مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    ارتفاع الصادرات السعودية غير البترولية 22.8 %    برعاية ولي العهد.. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    تهديدات قانونية تلاحق نتنياهو.. ومحاكمة في قضية الرشوة    لبنان: اشتداد قصف الجنوب.. وتسارع العملية البرية في الخيام    الاتحاد يخطف صدارة «روشن»    دربي حائل يسرق الأضواء.. والفيصلي يقابل الصفا    انتفاضة جديدة في النصر    استعراض مسببات حوادث المدينة المنورة    «التراث» تفتتح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    جامعة الملك عبدالعزيز تحقق المركز ال32 عالميًا    «الأرصاد» ل«عكاظ»: أمطار غزيرة إلى متوسطة على مناطق عدة    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «العقاري»: إيداع 1.19 مليار ريال لمستفيدي «سكني» في نوفمبر    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    «كل البيعة خربانة»    مشاكل اللاعب السعودي!!    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    نهاية الطفرة الصينية !    السجل العقاري: بدء تسجيل 227,778 قطعة في الشرقية    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    تحت رعاية سمو ولي العهد .. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي.. تسخير التحول الرقمي والنمو المستدام بتوسيع فرص الاستثمار    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    محافظ جدة يطلع على خطط خدمة الاستثمار التعديني    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    دمتم مترابطين مثل الجسد الواحد    الأمين العام لاتحاد اللجان الأولمبية يشيد بجهود لجنة الإعلام    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    وزير الثقافة: القيادة تدعم تنمية القدرات البشرية بالمجالات كافة    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان الضائع بين الانتفاضات والجنرالات . التيجاني الطيب : خدعة اعتقال الترابي سهلت لانقلاب البشير التقاط أنفاسه 1
نشر في الحياة يوم 04 - 11 - 1996

السودان سيء الحظ كالقارة التي ينتمي اليها. ويضاعف اثقاله هذا الموعد المضروب على أرضه وفي تركيبته بين الضياع العربي واليأس الافريقي.
بلد سيء الحظ. منذ استقلاله في 1956 وجرح الجنوب نازف في جسده يأكل ابناءه ويخلخل وحدته ويزيد خزينته المريضة خواء. لا الجنرالات نجحوا في اخضاعه ولا المدنيون نجحوا في احتضانه وترتيب تعايش يتسع للجميع.
بلد سيء الحظ. أمضت الخرطوم أيامها تائهة بين قسوة العسكريين وعجز المدنيين. يلتهم العسكريون السلطة ومعها الحريات ويوزعون على الشعب الجائع خبز الخوف وأرغفة الفساد فتتجمع نذر الغضب وتكون الانتفاضة. يتنازع المدنيون الاختام والأرائك وتتجاذب الاحزاب حول بنود الدستور وعصبياتها المزمنة فتخرج الثياب الزيتونية من عتمة الثكن ويبدأ فصل جديد في الدورة القاتلة. دائماً ينجح عناد السودانيين في استعادة الديموقراطية ودائماً تنجح الاحزاب في ترتيب المسرح لاغتيالها. أطاح نظام الفريق ابراهيم عبود حكم المدنيين وذهب على دوي انتفاضة - ثورة. انقض المشير جعفر نميري على حكم الاحزاب وذهب على دوي انتفاضة.
وفي حزيران يونيو 1989 "انقذ" نظام "ثورة الانقاذ" السودان من الديموقراطية، ويقول معارضوه انه لن يذهب الا تحت وطأة "انتفاضة محمية بالسلاح". طبعاً مع الالتفات الى ان نظام الترابي - البشير شديد الاختلاف عن نظامي عبود ونميري وان يكن مثلهما توسل الثكنة والانقلاب طريقاً الى السلطة. فالنظام الحالي ينتمي الى قاموس آخر، وهو ولد في ظروف اقليمية ودولية مغايرة تماماً لتلك التي شهدت انقضاض العسكريين على السلطة في العالم الثالث في العقود الماضية. في السودان المستقل يمكن الحديث عن خمسة لاعبين في الصراع على السلطة في الخرطوم وهم: حزب الامة والحزب الاتحادي الديموقراطي والتيار الاسلامي والحزب الشيوعي والجيش. واذا استثنينا الشيوعي الذي كان مروره في الحكم عابراً فإن القوى الأربع الأخرى تعاقبت على السلطة وتتحمل، وان بنسب متفاوتة، مسؤولية ما آلت اليه الاوضاع. واذا كانت الاحزاب التقليدية قدمت رواياتها لما حدث في العهود المتعاقبة، فان الحزب الشيوعي لم يقدم روايته ومن هنا انطلق هذا الحوار.
