قبل بضع سنوات قام الممثل الاميركي المعروف روبرت ريدفورد بدور مرشح في انتخابات الرئاسة الاميركية في أحد الأفلام. وفي اللحظة التي عرف فيها انه فاز قال لنفسه: "والآن، ماذا أفعل؟" ولربما كان الرئيس المنتخب كلينتون يحس بالشعور نفسه. اذ ان عليه خلال الشهرين المقبلين ان يبدأ في الاجابة عن السؤال. ومن أول الدلائل على السياسة الخارجية التي سينتهجها كلينتون اختياره وزير الخارجية ومستشار شؤون الأمن القومي وغيرهما من المسؤولين على المستويات الأقل. أما منصب وزير الخارجية فان كلينتون يدرس تعيين احدى الشخصيات البارزة، من بينها عضو الكونغرس لي هاملتون وعضو مجلس الشيوخ بيل برادلي والنائب السابق لوزير الخارجية في عهد كارتر وارن كريستوفر والسيناتور سام نن. أما منصب مستشار شؤون الأمن القومي فسوف يكون اسم أنتوني ليك في رأس القائمة المحتملة لهذا المنصب. ومن المؤكد ان أي واحد من هؤلاء الرجال سيغني المنصب الذي يتولاه بما لديه من خبرة واتزان. وفي هذه الأثناء علينا ان نراقب لكي نرى اذا كان السفير السابق لدى الأممالمتحدة توماس بيكرنغ سيتولى منصباً رفيعاً في الادارة، وإذا كان مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط إدوارد دجرجيان سيحتفظ بمنصبه أم لا. وإذا كان هؤلاء هم أعضاء فريق كلينتون في المستقبل للشرق الأوسط فانني متفائل لأنه لن تكون هناك مشكلات من التحيز أو الجهل. فلنفترض اذن ان كلينتون اختار فعلاً فريقاً جيداً. كيف يمكن ان يتعامل مع الصراع العربي - الاسرائيلي ومع الوضع في الخليج؟ مع حلول موعد تولي كلينتون الرئاسة في العشرين من كانون الثاني يناير 1993 ستكون مرت اشهر عدة ضائعة على عملية السلام. ولذا ينبغي على كلينتون ان يقرر اذا كان الوقت مؤاتياً لاحياء عملية التفاوض والضغط من اجل التوصل الى اتفاقات. وحدسي هو انه سيقرر ان تستأنف الولاياتالمتحدة دورها في العملية بهمة ونشاط. ومن المرجح ان يزور وزير خارجيته الجديد المنطقة في وقت مبكر، ثم لنا ان نتوقع من كلينتون ان يدعو زعماء عدة من المنطقة لاجراء محادثات معه. وسيحاول، على أقل تقدير، اقامة علاقة شخصية مع كل من الملك فهد بن عبدالعزيز والرئيس حسني مبارك والملك حسين واسحق رابين. حتى ان هناك الآن حديثا في الاوساط السياسية في واشنطن مفاده ان ادارة الرئيس بوش ربما تحاول تمهيد الطريق امام تحسين العلاقات السورية - الاميركية. فمثلاً ربما يزور جيمس بيكر المنطقة لاقناع الرئيس حافظ الأسد بالتحرك بجرأة اكبر نحو السلام مع اسرائيل في مقابل اسقاط اسم سورية من قائمة الدول المؤيدة للارهاب. وربما يشجع كلينتون مثل هذا التطور لأنه سيفتح الباب أمامه ليبدأ علاقة جديدة مع الرئيس الأسد. تصلب تجاه صدام وهناك احتمال بأن يكون فريق كلينتون للشرق الأوسط أقل تجانساً وتناسقاً من فريق بوش - بيكر. اذ يمكن ان يجد المرء اصواتاً مختلفة تعيد الى الذاكرة تلك الأجنحة والفئات المختلفة في مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية وما نشب بينها من صراعات: مثل الصراع بين هنري كيسنجر ووليام روجرز في عهد نيكسون وبين جورج شولتز وكاسبار واينبرغر في عهد ريغان. وللانصاف لا بد من القول ان فريق بوش - بيكر لم يشهد اطلاقاً تلك الصراعات والانقسامات، مما جعل الفريق يحقق نجاحاً اكبر من غيره في مجال تطبيق سياساته. ولهذا من المرجح ان يعاني كلينتون من انقسامات الرأي، الا اذا التزم الحذر والحكمة في اختيار اعضاء فريقه. لقد تحدثت في الآونة الاخيرة الى احد المقربين من كلينتون الذي طالما تردد اسمه لتولي منصب مستشار كلينتون لشؤون الشرق الاوسط. وهو معروف بتأييده القوي لاسرائيل. ومع ذلك فانني وجدت ان معظم ما قاله يتطابق مع