فرع هيئة الهلال الأحمر بعسير في زيارة ل"بر أبها"    خطيب المسجد النبوي: الغيبة ذكُر أخاك بما يَشِينه وتَعِيبه بما فيه    الإتحاد يُعلن تفاصيل إصابة عبدالإله العمري    بطلة عام 2023 تودّع نهائيات رابطة محترفات التنس.. وقمة مرتقبة تجمع سابالينكا بكوكو جوف    نيمار: 3 أخبار كاذبة شاهدتها عني    جدة تستعد لاستقبال مهرجان "منطقة العجائب" الترفيهي    أمانة الطائف تجهز أكثر من 200 حديقة عامة لاستقبال الزوار في الإجازة    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    خطيب المسجد الحرام: من صفات أولي الألباب الحميدة صلة الأرحام والإحسان إليهم    في أول قرار لترمب.. المرأة الحديدية تقود موظفي البيت الأبيض    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الثقة به مخاطرة.. «الذكاء الاصطناعي» حين يكون غبياً !    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    5 طرق للتخلص من النعاس    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    984 ألف برميل تقليص السعودية إنتاجها النفطي يومياً    «مهاجمون حُراس»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    «التعليم»: تسليم إشعارات إكمال الطلاب الراسبين بالمواد الدراسية قبل إجازة الخريف    لحظات ماتعة    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    الهايكو رحلة شعرية في ضيافة كرسي الأدب السعودي    ما سطر في صفحات الكتمان    الهلال يهدي النصر نقطة    رودري يحصد ال«بالون دور» وصدمة بعد خسارة فينيسيوس    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    حديقة ثلجية    «الدبلوماسية الدولية» تقف عاجزة أمام التصعيد في لبنان    وزير الصحة يتفقد ويدشّن عدداً من المشاريع الصحية بالقصيم    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    أنماط شراء وعادات تسوق تواكب الرقمنة    رحلة طموح    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    كولر: فترة التوقف فرصة لشفاء المصابين    الأزرق في حضن نيمار    الغرب والقرن الأفريقي    جودة خدمات ورفاهية    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    المريد ماذا يريد؟    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منطقة الخليج صارت وطناً ثانياً له وتزايد احترامه لأهلها وإعجابه بحياتهم وتاريخهم الثري وحضارتهم . عندما نفذ العراق دوره المتوقع في سيناريو "البلد البرتقالي" كان الأميركيون قطعوا شوطاً في التخطيط للرد العسكري ! الحلقة الاولى
نشر في الحياة يوم 18 - 06 - 1999

صدر أخيراً في الولايات المتحدة كتاب "كل رجل نمر"، للروائي الأميركي الشهير توم كلانسي، بالتعاون مع الجنرال المتقاعد تشاك هورنر، قائد سلاح الجو الأميركي التاسع، قائد الوحدات الجوية التابعة للقيادة المركزية الأميركية سنتكوم أثناء حرب الخليج ضد العراق. وحصلت "الحياة" على الحق الحصري لنشر الكتاب بالعربية.
في الحلقة الأولى عرض لرد فعل الجنرال هورنر على الغزو العراقي للكويت والاجتماع الأول للقيادة المركزية بقيادة الجنرال نورمان شوارزكوف للتهيئة للعمل العسكري من أجل تحرير الكويت.
3 آب أغسطس 1990 ...تمرين قتالي
صباح الجمعة من الأسبوع نفسه الذي غزا فيه العراق الكويت كان الجنرال تشاك هورنر يطير على ارتفاع 27 ألف قدم بسرعة تعادل 0.9 سرعة الصوت قرب ساحل ولاية نورث كارولينا في الولايات المتحدة. كان متجهاً الى عمق البحر في مقاتلة من طراز متقدم لطائرة "اف - 16 سي" تحمل اسم "الليدي آشلي"، وهو اسم طفلة العريف التقني خوزي سانتوس، قائد طاقم الدعم للجنرال هورنر. مساعد هورنر، الكولونيل جيم هارتنغر المشهور باسم "غور الصغير"، كان في طائرة على بعد ميل تقريباً، وعلى ارتفاع اعلى قليلاً، الى يسار الجنرال.