تأسس الحزب الشيوعي السوداني قبل خمسين عاماً قضى 45 منها يمارس نشاطاً محظوراً، وتعرض لملاحقات وصلت الى حد التصفية الكاملة لرموزه في عهد نميري. وكان على قادة الحزب ان يختاروا بين السجن والتخفي باستثناء الفسحات التي كانت تعقب الانتفاضات ولا تدوم طويلاً.
في شباط فبراير 1995 اجرت "الوسط" حواراً مع السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني محمد ابراهيم نقد لكن ظروف تخفّيه والمطاردة المستمرة له على أيدي اجهزة الامن حالت دون امكان التطرق الى كل المحطات. ولأنه يستحيل كتابة محطات السودان المستقل من دون التوقف عند دور الحزب الشيوعي السوداني توجهت "الوسط" الى عضو سكرتيرية اللجنة المركزية للحزب التيجاني الطيب وطرحت عليه اسئلة الحاضر والماضي بعدما كانت اجرت حواراً مشابهاً مع الصادق المهدي.
التيجاني الطيب شريك قديم وشاهد قديم. جاء الى الحزب غداة تأسيسه وتقاسم مع عبدالخالق محجوب مقاعد الدراسة وهموم الانطلاقة. جرّب السجون في مصر قبل الاستقلال وجربها في السودان في عهود عبود ونميري والبشير. جرب التخفي والعمل السري ودخل سجن كوبر مع نقد والصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني وحسن الترابي اثر استيلاء "ثورة الانقاذ" على السلطة.
ماذا جرى في سجن كوبر ولماذا اعتقل الترابي وماذا قال؟ وماذا كان موقف الصادق ولماذا استفزوه وهددوه؟ وهل صحيح ان اعتقال الترابي كان خدعة سهلت لنظام البشير التقاط الانفاس والبقاء؟ وفي السودان يردك الحاضر الى الماضي، الى الانتفاضة التي اطاحت حكم نميري وقصته الدامية مع الشيوعيين والظروف التي حملته الى السلطة من دون ان تنسى كيف جاء عبود وكيف ذهب.
تحدث التيجاني الطيب لسلسلة "يتذكر" بواقعية واعترف بأخطاء وكشف احداثاً ووقائع. وهنا نص الحلقة الأولى:
أين كنت عندما حصل انقلاب الفريق البشير في حزيران يونيو 1989؟
- عدت الى البيت حوالي العاشرة ليلاً بعدما فرغت من وضع اللمسات الأخيرة على صحيفة "الميدان" الناطقة باسم الحزب وكنت أتولى رئاسة التحرير فيها. وقبل المرور على "الميدان" حضرت حفلة زفاف لعائلة معروفة تميز بمشاركة كل ألوان الطيف السياسي السوداني. حضر أقطاب من حزبي "الأمة" و"الاتحادي الديموقراطي" وأقطاب "الجبهة الاسلامية" والحزب الشيوعي. كان الطقس خلال العرس لطيفاً وكذلك الجو، على رغم ما كان يعتمل في الصدور.
قبل ذلك النهار بنحو اسبوع كنا نكتب في "الميدان" مقالات وتحليلات تقول ان "الجبهة الاسلامية" تعتمد تكتيكا انقلابيا، وهذا مسجل ويمكن العودة اليه. لم يكن الجو عادياً أو تصالحياً. كانت هناك أزمة تنذر باحتمال حصول ممارسة انقلابية. واستطيع القول ان تحليلنا كان صحيحاً لكننا لم نتخذ الموقف الذي كان ينبغي اتخاذه في ضوء ذلك، وهو سد الطريق أمام المخطط الانقلابي. كنا نحاول تنبيه الناس لكننا لم نطرح شعاراً محدداً لمواجهة ما يمكن أن يحصل، أي الانقلاب. وهذا خطأ من جانبنا.
عدت الى البيت في العاشرة وكانت العائلة خارجه في مناسبة اجتماعية وعندما عادت كنت قد نمت. في وقت لاحق سمعت ضرباً على الباب فقمت منزعجاً اذ كان لدينا قريب مريض وظننت ان هناك من جاء يخبرنا بتدهور حالته. فتحت الباب بنفسي، ولا أفعل ذلك في العادة، فوجدت ضابطاً من الجيش ومعه اثنان من العسكريين من السلاح الطبي وشخص مدني. قال النقيب، وهو شاب ظريف، ان القيادة العامة للقوات المسلحة استولت على السلطة وان قيادات سياسية ستعتقل ليومين أو ثلاثة ثم تعود الأوضاع طبيعية. لم أشعر باستغراب ولم أتوقع ان يكون الضابط ممثلاً ل "الجبهة الاسلامية" على رغم اننا كنا نتخوف من قيامها بانقلاب. وقلت ان القيادة العامة قد تكون قامت بعمل من هذا النوع بعد مذكرتها الشهيرة في فبراير شباط الماضي وتداعيات الموقف وكان الجيش بقيادة الفريق الأول فتحي أحمد علي.
