تتحدث مصادر السلطة الفلسطينية والحكومة الاسرائيلية عن "خلافات حادة" تعصف منذ أشهر في صفوف قيادات "حركة المقاومة الاسلامية" حماس، وتصاعدت خلال الفترة الأخيرة، خصوصاً بعد ظهور بوادر اتفاق بين السلطة والحركة على تحديد أسس التعايش بينهما. وتقول المصادر ان أبرز ما في عملية التفجير المزدوجة التي نفذتها "حماس" في القدس وعسقلان كان توقيتها، حيث تزامنت مع معلومات عن قرب التوصل الى اتفاق بين الحركة والسلطة تتعهد الأولى بموجبه وقف مثل هذه العمليات ضد الأهداف الاسرائيلية في مقابل التزام الاجهزة الامنية الفلسطينية وقف الملاحقات في حق ناشطي "حماس"، خصوصاً اركان جناحها العسكري "كتائب عزالدين القسّام"، وتوفير الغطاء والحماية لهم من أي عمليات قد تحاول الاجهزة الامنية الاسرائيلية تنفيذها ضدهم على غرار عملية اغتيال يحيى عياش المهندس الذي كانت اسرائيل تعتبره المسؤول الأول عن عمليات التفجير التي نفذتها الحركة. أهداف التفجير واستناداً الى المعلومات التي حصلت عليها "الوسط"، فإن ثمة اعتقاداً واسعاً لدى الأوساط الفلسطينية والاسرائيلية بأن توقيت انفجاري القدس وعسقلان كان يهدف في الدرجة الأولى الى "اجهاض أي اتفاق" كان يمكن أن يتم بين "حماس" ككل، وبين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة. وتضيف هذه المعلومات بعداً جديداً على عملية التفجير المزدوجة هذه فتقول انه "كان واضحاً ان هدف المنفذين لم يكن يقتصر على ازعاج بيريز وإحراج عرفات فحسب، بل ايضاً تحذير قيادات "حماس" التي كانت تؤيد التعايش مع السلطة والتزام ضوابطها السياسية والامنية". وتشرح المصادر ذلك بأنه نجم عن "رغبة متزايدة لدى عدد من قيادات "حماس" بالدخول في مفاوضات مباشرة مع الاسرائيليين ومقايضتهم على وقف العمليات الاستشهادية، التي ثبت انها الاكثر إيلاما من وجهة النظر الاسرائيلية، في مقابل اعتراف هؤلاء بدور الحركة ونفوذها وموقعها داخل المجتمع الفلسطيني بمعزل عن السلطة وبشكل مستقل عن أطرها السياسية والأمنية". وتتابع المصادر بأن مثل هذه الرغبة، وهي في معظمها من العناصر العسكرية الشابة، "نابعة من الاقتناع بأن "حماس" تتمتع بما يكفي من القوة والقدرة على التأثير والتحرك لتمكينها من مقارعة الاسرائيليين وجهاً لوجه من دون الحاجة الى غطاء السلطة الفلسطينية، الى جانب الخشية من أن يؤدي الاتفاق على التعايش مع هذه السلطة والاعتراف بها الى تمكين هذه الأخيرة من ابتلاع "حماس" والغائها من الساحة عاجلاً أم آجلاً". وتلتقي المصادر الفلسطينية والاسرائيلية على التمييز بين ما تسميه "حماس السياسية"، أي القيادات والعناصر التي باتت مقتنعة بضرورة وقف العمل العسكري، خصوصاً بأشكاله الاستشهادية التفجيرية الموجهة أساساً ضد الاهداف الاسرائيلية المدنية، و"حماس العسكرية" التي اصبحت تتألف من "العناصر الشابة التي كانت تعمل سابقاً بأشكال سرية مع يحيى عياش، وهي تجد صعوبة متزايدة الآن في تأمين غطاء سياسي وتنظيمي وشعبي لعملها". ويفسر هذا التمييز، حسب المصادر نفسها، صدور البيان الذي أعلن مسؤولية "حماس" عن انفجاري القدس وعسقلان بتوقيع "خلايا الشهيد يحيى عياش"، كما يؤكد "الطابع الانتقامي البحت" الذي تم تنفيذ الانفجارين في اطاره، وهو "الانتقام لاغتيال عياش من جهة، والانتقام لمجزرة الحرم في الخليل" من جهة ثانية. وكان لافتاً