سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قياديان كبيران في حزب الأمة السوداني ل"الوسط" : هذه قصة "العلاقة" بين الصادق المهدي ونظام البشير وجبهة حسن الترابي
نشر في الحياة يوم 26 - 04 - 1993

كشف مسؤولان كبيران في حزب الامة السوداني لپ"الوسط" حقيقة علاقات السيد الصادق المهدي زعيم حزب الامة ورئيس الوزراء السوداني السابق مع نظام الرئيس السوداني عمر حسن البشير ومع الدكتور حسن الترابي زعيم الجبهة القومية الاسلامية. وأوضح المسؤولان اموراً كثيرة عن هذه العلاقات وعما أشيع وتردد عن مشاريع مصالحة بين المهدي ونظام البشير. المسؤولان هما الدكتور عمر نور الدايم الامين العام لحزب الامة وأحد ابرز قيادات الحزب ومن المقربين من الصادق المهدي، ومبارك الفاضل مسؤول العمل الخارجي في حزب الامة ووزير الداخلية السوداني السابق. والتقت "الوسط" هذين المسؤولين في لندن.
لا بد من القول، قبل كل شيء، ان اقدام السلطات السودانية على اعتقال الصادق المهدي يوم 5 نيسان ابريل الجاري والتحقيق معه ساعات عدة خلال يومين شكل نهاية لمرحلة سياسية كثر خلالها، داخل السودان وخارجه على السواء، الحديث عن احتمال حدوث مصالحة وشيكة بين حزب الامة والجبهة القومية الاسلامية، بزعامة الترابي، العمود الفقري لنظام البشير. وحديث المصالحة جاء نتيجة تحركات سياسية وفاقية قام بها النظام السوداني بايعاز من الترابي، باتجاه قيادات سياسية معارضة مقيمة في الخرطوم واخرى جنوبية مقيمة في لندن، وشكلت محور محادثات مكثفة عقدها المحامي علي عثمان محمد طه، الرجل الثاني في الجبهة القومية الاسلامية، في لندن اواخر آذار مارس الماضي ومطلع نيسان ابريل الجاري. وقد سبق الاعتقال والتحقيق اقدام المهدي على القاء خطبة اطلق عليها اسم "خطبة التحدي" هاجم فيها سياسة النظام السوداني الداخلية والعربية والخارجية وأعرب عن تشاؤمه من مستقبل الوضع اذا ما استمر النظام في نهجه الحالي. وقد جرى توزيع الخطبة على شرائط مسجلة.
بدأت سياسة اقتراب النظام السوداني من رموز المعارضة في الداخل حين زار الترابي الصادق المهدي في داره في ام درمان في ربيع العام الماضي عشية جولة الترابي على بريطانيا وأميركا وكندا. واستمر اللقاء بين الرجلين ساعات طويلة لم يكشف النقاب عما نوقش خلالها. وفي النصف الثاني من آب اغسطس الماضي اطلق الصادق المهدي مبادرته الشهيرة لحل مشاكل السودان، بما فيها الحرب الاهلية في جنوبه، داعياً النظام الذي اطاح حكومته الى المشاركة في عقد مؤتمر دستوري، الى جانب قيادات المعارضة السودانية بأسرها، جنوبية وشمالية وممثلي آخر برلمان سوداني منتخب عام 1986، للبحث عن مخرج سلمي لمشاكل السودان. وبعد اسبوعين من اطلاق مبادرته التي بعث بنسخة منها الى البشير والعقيد قرنق، زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، طالب المهدي، في تصريحات صحافية، البشير بتجديد المدرسة الاسلامية التي ينتمي اليها: "أهو اسلام الصحوة أم اسلام الانفلات"؟ وفي 22 تشرين الثاني نوفمبر الماضي، وعلى رغم تجاهل النظام المبادرة التي أطلقها، أعلن المهدي، مرة اخرى في سياق مقابلة صحافية تم نشرها، انه مستعد للدخول في ما اسماه "حواراً قومياً" مع نظام البشير "بهدف التوصل الى حل ديموقراطي لأزمة البلاد"، ثم عاود المهدي طرح فكرة عقد مؤتمر دستوري يحضره ويشارك فيه نظام البشير. فالحديث اذن عن احتمال حدوث مصالحة بين المهدي والنظام السوداني استند الى تحركات النظام السوداني نحو رموز المعارضة الداخلية، وفي طليعتها المهدي. كما استند حديث المصالحة الى سلسلة تحركات صدرت عن زعيم حزب الامة الذي اختار هذه المرة ان يعارض في الداخل بعد تجربته السابقة في التصدي لنظام الرئيس جعفر نميري انطلاقاً من الأراضي الليبية منذ مطلع السبعينات وحتى مصالحته مع هذا النظام في العام 1977.
