ما الذي يمكن أن يجمع اليوم بين قصائد محمود درويش وخليل حاوي، جوزيف حرب وطلال حيدر، عبيدو باشا ومحمد العبدالله؟... الجواب: أسطوانة جديدة لمارسيل خليفة. فالفنّان اللبناني الذي فتح باب الأغنية العربية للقصيدة الحديثة، وتجرأ على تطويع القوالب والأشكال كي تتسع لنثرها المرسل، يعود في أسطوانة جديدة تذكّر بالعصر الذهبي لتجربته. وتجربة خليفة وفرقته "الميادين" نمت، كما هو معروف، في دجى الحرب اللبنانية، فاستمدّت منها كثيراً من الزخم، لكن الدخان حجب شيئاً من فرادتها إذ بقي البعض ينظرون إليها ويحاكمونها بصفتها "ملتزمة" "وطنيّة" و"ثوريّة" وإلى ما هنالك من نعوت واعتبارات اختزالية... صحيح أن تزعزع القناعات، وتبدّل المراحل والظروف، لعب دوراً في انضاج خليفة، ودفع الملحّن اللبناني إلى كثير من اعادات النظر، لكنّ أغنياته التي يرددها جمهور واسع في العالم العربي بمغربه ومشرقه، تحفظ له مكانة مميّزة بين الذين طوّروا مفهوم الأغنية وشكلها. وعندما قدّم في بيروت موسيقاه الصرفة التي سيعيد تقديمها أواخر شباط فبراير في باريس بدعوة من بيت ثقافات العالم ثم أوائل آذار مارس في لندن بدعوة من جورج الزعنّي و"جمعيّة الشرق الأوسط"، سارع البعض إلى طيّ الصفحة ونعي الأغنية الجديدة التي يمكن اعتبار خليفة أبرز روّادها. لكن ها هي "ركوة عرب" اصدار مؤسسة "نغم"، الاسطوانة الجديدة التي تحمل عنوان قصيدة شهيرة لطلال حيدر لحّنها مارسيل خليفة، تعيد الاعتبار إلى جانب أساسي من عالم الفنّان ومسيرته. فمشاغل الواقع تختلط هنا بالمعاناة الذاتية، والهموم الفكرية والسياسية تعطي نكهتها الخاصة للأغنيات... ومناخات لبنان الغارق في ركود ما بعد الحرب الأهليّة قصائد العبدالله وعبيدو باشا حاضرة في العمل الجديد، كما هو حاضر الراهن العربي المتزعزع الممزّق من خلال قصيدة محمود درويش "أنا يوسف يا أبي" مكتوبة قبل فيلم يوسف شاهين "المهاجر"!. والحزن الوجودي تنضح به قصيدة غير معروفة للشاعر الراحل خليل حاوي "يا صبيّة". وقصيدة جوزيف حرب مكتوبة أساساً لذكرى عاصي الرحباني "علّقت روحي نجمة في ليل شعبي ومضيت"، عارمة بالحزن أيضاً. أما طلال حيدر فيترك بصماته وايقاعه الفروسي ونفسه الملحميّ على الاسطوانة من خلال قصيدتين من قصائد عاميّته الفصيحة: "ركوة عرب" و"سجر البنّ".