استبعاد أوساط اسرائيلية رسمية لفرضية ان تكون هناك أي دوافع خارجية وراء قيام "حماس" بتنفيذ هذين التفجيرين في مثل هذا الظرف بالذات، واقتصار تلك الدوافع على "الانتقام ليس إلا" على حد تعبير تلك الأوساط. وتجدر الاشارة الى ان المفاوضات المتلاحقة بين السلطة الفلسطينية وقيادات "حماس" في الأسابيع الماضية كانت ساهمت في اشاعة "اجواء تفاؤلية" عند الرئيس ياسر عرفات ومعاونيه بأن الحركة "اقتنعت أخيراً بوجهة النظر الفلسطينية الرسمية" المرتكزة على النقاط الآتية: 1- بات ضروريا، من حيث المبدأ، بعد قيام السلطة الفلسطينية، وقف العمليات العسكرية ضد الاهداف داخل اسرائيل لأنها لم تعد تخدم أية اهداف سياسية أو اعلامية أو أمنية، بل على العكس تؤدي الى نتائج تتعارض مع المصلحة الفلسطينية. 2- المصلحة الفلسطينية تقضي الآن بتركيز قواعد السلطة والاظهار للجانب الاسرائيلي بأنها قادرة على التحكم بالأوضاع وضبط الأمور حتى لا يتخذ من أي إخلال بالاتفاقات ذريعة للمماطلة في استكمال تنفيذها، لا سيما في ما يتعلق باتمام عملية اعادة انتشار القوات الاسرائيلية في الضفة الغربية والانسحاب من مدينة الخليل، وصولا الى تمكين قوات الامن الفلسطينية من ممارسة كامل صلاحياتها في الأراضي الواقعة تحت سيطرتها. 3- المصلحة الفلسطينية تقتضي أيضا عدم توفير أي ذرائع للاسرائيليين لتأجيل مفاوضات تقرير الوضع النهائي للأراضي الفلسطينية. 4- ان تحقيق هذه الأهداف الفلسطينية السياسية العليا يقضي ببقاء حزب العمل وزعيمه شمعون بيريز على رأس الحكومة في اسرائيل، وبالتالي عدم توفير أية حوافز للرأي العام هناك في اتجاه الاقتراع لمصلحة تكتل "الليكود" اليميني، وزعيمه بنيامين نتانياهو، نظراً الى ما سيترتب على ذلك من عرقلة لعملية التسوية بل وتشجيع الناخبين الاسرائيليين على الاتيان بحكومة عمالية جديدة من منطلق الاقتناع بفوائد السلام والشعور الملموس بمكتسباته، لا سيما على المستوى الأمني والمعيشي. 5- من المفيد الاظهار للاسرائيليين وللعرب وللعالم عموما ان الشعب الفلسطيني قادر على ضبط أموره وممارسة حقوقه وواجباته الوطنية في اطار من الديموقراطية مهما كانت الخلافات في وجهات النظر بين تياراته وتنظيماته، الأمر الذي سيشجع الوصول الى الدولة الفلسطينية المستقلة. المعادلة الفلسطينية - الاسرائيلية وتقول أوساط مقربة من عرفات ان الأجواء التفاؤلية باقتناع "حماس" بهذه النقاط السياسية واستعدادها للالتزام بها كانت "عاملا رئيسيا" وراء امتناع الرئيس الفلسطيني عن تنفيذ أية ملاحقات أمنية ضد قيادات الحركة في الفترة التي سبقت انفجاري القدس وعسقلان. وتؤكد هذه الأوساط ان أحد أسباب "الغضب الاستثنائي" الذي أعربت عنه اسرائيل عقب الانفجارين ووجهته تحديداً الى عرفات وأجهزته الأمنية مرده "رفض الجانب الفلسطيني التحرك لاعتقال مجموعة من ناشطي "حماس" وردت اسماؤهم على قائمة قدمتها اسرائيل قبل الانفجارين بأسبوع تقريباً". وكان في مقدمة الاسماء محمد ضيف، الذي تصفه المصادر الاسرائيلية بأنه "حل مكان عياش كالمطلوب الرقم واحد في عمليات التفجير"، وعبدالفتاح الستري الذي يعتبر بدوره من البارزين في "خلايا المهندس". لكن المصادر الفلسطينية ترد على ذلك الغضب الاسرائيلي بالقول ان "محمد ضيف كان في مقدم قيادات حماس التي تفاوضت مع السلطة وأعربت عن استعدادها