قال الدكتور عمر نور الدايم لپ"الوسط" "ان دعوة الصادق المهدي التي وجهها الى النظام السوداني الحالي للمشاركة في المؤتمر الدستوري، الى جانب القيادات السودانية الاخرى الجنوبية والشمالية، تندرج تحت عنوان الامر الواقع. ولا تعني هذه الدعوة الموجهة الى نظام البشير اعترافاً به وبشرعيته. فالصادق المهدي يمثل الشرعية الدستورية المنتخبة في السودان وهو رئيس الوزراء المنتخب بطريقة ديموقراطية. لقد حدث انقلاب عسكري في السودان في حزيران يونيو 1989 اطاح حكم رئيس وزراء منتخب، قاده حزب الجبهة القومية الاسلامية، وهذا امر واقع. ونحن في حزب الامة من دعاة الحل السلمي لانقاذ السودان. ولا نؤمن بالعنف، ولا باعادة الديموقراطية بأسلوب دموي. والمبادرة التي اطلقها الصادق المهدي لحل مشاكل السودان ليست خاصة بحزب الامة بقدر ما تعبر عن طموحات ملايين السودانيين، جنوباً وشمالاً، نصارى ومسلمين، فلا المبادرة التي طرحها الصادق المهدي بمثابة مطية كي يعود الى السلطة الشرعية التي اطاحها انقلاب عسكري غير شرعي، ولا دعوة النظام بمثابة اعتراف زعيم حزب الامة به وبسمته الانقلابية القائمة على نظام الحزب الواحد. في الوقت نفسه نحن لا نرفض ان يعود النظام ويقبل بالديموقراطية ويبتعد عن سياسة الحزب الواحد، كما هو حاصل حالياً، واذا قبل النظام السوداني مجدداً الاحتكام الى الديموقراطية تكون حُلت غالبية المشاكل معه". وأضاف نور الدايم: "نحن نقول انه لا بد من مؤتمر دستوري تشارك فيه كل القوى السياسية والعسكرية والنقابية في السودان لمناقشة قضايا ملحة مطروحة حالياً كتحديات، منها قضية الدين والدولة والعلاقة بينهما، وهوية السودان، ومعالجة الاقتصاد ونمط الحكم المناسب للسودان المتعدد مذهبياً وعرقياً، من خلال العمل بالنظام الديموقراطي التعددي. والذي يحدث الآن هو التالي: كان هناك حزب الجبهة القومية الاسلامية، وهو حزب اقلية، نما وترعرع في ظل الديموقراطية، غير انه اختار فجأة اسلوب النظام العسكري الانقلابي، وهذا الحزب لا يستطيع ان يفرض وصاية على الشعب السوداني، بصرف النظر عما يدعيه من توجه اسلامي. نحن نرى ان الديموقراطية عائدة الى السودان، لكننا لا نريد عودتها بتكاليف دموية. ومن المفترض ان يكون حزب الجبهة، بعد انقلابه على الديموقراطية، ادرك بعد 4 سنوات من ممارسة السلطة باسلوب التعسف والقهر ان نظامه أنتج عواقب وخيمة للسودان ولنفسه في آن، فللمرة الاولى في تاريخ السودان تنهال عليه الادانات عالمياً واقليمياً".