حملت معجون الاسنان والفرشاة وماكينة الحلاقة وخرجت. وجدت في الخارج شاحنة صغيرة بيك - اب من طراز "تويوتا". اجلسوني بين جندي ومدني وصعد النقيب الى جانب السائق وانطلقنا من أمام منزلي في شمال أم درمان. توجه السائق على الطريق المؤدية الى الخرطوم. كان الجو جميلاً يضحك وحفلات الزفاف كثيرة. عند مدخل أم درمان من الخرطوم هناك شارع يقود الى وحدات عسكرية. نقلونا الى مقر سلاح المهندسين وليس الى السلاح الطبي. بدأت أشك في ان الأمر ليس من صنع القيادة العامة للقوات المسلحة لأننا لو كنا نسير الى مقرها لكان علينا ان نتابع الطريق الى الخرطوم.
رحت أشعر بالخطر. وكالعادة مرت في ذهني صور من حياتي والمحطات التي عشتها وبدوت مرتاح الضمير مع شعور بأن النهاية قد تكون اقتربت ولم أعد استبعد ان تكون العملية بهدف التصفية.
كلمة السر
دخلت الشاحنة الى مقر سلاح المهندسين. عند البوابة طلب الحراس معرفة كلمة السر، ويبدو ان الضباط الموجودين لم يكونوا قد تبلغوا بعد. نزل النقيب ليتفاهم مع الحراس فلم تثمر محاولته ثم نزل السائق فاكتشفت للمرة الأولى انه ليس جندياً عادياً بل هو ضابط برتبة رائد. بعدها سمعت عبارة "أرضا سلاح يا عسكري" أي الق سلاحك وكان الرد ثلاث طلقات تبعه صمت مطبق خرقه صوت يقول هل مات فجاءه الرد نعم مات. طبعاً خفض الجنود في الشاحنة رؤوسهم قبل اطلاق النار وفعلت مثلهم. وبعد الطلقات اكتشفنا ان الرائد قتل وجثته مسجاة على الأرض.
وكانت ثلاث سيارات تبعتنا لكنها اختفت فجأة بعد الحادث ومعها النقيب. بقينا مع الرائد القتيل أحمد قاسم ومجموعة الحرس. والقتيل طبيب وشخصية معروفة في الوسط الطالبي وهو كان أحد أشرس عناصر "الاخوان المسلمين". حاول الرائد الدخول بالقوة الى المركز ويبدو أن ضباط المركز لم يتبلغوا في الوقت المناسب حدوث الانقلاب. بعدها خرج ضباط من داخل مبنى سلاح المهندسين واصطحبونا الى المبنى.
اعتقدت بأن المحاولة الانقلابية فشلت فسألت عن سبب احتجازي فأجابوا "سنرى". وتأكد لاحقاً انهم لم يكونوا مشاركين في الانقلاب. كان ذلك حوالي الساعة الثالثة فجراً. أخذوا الجنود الذين كانوا برفقتي وأجروا معهم تحقيقاً وأطلقوا المدني الذي كنت سألته خلال فترة الانتظار عن دوره فقال مضطرباً أنا لا علاقة لي وراح يبحث عن اعذار. راح يرتجف ويبتلع حبوب الاسبيرين لشعوره بأن الانقلاب فشل. ولم يحققوا معي.
نجل الصادق هادئ
متى عرفتم ان الانقلاب نجح؟
- تأكد لي نجاح الانقلاب نحو التاسعة صباحاً. نقلوني الى جزء آخر من المباني تابع لسلاح الموسيقى الذي كان مشاركاً في العملية الانقلابية. احضر لنا ضابط هناك راديو فاستمعنا الى بيان الانقلاب فاستنتجنا، على رغم عدم الوضوح المقصود، ان "الجبهة الاسلامية" نفذت انقلابها. امضيت النهار في ذلك المركز وكان معي عبدالرحمن، نجل الصادق المهدي، وهو ضابط في الجيش. بثت الاذاعة بعد الانقلاب ان على العسكريين ان يقدموا أنفسهم الى أقرب مركز عسكري. قدم عبدالرحمن نفسه الى النقطة الموجودة عند الاذاعة فأخذوا مسدسه واعتقلوه.
كيف تصرف نجل الصادق المهدي؟
- بهدوء شديد. وحين تناقشنا ان الحلقة نفسها تتكرر، الانتفاضة تفضي الى الديموقراطية ثم تتعثر الديموقراطية بسبب تصرف الأحزاب الكبيرة ويفضي ذلك الى الديكتاتورية مرة أخرى بدا موافقاً. لم يتعرضوا له بالضرب أو التعذيب يومها. والأمر نفسه بالنسبة إلي. ادركت يومها ان المسألة طويلة وطلبت ان يحضروا لي ملابسي من منزلي وتهيأت لاعتقال طويل. ونقلوني مساء ذلك اليوم الى سجن كوبر، وهو سجن قديم وحمل اسم الانكليزي الذي بناه ويعتبر أقدم سجن عمومي في السودان، وقد اعتقل فيه قادة ثورة 1924 وحوكموا هناك.
