من دون صيغته الاصلية "مؤتمر قمة" في الدورتين السابقتين في الدار البيضاءوعمان وعلى عكس اهدافه التي نشأت هذه الصيغة على اساسها "التعاون الاقليمي في الشرق الاوسط"، جرت أعمال ما اسمته مصر المؤتمر الاقتصادي الثالث لدول الشرق الاوسط وشمال افريقيا. فقد انتهى الجدل حول هذا المؤتمر إلغاؤه، تأجيله، الشكوك في نجاحه منذ انتخاب بنيامين نتانياهو رئيساً للحكومة الاسرائيلية الى اعتباره منتدى دولياً لرجال الاعمال ومجموعة فرص لعقد اتفاقيات او صفقات ثنائية يغيب عنها البعد الاقليمي المنشود فالرئيس حسني مبارك اعتبره "مؤتمراً اقتصادياً وليس قمة" فيما وصفه وزير خارجيته عمرو موسى "مجرد تجمع لرجال الاعمال". لكن المؤتمر جاء على هذه الصورة بسبب سياسات حكومة نتانياهو، التي اعتبرتها مصر والدول العربية جميعها تراجعاً عن مرجعية عملية السلام وثوابتها الممثلة في قرارات الشرعية الدولية ومبدأ الارض مقابل السلام، علاوة على تراجعها عن الالتزام بما ابرمته الحكومة العمالية السابقة من اتفاقات وتعهدات على المسار الفلسطيني خصوصا، بل ومطالبة نتانياهو بتعديل اتفاق اوسلو ووضع العراقيل امام تنفيذه الامر الذي يتعارض مع اهداف المؤتمر باعتباره احد نتائج عملية السلام، وباعتبار الارتباط بين التوصل الى السلام الشامل والعادل وبين تحقيق التعاون الاقتصادي الاقليمي. فنتيجة لهذه السياسات اقترحت مصر تأجيل المؤتمر الى الربيع المقبل، املا في مناخ سياسي افضل، في ربط صريح "بين التقدم في عملية السلام وبين انعقاد المؤتمر"، الامر الذي اعتبره المراقبون اولى الطلقات التي تستهدف المؤتمر والتي تبعتها طلقات من الصحافة القومية والحزبية واحزاب المعارضة والمنظمات غير الحكومية والنقابات من خلال مؤتمرات ضده دعت الى إلغائه وطالت التطبيع بين مصر واسرائيل الى حد المطالبة بوقفه فورا، الامر الذي جعل المناخ في مصر معبأ ضد المؤتمر باستثناء مواقف مجموعات محدودة من رجال الاعمال. لكن القاهرة قررت في النهاية الالتزام بعقد المؤتمر في الموعد المحدد سلفا، وربطت "بين التقدم في عملية السلام وبين نجاح المؤتمر في تحقيق اهدافه" وعكس القرار توازناً بين امرين: الاول عدم اعطاء اشارة سلبية جديدة رداً على السياسات الاسرائيلية والاميركية بسبب حساسية الامور في المنطقة. والثاني وجود ميزة تحسن للاقتصاد المصري في الآونة الاخيرة، ومناخ الاستثمار الراهن وامكانية استخدام المؤتمر للترويج لهما. وبدا ان القاهرة قدرت حساباتها وفق قاعدة "ضبط الخسائر" بعدما وجهت اكثر من رسالة سلبية، آخذة في الاعتبار الفوائد التي يمكن ان تجنيها من خلال وجود عدد كبير من رجال الاعمال الاجانب والمشاريع المصرية التي تدخل ضمن خطة الدولة للتنمية. ووفقا لهذه الحسابات فان "عامل الجذب الاقتصادي المصري" في المؤتمر يعوض - من وجهة النظر المصرية - الجانب السلبي المتمثل في عدم توافر المناخ السياسي الافضل. وعلى هذا الاساس بدأت الاستعدادات المصرية للمؤتمر الاقتصادي. وبناء على هذه الرؤية جاءت نسبة المشاريع ذات الطابع الاقليمي محدودة للغاية مقارنة بنسبة المشاريع الوطنية المطروحة امام الاستثمارات