أصبح إمكان عودة وزير الخارجية الأميركي السابق جيمس بيكر إلى المساهمة والانهماك في "عملية السلام" التي استهلها عندما كان يشغل منصبه في عهد الرئيس جورج بوش، أحد أهم المواضيع التي يبحثها الديبلوماسيون في السفارات العربية في واشنطن. لكن مثل هذه العودة لا بد لها أن تنتظر ريثما يختار الرئيس بيل كلينتون وزيراً جديداً للخارجية ويصادق الكونغرس على هذا الاختيار. لكن احتمال عودة بيكر إلى الساحة الديبلوماسية برز إلى السطح في الآونة الأخيرة بعدما أعلن وزير البنية التحتية الإسرائيلي ارييل شارون أنه يعتزم اقامة المزيد من المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة، وإثر المناشدة الشخصية التي وجهها الرئيس ياسر عرفات إلى الرئيس كلينتون للعمل على "انقاذ عملية السلام". فإذا ما اختار الرئيس الأميركي بيكر ليصبح ممثله الخاص بدلاً من السفير دنيس روس المنسق الأميركي الحالي لعملية السلام، فإن هذا سيعني على الأرجح أن كلينتون سيغض النظر عن تعيين جمهوري في منصب وزارة الخارجية. وكانت دوائر الكونغرس قد ذكرت ان من المحتمل أن يختار كلينتون السيناتور الجمهوري ريتشارد لوغار خلفاً لوارن كريستوفر. لكن لوغار أبلغ "الوسط" أنه ليس راغباً في المنصب. ولهذا فمن المحتمل أن يقرر الرئيس كلينتون، إذا ما فكر في اختيار وزير خارجية من الجمهوريين، محاولة اقناع الجنرال كولن باول بتولي المنصب. وقد أبلغ الكولونيل المتقاعد بيل سمالين، الناطق باسم باول "الوسط" أن الجنرال لم يتلق أي عرض في هذا الصدد، لكنه يدرك ان اسمه يتردد الآن. وفي اعتقادي انه سيوافق على تولي المنصب إذا ما طلب إليه ذلك. أما الديموقراطيون الذين ترددت أسماؤهم لشغل المنصب ففي مقدمتهم السيناتور جورج ميتشل وهو لبناني - ايرلندي الأصل، والسيناتور المتقاعد سام نان، والسفيرة الأميركية في الأممالمتحدة مادلين أولبرايت. وكان بيكر قد انتقد الطريقة التي تعامل بها كريستوفر مع عملية السلام، كما أنه اقترح أن يحجب كلينتون الأموال عن إسرائيل - مثلما فعل الرئيس بوش - لكي يجبرها على الكف عن بناء المستوطنات. ويعتقد بيكر بأنه كان ينبغي على كريستوفر الذي زار الشرق الأوسط خمساً وثلاثين مرة خلال أقل من أربع سنوات، أن يخرج بنتائج أفضل كثيراً مما حققه حتى الآن. ويقول بيكر إن كريستوفر يفتقر في اعتقاده إلى "الفهم التاريخي" للمنطقة، كما أنه يتعامل مع الأزمات لأنه محام مثل بيكر مثلما "يتعامل المحامون في قاعات المحاكم لتسوية قضية أو نزاع مدني بحت". أما مادلين أولبرايت، فهناك شكوك تحيط بمستقبلها منذ أن امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن الدولي أثناء بحث مسألة تجديد ولاية بطرس غالي للأمانة العامة للأمم المتحدة في شهر تشرين الأول اكتوبر الماضي. إذ يدرك كلينتون الآن ان أولبرايت "أحرقت جميع جسورها" مع بطرس غالي ولهذا لا بد من استبدالها. وبالنسبة إلى دنيس روس، من المحتمل أن يعينه كلينتون سفيراً جديداً في تل أبيب خلفاً لمارتن انديك، إذا لم يعترض الكونغرس على تعيين سفيرين يهوديين متعاقبين.ومع أن وزير الدفاع وليام بيري أعرب عن رغبته في الاستقالة من الحكومة، فإن المصادر المقربة من الوزير أبلغت "الوسط" ان كلينتون طلب إليه البقاء ولو حتى لستة أشهر، ريثما يجيز الكونغرس موازنة الدفاع المقبلة. أما مستشار الأمن القومي انطوني ليك فيعتزم العودة إلى مزرعته الكبيرة واعتزال العمل السياسي. ومن الاسماء التي ترددت كبديل له ستروبي تالبوت الصحافي السابق الذي شغل في الفترة الأخيرة منصب مساعد كريستوفر. وهكذا بات كلينتون يواجه الآن مشكلة صعبة لاختيار وزير جديد للخارجية ومستشار جديد للأمن القومي وعلى الأرجح سفير جديد في الأممالمتحدة، وما أن يفرغ من اختيار الأشخاص الملائمين لهذه المناصب حتى يواجه مشكلة اختيار وزير جديد للدفاع. وستأتي هذه القرارات في وقت تواجه فيه الولاياتالمتحدة قضايا شائكة على الساحة الخارجية في مقدمتها العلاقات مع الصين وبالتالي علاقة الصين مع كل من إيران وليبيا وتايوان وباكستان وهونغ كونغ علاوة على سجل بكين في مجال حقوق الانسان. ومن الوزراء الآخرين الذين يحتمل أن يقرر كلينتون استبدالهم، وزير العمل روبرت رايتش، ووزير التجارة ميكي كانتور، ووزيرة الطاقة هيزل اوليري علاوة على وزراء النقل والمواصلات والتعليم والإسكان. وهناك أيضاً منصب السفير الأميركي في طوكيو الذي شغر باستقالة والتر مونديل نائب الرئيس السابق. ولكن مهما يكن من أمر، فإن التزام كلينتون بانتهاج سياسة عامة ترضي الحزبين الديموقراطي والجمهوري، سيساعده على إحباط مساعي الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون الرامية إلى إفشال برامج كلينتون، مما يعني ان الإدارة لن تشهر مرة ثانية رفض التصويت على الموازنة مثلما حدث في العام الماضي وأدى إلى اغلاق معظم الدوائر الحكومية. ومما يعزز مكانة كلينتون في الكونغرس الجديد القانون الذي أجازه الكونغرس الأخير لاعطاء الرئيس حق النقض ضد أي بند في الموازنة، بدلاً من نقض مخصصات وزارة أو ولاية بأكملها من أجل نقض بند واحد. وفي هذا القانون الجديد ما يعطي كلينتون سلاحاً فعالاً في التعامل مع الكونغرس الجديد. فمنذ أيام جون كينيدي والرؤساء يطالبون الكونغرس باجازة مثل هذا القانون، لكن دون جدوى. إلا أن الكونغرس الأخير اجازه مع أنه جمهوري، لأنه كان يأمل في فوز جمهوري بالرئاسة.