تركزت ردود الفعل التي صدرت عن الدوائر الرسمية والديبلوماسية في واشنطن على التعيينات الأربعة الرئيسية الجديدة في ادارة الرئيس بيل كلينتون في اتجاهين: الأول، لم يتطرق كلينتون أو الأربعة الذين عينهم، اطلاقاً الى قضية الشرق الأوسط. الثاني، الثلاثة الذين لا بد من مصادقة الكونغرس على تعيينهم وهم وليام كوهين وأنطوني ليك ومادلين أولبرايت، ليست لديهم أي خبرة سابقة في ادارة أي مؤسسات أو دوائر أو وزارات كبرى كتلك الثلاث التي عينهم فيها كلينتون، وهي: الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الخارجية. مادلين أولبرايت لا شك في أن كلينتون كسب تأييد زوجته وتأييد النساء الأميركيات باختيار أولبرايت وزيرة للخارجية، لكن الوزيرة الجديدة ستواجه مشاكل عدة، منها: - على رغم أنها عملت قبل عشرين سنة مع السيناتور ادموند مسكي الذي تولى في ما بعد وزارة الخارجية ثم خاض انتخابات الرئاسة الأميركية فإنه ليس لها أي "شبكة" من العاملين أو المؤيدين في الكونغرس، وهي مشكلة طالما عانى منها سلفها وارن كريستوفر. - ليس لديها أي مفهوم "استراتيجي" متكامل وانما تتصرف مع كل أزمة من منطلق رد الفعل على حدوثها، مثل رئيسها كلينتون، وتتعامل مع الأزمات واحدة بعد الأخرى. وهذه نقطة ضعف تشترك فيها أيضاً مع كريستوفر. وقد وصفتها صحيفة "وول ستريت جورنال" بأنها "مثقفة من الوزن الخفيف". - لقد أحرقت جسورها في الأممالمتحدة مع المسؤولين في المنظمة الدولية، لا سيما أن الجميع مقتنعون بأنها هي التي نصحت كلينتون بمعارضة تجديد ولاية الدكتور بطرس غالي. اذ ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" ان أولبرايت هي التي "أثارت موجة واسعة من الغضب بين الدول الاعضاء 183 دولة في الأممالمتحدة بسبب ما اعتبرته تلك الدول المعاملة الوحشية التي لا مبرر لها التي لقيها الأمين العام من الولاياتالمتحدة". - عدوانيتها في الكلام وصراخها "الذي يمكن أن يكسر الزجاج" حسب تعبير "واشنطن بوست". وقد نقلت الصحيفة عن أحد أعضاء الحزب الديموقراطي قوله: "في كل مرة تبحث فيها الادارة تصرفات أي دولة لا تروق للادارة تصرخ أولبرايت على الفور: عقوبات". - ليست صديقة للعالم العربي. وقد بعث وزير الخارجية الاسرائيلي رسالة تهنئة اليها قال فيها: "نحن معجبون أيما اعجاب بشخصيتك وصداقتك لنا". كما أن معظم المرات التي استخدمت فيها حق الفيتو النقض في مجلس الأمن الدولي كانت بناء على طلب من اسرائيل. - لا بد لها من اصلاح علاقاتها مع روسيا التي قال وزير خارجيتها يفغيني بريماكوف عن أولبرايت "انها تفتقر الى كل كياسة أو لطف". وليام كوهين ولد وليام كوهين لأم ايرلندية بروتستانتية وأب يهودي اعتنق البروتستانتية بعد زواجه. ووزير الدفاع الجديد متزوج من مذيعة سوداء في التلفزيون كما انه ألف ثمانية كتب بينها ثلاثة من روايات الجاسوسية. وكان من معارضي ريغان فيما أصبح يعرف باسم "ايران غيت" على رغم أنه جمهوري. وهو يبدو اختياراً معقولاً لأنه كان عضواً في لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، كما أنه يؤيد فكرة توسيع نطاق عضوية حلف شمال الأطلسي. وهو على علاقات طيبة مع أعضاء الكونغرس ويحبذ انتهاج سياسة أميركية تستند الى تأييد الحزبين معاً في السياسة الخارجية. وقد اتضح ان كلينتون قرر اختياره بدلاً من اختيار الجنرال كولن باول لأن نائب الرئيس آل غور كان يعارض تعيين باول وزيراً للدفاع، تحسباً من ازدياد شعبيته وقطع الطريق عليه في انتخابات الرئاسة لعام ألفين. كذلك أدى اختيار كوهين الى اضعاف فرص السيناتور الديموقراطي السابق جورج ميتشيل اللبناني الايرلندي لأن كلينتون لم يكن راغباً في تعيين اثنين من الولاية نفسها وهي ولاية مين الصغيرة. أنطوني ليك ليك ليبرالي سابق استقال من منصبه كمساعد لهنري كيسنجر