عاد الركود ليخيّم على الخشبة اللبنانية، بعد انتعاش عابر، في انتظار أعمال عربية تحلّ ضيفة على العاصمة اللبنانية، وتشفي بعضاً من غليل الجمهور إلى أعمال وتجارب مميّزة وممتعة. ولعلّّ أن مسرحيّة ألبير كامو الشهيرة "كاليغولا" كما قدّمها مدير المسرح القومي في سورية جهاد سعد، على خشبة "مسرح المدينة" البيروتي، تندرج بشكل أو بآخر بين تلك الأعمال. يدور النصّ الذي وضعه الكاتب الوجودي الفرنسي أثناء الحرب العالميّة الثانية، حول شخصيّة أحد قياصرة الامبراطوريّة الرومانيّة. كاليغولا في التاريخ هو كاييوس جرمانيكوس المولود عام 21 للميلاد والذي أصبح امبراطوراً وهو في الخامسة والعشرين من العمر، فعرف بطغيانه، ولم يحكم إلا أربع سنوات مات على أثرها إغتيالاً على يد أحد الاعيان المقرّبين. تروي المسرحيّة رحلة الشاب الرقيق والمثالي نحو التطرّف والتسلّط الدموي والجنون، في قالب تراجيدي يتوسّله الكاتب فرصة للتأمّل في مسائل وجوديّة وفلسفيّة عامة : السلطة، الحريّة، السعادة، الضعف البشري والعدالة. وجهاد سعد الذي أخرج المسرحيّة وأدّى فيها دور البطولة، كان قدّم "كاليغولا" مع ممثلي "المسرح القومي" خلال "أيام قرطاج" قبل أشهر، ففاز ب "جائزة الاخراج"، ثم أعاد تقديمها أخيراً لجمهوره على خشبة "مسرح الحمراء" الدمشقي، تمهيداً لجولة عربية بدأت في بيروت وستمتدّ إلى القاهرة ومدن أخرى. يقدّم المسرحي السوري رؤيته الخاصة للنصّ، انطلاقاً من نقطة أساسيّة، يحدّدها الشاعر الفلسطيني راسم المدهون في مراسلة خاصة ل "الوسط" كالآتي: "إن وجود الديكتاتور واستمراره - في منظار سعد - هو رهن إلى حدّ بعيد بإرادة المجتمع المحيط. والديكتاتور من هذا المنطلق، هو تعبير جامح وفجّ عن نسيج مجتمعي، تنهض تركيبته الأساسيّة على مشروعيّة الظلم، وأحقيّة الفوارق". واستند المخرج، في تنفيذ رؤياه، إلى أسلوب قائم على بساطة التعبير، بدءاً بالديكور ووصولاً إلى الاداء، لتجسيد تلك العلاقة غير الطبيعية بين الديكتاتور وحاشيته، وهي علاقة قائمة على الخوف والتوتّر. اعتمد الاخراج على الحركة السريعة والمتوتّرة، واستفاد من تقنيات المسرح الكلاسيكي من دون أن يتوقّف عندها، بل عمد إلى تقديمها في صياغات حديثة أشعلت الامكانات الجسديّة القصوى للممثّلين. وجهاد سعد لافت في دور كاليغولا، برز إلى جانبه كلّ من خديجة غانم، زياد سعد، توفيق اسكندر، نضال سيجري وعلي القاسم.