هورنر وهارتنغر كانا في طريقهما الى تمرين قتالي ضد طائرتين من طراز "اف 15 سي" من جناح المقاتلات التكتيكي الأول في قاعدة لانغلي الجوية في تايدووتر هامبتن في ولاية فرجينيا. كان التمرين منازلة شاملة تعتمد على الذكاء التكتيكي والمهارة الجوية. واتفق الجميع على ان تتجه المقاتلات الأربع بعد ذلك في تشكيلة واحدة الى قاعدة لانغلي ....
مهمات في "سنتكوم"
عمل هورنر منذ نيسان أبريل 1987 قائداً لسلاح الجو الأميركي التاسع الذي يشمل تشكيلات المقاتلات، العامل منها والاحتياطي، شرق نهر ميسيسيبي. هذا المنصب أعطاه في الوقت نفسه قيادة الوحدات الجوية للقيادة المركزية سنتكوم، الهيئة العسكرية الأميركية المسؤولة عن مصالح الأمن الوطني في الشرق الأوسط عدا اسرائيل وسورية ولبنان وقسم من شرق أفريقيا.
قائد "القيادة المركزية" في 1990 كان الجنرال في الجيش الأميركي نورمان شورازكوف. وكان من بين مهمات هورنر، بصفته قائد سلاح الجو ل"سنتكوم"، العمل مع نظرائه الأجانب في المنطقة الممتدة من مصر الى باكستان والتخطيط معهم للعمليات الجوية التي قد تبرز الحاجة اليها لدى الأزمات المهددة لمصالح الولايات المتحدة.
ومن بين مهماته أيضاً ضمان التهيؤ القتالي لوحدات الطيران الأميركي والتثبت من الدعم اللوجستي لها خلال انتشارها السريع، سواء في اوقات السلم او الحرب. وأخيراً، شملت مهماته وقتها قيادة الوحدات الجوية المنشورة فعلا في المنطقة، مثل طائرات الرصد "أواكس" التي كانت تراقب اراضي المملكة العربية السعودية اثناء الحرب العراقية - الايرانية، لمنع ذلك الصراع المحلي من التوسع عبر الحدود. وعندما لم يكن هورنر يزور قواعد سلاح الجو الأميركي في الولايات المتحدة، كان عادة يزور الدول التي تقع ضمن مسؤولية "سنتكوم".
الوطن الثاني
عمل هورنر أجبره على تمضية الكثير من وقته في الجو، بعيداً عن وطنه. لكنه اكتشف بسرعة وفجأة، أن منطقة الخليج صارت وطناً ثانياً له. فقد عقد هناك عبر السنين الكثير من الصداقات، خصوصاً مع العاملين في القوات الجوية. وعندما تزايدت معرفته بهم، سواء على الصعيد المهني أو عن طريق استضافتهم إياه في بيوتهم، تزايد احترامه لهم، واعجابه بطريقة حياتهم في اختلافها عن حياة الغربيين، واعتزازهم بأمتهم وتاريخهم، وايمانهم الديني الراسخ.
وجعله هذا، مع مرور الوقت، مغرماً بالأمم التي تهتم، بتاريخها الثري وحضارتها وجمال طبيعة بلادها، ووجد نفسه بعد فترة قصيرة قارئاً نهما لكل ما عثر عليه من الكتب عنها. لكنه لم يدرك وقتها، اثناء تطور تلك العلاقات، مدى قيمتها العملية بالنسبة إليه لاحقاً ....