في العام 1971 احتجاجاً على الغزو الأميركي لكمبوديا. وبعد ذلك انضم الى مؤسسة كارنيجي للسلام. لكن ليك بدأ يميل الى الجناح اليميني من الحزب في ما بعد. وهو مثل كوهين ليس له أي خلفية عسكرية ما يعني أن معظم العاملين في وكالة الاستخبارات المركزية سيشعرون بالريبة نحوه. لكن مساعده جورج تانت كان أحد مساعديه في مجلس الأمن القومي. ولهذا فمن المرجح أن يبقي تانت في منصب مساعد مدير الوكالة. كذلك من المحتمل أن يبقي نروا سلاتكين كبيرة المستشارين القانونيين في الوكالة في منصبها أيضاً. ويجدر بالذكر ان تانت وسلاتكين يهوديان. وكان ليك قد شغل منصب مدير التخطيط السياسي في وزارة الخارجية في عهد الرئيس كارتر، ثم اصبح استاذاً للعلاقات الدولية في احدى الجامعات الاقليمية قبل أن ينصرف الى تربية الأبقار. وعلى رغم أنه ذو نظرة استراتيجية أوسع وأعمق من أولبرايت فإن من غير المحتمل أن يصبح أكثر من "مدير" للوكالة. صموئيل بيرغر مستشار الأمن القومي كان بيرغر كاتب خطابات السيناتور جورج ماكفرن في حملة انتخابات الرئاسة في العام 1972، لكنه تحول من الجناح الليبرالي للحزب الى الجناح المحافظ. وهو أقوى مؤيدي السفيرة الأميركية في باريس باميلا هاريمان. ومن الواضح أن كلينتون فضل اختياره على اختيار صديقه ستروبي تالبوت الذي قبل الآن البقاء في منصبه الحالي "نائباً لوزير الخارجية" ريثما تعين أولبرايت فريقها الجديد في الوزارة. كذلك كان بيرغر كبير مستشاري كلينتون للشؤون الخارجية في حملة انتخابات العام 1992، وهو الذي ساعده على اختيار معظم التعيينات في ميدان السياسة الخارجية بمن في ذلك زميله اليهودي مثله مارتن انديك سفيرا في تل أبيب. ولكن من سيختار كلينتون لمنصب السفير الأميركي في الأممالمتحدة؟ أقوى المرشحين هو عضو الكونغرس بيل ريتشاردسون وهو ديموقراطي محافظ يمثل ولاية نيومكسيكو، كما انه اميركي مكسيكي الأصل على رغم اسمه. وقد سبق له أن زار كوريا الشمالية مرتين حيث نجح في اقناع حكومتها باطلاق سراح الأسرى الأميركيين هناك. كذلك زار كلا من بورما وهايتي لحمل السلطات فيهما على تحسين سجلهما في مجال حقوق الانسان. ومن الواضح ان لديه طموحات في مجال السياسة الخارجية. والاجماع في واشنطن هو ان كلينتون تفادى تعيين "فلاسفة استراتيجيين" على نمط كيسنجر وبيكر وبريجنسكي لكنه في الوقت نفسه تفادى أيضاً تعيين أناس يفتقرون الى الديبلوماسية واللياقة واللباقة، من أمثال مدير السي. آي. ايه. جون دويتش الذي أراد وزارة الدفاع وريتشارد هولبروك وسام نان الذي أراد الدفاع أيضاً. ونظراً الى تعيين أولبرايت وزيرة للخارجية فإن من المرجح ان يقدم كلينتون على تعيين ميتشيل سفيراً في الأممالمتحدة. أما الصحف الأميركية فقد ركزت اعتراضاتها على تعيين أولبرايت بالدرجة الأولى، اذ قال جيم هوغلاند المعلق السياسي المعروف في صحيفة "واشنطن بوست": "ان اختيارها يشير الى التزام كلينتون القطاع النسائي الأميركي أكثر مما يدل على رغبته في تحقيق منجزات مهمة في ميدان السياسة الخارجية". كذلك قال مراسل "البوست" في باريس "ان فرنسا تخشى بصورة رئيسية أسلوب أولبرايت الديبلوماسي الفردي، وعلى كلينتون ان يدرك أن سمعتها في أوروبا غير طيبة كما ان عليه أن ينطلق من دوافع السياسة الخارجية في تعيناته لا من دوافع السياسة المحلية الأميركية". كذلك دعا كاتب المقالة الرئيس الأميركي الى التشاور مع حلفائه. وأخيراً، من الواضح أن تعيين أولبرايت وبيرغر لا يبشر بالخير لعملية سلام الشرق الأوسط إلا اذا ضغط عليهما الرئيس كي يحدّا من تأييدهما لاسرائيل ويشرعا في كبح جماح الحكومة الاسرائيلية الحالية. ومن المرجح أن تسير أولبرايت على نهج كريستوفر لأنها لا تريد أن تدخل التاريخ بصفتها وزيرة الخارجية التي "وأدت عملية السلام" في الشرق الأوسط