اللقاء بين المهدي والترابي
عن لقاء الصادق المهدي المطول مع نسيبه الدكتور حسن الترابي قال عمر نور الدايم: "تم هذا اللقاء بحضوري، في منزل دفع الله التوم في الخرطوم، قبيل سفر حسن الترابي الى بريطانيا وأميركا وكندا في نيسان ابريل 1992. واقترحت على صاحب الدعوة ان تكون السهرة مقتصرة على عدد قليل من الشخصيات السياسية بهدف رغبتنا في الاستماع الى الترابي لنرى كيف تطور تفكيره بعد ثلاث سنوات من تسلم حزبه السلطة في الخرطوم. كان معنا السيد الصادق المهدي وحسب الرسول النور، الوزير السابق وحاكم اقليم دارفور سابقاً. وكان مع الترابي محمد يوسف محمد وناجي العثباني. تحدثنا في قضايا عامة. وفجأة قال الترابي انه سيسافر الى انكلترا وأميركا وسيناقش خلال لقاءاته في الخارج مسألتين: الحرب في جنوب السودان وكيفية حلها بصورة نهائية، والتحديات التي سيواجهها السودان في فترة السلم بعد انتهاء الحرب في الجنوب. وعلق السيد الصادق المهدي قائلاً انه لا يمكن معالجة المسألتين خارجياً من دون العودة الى تطبيق الديموقراطية داخل السودان، واحترام حقوق المواطنين بما فيها حقهم في الاختلاف العرقي والمذهبي. وأكد السيد الصادق ضرورة اسقاط الحكم الفردي الشمولي، وتطبيق خيار اسلام الصحوة غير المتعارض مع حقوق الاقليات المذهبية في ممارسة تعددها. وطال الحديث وتشعب واتفقنا على مواصلة اللقاء بعد عودة الترابي. انا الذي رتبت هذا اللقاء وحضرته. وقد أساء المراقبون التعاطي مع هذا اللقاء فاعتبروه قضية مبرمجة تصب في اتجاه مصالحة الرجلين، الصادق المهدي وحسن الترابي. لكن القضية ليست مصالحة مفكرين اسلاميين بقدر ما هي مواءمة بين طرحين متناقضين استحال لقاؤهما".
في 23 تشرين الثاني نوفمبر 1992، وبعد أشهر تلت لقاء الصادق المهدي والترابي الذي لم يسفر عن نتائج ملموسة، دعا المهدي الفريق عمر حسن البشير الى حوار قومي لحل مشاكل السودان مكرراً دعوته الى عقد مؤتمر دستوري لحل مشاكل البلاد. لماذا اطلق الصادق المهدي دعوته بعد عقم نتائج لقائه بالترابي، العقل المدبر للنظام؟ وما ورقة العمل التي كانت ستشكل اساس الحوار بين زعيم حزب الامة، آخر رئيس وزراء سوداني منتخب، والرجل الذي اطاح حكمه، الفريق عمر حسن البشير؟
يقول الدكتور عمر نور الدايم لپ"الوسط": "في الأيام الاولى للانقلاب وجدنا انفسنا في السجن جنباً الى جنب، انا والسيد الصادق والسيد محمد عثمان الميرغني ومحمد ابراهيم نقد وحسن الترابي، الذي كان معنا بقصد التمويه على هوية الانقلابيين. لذا قلت للسيد الصادق ان وجودنا كلنا في سجن كوبر قرب ام درمان هو فرصة ذهبية لنا كي نحاول عمل شيء لبلدنا. فالانظمة العسكرية مهما استمرت فانها وقتية وانتقالية. وبدأنا باعداد مشروع وطني وفاقي يكون بمثابة أجندة ترفع الى مجلس قيادة الثورة الحاكم. وانجزنا اعداد المشروع ووافق عليه كل القادة السودانيين ومنهم الترابي. وركزت الورقة على الامور الرئيسية الآتية:
ضرورة استيعاب التعدد العرقي والمذهبي في السودان واحترام حقوق الانسان.
