ماذا سيكون مصير الاتحاد المغاربي؟ هذا هو السؤال المطروح بالحاح منذ الاعلان عن رسالة رئيس الوزراء المغربي وزير الخارجية عبداللطيف الفيلالي الى وزير الخارجية الجزائري محمد دمبري. فقد طلب الفيلالي في لهجة وصفت بأنها "غاضبة" وتعبّر عن ضيق المغرب ذرعاً من الموقف الجزائري من قضية الصحراء الغربية "التوقيف الموقت لنشاطات المؤسسات المغاربية". وكان اتحاد المغرب العربي انشئ في شباط فبراير 1989 في مدينة مراكش بعضوية خمس دول هي المغرب والجزائروتونس وليبيا وموريتانيا، على اساس القيام بتنظيم عملي تكاملي بين الدول المغاربية وتنسيق السياسات المختلفة في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي واقامة مجموعة من المؤسسات التي تخدم تلك الاهداف، ومنها الامانة العامة التي يوجد مقرها في المغرب ويتولاها الديبلوماسي التونسي محمد عمامو، ومجلس الشورى وهو البرلمان المغاربي الذي يوجد مقره في الجزائر ويجتمع بصورة دورية وبنك الاستثمار المغاربي والذي يوجد مقره بتونس دون ان يتم جمع رأسماله او بدء عمله. وفاجأت الرسالة المغربية المراقبين وعلى رغم ان سير الاتحاد المغاربي لم يكن مثالياً منذ اكثر من اربع سنوات، وذلك منذ ان طلب المغرب في مجلس وزراء الخارجية في خريف 1991 في الرباط تخفيف سرعة الاتحاد وعدم انشاء مؤسسات جديدة في صلبه وحتى عدم تنفيذ قيام المؤسسات المقررة من قبل. الا انه لم يكن منتظراً ان تتحمل اي دولة مسؤولية تجميد الاتحاد وتوقيف مؤسساته عن النشاط على رغم ان جهات عدة تتفهم ان يكون المغرب قد ضاق ذرعاً بالمواقف الجزائرية في قضية الصحراء، الا ان هذه الاوساط كانت تتوقع حل هذا الاشكال داخل اطار المغرب العربي وتجاوز انعكاساته الخطيرة بصورة تدريجية، خصوصاً ان اي دولة من دول الاتحاد لم تعترف بالجمهورية الصحراوية وكلها متفقة على المسار المقرر في شأن اجراء استفتاء باشراف الاممالمتحدة. ويبدو واضحاً ان الرأي السائد في البلدان المغاربية، باستثناء الجزائر، يقوم على ان المنطقة ليست في وارد تقسيم جديد وانشاء دولة جديدة، وهي اقرب من هذه الناحية، وان بصورة غير معلنة، الى الموقف المغربي. وبررت الحكومة المغربية طلبها بالتوقيف الموقت لنشاطات المؤسسات المغاربية بأن "ما يطلب استمراره لا يمكن ان ينبني على اللبس، لا على المستوى الثنائي ولا على المستوى الجهوي" وان "توقيف المؤسسات المغاربية الى ان يتم الانفتاح على افق بطبعه الصفاء لهو اجدى بالنسبة الى بلدان المغرب العربي الخمسة في وضع الغموض الذي لا يفتأ يزداد كثافة يوماً بعد يوم". وتوجهت الرسالة المغربية الى وزير الخارجية الجزائري باعتبار ان الجزائر هي الرئيس الحالي لاتحاد المغرب العربي وعلى اساس ان العاصمة الجزائرية هي التي تستضيف القمة المغاربية التي لم يتحدد موعدها بعد. اختيار مقصود وكان يمكن ان توجه هذه الرسالة طبقاً للاساليب المرعية في مثل هذه الظروف الى الامانة العامة للاتحاد في الرباط التي تتولى تعميمها على الدول الاعضاء، الا انه يبدو واضحاً ان المغرب اختار عن قصد استعمال مؤشرات عدة تعتبر رسائل في حد ذاتها، وهي: 1 - توجيه الرسالة الى الجزائر مباشرة وهي رئيس الاتحاد في محاولة لابراز دور الجزائر في التسبب في توقيف نشاطات الجهاز المغاربي على اعتبار ان مثل هذا التوقيف لا يعتبر شعبياً لدى مواطني الدول الخمس التي يتشكل منها الاتحاد. 