للتعاون. وكانت تلك المفاوضات على وشك النجاح، فهل كان يعقل أن نلقي القبض عليه في ذلك الظرف فقط لأن اسرائيل كانت تريد ذلك؟". طبعا، المصادر الاسرائيلية ترد على هذا التساؤل الفلسطيني بالقول ان الاجابة عليه جاءت عندما قامت "حماس" بتنفيذ انفجاري القدس وعسقلان. وتقول ايضا ان من شأن ذلك أن يكون "مؤشراً كافياً للسلطة الفلسطينية على تصميم حماس على نسف الجسور معها، والاستمرار بممارسة العنف من دون أي اعتبار للعوامل السياسية. وهذا ما يرتب على السلطة الفلسطينية الآن التصدي بحزم لمثل هذا التحدي من جانب حماس، والا فقدت صدقيتها". والمعادلة من وجهة النظر الاسرائيلية بسيطة. فعمليات تفجيرية من هذا النوع "تشكل دائما ضربات موجعة لعمليات السلام وللأطراف السياسية الاسرائيلية المؤيدة لها، وتدفع المجتمع الاسرائيلي الى مزيد من التشنج وعدم الاقتناع بجدوى السلام أو بفائدة التعامل مع عرفات والسلطة الفلسطينية. فكيف إذا نفذت عمليات كهذه عشية انتخابات عامة هناك إجماع على أنها ستكون الأكثر مصيرية وفصلا في تاريخ الدولة العبرية؟ عندها لن يكون ذلك مجرد ضربة موجعة للسلام فحسب، بل انه قد يتحول الى ضربة قاصمة تقضي على العملية من أساسها". لكن هذه "المعادلة الاسرائيلية البسيطة"، التي تقول أوساط اسرائيلية مطلعة انها كانت "وراء اعتبار بيريز الانفجارين بمثابة طعنة شخصية له على أبواب الانتخابات المقبلة"، لا تحظى بموافقة الجانب الفلسطيني الذي يشدد دائما على "أن الوضع أكثر تعقيداً من ذلك". ويقول مصدر فلسطيني في هذا المجال: "لا يمكن جعل عملية السلام رهينة دائمة لأهواء الرأي العام الاسرائيلي ومزاجه، تماما كما لا يمكن السماح بتحويلها الى رهينة لممارسات العناصر المتطرفة وأهدافها، مهما كانت هوية تلك العناصر. وإذا كان همّ الحكومة الاسرائيلية الدائم هو الموازنة بين اهداف السلام وتقلبات الرأي العام عندها، فإن هذا الهمّ موجود أيضاً لدى الجانب الفلسطيني والى حد لا يقل عنه في اسرائيل... ومثلما عندهم متطرفون يرفضون السلام لدينا نحن قوى متطرفة ترفض بدورها السلام. ونحن لا نقول للحكومة الاسرائيلية كيف يتعين عليها التعامل مع متطرفيها، لذلك لا نقبل أن يملي علينا الاسرائيليون وسائل التعامل مع متطرفينا. ان حماس جزء من الرأي العام الفلسطيني وعلينا أن نعمل على استيعابها عوضاً عن التركيز على القضاء عليها كما ترغب في ذلك اسرائيل، فأهل البيت أدرى بما فيه". ويلخّص هذا الموقف طبيعة العلاقة التي نشأت بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي منذ التوصل الى الاتفاقات الحالية، كما يفسر بوضوح "السمة الازدواجية" التي تميز هذه العلاقة وتصل بها في أحيان كثيرة الى حد المأزق. فالجانب الفلسطيني يدرك ان لا بديل عن العملية السلمية، وان خياره الأمثل هو بقاء حزب العمل في الحكم، وتحديداً برئاسة بيريز، وانه سيكون قادراً، من خلال التفاوض والالتزام الحريص على قواعد اللعبة، على الوصول الى هدفه النهائي واقامة دولته المستقلة. وهو يدرك ايضا انه سيكون ضرورياً من أجل الوصول الى ذلك الهدف نجاحه في وضع حد لأعمال العنف الفلسطينية مهما كان مصدرها. لكنه يفضل تحقيق ذلك من خلال استيعاب القوى المتشددة والتخفيف من نفوذها الشعبي وعزل العناصر الاكثر تطرفاً في صفوفها عن الخط السياسي العام فيها. ويعتبر ان هذه الوسيلة