صياغة وتحديد دور الجيش في صيانة الديموقراطية وتحييده عن العبث في اللعبة السياسية.
اصلاح الاحزاب السياسية السودانية واعادة بنائها.
ترميم قطاع الخدمات واصلاح الاقتصاد والادارة.
في السودان غالبية مسلمة ينبغي اشباع تطلعاتها في اطار تأمين حقوق المواطنة واحترام حقوق الاقليات.
ضرورة حل قضية الحرب الاهلية في الجنوب مع الأخوة الجنوبيين من خلال حسم هوية السودان وتحديد علاقة الدين بالدولة وتوزيع عادل للثروة وتقاسم عملية القرار السياسي.
تثبيت السياسة الخارجية غير المنحازة والتزام سياسة حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الغير واحترام سيادته.
هذه الورقة خرجت من سجن كوبر في 5 ايلول سبتمبر 1989 مع خالد فرح، رئيس تحرير صحيفة السياسة المستقلة، واحمد سعيد عمر، الوزير السابق في القصر، اللذين سلماها الى الفريق عمر حسن البشير. ولم نسمع عنها اي شيء لاحقاً بعد ان اوقفت. ولما خرجت من السجن ذهبت الى لقاء الفريق البشير في 17 شباط فبراير 1990 وسألته عن ورقة العمل التي وضعها قادة السودان خلال اعتقالهم في سجن كوبر ومعهم الترابي، وقلت له: انت والترابي عطلتما فرصة الحل الذي اتفق عليه كل قادة السودان للمرة الاولى في تاريخ البلاد. وسمعت من البشير كلاماً مفاده ان جماعة الترابي لم يعطلوا ما اتفق عليه قادة السودان في سجن كوبر، في الايام الاولى لاطاحة الصادق المهدي، انما رغبوا في تجميد هذه الورقة الوفاقية لينظروا فيها لاحقاً، بسبب ظروفهم الدقيقة في بداية تسلمهم الحكم". وتابع عمر نور الدايم حديثه قائلاً: "ان دعوة الصادق المهدي الى حوار قومي مردها الى شعوره بمسؤولية تاريخية ملقاة على كاهله. ولا مجال للحديث عن مصالحة او ارضية مشتركة بين حزب الامة وحزب الجبهة القومية الاسلامية من دون التقاء كل السودانيين. اي لقاء بين الامة والجبهة لا قيمة له، ولا يفيد في شيء".
المهدي والمعارضة
معاناة الصادق المهدي مع نظام البشير تكاد توازيها معاناته الواضحة مع المعارضة السودانية في الخارج بجناحيها، التجمع الوطني والقيادة الشرعية، حيث رفضت المعارضة السودانية في الخارج مبادرة الصادق المهدي التي دعت النظام السوداني، ومعه مختلف قوى المعارضة الجنوبية والشمالية، الى مؤتمر دستوري لمعالجة ازمات البلاد. وفي اول تشرين الثاني نوفمبر الماضي اصدر التجمع الوطني الديموقراطي والقيادة الشرعية بيانين سياسيين منفصلين رفضا مبادرة زعيم حزب الامة التي تعاملا معها بريبة وحذر واضحين معتبرين ان دعوة النظام تسبغ عليه شرعية لا يستحقها. وأبدى أركان المعارضة، علانية، تخوفهم من ان تكون مبادرة الصادق المهدي توطئة لمصالحة محتملة بينه وبين النظام الجبهوي الذي اطاح بحكمه.