يومان من الصمت
الأسبوع الأول من آب أغسطس 1990 كان صعباً، ولم يخل من غرابة، بالنسبة إلى الجنرال هورنر. ففي أواخر تموز يوليو، عندما بدأ الجيش العراقي الحشد على الحدود مع الكويت، وضع هورنر في حال التأهب طائرات "اف - 15 ايغلز" النسور التابعة لجناح المقاتلات التكتيكي الأول في قاعدة لانغلي، وكذلك طائرات "اف - 16" لجناح المقاتلات التكتيكي 363 في قاعدة شو الجوية قرب سومتر في ولاية ساوث كارولينا، حيث كان مقر هورنر نفسه.
يوم الأربعاء الثاني من آب، غزا العراق الكويت، في عدوان فاضح توقع هورنر على أثره رداً مباشراً من الولايات المتحدة. ذلك ان استيلاء صدام حسين على الكويت شكل تهديداً للمملكة العربية السعودية والدول العربية الغنية بالنفط في الخليج. بل ان عدداً من فرق الحرس الجمهوري العراقي القوي اتخذ بالفعل مواقع هجومية على الحدود الكويتية - السعودية.
لم يستطع هورنر ان يتصور ان واشنطن ستسمح لصدام بالمزيد من النهب. واذا كان لها ان تهز السيف في وجهه، فان سلاح الجو التاسع كان اول من سيستدعى للمهمة.
انتظر هورنر خلال اليومين التاليين اتصالاً من قائده الجنرال شوارزكوف، لكنه لم يسمع منه او من قيادة "سنتكوم" في قاعدة ماكديل الجوية قرب تامبا في ولاية فلوريدا. ازاء هذا الصمت الغريب منذ تدفق القوات العراقية عبر الحدود مع الكويت، لم يكن امام هورنر سوى التزام جدول اعماله الاسبوعي المقرر سلفاً.
إنها الحرب!
من هنا توجه بالطائرة، يوم الجمعة، الى قاعدة لانغلي للمشاركة في التمرين القتالي. ولكن ما ان عبرت مقاتلته الساحل الأميركي متجهة الى عمق المحيط الأطلسي... حتى جاءته الرسالة على جهاز الاتصال: "تيك 1! أنا أسد البحر! طائرتا ال أف - 15 الغتا رحلتهما الى موقع التمرين ومركز واشنطن يريد ان تتصل فورا!".
"أسد البحر" كان اسم محطة الرادار التابعة للبحرية الأميركية في نورفوك في ولاية فرجينيا، وكانت مهمتها مراقبة المجال الجوي في تلك المنطقة من الأطلسي. وفكر هورنر، فيما ادار هو وغور طائرتيهما للعودة الى قاعدة شو الجوية: "يا الهي... إنها الحرب".
وثارت في ذهنه ملايين الاسئلة، من بينها: هل دخل العراقيون المملكة العربية السعودية؟ ما هو حجم القوات التي علينا نشرها؟ بأي سرعة يمكن ارسال مقاتلاتنا للقاء ناقلات الوقود التابعة للقيادة الجوية الاستراتيجية؟ ما هي طاقات الحمولات الثقيلة المطلوبة لارسال ما نحتاج إليه من قطع الغيار وأطقم الصيانة الى الشرق الأوسط؟ كيف سننقل الى مسرح العمليات الخيام والعتاد والوقود والمعدات الطبية المخزونة سلفاً في عمان والبحرين، وايضاً تلك التي في السفن في خليج دييغو غارسيا؟ ثم السؤال المتوقع: "كم سيقتل من الشباب والشابات؟"
سيناريو "البلد البرتقالي"
ثم فكّر هورنر : نشكر الله على "النظرة الداخلية"! ذلك ان قائد "سنتكوم" اعتاد ان ينظم، مرة كل سنتين تمريناً قتالياً بهذا الاسم يقوم فيه مع أركانه بالتخطيط لمناورات حربية شاملة. بعد ذلك كانت القيادة تنشر قواتها في الميدان لتنفيذ تلك "الحرب"... في السنة ما بين سنتي التمرين الأميركي كانت "سنتكوم" تجري تمارين مشابهة في الشرق الأوسط لكي يكسب الجنود والبحارة وعناصر مشاة البحرية والطيارون الأميركيون خبرة بحياة الصحراء ويعملون جنباً إلى جنب مع نظرائهم العرب. في السنين الأولى من تشكيل "سنتكوم" كان التهديد الرئيسي لمصالح أميركا في المنطقة قيام روسيا بهجوم باتجاه الجنوب من خلال ايران، في محاولة لتحقيق حلم راود موسكو طويلاً، حتى قبل قيام الاتحاد السوفياتي. من هنا دارت خطط "سنتكوم" المبكرة على وقف تحرك كهذا. لكن احتمال قيام السوفيات بهجوم كهذا كان قد زال عندما تسلم الجنرال شوارزكوف قيادة "سنتكوم" في تشرين الثاني نوفمبر 1989، وكان على "سنتكوم" ان تجد لنفسها مهمة جديدة.