في سجن كوبر
في سجن كوبر وجدت، لدى وصولي، عدداً من المعتقلين السياسيين أولهم محمد ابراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي وعمر نور الدايم وغيره من حزب "الأمة" ووجوه من الحزب "الاتحادي الديموقراطي"، عثمان عمر والتوم محمد التوم. وجدت أيضاً الدكتور حسن الترابي وأحمد عبدالرحمن محمد وابراهيم السنوسي والفاتح عبدون وكلهم من "الجبهة الاسلامية". كنا نحو 11 شخصاً. كذلك وجدت الناس الذين اعتقلوا قبل ذلك بحجة تدبير محاولة انقلاب وبعضهم من "جماعة مايو"، وكان بين هؤلاء الزبير محمد صالح الذي أصبح لاحقاً نائب رئيس المجلس العسكري.
وضعنا في غرفتين من غرف المعاملة الخاصة لكن الاقامة كانت تتسم بضيق شديد اذ ضمت كل غرفة خمسة أشخاص. كنا في غرفة واحدة انا والترابي ونقد وعثمان عمر واحمد عبدالرحمن ونصر الدين الهادي، وراح كل واحد يروي كيف اعتقل.
ماذا قال لك نقد حين التقيته؟
- عرف نقد في وقت متأخر من الليل أن انقلاباً سيحصل ولم يحاول الاختفاء وانتظر وصولهم.
ماذا كان وضع الترابي؟
- انا لم أكن أعرفه جيداً. كنت أعرف أحمد عبدالرحمن محمد. كانت تجمعنا علاقات مشتركة مع اناس من الحزب ومن حزب الأمة أيضاً والتقينا كثيراً. لم أكن أعرف الفاتح عبدون الذي كان مرشحاً في الانتخابات ضد رفيقنا عز الدين علي عامر في الخرطوم. عبدون ضابط سابق وتولى أيضاً منصب محافظ الخرطوم. أحمد عبدالرحمن محمد كان استاذاً في الجامعة وعين وزيراً في عهد جعفر نميري. ابراهيم السنوسي من كوادر "الاخوان" الذين اهتموا بالعمليات الارهابية. بعد يومين، على ما اذكر، أطلق سراح المجموعة التي اعتقلت قبل الانقلاب وفتحت أحواش السجن وانتقلنا الى أماكن أوسع وتقسمنا ووصل المزيد من المعتقلين. كان عدد من العسكريين الموالين ل "الجبهة الاسلامية" يحيطون بالسجن وفهمنا أنهم سيقومون بتصفيتنا في حال حصول مقاومة في الخارج. وقلنا لرفاقنا أن لا يهتموا بمصيرنا إذا كانت لديهم فرصة للتخلص من النظام. تمكنا بعد نجاح الانقلاب من الاتصال برفاقنا عبر الكلمة المكتوبة وعبر الزيارات وعبر عسكريين.
الترابي في السجن
لماذا اعتقل الترابي؟
- طبعاً قصة اعتقال الترابي معروفة ومكشوفة وجزء من السيناريو الانقلابي. عثمان عمر من الحزب الاتحادي الديموقراطي كان يصيح في السجن بصوت مرتفع: "هذه أول مرة في التاريخ يعتقل قائد الانقلاب الناجح مع المعتقلين الآخرين". وكان الترابي يبتسم.
كيف عومل الترابي في السجن؟
- معاملة عادية بحجة ان الذين نفذوا الانقلاب ليسوا من "الجبهة الاسلامية" بل عسكريون من الجيش.
كيف بدأت النقاشات؟
- بدأ الكلام ان ما حصل هو جزاء استحقته الحركة السياسية التي لم تستطع المحافظة على الديموقراطية. وهذا الكلام ردده كل الناس. طبعاً اعتقل السيد الصادق المهدي رئيس الوزراء بعد نحو اسبوع وهو الذي ساهم في اطلاق المزيد من المناقشات. كانت في جيبه ساعة اعتقاله مذكرة كان ينوي تقديمها إلى قيادة الجيش على ان يعقبها نقاش. اختفى الصادق بعد الانقلاب في أماكن مختلفة لكنهم عثروا عليه لدى عمته.
الصادق والترابي
كيف كانت علاقة الصادق مع الترابي؟
- عادية. لم يكن الصادق يعتقد أساساً بأن الانقلاب هو من صنع "الجبهة الاسلامية". بدأت المناقشات ولم تحصل صدامات. وصاغ الترابي آنذاك موقفه على الشكل الآتي وأبلغه صراحة الى الحاضرين: "إذا كان النظام الجديد يفتح الطريق أمام الاسلام فنحن معه بغض النظر عن موقفه من الديموقراطية، وإذا كان يقفل الطريق أمام الاسلام فنحن ضده بغض النظر عن موقفه من الديموقراطية".