عن العلاقة غير المريحة بين الصادق المهدي والمعارضة السودانية في الخارج، تحدث السيد مبارك الفاضل الى "الوسط"، فقال: "اعتقد ان سوء فهم مواقف السيد الصادق المهدي ناتج عن مخاوف قديمة موجودة لدى بعض قيادات المعارضة في الخارج، خصوصاً لدى اهل اليسار، الذين لديهم مخاوف قديمة. وكثير من المثقفين يرتابون من العلاقة الوثيقة التي قامت بين حزب الامة والجبهة القومية الاسلامية، وهي علاقة امتدت ربع قرن. ويذكر هؤلاء المرتابون ان مراحل التأرجح بين العداء والالتقاء بين الحزبين تخللها لقاء وتنسيق بين الطرفين في اكثر من مرة. ومخاوف هؤلاء حديثاً هي ان لا تكون هذه العلاقة انتهت. فهم يخشون ان تكون مبادرة الصادق المهدي اطاراً جديداً لاستئناف هذه العلاقة القديمة بين الامة والجبهة. وهذه ليست المرة الاولى التي يعلن هؤلاء مخاوفهم غير المبررة. ففي ندوة اتلانتا، التي عقدت في كانون الثاني يناير 1992، قالوا عنها انها يافطة لدور اميركي لعقد مصالحة سودانية - سودانية اذ لبى الدعوة التي وجهها "مركز كارتر" حيث حضر الندوة ممثلون عن النظام السوداني وعن كل الاحزاب والقوى السودانية المعارضة. وبمرور الوقت بدا يظهر للاخوة من أهل اليسار ان المعارضة الحقيقية والفعالة للنظام الجبهوي في الخرطوم ممثلة في شخص الصادق المهدي ولا مبرر لمخاوفهم. اما حادث اعتقال المهدي فقد اسقط هذه المخاوف بقدر ما كشف زيف ادعاءات النظام الذي استغل نشاط المهدي في الداخل ليتباهى قائلاً انه يحترم الرأي الآخر ويقبل به. والاسلوب الذي أعتقل به السيد الصادق يكشف هستيريا النظام وافلاسه وخوفه من الانتفاضة الشعبية التي خشي من اندلاعها في الذكرى الثانية لسقوط نميري، حيث سرت خطبة السيد الصادق المسجلة على اشرطة كاسيت سريان النار في الهشيم".
ويعتقد مبارك الفاضل المهدي "ان الاتفاق القائم على الاهداف السياسية بين قيادات المعارضة في الداخل وفي الخارج، يمتص هذه المخاوف ويستوعبها. ففي الداخل مساحة الحركة محدودة وتختلف عن نهج المعارضة في الخارج. والاختلاف في التكتيك مشروع في هذه الحالة. ورفض التجمع والقيادة الشرعية لمبادرة الصادق المهدي مشروع، تكتيكياً، واعتقد انه مطلوب حتى يظهر ان المعارضة الداخلية اكثر تعقلاً مقابل تعصب القوى السياسية في الخارج ورفضها لأي نوع من التسوية مع النظام". ويضيف مبارك الفاضل المهدي "ان النظام الجبهوي الحالي في السودان لا شيء عنده كي يعرض على قيادات المعارضة الداخلية تمهيداً للاستفراد بها ومصالحتها. ليس بوسعهم سوى دعوة الآخرين الى مشاركتهم ديكتاتوريتهم واهدارهم حقوق المواطنين. فواقع السودان المتعدد لا يسمح بديكتاتورية الحزب الواحد المعسكرة، ولذا فمخاوف اهل اليسار ليست مبررة. والصادق المهدي يمثل تطلعات ملايين السودانيين وهو يمثل الشرعية المنتخبة ديموقراطياً".
ويرى مبارك الفاضل المهدي استحالة الحديث عن مصالحة بين زعيم حزب الامة والجبهة القومية "لان الصادق المهدي يمثل التحدي السياسي والاخلاقي للنظام الحالي، فهو يمثل الشرعية الديموقراطية وهو مفكر اسلامي يعتد برأيه في القضايا الاسلامية. وحين يقول الصادق المهدي بلا اسلامية النظام السوداني الحالي فإن لقوله هذا اثره الصاعق على نظام البشير، ومن هنا خطورة الصادق المهدي بوصفه مرجعاً دينياً وسياسياً يحرص الزوار الاجانب وسفراء الدول الغربية على زيارته وسماع رأيه. ولولا الضغوط الدولية والتوتر الذي اجتاح الشارع الشعبي لما اطلقوا سراحه وبثوا خبر الافراج عنه من الاذاعة الرسمية في ام درمان".
