تميزت الزيارة التي قام بها للمرة الأولى الى موسكو الفريق أول الركن الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز بحدثين، الأول ثقافي وتمثل في الاحتفال بصدور الطبعة الروسية من كتاب "مقاتل من الصحراء" وسط اهتمام اعلامي روسي واسع، والثاني أرتدى طابعاً أمنياً وسياسياً من خلال المحاضرة التي ألقاها الأمير خالد عن أمن منطقة الشرق الأوسط وكانت محط اعجاب وتساؤل الأوساط السياسية العربية والأجنبية في العاصمة الروسية ما دفع بعض الديبلوماسيين الى وصف المحاضرة ب "المفاجأة"، نظراً الى ما تضمنته من وضوح في الرؤية وعمق في التحليل وصراحة غير معتادة عن واقع المنطقة وحقيقة الأوضاع فيها. وبدأ الأمير خالد محاضرته بالحديث عن المفهوم الأمني الاسرائيلي الذي "يعني ببساطة القوة والتوسع والاستيطان والتفوق والهيمنة، وما حدث في الماضي ويحدث في الحاضر خير شاهد على اعتناق قادة تل أبيب لهذا المفهوم" وبعدما عدد الأمير خالد الأدلة على صحة ذلك أكد ان "استخدام القوة كاستراتيجية هجومية لازم العقيدة الصهيونية منذ التفكير في اغتصاب فلسطين لتكوين الدولة اليهودية"، مدللاً على ذلك بأن تيودور هرتزل قال في كتابه "الدولة اليهودية" الذي أصدره عام 1896: "لا حل لمشاكلنا الا بأن تكون لنا دولة، ولا سبيل الى تحقيق هذا الحلم الا بتطبيق المبدأ السائد في العالم وهو مبدأ القوة فوق الحق، الذي سيظل سائداً الى أمد غير محدود". ولم يغفل الأمير خالد في محاضرته التي حضرها عدد من المسؤولين والاعلاميين والمفكرين الروس الى جانب السفراء العرب، الحديث عن مشاكل المنطقة التي تشكل تهديداً استراتيجياً لأمنها وفي مقدمها المشاكل الحدودية وادعاءات السيادة على اجزاء من أراضي الغير أو جزره، في اشارة واضحة الى ايران باحتلالها الجزر الاماراتية الثلاث وكذا الاحتلال الاريتري لجزر حنيش اليمنية - وان لم يسمها - الى جانب المشاكل الأمنية الداخلية في بعض الدول ومشاكل الهيمنة واثبات التفوق العسكري والخلافات حول اقتسام المياه، خصوصاً بين اسرائيل والدول العربية وبين تركيا وسورية والعراق. الا أن الأمير خالد اعتبر ان أخطر هذه المشاكل وأكثرها تهديداً لأمن المنطقة على الاطلاق هو الصراع العربي - الاسرائيلي وكيفية تحقيق السلام العادل والدائم فيها. وبعد استعراض للنظرية الأمنية الاسرائيلية وتأكيد ان أمن اسرائيل لا يكون على حساب أمن الآخرين تحدث الأمير خالد عن موقف رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ووضعه "لاءات" كثيرة أمام قطار السلام "انما هو استمرار لتنفيذه نظرية الأمن خصوصاً في البند المتعلق باعتماد اسرائيل على قوة الولاياتالمتحدة التي تدعمها بلا تردد وبلا حدود". ولوحظ ان الأمير خالد حذر كثيراً، سواء في محاضرته أو لقاءاته مع وسائل الاعلام أو مع كبار المسؤولين الروس وفي مقدمهم الأمين العام لمجلس الأمن القومي الجنرال الكسندر ليبيد، من مخاطر تطبيق الوثيقة الرسمية للخطوط العريضة الاسرائيلية باعتبار انها "ستعود بالمنطقة الى أيام الحروب والانتفاضة والاعمال العدائية وتشجيع الارهاب بكل صوره وأساليبه، فهي وثيقة تتحدث عن مفاوضات سلام مع سورية التي لا يحق لها ابداء شروط مسبقة، بينما تملي اسرائيل شروطها من بقاء سيادتها على الجولان وسيطرتها الكاملة على مصادر المياه وتعزيز الاستيطان اليهودي"... اما في ما يتعلق بالفلسطينيين فقد أورد الأمير خالد ان تل أبيب تتحدث عن استعدادها للتفاوض مع السلطة الوطنية الفلسطينية حول التسوية النهائية وفي الوقت نفسه تتجاهل اتفاق أوسلو وترفض قيام الدولة الفلسطينية وتطالب الفلسطينيين بالاكتفاء بالحكم الذاتي وتعارض حق العودة لمن اجبروا على ترك بلادهم واغلاق مناطق السلطة الوطنية وفرض الحصار العسكري والاقتصادي من البر والبحر والجو ولم يقتصر الأمر على ذلك، لكن الخطر أصبح يهدد الأمن العربي كله من خلال الوجود الاسرائيلي في مدخل البحر الأحمر في الجنوب العربي وفي تركيا عند سقف الأمة العربية. ولم يتردد الأمير خالد عن الاعلان بأن "اسرائيل ما كانت لتجرؤ على ذلك لولا الدعم اللامحدود في جميع المجالات من الولاياتالمتحدة التي أصبحت تكيل الأمور بمعيارين مختلفين" مدللاً على ذلك بالكثير من الأمثلة والمواقف. وهنا يتردد السؤال: ما هو مصير منطقة الشرق الأوسط في ظل النظام العالمي الجديد؟ يجيب الأمير خالد عن ذلك بالقول: "ان ما يحدث في المنطقة يجعلنا ندرك اننا نشاهد سيناريو واضحا ومحدد الابعاد بأن المنطقة تعيش ايقاعاً جديداً تعيد فيه اسرائيل وحدها، بدعم غير محدود من الادارة الأميركية، ترتيب الأوراق في المنطقة والتأكيد للعالم انها صاحبة الكلمة الفصل واليد العليا في المنطقة حرباً أو سلماً. ولعل أخطر ما ورد في المحاضرة ما كشفه الأمير خالد من أن الهدف الاسرائيلي - الأميركي هو إحكام القبضة على منطقة الشرق الأوسط وفق مخططات جديدة وجريئة من أبرز ملامحها: - تطوير التعاون الاستراتيجي والأمني بين الولاياتالمتحدة واسرائيل. - احتواء ايران والتمهيد لضربها. - احتواء العراق وابقاء صدام حسين في الحكم رمزاً لتهديد دول الخليج وتخويفاً به ليظل الوحش الذي يثير الخوف والتوتر لدول الجوار لتستعين بمظلة الحماية الأميركية والغربية طالما بقى الهاجس الأمني قائماً. - تهميش دور مصر وسورية وابعادهما عن المملكة العربية السعودية ودول الخليج. - قيام حلف تركي - اسرائيلي يهدد سورية والعراقوايران ويسيء الى العلاقات العربية - التركية. - تهديدات تركيا بسلاح المياه ضد سورية والعراق اذا اتخذت الدول العربية أية اجراءات ضد اتفاقها مع اسرائيل. - محاولة جر الأردن الى التحالف التركي - الاسرائيلي. - سيطرة اسرائيل على مدخل البحر الأحمر عن طريق اريتريا. - استمرار معاقبة ليبيا وحصارها. - حصار السودان وتشجيع انفصال الجنوب وتهديد اريتريا واثيوبيا له. - الاختراق الاقتصادي الاسرائيلي لبعض دول مجلس التعاون الخليجي. اشعار الدول العربية ان طريقها الى الولاياتالمتحدة يجب أن يمر باسرائيل أولاً وان ما تود الحصول عليه لا بد ان يحظى بمباركة اسرائيل. وتجيء بعد ذلك مشكلة المياه "وهي مشكلة تهدد بحروب لم يسبق لها مثيل لأنها ستكون حروب حياة أو موت. وثمة بديلان لا ثالث لهما لادارة الأزمة المائية بفاعلية في المستقبل القريب، اولهما استخدام الأمة العربية القوة العسكرية لوقف استغلال الدول الأخرى للحاجات المائية للمواطن العربي وهذا البديل أقل احتمالاً في التنفيذ وغير مرغوب فيه ويصعب تطبيقه في اطار التوازنات الدولية القائمة في عالم اليوم، وثانيهما يقوم على مبدأ المنفعة المتبادلة مع دول الجوار أو بين دول الحوض الواحد من منطلق الإيمان بوجود المصلحة المشتركة من دون مغالاة أو تجاوز مع معرفة حقيقية لحاجات الدول من الماء والاستخدام الأمثل لها، اذ من المحتمل ان تصبح نقطة الماء في العقد المقبل أغلى بكثير من برميل البترول. وخلص الأمير خالد الى تحميل العرب مسؤولية اخطائهم داعياً اياهم الى التخلي عن دوامة الخلاف العربي - العربي وزيادة التعاون الاقتصادي من خلال احياء السوق العربية المشتركة ورفض سياسة الكيل بمكيالين وسياسة التوسع الاسرائيلي، مع أهمية استمرار الحوار مع تركيا واعادة التوازن العسكري في المنطقة. اما بالنسبة الى الحدث الآخر، أي صدور كتاب "مقاتل من الصحراء" باللغة الروسية، فقد لوحظ ان عدداً من الصحافيين والمفكرين الروس اتفقوا على أنه "لا يجوز - لأسباب عدة - تسمية الكتاب بالمذكرات، فالمؤلف في مقتبل العمر، ثم ان الكتاب تناول احداثاً ليست بعيدة زمنياً اذ وقعت بين 1990 و1991 أي عملية "عاصفة الصحراء" التي أدت الى تحرير الكويت من الاحتلال العراقي بقيادة رجلين احدهما هو المؤلف الأمير خالد والآخر الجنرال الأميركي نورمان شوارزكوف. واللافت ان معظم وسائل الاعلام الروسية وكبار القادة العسكريين في موسكو أكدوا في مناقشاتهم وندواتهم عن الكتاب ان الجنرال الأميركي الذي أصدره والآخر كتاباً عن الموضوع نفسه بعنوان "هذا لا يتطلب بطولة" ان التواضع وضبط النفس والانتقاد الذاتي اقتصر على العنوان نفسه بينما حقيقة الأمر ان شوارزكوف جعل من كتابه قصيدة مدح في صيغة سيرة ذاتية للثناء على الشعب الأميركي وعلى شوارزكوف نفسه واغفال أدوار الآخرين. وقالت صحيفة "كومسو مولكسايا برافد" في معرض مقارنتها بين كتابي الأمير خالد وشوارزكوف ان كتاب الأخير "كان عاجزاً عن تزويد القارئ بأجوبة على العديد من الألغاز وعلامات الاستفهام، بعكس الأمير خالد الذي لم يكن يسعى للمديح والدعاية لنفسه عندما ألّف كتابه "مقاتل من الصحراء" وتساءلت: "وهل يحتاج الى المديح فريق أول ركن ويتمتع بلقب صاحب السمو الملكي وهو ابن شقيق الملك فهد وأكبر انجال وزير الدفاع". وأضافت: "ان الأمير خالد يمتلك خبرة نادرة في ما يسمى بالقيادة المتوازية التي سيكون لها في المستقبل شأن في العالم العسكري".