف التي أبدت دعمها لنا جهات عربية. اما اذا أردت مني التعليق على التقارير التي تحدثت عن علاقاتنا بليبيا وتسلمنا أسلحة، فانني لست في وضع يمكنني من الخوض في هذا الأمر، ولكن الذي أعرفه ان الكثير من العرب الذين ارتبطنا معهم بعلاقات واتصالات دعموا الجيش الايرلندي وحق شعب ايرلندا الشمالية في تقرير مصيرهم. لكن في العامين الماضيين حصل أكثر من لقاء بين مسؤولين ليبيين والحكومة البريطانية وتسرب من هذه اللقاءات ان ليبيا سلمت الحكومة البريطانية قائمة بأسماء عناصر "الجيش الجمهوري الايرلندي" الذين تدربوا في معسكراتها أو كانوا مسؤولين عن تسلم شحنات أسلحة… - لا أعير هذه التقارير الاعلامية أي أهمية، لأنها في تقديري من صنع خيال الاعلاميين ووسائل الاعلام البريطانية. بعد ان قطعت عملية السلام بين اسرائيل والعرب بشكل عام شوطاً، وبعد الاتفاقات التي وقعها الفلسطينيون مع اسرائيل، الا تعتقد ان الوقت حان للوصول الى حل لأزمة ايرلندا الشمالية؟ - لاحظنا كما لاحظ المتابع لما يجري في الشرق الأوسط تزايداً في أعمال العنف الأمر الذي يضع ضغوطاً كبيرة على مسيرة السلام نفسها، وكانت هذه الضغوط ناجمة عن الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني. لقد دعمنا منذ زمن طويل حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وكان ذلك نابعاً من قلوبنا، لأن أهدافهم كانت حقيقية، كما كنا لا نتردد في انتقاد المعاملة اللاانسانية التي كانوا ولا يزالون يتعرضون لها على ايدي الاسرائيليين. لهذا فاننا نأمل ان تكون الخطوات التي قطعتها المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين بصدد تحقيق أحلام الفلسطينيين في تقرير مصيرهم كبيرة، كما اننا نتطلع بدورنا الى حل عادل يضع حداً لأعمال العنف ويفتح المجال امام حياة طبيعية لكل سكان ايرلندا الشمالية. الا تزالون تعتقدون ان توحيد شطري ايرلندا قابل للتحقيق؟ - لو لم أكن واثق من تحقيق هذا الحلم، لما كنت جمهورياً، ولو لم أكن على يقين من الوصول الى هذه النتيجة لما كنت متمسكاً بالشعارات التي أرفعها. لكن يبقى السؤال هل سيتم تحقيق هذا الأمر في سنتين أو ثلاث أو خمس أو حتى عشر سنوات؟ وفي الوقت نفسه أريد لهذه الوحدة ان تستند الى اتفاقات تقوم على قناعة الطرفين الرئيسيين في الأزمة الايرلندية الشمالية، لأنني لا أود رؤية مليون من الموالين والذين يؤيدون البقاء تابعين للتاج البريطاني يجبرون على حل. لأن مثل هذا الحل الذي لا يلبي رغبة البروتستانت في حال عدم قناعتهم بالوحدة مع دبلن سيؤدي الى وجود أزمة مماثلة للأزمة التي يواجهها الكاثوليك الايرلنديين في الاتحاد مع بريطانيا. كما انني على قناعة بأن الكثيرين من المسؤولين البريطانيين غير راغبين في البقاء في ايرلندا الشمالية، اضافة الى ان قطاعاً واسعاً من البريطانيين لو سنحت لهم الفرصة لابداء رأيهم في استفتاء حول مستقبل ايرلندا لما أيدوا غير الانسحاب من هذه المقاطعة، ولا يبدو لي ان هناك قطاعاً يصر على استمرار السيطرة البريطانية على ايرلندا الشمالية غير وزراء حكومة ميجور والموالين الذين يخافون من عزلهم في حال تحققت الوحدة. اننا نرفض ان نجبر الموالين لبقاء ايرلندا الشمالية تابعة للتاج البريطاني على الانضمام رغماً عن ارادتهم، لكننا نريدهم ان يشاركوا في بناء مجتمع جديد في ايرلندا قائم على الحق والعدل والمساواة. لكن غالبية سكان ايرلندا الشمالية يفضلون البقاء تابعين للتاج البريطاني. كيف يمكن تجاوز هذه الحقيقة؟ - يجب علينا ان نتفهم طبيعة الموالين للتاج البريطاني، انهم فريق من الناس يتركون الانطباع بأن النزاع في ايرلندا الشمالية بين مليون أو مليون ونصف بروتستانتي وانهم كتلة واحدة في مواجهة الكاثوليك. وهذا الأمر لا يتطابق مع الواقع الحالي في ايرلندا الشمالية. لقد تحدثت مع موالين للتاج البريطاني في مناسبات عدة ومع مؤيدين للاتحاد مع ايرلندا. ان بعض هؤلاء يشعر بأنه بريطاني الجنسية والولادة ولا يريد ان يجد نفسه يوماً ما في دولة كاثوليكية. ومخاوف هؤلاء لا تتعدى الجانب الديني من القضية، ومن واجبنا كجمهوريين ان نزيل هذه المخاوف، وذلك على الأقل باشعارهم بأنهم لن يعانوا في ايرلندا الموحدة ما يتعرض له الكاثوليك تحت سلطة بريطانيا في ايرلندا الشمالية على مدى العقود الماضية. واعتقد ان القوى الموجودة في صفوف الاتحاديين لم تكن بهذه القوة وهذا الشأن لو قامت الحكومة البريطانية بخطوات مثل التي ندعو اليها.