الاجنبية 130 مشروعاً بتكلفة 16 مليار دولار، لكن المستشار السياسي لوزارة الخارجية المصرية السفير نبيل فهمي لفت في تصريح لپ"الوسط" الى ان "المشاريع الاقليمية محدودة في جميع الاحوال، سواء في قمتي الدار البيضاءوعمان ام في قمة القاهرة"، بسبب الارتباط بين السلام والتعاون الاقتصادي. واتضحت الرؤية المصرية في التعاطي مع المؤتمر من خلال التوجيهات التي وجهها الوزير موسى خلال اجتماعات عقدها مع رجال الاعمال المصريين المشاركين في المؤتمر، وتركزت على عدم التركيز في تسويق المشاريع على "الفاكسات". والترويج للمشاريع من خلال الانفتاح والاتصال والشرح وعرض عناصر الجذب الاستثماري في مصر وليس بعرض عناصر الجذب الربح في مشاريع محددة ومحدودة. كما تضمنت هذه التوجيهات التركيز على عنصر المشاركة وليس الوساطة السمسرة والتحرك بنشاط اكبر طالما ان مصر دخلت مرحلة تنافسية من دون مركزية، في التوجه او اسواق حكومية محكومة بظروف سياسية. وانعكست الرؤية المصرية هذه ايضا على الترتيبات الخاصة باقامة الوفود المشاركة، فقد تضمنت هذه الترتيبات زيارات ميدانية للمدن الصناعية ولقاءات مع المسؤولين عن قطاع الاعمال والاستثمار الاجنبي في الحكومة، وعروضاً مفصلة للمشاريع المصرية المطروحة امام رأس المال الاجنبي على الطبيعة، وكتيبات خاصة بالمشاريع تتضمن معلومات تفصيلية عن كل مشروع ستوضع في غرف نوم اعضاء الوفود في الفنادق، الى جانب ترتيبات اخرى مماثلة. واستنادا الى الحسابات المصرية وعلى رغم عدم الرغبة في المزيد من الاشارات السلبية، وفي الوقت نفسه تأكيد عدم وجود مناخ سياسي ملائم لتعاون اقليمي، لوحظ ان مصر حددت سقف مستوى التمثيل في المؤتمر، فعلى رغم توجيه الدعوات الى 85 دولة وهو رقم يزيد عن ضعف عدد الدول التي شاركت في القمتين السابقتين الا ان توجيه الدعوة جاء من وزير الخارجية عمرو موسى الى نظرائه في الدول المدعوة الى جانب رؤساء المنظمات الاقتصادية الدولية والاقليمية وغير الحكومية. الامر الذي ادى الى احتجاج اسرائيل التي اعتبرت ان توجيه الدعوة الى وزير الخارجية ديفيد ليفي "حيلة بروتوكولية" لمنع رئيسها نتانياهو من الحضور. ولم تفلح مساعي ليفي في حمل القاهرة على توجيه دعوة من رئيس حكومتها الدكتور كمال الجنزوري الى نظيره الاسرائيلي. الا ان حضور نتايناهو الذي ابدى استياءه للحكومة المصرية نظراً الى ان الحكومتين المغربية والاردنية في القمتين السابقتين وجهتا الدعوة لسلفه اسحق رابين، امر وارد من دون دعوة، حسب توقعات ديبلوماسية مصرية. ولوحظ ايضاً ان الدول العربية المشاركة في المؤتمر، باستثناء العراق وسورية ولبنان وليبيا والسودان والصومال، تجاوبت مع التعاطي المصري مع المؤتمر، وباستثناء مصر وقطر لن يرأس الوفود العربية وزراء الخارجية، وكذلك الحال بالنسبة الى الدول الاخرى المدعوة التي ابلغت معظمها القاهرة بترؤس وزراء الاقتصاد او الصناعة او التجارة وفود بلدانهم، على عكس القمتين السابقتين اللتين ترأس معظم الوفود فيهما وزراء الخارجية. وبصرف النظر عن طبيعة "التمثيل الوزاري" فان اعتماد اسم "المؤتمر الاقتصادي" وليس "القمة الاقتصادية"، من