يعني هذا الموقف عمليا اغلاق الباب أمام المناقشة فالترابي كان يمهد الطريق لتبرير موقفه اللاحق، وقد فهم كثيرون ملابسات هذا الموقف عندما اتضح ان الانقلاب هو انقلاب "الجبهة الاسلامية" وان الخطوات التي اتخذت للتمويه كانت مجرد جزء من السيناريو. طبعاً استمر الحوار بين المعتقلين، لكن طبيعة الحكم الجديد وموقف "الجبهة الاسلامية" قطعا الطريق على أي أمل.
كيف كنتم تعيشون في السجن؟
- على طريقة السودانيين. لم يكن هناك وقت محدد للنوم أو الاستيقاظ. وكان الراغبون في الصلاة يصلون، وكان الترابي يؤم المصلين حتى حين وصل الصادق المهدي. وجاء لاحقاً شاب من حزب "الأمة" هو الحاج نقد الله وأصر على أن لا يؤم الترابي المصلين ليس لأسباب سياسية بل لملاحظات له على شخص الترابي وسلوكه. وقدم شخصاً اسمه ميرغني النصري، وهو محام كبير وكان من قادة الانتفاضة، فبدأ يؤم المصلين الى ان خرج من السجن فتولى ذلك بعده نقد الله نفسه على رغم صغر سنه وعلى رغم حضور الصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني. وارتفع عدد المعتقلين من عشرة الى ثلاثين ثم نقل النقابيون المعتقلون الى مكان آخر.
كيف كانت علاقاتكم بالترابي اثناء الاعتقال؟
- كنا نتحدث ونتناقش ونتبادل وجهات النظر على رغم شعور الجميع بأنه القائد الفعلي للانقلاب. طبعاً الناس الذين يعرفون عمر البشير قالوا فوراً انه عضو في حركة "الاخوان المسلمين" منذ العام 1967 وهو كان ارفع ضابط من "الاخوان" في الجيش.
هل خططت مع نقد للهرب من السجن؟
- نعم، خصوصاً اذا شعرنا باحتمال تصفية المعتقلين. استمر البحث في سبل الخروج من السجن. امضينا في السجن مدداً مختلفة. اطلقت القيادات بالتدريج. البداية تمثلت في الافراج عن قادة "الجبهة الاسلامية". ابتداء من يوليو تموز كان لدى أطراف عدة تقدير بأن الانقلاب لن يستمر وانه ضعيف ومعزول وان الجو العام العالمي لم يعد يسمح بانقلابات عسكرية، وان الوضع في المنطقة لا يعطي "الاخوان المسلمين" في السودان فرصة الاستمرار في السلطة، فضلاً عن معارضة الشعب السوداني نفسه.
عزلنا ممثلي "الجبهة الاسلامية" وبدأنا نفكر كأحزاب ونقابات في طريقة التخلص من هذا النظام، أي ان نحدد موقفنا منه بطريقة واضحة ثم نحدد سبل التخلص منه. وهنا طرحنا فكرة تشدد على وجوب ايجاد صيغة جديدة لتحالف القوى الراغبة في اسقاط النظام. وطرحت للمرة الأولى صيغة "التجمع الوطني الديموقراطي" كاطار لعمل أكبر عدد ممكن من القوى السياسية والنقابات والجيش. أي أن تقود قوى كثيرة تحركاً واسعاً بدل الانتفاضة المدنية أو الانقلاب العسكري. حصلت مناقشات طويلة انتهت بالموافقة على الأهداف التي يجب ان يسعى "التجمع" الى تحقيقها. وهكذا ولد "التجمع الوطني الديموقراطي" في سجن كوبر ومعه البرنامج والأهداف.
وماذا ناقشتم ايضاً؟
- كما يحدث عادة في حياة السجون، كانت المواضيع متنوعة. حصلت نقاشات في الأدب وروايات للطرائف التي عاشها هذا الشخص أو ذاك. الترابي مثلا كان يناقش في اللغة. وكان هناك شعراء بينهم ادريس البنا من حزب الأمة وكان عضواً في مجلس رئاسة الدولة. نظم البنا قصيدة من نحو ألف بيت تضمنت هجاء ل "الجبهة الاسلامية" وكان يلقي مقاطعها الجديدة في السجن ثم يضيف اليها. كانت الصور في القصيدة رائعة جدا. وكنا نمارس الرياضة وأول من أصبح عريف الرياضة هو الفاتح عبدون وحين مرض قليلا استولى أحد أعضاء حزب الأمة على دوره. وانتظم السجناء في فريقين لكرة القدم الأول والكابتن فيه هو الصادق المهدي والثاني المرحوم خالد الكد من الحزب الشيوعي. وكانت المباريات حماسية. والصادق رياضي يلعب البولو ويركب الخيل. والملفت ان الفريق الذي يتزعمه الكد كان يضم اعضاء من طائفة "الانصار". ولم يكن الترابي يشارك في الرياضة.