ولم يطل البحث، إذ ان العراق، بعد نهاية الحرب مع إيران، وجد نفسه بجيش بالغ الضخامة جيد التسلح والتدريب والخبرات، ولكن أيضاً مع ديون خارجية خيالية الحجم! وسأل شوارزكوف نفسه: كيف سيوفي العراقيون ديونهم؟ الجواب: انهم سيذهبون الى حيث يجدون المال، أي الى الجنوب، الى الكويت، واذا كانوا طموحين فعلاً، فربما ذهبوا الى المملكة العربية السعودية.
النتيجة كانت ان شوارزكوف أمر بأن يقوم سيناريو "النظرة الداخلية" ل1990 على افتراض ان "البلد البرتقالي"، أي العراق، غزا بعض جيرانه الخليجيين. هكذا، عندما نفذ العراق باكراً من آب الدور المتصور له في سيناريو "البلد البرتقالي"، كان شوارزكوف وأركانه قد قطعوا شوطاً طويلاً في التخطيط المطلوب للرد العسكري الأميركي على غزو الكويت...
مخطط جاهز للحرب البرية
ما ان عاد هورنر من التمرين القتالي الملغى الى مكتبه حتى ضغط على الزر الأحمر الذي حمل كلمتي "قيادة سنتكوم" للاتصال المباشر بشوارزكوف... بعد لحظة سمع صوت قائده وهو يقول: "تشاك، أريدك ان تأتي فوراً الى مكديل"...
على رغم اللهجة الودية ادرك هورنر انه تسلم امراً عسكرياً، وأجاب فوراً: "نعم يا سيدي. ما هو موضوع الاجتماع؟" قال شوارزكوف أنه سيتوجه الى واشنطن صباح اليوم التالي لتقديم تقرير الى الرئيس جورج بوش عن الوضع في الكويت، وعن الخيارات العسكرية امام الرئيس اذا استمر الجيش العراقي في التقدم ودخل أراضي المملكة العربية السعودية، وهو الاحتمال الذي كان يقلق بوش وقتها...
يتميز الجنرال نورمان شوارزكوف بضخامة البنية، ورأس أكبر من المعتاد، ووجه مفلطح إلى درجة بدا معها كأنهم نسوا أول الأمر ان يعطوه أنفاً، ثم الصقوا بوجهه أنفاً منمنماً في اللحظة الأخيرة! لم يكن ضخماً فحسب بل مهيباً أيضاً، ما ان يدخل غرفة حتى يستقطب انتباه الكل فيها... كان أيضاً مغرماً بالمواجهات مع الزملاء والمرؤوسين، واشتهر بمزاجه الناري ولسانه اللاذع الذي لا يرحم المقصرين عن درجة الاداء التي كان يطلبها من الكل....
واذا كان العمل مع شوارزكوف يشبه سلسلة من المعارك الجوية فان هورنر لم يمانع في ذلك، لأنه كان بطبعه قائد مقاتلات... وكان يبذل جهده من اجل الدخول في مواجهة مع القائد، مستعداً لكل ما قد يستعمله شوارزكوف من مناورات...