الرجل الاول والرجل الثاني
عن مخاوف المتوجسين من احتمال مصالحة بين حزب الامة والجبهة الاسلامية، في سياق نقاط الالتقاء الفكرية والاسلامية بين الحزبين كما تبدت في تجارب التعاون السابقة بينهما، يقول عمر نورالديم لپ"الوسط": "اسلامياً، نحن والجبهة القومية مختلفون. المدارس الاسلامية واضحة الآن فنحن في حزب الامة ضد الطرح الاسلامي مع التسلط والارهاب والعنف. هذا الطرح الاسلامي مرفوض في حزبنا وفي كيان الانصار. انا شخصياً لا ارى اي تقارب حتى في ما يخص المسألة الاسلامية. في الماضي، وكحزب جماهيري عريض، عقدنا اتفاقات تكتيكية مع كل الاحزاب عندما كنا في خندق المعارضة ضد نميري. وقبل ان يبتلى حزب الجبهة بمحنة الانقلاب على الديموقراطية وممارسة الديكتاتورية نقيضها. الطرح الاسلامي المهدوي قائم على قاعدة لكل وقت ومقام حال. ولكل زمان واوان رجال. والسيد الصادق طور هذا التفكير وسماه قضايا العصر والاصل. وعلى الصحوة الاسلامية ودعاتها ورموزها مراعاة الواقع الدولي في ظل الحريات الاساسية، بما يحقق تطلعات الغالبية المسلمة ولا يسقط حقوق الاخرين. اما تصور الجبهة القومية الاسلامية الترابي فهو قائم على القهر والتسلط وانكار حقوق الاخرين التي دعا الاسلام الى احترامها. لذلك فثمة خلاف جذري بين الطرحين، طرح حزب الامة وطرح حزب الجبهة. ولا نقول هذا القول من باب التشنيع والنيل من حزب الجبهة. هناك دراسات مقارنة تثبت هذا التباين. كما تثبته سياسات الجبهة، الداخلية والخارجية، منذ تسلمها السلطة في العام 1989".
وقالت مصادر مقربة من الترابي لپ"الوسط" ان المهدي دأب على بث الاشارات الايجابية باتجاه دوائر الحكم في الخرطوم، علانية، في سياق احاديثه الصحافية ومقالاته السياسية، مروراً بمبادرته الوفاقية ودعوته البشير الى حوار قومي، راسماً خطاً مميزاً بينه وبين المعارضة السودانية في الخارج لدى قوله في 23 تشرين الثاني نوفمبر الماضي عنها، بسبب، انتقادها لنشاطه داخل السودان، "هذا يعود الى الوضع الذي يعيشونه بعيداً عن الوطن حيث يرون الامور على غير حجمها الطبيعي". وبلغ الحد الفاصل الذي رسمه المهدي بينه وبين المعارضة الخارجية حداً لافتاً لدى قوله لصحيفة "دارفور" الجديدة في 18 تشرين الاول اكتوبر الماضي: "بعد اسقاط النظام الديموقراطي انفرط عقد التنظيمات السياسية وصارت القيادات والكوادر تمارس عملها باجتهادها الذاتي، وتحددت تلك المواقف بينما كنت محبوساً ومعزولاً عن اية اتصالات". واضافت مصادر زعيم الجبهة القومية ان المهدي عدّل خطه الوفاقي التصاعدي باتجاه الحكم السوداني حين بدأت الادانات تتوالى على السودان من كل حدب وصوب، لا سيما لدى انعقاد الدورة الاربعين لهيئة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة في جنيف في شباط فبراير الماضي "فالسيد الصادق المهدي يقرأ المشهد السياسي الداخلي والدولي بصورة غير دقيقة. وقد بدا له مع توالي الادانات على الخرطوم عدم صوابية احراق اوراقه مع نظام مهدد بالسقوط في اية لحظة، كما اعتقد حين بدأ ينصت للاصوات المتصاعدة في الخارج". وتقول الاوساط الحكومية السودانية نفسها ان السبب الاساسي الذي جعل السيد الصادق المهدي يشن حملته على النظام الحالي، معلناً افلاسه في خطبة العيد النارية التي القاها متحدياً تحذير السلطات الامنية، "ان زعيم احزب الامة لا يرضى ان يكون الرجل الثاني في الخرطوم".