جاهر بتأييده
طبعاً مع الوقت جاهر الترابي بتأييده الانقلاب. كان لدينا تلفزيون في السجن وجلسنا نشاهد أول جولة قام بها البشير. في اليمن الجنوبي سأله صحافي عن صحة الأنباء عن وجود معتقلين فأجاب: كان هناك عدد من المعتقلين وأفرجنا عنهم جميعاً باستثناء الصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني ومحمد ابراهيم نقد وحسن الترابي. كنا نحن نتابع التلفزيون من السجن نفسه وغضبت وقلت "شوفوا هذا الانسان ... الكذاب" فامتعض الترابي الذي كان جالساً بجانبي.
ومن طرائف تلك الفترة ان ضابطاً برتبة رائد من المشاركين في الانقلاب، وهو صغير السن، كان يأتي ويجمع الصحف ثم يبدأ بالقاء محاضرات على معتقلين بينهم الصادق المهدي ويردد عبارات من نوع آمل ان تكونوا قد تعلمتم الدرس. كانت المسألة مهينة فعلاً خصوصاً ان الضابط كان يتحدث بصورة طبيعية. بعد يوم من وصول الصادق كان هناك في السجن ما يسمونه "فرش متاع" أي ان يحضر السجين فراشه وحرامه. جاء مدير السجن في دورة تفتيشية فوقفنا وصافحناه ثم انتحى جانباً مع اثنين فاعتبرنا الأمر منتهياً وجلسنا. فجأة أشار لي باصبعه على نحو مهين بأن أقف. اخذني الغضب من تصرفه. ثم أشار بالطريقة نفسها الى الصادق المهدي الذي رد وسأله عن السبب فقال: نرجوكم ان تحترمونا كما نحترمكم. حين يدخل ضابط السجن يفترض في المعتقلين أن يبقوا واقفين. فقال له الصادق: أنت دخلت ونحن وقفنا وسلمنا ثم انشغلت مع الجماعة. حصلت ضجة كبيرة في السجن خصوصاً ان الضابط نفسه كان مضطراً قبل يومين إلى تأدية التحية للصادق بوصفه رئيساً للوزراء. جلسنا نعلق على الحادث. وعاد ضابط السجن الى مكتبه فوجد أمراً باحالته على التقاعد فأثار النبأ شماتة المعتقلين.
الصادق غيّر ملامحه
كيف كانت معنويات الصادق؟
- كانت جيدة. والحقيقة ان اعتقاله كان صدمة لنا لأننا اعتبرنا ان شخصاً كالصادق يستطيع الاختفاء مدة طويلة اذ لديه أنصار يستطيعون اخفاءه في أماكن عدة. اختفى الصادق. غير من شكله ومن طريقة وضع العمامة علماً أن للأنصار طريقة خاصة في وضعها. وكان غريباً أن يختفي في منزل عمته وهو مكان طبيعي ان يرصده الأمن. وصل الصادق وبدت عليه امارات محاولة الاختفاء بما فيه شكل العمامة وحلق ذقنه وشاربيه. وبعد خروجنا من السجن أصر أحد أصدقائي من طائفة الأنصار على معرفة هل حاول الصادق التنكر، وحين أجبته كان واقفاً فجلس مستغرباً ان يلجأ حفيد الائمة الى ذلك فقلت له ان هذه شروط الاختفاء.
لماذا لم يحاول نقد الاختفاء؟
- كانت هناك تقديرات مختلفة. لو عرفت أنا شخصياً لاختفيت. ربما كانت لديه تقديرات أخرى. وحين وصلوا كان في انتظارهم. اعضاء في "الجبهة الاسلامية" كانوا على علم سابق وجهزوا حقائبهم في انتظار الاعتقال الصوري.
هل اعترف الصادق المهدي في السجن بأنه اخطأ خلال توليه المسؤولية؟
- جرت نقاشات في السجن ووجه لوماً الى النقابات واتهم الصحافة بأنها الهبت المشاعر. والواقع ان الصحافة التي خلقت مناخات التصعيد هي صحافة "الجبهة الاسلامية". كما لام قيادة الجيش على مذكرتها. لكنه اعتبر ان الوقت غير ملائم للانقلابات العسكرية.