وجهة نظر القاهرة، هو "تصحيح" لوضع وليس "تعديلاً" له. فهو لم يكن في يوم ما قمة، اذ لم يحدث ان ترأس وفدا من الوفود التي شاركت في مؤتمري الدار البيضاءوعمان رئيس دولة، بما فيها الدولة المضيفة، باستثناء افتتاح المؤتمر. ومن المفارقات ان المؤتمر الثالث لن يشهد الاعلان عن بدء نشاط اهم هدف من اهداف المؤتمرات الاقتصادية وهو البنك الاقليمي للتنمية في الشرق الاوسط، وفقا لما كان مخططا له. وتتوقع الخارجية المصرية الا يبدأ النشاط قبل عام، على اقل تقدير، لكن ذلك لا يرتبط بالمناخ المحيط بالمؤتمر والموقف العربي من ربط التعاون الاقليمي بالتقدم في عملية السلام، بل يرجع الى مشاكل اثارها الجانب الاميركي تحديداً لاسباب لا علاقة لها بالموقف العربي. فالادارة الاميركية لم تستطع ان تحصل على موافقة الكونغرس على حصة الولاياتالمتحدة في رأسمال البنك، اضافة الى الخلافات بين واشنطن من ناحية والاتحاد الاوروبي واليابان من ناحية اخرى، على رئاسة ونسبة التمثيل في مجلس ادارة البنك. وأكثر من ذلك لن يتم التطرق الى موضوع البنك في مناقشات المؤتمر باستثناء مناقشة وضعه الراهن بانتظار حل المشاكل من خلال الاتصالات الرسمية بين الحكومات المعنية وداخل الادارة الاميركية، كون الخطوات التنفيذية اتخذت وأودعت الوثائق لدى الاممالمتحدة، ومنها اتفاقية التوقيع في اعقاب قمة عمان الماضية. اما على صعيد التوقعات المصرية فقد حددها المستشار السياسي للخارجية المصرية في توفير المؤتمر فرصة حقيقية سواء لمصر أم للدول الاخرى المشاركة لجذب الاستثمارات "كلٌ في دولته وحسب تطوره الاقتصادي وما يطرحه من مشاريع وعناصر جذب". لكنه نبه الى ان اية آثار إيجابية لن تظهر قبل ستة اشهر على الاقل بعد الدراسات والاتفاقات. وقال: "حتى لو وقعت اتفاقات ثنائية خلال المؤتمر فستكون نتيجة لعمل سابق على المؤتمر وليس خلاله" مركز القاهرة الدولي للمؤتمرات استغرق تنفيذ مركز القاهرة الدولي خمس سنوات ليصبح أكبر مركز للمؤتمرات في مصر، على مساحة 30 هكتارا، من بينها 58 ألف متر مكعب لتسهيلات المؤتمرات، ويضم احدث وسائل خدمة المؤتمرات ولا يبعد سوى 10 دقائق بالسيارة عن مطار القاهرة، ومسافة قصيرة عن اي فندق من الفنادق الكبرى، و5 دقائق مشياً على الاقدام من ارض المعارض، ويحتوي على مساحة مخصصة لوقوف السيارات تسع 1200 سيارة. ويضم المركز ثلاث قاعات للمؤتمرات، هي قاعة خوفو ألف شخص وخفرغ 500 ومنقرع 250. كما يضم نقشاً فنياً مصرياً وعالمياً بينه حائط محفور باليد اهدته الصين لمصر واستغرق انجازه ثلاثة اعوام، اضافة الى رسم على الحائط يصور الزواج في مصر عبر القرون استغرق اتمامه 18 شهراً. وهناك على الحوائط دوائر تلفزيونية مغلقة عملاقة تجعلك على صلة مباشرة بكل ما يجري في الخمس قاعات الكبرى. ويضم المركز مطابخ كاملة التجهيز، ونظم تأمين وامان من بينها اجهزة الكشف عن الحرائق والامن الداخلي في داخل المركز، فضلا عن فرع الامن الحكومي لتقديم حماية اضافية. ومركز المؤتمرات بني بمنحة صينية لا ترد، وكان مخططا له انشاء فندق بجواره لاستيعاب المشاركين في المؤتمرات الا انه لم ينفذ حتى الآن.