وجهات نظري. اذ تحدث عن ضرورة وجود مبادرة اميركية من أجل دفع المفاوضات العربية - الاسرائلية الى درجة الاتفاق. كذلك تحدث عن اهمية شمولية الحل، وعن الدور الأوروبي، لا سيما في مجال الحد من التسلح والأمن الاقليمي. بل وتحدث عن اهمية معالجة قضية اللاجئين الفلسطينيين خلال الفترة الانتقالية. اما القضية الوحيدة التي اختلفنا فيها فهي الطريقة التي عالج بها بوش مسألة ضمانات القروض لاسرائيل. اذ ان هذا الشخص، مثل كلينتون نفسه، يعارض الربط بين ضمانات القروض وتجميد الاستيطان، بينما انا من مؤيدي ذلك الربط. وهكذا فاذا كانت هذه هي الآراء التي سنسمعها من كلينتون عندما يتولى السلطة في البيت الأبيض فانني لن اشعر بقلق بشكل عام. اما بالنسبة الى السياسة التي ستتبعها ادارة كلينتون تجاه الخليج فانني اتوقع ان يواصل كلينتون انتهاج الخط المتشدد نفسه الذي ينتهجه بوش حيال صدام حسين. بل ومن المحتمل ان نرى تشجيعاً علنياً اكبر وأقوى من كلينتون للمعارضة العراقية. والسؤال الأساسي بالطبع هو: ما الذي سيفعله كلينتون اذا فقد صدام حسين السلطة؟ هل سيؤيد إقامة تحالف ديموقراطي ليحكم العراق ويقدم لهذا التحالف نوعاً من الحافز كرفع العقوبات وإلغاء عملية التعويض والديون على العراق؟ أم هل سيواصل تصعيد الضغط على عراق ما بعد صدام لكي يضمن عدم ظهور العراق كقوة عسكرية قوية مرة اخرى؟ انني انزع الى الاعتقاد بأنه سيميل الى انتهاج الخيار الأول. العلاقات مع ايران ويتكهن البعض بأن كلينتون سيجد من الاسهل عليه تحسين العلاقات مع ايران مما كان عليه الوضع في عهد بوش. وفي هذا الرأي بعض المنطق مع انه ليس هناك دليل أكيد على ذلك حتى الآن. ذلك ان بوش كان سيتعرض للانتقاد لو انه حاول الاقتراب من ايران نظراً الى علاقته بشكل او آخر بفضيحة ايران غيت. اما كلينتون فيستطيع، على النقيض من بوش، ان يبدأ بنظرة جديدة مختلفة. وهو مستعد على ما يبدو، لفتح حوار مع ايران، الا انني لا اتوقع حدوث تغيير كبير في المستقبل القريب: فأي تحسن قد تشهده العلاقات مع ايران سيحتاج الى بعض الوقت وإلى دليل حقيقي على ان ايران بدأت تغير فعلاً سياستها القائمة على تصدير الثورة الاسلامية الى الخارج. وفي الآونة الاخيرة تحدث كلينتون عن أهمية تشجيع التحول السياسي الديموقراطي في مختلف أرجاء العالم. فكيف سيطبق هذا المبدأ العام على الشرق الأوسط؟ أولاً من المرجح ان يولي اهتماماً بحقوق الانسان اكثر من الرئيس بوش. وستستفيد تلك الدول التي اتخذت خطوات نحو الديموقراطية، مثل تركيا ومصر والاردن والكويت، وتبني علاقات جيدة مع كلينتون، مع انه من غير المحتمل ان يترجم هذه المشاعر الى مساعدات اقتصادية ذات شأن. كذلك أتوقع ان يكون كلينتون ناقداً قوياً لمبيعات الأسلحة الى الشرق الأوسط. وباختصار، أود أن أقول إن كلينتون لن يمثل خروجاً كبيراً على سياسات بوش وبيكر. فالاستمرارية أرجح من التغييرات الحادة. ولن يكون انتقال السلطة من بوش الى كلينتون مثل انتقالها من كارتر الى ريغان. والواقع من المرجح ان نرى ان كلينتون سيحاول صياغة السياسة الخارجية من عناصر تلك السياسة في عهد كارتر وعهد بوش. ويجب ألا نستغرب اذا ما رأينا جيمي كارتر وقد عاد ليتولى منصب مستشار للرئيس الجديد. وأنا أعرف ان آراء كارتر عن الشرق الاوسط آراء ايجابية وموضوعية. ولهذا فأنا أشعر بالرضا والارتياح اذا ما فاز كلينتون، لأن هذا الفوز سيكون جيداً لأميركا، وآمل ان يكون كذلك للشرق الاوسط. لكنني سأراقب عن كثب التعيينات التي سيصدرها والشخصيات التي سيختارها لتولي المناصب المختلفة حين يبدأ عهده في 20 كانون الثاني يناير المقبل. * مستشار الرئيس الاميركي السابق كارتر وخبير بارز في شؤون الشرق الأوسط.