ألم تتهموا جهات خارجية بالوقوف وراء البشير؟
- لا. أرسل الانقلابيون رسائل مختلفة إلى جهات مختلفة بهدف اخفاء الهوية الحقيقية للانقلاب. حاولوا مثلا الايحاء للمصريين بأن الضباط الانقلابيين هم من مؤيدي مصر، خصوصاً ان الزبير محمد صالح الذي كان متهماً بالضلوع في محاولة انقلابية في 17 - 18 يونيو حزيران اصبح نائب رئيس مجلس الثورة آتياً من السجن الى الحكم. وهذا هو السبب الذي جعل الرئيس مبارك يتحدث الى فرنسا والسعودية وأميركا ويقول ان الذين نفذوا الانقلاب هم مجموعة من الضباط الوطنيين الذين يمكن التعامل معهم. اما الصادق المهدي فكان يعتبر ان الانقلاب لن يعيش طويلاً.
هل تعرض الصادق لتهديدات في السجن؟
- نعم تعرض. كانت لادريس البنا من حزب الأمة علاقة عائلية بأحد أعضاء مجلس قيادة الثورة الذي جاء الى سجن كوبر والتقى البنا وقال له ابلغ نقد ان أي طلقة ستطلق في الكلاكلة، في ضواحي العاصمة، ستكون الطلقة الثانية في رأسه. وفي احدى الليالي أُخذ الصادق المهدي حوالي الحادية عشرة وانتظرنا عودته لكنه لم يرجع. وعرفنا صباحاً انه وضع في الزنزانات المخصصة لمن ينتظرون تنفيذ حكم الاعدام بهم. بذلنا جهوداً، خصوصاً من جانب نقد، وطالبنا باعادته الى مقره السابق في السجن فأعيد صباحاً.
عندما عاد الصادق حكى لي ما حصل: أصعدوه الى سيارة مسدلة الستائر لئلا يعرف المكان وداروا به في السجن ثم أخذوه الى غرفة مضاءة بضوء أحمر وأجلسوه على كرسي من ثلاثة ارجل وكان عليه ان يحافظ على توازنه. شتموه وهددوه بالقتل وأجروا معه تحقيقاً رديئاً ورذيلاً. قال انهم هددوه بالقتل وقبل ذلك بافشاء أسرار عن حياته الخاصة، وزعموا ان لديهم صوراً في هذا المجال أثناء وجوده في لندن وفي الخرطوم أيضاً. أثار الحادث احتجاجات. لم يحققوا معي باستثناء تحقيق في اطار اعداد ملف. سألوني أين درست وعملت ولماذا تركت الطب الى الهندسة ومنها الى الصحافة. اسئلة ساذجة. لم نتعرض للضرب ولكن في اكتوبر وصل عدد من المعتقلين وآثار الضرب بادية عليهم وحكوا لنا كيف حشروا في حمام وتعرضوا للضرب بخراطيم المياه. بعد اضراب الاطباء في نوفمبر تشرين الثاني صرنا نستقبل معتقلين بجروح مفتوحة.
في نوفمبر خرج الترابي، وبعد شهرين خرج الصادق وتبعه نقد وكان محمد عثمان الميرغني أطلق قبل الصادق. ونقل نقد الى منزله ووضع في ما يشبه الاقامة الجبرية. طبعاً نزع نقد الهاتف لئلا يتنصت الضباط على من يتصلون به. ووضع الصادق في منزل أحد أقاربه. خلال وجودنا في السجن زارنا عدد من الديبلوماسيين الألمان والفرنسيين والبريطانيين والأميركيين. واتخذ جماعة "الجبهة الاسلامية" موقفاً حاداً واعتبروا الأمر اعتداء على سيادة السودان. خلال الزيارة ارسل الترابي واثنان معه الى مكان آخر وبقي معنا احمد عبدالرحمن محمد، وهو أحد المؤسسين ل "الجبهة الاسلامية" في السودان. شرحنا للزائرين ظروف الاعتقال. طبعاً كنا نأتي بالطعام من منازلنا وكانت المسألة تتم مداورة بين الكبار وبينهم نقد. في كل يوم يأتي واحد منهم بالأكل. كنا نقرأ الصحف ونشاهد التلفزيون ونستقبل زواراً.
هل نظمتم اتصالات مع الحزب خلال وجودكم في السجن؟
- نعم، بوسائل مختلفة. كنا نتلقى رسائل ونبعث برسائل.
ماذا حدث لنقد بعد ذلك؟
- في ابريل نيسان 1991 أطلق نقد والصادق شكلياً لكنهما ظلا قيد الرقابة اللصيقة. أي يتبعون الواحد منهما اذا خرج ويراقبون منزله. بدأ نقد يخرج في مناسبات اجتماعية، مأتم أو عرس. كان يحتاج الى اذن للذهاب الى بلدته التي تبعد أكثر من مئة كيلومتر. واستمر في هذا الوضع الى ان اختفى في 1993.
كيف حصل ذلك؟
- خلال لحظة تبديل الحرس خرج وظل متابعاً سيره ولم يعد.