هي الاكثر قدرة على النجاح عوضاً عن الدخول في مواجهة مفتوحة مع تلك القوى قد تؤدي الى تصليب موقفها وزيادة الدعم الجماهيري لها من منطلق ان السلطة الفلسطينية تكون رضخت بذلك للضغوط الاسرائيلية. اما الجانب الاسرائيلي، فهو يؤكد بدوره ان لا بديل عن العملية السلمية. وهذا ما أعرب عنه بيريز نفسه في كلامه أمام الكنيست الاسرائيلي عقب عمليتي التفجير. وهو يدرك بقدر متساو ان خياره الأفضل كمحاور فلسطيني هو منظمة التحرير ورئيسها ياسر عرفات، ويقر بأن السلطة الفلسطينية قامت حتى الآن بتحقيق انجازات لا يستهان بها على صعيد ضبط أوضاع المناطق الواقعة تحت سيطرتها، وتقليص قدرات التيارات المتطرفة والحد من تحركها. لكنه يطالب بالمزيد لاعتبارات تتجاوز عملية السلام ومتطلباتها لتصل الى صميم الحياة السياسية الاسرائيلية الداخلية ومنافساتها المزمنة بكل تشعباتها. بين الأمن والسياسة ولا تتردد المصادر الفلسطينية في توجيه الانتقادات الى اجهزة الأمن الاسرائيلية في معرض ردها على أي تهم بالتقصير يوجهها الاسرائيليون الى الاجهزة الفلسطينية. إذ تذكّر هذه المصادر بأن "وجود القوات الاسرائيلية بعدتها وعديدها وعلى امتداد عشرات السنين في الأراضي الفلسطينية لم يحل دون حدوث عمليات ضد اسرائيل، فلماذا تتوقع هذه الأخيرة من السلطة الفلسطينية الآن أن تمنع حدوث مثل هذه العمليات بالمطلق، علماً بأن الاجهزة الفلسطينية نجحت حتى الآن في إفشال الكثير من الخطط التفجيرية خلال فترة وجيزة من شروعها بممارسة صلاحياتها، وبشكل فاق حتى أكثر التوقعات تفاؤلاً". وتشير المصادر من جهة أخرى الى أن منفذي الانفجارين، وهما ابراهيم سراحنة ومجدي أبو وردة، "لم ينطلقا أصلاً من مناطق سيطرة السلطة الفلسطينية، بل من مخيم الفوّار القريب من الخليل والذي لا يزال تحت السيطرة الأمنية الاسرائيلية". وتنتقل الأوساط الفلسطينية الى مطالبة اسرائيل بالكف عن اتباع اسلوب "الاحتلال بالوكالة" الذي تقول ان مسؤولين سياسيين وعسكريين اسرائيليين لا يزالون يقعون فيه عندما يتعاملون مع السلطة الفلسطينية ومع الفلسطينيين عموماً. وتصفه بأنه "أسلوب بائد لا يؤدي إلا الى نتائج عكسية، وسيكون من الأجدى لاسرائيل الاستعاضة عنه بالتعامل مع الفلسطينيين من منطلق أكثر تكافؤاً واعترافاً بقدرتهم على ضبط أمورهم بأنفسهم". أما المسألة الثانية التي يشدد عليها الفلسطينيون، فهي ضرورة تخلي اسرائيل عن مبدأ "العقوبات الجماعية" الذي يتضح في كل مناسبة انه لا يزال "الأسلوب المفضل" لدى السلطات الاسرائيلية في تعاملها مع الفلسطينيين، خصوصا اغلاق الأراضي الواقعة تحت سيطرة السلطة مع ما يؤدي اليه ذلك من مشاق اقتصادية ومعيشية ناجمة عن منع عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين من تحصيل لقمة العيش من خلال عملهم داخل اسرائيل، الى جانب منع المزارعين والتجار من تصدير منتجاتهم الزراعية الى السوق الاسرائيلية. ويعتبر الفلسطينيون ان هذه التدابير لا تؤدي الا الى زيادة النقمة الفلسطينية على اسرائيل، ومضاعفة الصعوبات في وجه السلطة، ولا تخدم الا القوى المناوئة للسلام في صفوف الجانبين على حد سواء. ولعله من اللافت ان أوساطاً اسرائيلية، حكومية وعسكرية، تتفق مع الجانب الفلسطيني على "عقم هذه الأساليب". لكنها تقول في المقابل انه "يتعين دائماً على السلطات الاسرائيلية