وعندما دخل هورنر مكتب شوارزكوف بدا هذا متعباً تماماً، لكنه تناول فوراً صلب الموضوع. قال انه عندما سيقدم تقريره الى الرئيس صباح اليوم التالي الخامس من آب فانه يعرف تماماً الخيارات أمام القوات البرية الأميركية لوقف اي توغل عراقي في اراضي المملكة العربية السعودية، وذلك بفضل مناورات "النظرة الداخلية". أي انه كان على ثقة من وضوح تقريره عن هذا الموضوع وتماسكه. المشكلة انه لم يكن واثقاً تماماً من القسم الخاص بالحرب الجوية.
على صعيد الوضع البري، كان الفيلق الجوي الثامن عشر العنصر الرئيسي لدى "سنتكوم" وبامكانه، في حال تحرك العراقيين جنوباً الى داخل المملكة، الوصول الى ساحة المعركة في وقت قصير نسبياً، بل ان وحدات منه يمكن ان تكون هناك في غضون ايام. كما ان خيارات العراقيين كانت محدودة. ذلك ان طبيعة الأرض تزداد وعورة كلما ابتعدوا عن ساحل الخليج، فيما كانت اسرائيل في اقصى الغرب تراقب أي تحركات عسكرية نحوها. من هنا فان أي هجوم عراقي كان سيأتي نزولاً على الساحل الشرقي. اضافة الى ذلك فان هذه كانت في الوقت نفسه منطقة النفط، وأيضاً المراكز السكانية السعودية الكبرى، مثل الظهران وجبيل. واذا استهدف العراقيون الرياض، فالغالب انهم كانوا سيتقدمون جنوباً ثم يستديرون يميناً نحو العاصمة. وكان شوارزكوف يعرف تماماً الفرق العسكرية المطلوبة، واين يجب نشرها، لوقف هجوم كهذا.
ضعف التخطيط الجوي
أما الحرب الجوية، فكانت قضية اخرى تماماً. كان هورنر يعلم ان شوارزكوف لا يعرف شيئاً يذكر عن ذلك العنصر فضلاً عن الخبرة باستعماله... كما ادرك هورنر، من دون ان يذكر قائد "سنتكوم" ذلك صراحة، ان شوارزكوف لم يثق كثيراً بقدرة هيئة أركانه على اعداد تقرير عن الحرب الجوية يمكنه أخذه الى الرئيس بوش. وكان هذا هو سبب استدعاء تشاك هورنر الى قاعدة مكديل. فبعدما اوضح شوارزكوف لهورنر ان جنرال الجو بيرت مور وأعضاء قسم العمليات كانوا يعملون على التقرير، طلب منه الذهاب الى قاعة العمليات ومساعدتهم...
ما ان دخل هورنر القاعة... حتى رأى ان الجميع هناك كان في حال من الاضطراب والضعف المعنوي والافتقار الى النظام والتركيز، وبدوا كأنهم يغفلون تفاصيل جوهرية مثل تحديد مواقع القواعد والجانب اللوجستي ونسب طلعات مختلف الطائرات العسكرية.
ولم يبد الجنرال مور ومساعدوه ترحيباً بهورنر أو حماسة للاستماع الى أفكاره ومقترحاته، وكان هذا مفهوماً بالنسبة إليه... فقد كان من الواضح انهم يعملون على التقرير منذ أيام ولم يرتاحوا الى مجيء شخص من خارج الفريق ليدس انفه في عملهم. لهذا قرر هورنر ترك الموضوع، مدركاً انهم سيطلبون مساعدته اذا شعروا بالحاجة.
قالوا له ان هناك مكتباًً في الطبقة الثانية يمكنه استعماله اذا اراد. وذهب متثاقلاً الى المكتب]حيث عمل لوحده ومن خلال الاتصال الهاتفي بأركانه في قاعدة شو الجوية على وضع تقرير منفصل عن الخيارات والحاجات لخوض الحرب ضد العراق في منطقة الخليج[.