هل بقي داخل السودان؟
- نعم.
داخل الخرطوم؟
- غالب الظن أنه هناك لقيادة الحزب.
هل تجزم بأنه يقود الحزب حالياً؟
- نعم.
مغادرة السجن... والبلاد
متى خرجت من السجن؟
- بعد الغزو العراقي للكويت بأسبوع. في 9 أغسطس آب 1990 اطلقت وذهبت الى المنزل وأفهموني انني لا استطيع مغادرة الخرطوم الا باذن. طلبت مغادرة البلاد فأنا متقدم في السن وأمضيت 13 شهراً في السجن واحتاج بالتالي الى الراحة والعلاج. بدأت المماطلة والقول ان الطلب قيد الدرس والبحث. شعرت بأنهم لا يريدون السماح لي فغادرت البلاد سراً في نوفمبر تشرين الثاني 1990.
توجهت الى مصر؟
- كانت هناك حاجة إلى بعض الأشخاص في الخارج فتوجهت الى مصر وما زلت مقيماً فيها.
توصف غالباً بأنك "الرجل الثاني" في الحزب؟
- هذا وصف لا نعترف به نحن. أنا عضو سكرتيرية اللجنة المركزية. ليس لدينا شيء اسمه الرجل الأول والرجل الثاني. نحن ليس لدينا مكتب سياسي منذ مدة طويلة. سكرتيرية اللجنة المركزية لا تكتفي بتنفيذ قرارات اللجنة المركزية بل تتخذ قرارات سياسية وتنظيمية تدخل في الظروف العادية في صلاحيات المكتب السياسي.
هل واجه نقد خطر الاعتقال بعد اختفائه؟
- لا علم لي بشيء من هذا النوع.
كل المراسلات معه كتابة؟
- كتابة او عن طريق الآخرين. الهاتف غير وارد ولا نحب الرسائل الشفوية لأنها تفتقر أحياناً الى الدقة. الكتابة أفضل الوسائل.
هل تملك حرية الحركة في مصر أم ان التدخلات السودانية تقلص هذه الحرية؟
- اغتنم هذه الفرصة لاشكر الاخوة في مصر لأنهم أتاحوا لنا حرية الحركة وحرية الانتقال من مسكن الى آخر وحرية التعامل مع الصحافة. طبعاً قبل أي مؤتمر صحافي يجب اخطار جهاز أمن الدولة.
هل تعرضت لخطر أمني في مصر؟
- الخطر وارد. فأجهزة النظام السوداني تحاول رصد حركاتنا. وقد سمعت ولا شك محاولة تلفيق اتهامات ضد الأستاذ فاروق أبو عيسى على لسان شخص كان يعمل في منزله. وقد زعم هذا الشخص وهو جنوبي ان فاروق أبو عيسى يحتقره ويضربه وأنه أجرى له عملية.
توقعتم ألا يعيش نظام البشير طويلاً لكنه عاش، لماذا؟
- عاش بسبب الظروف التي تعيشها المعارضة. من الناحية الشعبية النظام معزول وكذلك من الناحية الدولية ومن جانب جيرانه. اثبت النظام فشله في سياسته الاقتصادية وفي سياسته لانهاء الحرب في الجنوب وفي علاقاته مع دول الجوار. الفشل ليس وليد اخطاء بل هو فشل لسياسات تأتي من صلب النظام ومنهجه. لقد اتبع سياسة النهب الاقتصادي، الرأسمالية الطفيلية، ومحاولة استخدام العنف المسلح لارغام الجنوبيين على القبول بشروط مذلة. هذا من صلب تفكير النظام وان غير ذلك يكون غير طبيعته وأهدافه. التعذيب جزء من نهج النظام.
النظام السوداني متهم بدعم الارهاب هل لديكم معلومات تؤكد ذلك؟
- نعم هناك معسكرات حول العاصمة وفي مناطق شندي وتلال البحر الأحمر. وتتولى هذه المعسكرات تدريب سودانيين، كاحتياط لليوم الأسود، وتدريب عناصر من مصر والخليج والجزائر وبلدان افريقية. انهم يتدربون على مختلف الممارسات الارهابية خصوصاً عمليات التفجير. وجود "الافغان" لا يحتاج الى دليل، مثلا اسامة بن لادن ومصطفى حمزة وغيرهما. يتحدثون عن تسفيرهم الى جهات أخرى ولكن ماذا يمنع أن يعودوا بأسماء مختلفة.
ودور ايران في ذلك؟
- كل الدعم المالي يأتي عن طريق ايران. لا أموال لديهم لشراء طائرات كالتي تقصف حالياً في الجنوب. ايران هي المصدر الرئيسي لتمويلهم
الاسبوع المقبل:نميري والشيوعيون
موسم الاعدامات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.