أن تظهر للرأي العام أنها تعمل شيئاً للحد من العمليات". وفي الوقت نفسه، فإن الظاهر حتى الآن ان الحكومة الاسرائيلية لا تستطيع، حتى ولو أرادت، الاستمرار طويلا في اقفال المعابر أو في وقف التبادل البشري والتجاري القائم من خلالها. فالثابت ان حاجة الاقتصاد الاسرائيلي الى ما توفره الأراضي الفلسطينية من أيد عاملة ومنتجات رخيصة لا تقل عن حاجة الاقتصاد الفلسطيني الى ما توفره السوق الاسرائيلية من مداخيل مالية. من هنا تعود المسألة برمتها للتتركز على النقطة الأساسية، وهي ان "لا بديل عن العملية السلمية بالنسبة الى الجانبين، وبقدر متساو". لكن ما سيتعين عليهما معاً التوصل اليه هو الاتفاق على التدابير التي تحقق هذا الهدف بالحد الأدنى من الخسائر التي قد تلحق بأي منهما خلال السعي الى إرساء قواعد التسوية النهائية. فلا السلطة الفلسطينية أو رئيسها على استعداد للدخول في مواجهة شاملة مع "حماس" أو غيرها من القوى الفلسطينية المعارضة إرضاء للرغبات الاسرائيلية، ولا الحكومة الاسرائيلية أو رئيسها على استعداد للمجازفة بالحاق المزيد من الإضعاف بالجانب الفلسطيني في وقت يدرك فيه الاسرائيليون ان ذلك لن يكون سوى في مصلحة الأطراف المعارضة للسلام في المعسكرين معاً. وعلى أي حال، فإن المصادر الفلسطينية والاسرائيلية تتفق على أنه "بعد ردود الفعل الفورية الانفعالية على الانفجارين، وبعد أن تكون رغبة الجانب الاسرائيلي بالذات في الظهور بمظهر الغاضب المتشدد والقادر على التصرف بحزم وقسوة دفاعاً عن أمن مجتمعه وأرواح مواطنيه في خضم الحملة الانتخابية، فإن الأمور ستعود الى وتيرة هادئة يدرس فيها الجانبان وسائل الحد من الأضرار الناجمة عن هذه الأزمة". وهنا ترجح المصادر أن يعمد الجانبان الى تعزيز تعاونهما الأمني، بما في ذلك تبادل المعلومات ورصد التحركات والخطط التي قد تحاول العناصر المتشددة تنفيذها مستقبلاً. كما ستحاول الاجهزة الفلسطينية الحد من أنشطة البنية التحتية للأجنحة الأكثر تطرفاً داخل "حماس"، وبالذات "كتائب عزالدين القسام" و"خلايا يحيى عياش"، ومنعها من الاستفادة من عمليات جمع التبرعات وتخزين الأسلحة والمواد المتفجرة، والتدريب، وتجنيد المتطوعين، والقاء القبض على العناصر التي قد تظل متمسكة بمبدأ اللجوء الى العنف، خصوصاً العمليات الاستشهادية التفجيرية ضد الأهداف داخل اسرائيل. لكن جميع هذه الاجراءات الامنية ستترافق مع تركيز ثابت من السلطة الفلسطينية وعلى الأرجح بموافقة اسرائيلية ضمنية على الاستمرار في المحاولات السياسية الهادفة الى اقامة حوار مع قيادات "حماس" الأكثر اعتدالاً بغية استيعابها في الحياة السياسية الفلسطينية والتعايش معها كمعارضة مقبولة داخل الأطر التنظيمية القائمة في الأراضي الفلسطينية. في هذه الأثناء يظل الهدف الفوري المباشر للجانبين الفلسطيني والاسرائيلي معا التأكد من منع حدوث أي عملية أخرى مماثلة في اسرائيل خلال الأشهر المقبلة، وضمان اجراء الانتخابات في اجواء ملائمة لعملية السلام بما يضمن عودة حزب العمل وزعيمه بيريز الى الحكم، والشروع بعد ذلك في المفاوضات التي ستحدد الوضع النهائي للأراضي الفلسطينية. ففي هذه النقطة بالذات تلتقي حاليا المصلحة المشتركة للجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، وهي ستبقى كذلك على الارجح في المرحلة المقبلة.