يقول الدكتور عمر نورالدايم لپ"الوسط" هذا تفكير متخلف. واذا رغب السيد الصادق المهدي في ان يكون الرجل الاول في السودان حق له ذلك، فهو يمثل الشرعية الدستورية المنتخبة. هو اكبر زعيم سياسي لاكبر كيان جماهيري هو طائفة الانصار التي نالت 106 مقاعد في آخر انتخابات نيابية عام 86، لقاء 63 مقعداً للحزب الاتحادي الديموقراطي و55 مقعداً لحزب الجبهة. وهو زعامة سياسية حصلها بجهده. ومرجعية دينية يسندها تاريخ المهدوية وثقافة السيد الصادق الاسلامية وتفقهه في علوم الشريعة على المستويين العربي والافريقي. فالقضية ليست خلافاً على المواقع والرتب بقدر ما هي خلاف جذري في المنهج والطرح والمقاربة. اما مبارك الفاضل المهدي فيقول لپ"الوسط": "القضية ليست مسألة تراتبيات بقدر ما هي قضية خلاف جذري في منهج الحزبين الامة والجبهة. الادارات الاميركية السابقة، منذ ادارة بوش وما قبلها، كان لديها اعتقاد بأن حزب الجبهة القومية الاسلامية، منذ ايام نميري، هو البديل المناسب لحكم السودان. وفي مرحلة من المراحل ناقشوا هذا التصور مع قوى اقليمية، اعتقاداً منهم ان الجبهة تتميز بحس براغماتي، وهي منظمة تنظيماً دقيقاً يمكنه من تنفيذ ما تعد به من تعاون مع الولايات المتحدة الاميركية يعود الى ايام التصدي للمد الشيوعي في اثيوبيا ايام نظام منغستو هيلا مريام واليمن الجنوبي سابقاً. الى جانب اعتقادهم ان الجبهة تتميز بكوادرها النشطة المثقفة. واستمرت هذه القناعة الى ان تسلم نظام الجبهة الحكم في الخرطوم في العام 1989. وحتى اندلاع حرب الخليج الثانية تساهلت ادارة بوش مع نظام الترابي ومنحته فرصة تلو الاخرى. كانت ادارة بوش تقول: النظام الحالي في الخرطوم ليس نظام الجبهة انما فيه عناصر منها. وبدأ العد العكسي للتوهم الاميركي الخاطئ حول امكانات نظام الجبهة ونواياها حتى وصلنا الى ما نحن عليه. ليبيا التي اخذ على النظام الديموقراطي بزعامة الصادق المهدي تعاونه معها، انتصرت لنظام الجبهة وتنكرت لحلفائها في الجبهة الوطنية ضد نميري. وايران التي أسيىء فهم علاقة الصادق المهدي بها، في الاطار الفكري، وقوله عن حربها مع العراق: "لا تخلّوا بالميزان، حتى لا تتحالف ايران مع اثيوبيا واسرائيل ضد العرب"، ايران هذه الآن في وسط الخرطوم تساندها وتمكنها من تصدير الارهاب الى الخارج. فأية مصالحة يتحدث عنها نظام الجبهة. وما الذي لديه ليعرض على السيد الصادق المهدي وغيره من القيادات الوطنية الشريفة؟".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.