جاسوس شوارزكوف!
بحلول الخامسة مساء، موعد الاجتماع الى الجنرال شوارزكوف، كان هورنر مستعداً، اذا دعت الحاجة، لتقديم المعلومات الأساسية ليأخذها شوارزكوف في اليوم التالي الى الرئيس جورج بوش في كمب ديفيد. وحمل هورنر ملاحظاته معه الى الاجتماع، وجلس ليسمع تقرير فريق العمليات الى شوارزكوف.
بدأ الاجتماع بتقرير عن آخر التطورات في الكويت. وسرعان ما تبين ان الجنرال شوارزكوف كان أرسل الى الكويت منذ بداية الأزمة في تموز الرائد جون فريلي، وهو من عناصر استخبارات "سنتكوم"، ليعرض على قادة البلد مجموعة كبيرة من التقارير الفوتوغرافية عن التحركات العراقية.
وسكن فريلي فندقاً في مقابل السفارة الأميركية هناك، وجاء الغزو العراقي فيما كان لا يزال في المدينة، ومكنه هذا من ارسال تقارير عيانية يومية مستعملاً هاتفاً نقالاً مرتبطاً بالاقمار الاصطناعية. لم يكن هورنر يعرف الرجل، لكنه كان يستطيع تصوره وهو يعمل في جو بالغ الاثارة والتوتر، محاطاً بالجيش العراقي الذي كان يواصل احتجاز العسكريين الكويتيين والزوار الأجانب. وبدا واضحاً مدى ارتياح قائد "سنتكوم" إلى تمكنه من وضع تلك "العين" في وسط معسكر الأعداء. فيما تساءل هورنر هل تشارك "العين" نفسها قائدها ذلك الارتياح؟
في القسم الثاني من الاجتماع تداول الحضور سبل استعمال القوات الأرضية للتصدي لأي هجوم على المملكة العربية السعودية، واكتفى شوارزكوف بالعدد الأقل من الاسئلة والتعليقات، اذ بدا واضحاً انه شخصياً بذل جهداً كبيراً في اعداد التقرير. وكانت عناصر التقرير واضحة ومفهومة ومركزة، وتناولت بالتفصيل كل القضايا التي تتصل بالحرب الأرضية. لكن الأمر كان مختلفاً تماماً عند طرح التقرير عن العنصر الجوي، وبدا لهورنر ان التقرير يجسد اسوأ مخاوفه... وأن كارثة كبيرة في طريقها الى الحدوث. ذلك ان فريق الجنرال مور، بكل مواهبه، بنى التقرير على أساس ما اعتبروا ان قائدهم يرغب في سماعه، وليس الحاجات الفعلية كما يرونها هم أنفسهم.
هورنر ينقذ الموقف
]مع تزايد غضب شورزكوف اثناء طرح تقرير فريق العمليات عن الحرب الجوية ومناقشته اقترح هورنر، انقاذاً للموقف، اعداد تقرير يلبي حاجات الرئيس بوش في تلك المرحلة، ويدور على السرعة التي تتمكن فيها وحدات سلاح الجو من الوصول الى مسرح العمليات، وأماكن نشرها، وطرق دعمها، ومستوىات أدائها، ونوع عملياتها الهادفة إلى ردع او كسر أي هجوم عراقي. وكانت النتيجة ان شوارزكوف أمر فريق العمليات بمساعدة هورنر على اعداد التقرير الجديد، وهو ما انجزه قائد قطعات "سنتكوم" الجوية متأخراً من مساء اليوم نفسه. وعندما عرض النتيجة على شوارزكوف، عبّر هذا عن ارتياحه بدعوة هورنر الى المشاركة في الاجتماع مع الرئيس بوش في كمب ديفيد، الذي كان سيعقد صباح اليوم التالي، الخامس من آب 1990... "الحياة"[.
الحلقة الثانية: الاحد المقبل بوش يبعث تشيني الى جدة لمعرفة رأي الملك فهد في ما يجب عمله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.