2 - تجسيم توقيف هياكل الاتحاد واعتبارها متوقفة منذ اصدار الرسالة على الاقل بالنسبة الى الجهة المغاربية. 3 - اعتماد اسلوب الرسالة المفتوحة وتبريراً للموقف المغربي وكي يكون العالم شاهداً. فقد كان يمكن تصور ارسال الرسالة والسكوت عنها الا ان الرباط فضلت الافصاح عن مضمونها مباشرة وتبيان اسباب الدعوة الى توقيف نشاط مؤسسات الاتحاد حتى لا يترك اي مجال للتأويل او تحميل المغرب مسؤولية ما يمكن اعتباره قراراً "مجانياً" ضد مصلحة الاتحاد المغاربي وهياكله. 4 - توحي لهجة الرسالة وحتى مضمونها، بانها ليست مجرد رسالة صادرة عن وزير خارجية بل رسالة من دولة في اعلى مستوياتها الى دولة اخرى في اعلى مستوياتها. وبهذه الصفة فان الجهات الرسمية المغربية تحاول ان تحمّل الجزائر مسؤوليات تجميد الاتحاد المغاربي ووقف نشاط اجهزته. ولذلك اندرج الرد الجزائري، حسب تقديرات المراقبين، في السياق نفسه فقد صدر عن وزير الخارجية لكن لهجته تؤكد انه يعبّر عن موقف اعلى مسؤول في الدولة، ونشر فوراً واتجه الى تحميل الرباط مسؤولية توقيف انشطة الاتحاد. ويقول وزير الخارجية الجزائري "ان الصلة التي اقامها خطابكم بين التطورات الديبلوماسية الاخيرة في قضية الصحراء الغربية ونشاط المؤسسات المغاربية غير مبررة. ان اتحادنا يعتبر مكسباً ثميناً في المسيرة التاريخية لشعوبنا نحو صنع مصيرها المشترك". ويضيف "بالرغم من النقص في الانجازات وعدم استكمال كل المراحل، فان اتحاد المغرب العربي يبقى حقيقة ينبغي وضعها بمنأى عن كل ما من شأنه التنكر له واضعافه، وبالتالي فعلينا ان نسخر كل جهودنا المشتركة لنحمل اتحاد المغرب العربي نظرة مستقبلية بدلاً من ابقائه بوتقة لمشاكل وصعوبات عابرة". ومن هنا يبدو من الرد الجزائري ان الجزائر تخفف من واقع الخلافات الحادة مع المغرب على قضية الصحراء وتحمل المغرب كل المسؤولية في شأن احتمالات توقيف مؤسسات الاتحاد وهو ما يعني، وفقاً لتقدير المراقبين، حلّ الاتحاد وانفراط عقده. وترى جهات في مختلف العواصم المغاربية ان تفويت الفرصة على المغرب العربي لبناء تقاربه والتنسيق بين اطرافه هو مضيعة حقيقية لفرص فرض النفس على الساحات العربية والافريقية والمتوسطة والاوروبية في أمن التكتلات التي تتجاوز الحدود القطرية. وتمثل دول المغرب العربي مجتمعة اليوم وزناً ديموغرافياً في حدود 75 مليون نسمة، بالمقارنة مع 250 مليون نسمة في العالم العربي و650 مليون نسمة في افريقيا و350 مليون نسمة في الاتحاد الاوروبي. وزن الريشة اما من حيث الثراء فان مجموع الناتج الداخلي الخام لدول المغرب العربي لا يزيد عن 100 مليار دولار لا تشكل ثقلاً فعلياً تجاه الاتحاد الاوروبي الذي يمثل وزناً قدره 7280 مليار دولار، وبلجيكا وحدها بملايينها العشرة فقط يبلغ ناتجها الداخلي 213 مليار دولار اي اكثر من ضعفي الناتج للدول المغاربية . لقد كان من المفترض ان يدفع هذا الوضع، اضافة الى العوامل العاطفية والتاريخية والحضارية والدينية واللغوية، الى تجميع القوى لمواجهة التحدي الاوروبي الذي يستفرد كل طرف على حدة ما دفع تونس وفي مرحلة لاحقة المغرب الى توقيع اتفاقات شراكة وفتح منطقة للتبادل الحرّ بمعزل عن الاطراف المغاربية الاخرى. ويتساءل المراقبون اليوم عما اذا كان المغرب سيذهب بدعوته لتجميد المؤسسات المغاربية الى اقصى مداها، ام ان الامر لا يعدو ان يكون مجرد تهديد وانذار للجزائر للتراجع عن سياساتها تجاه قضية الصحراء الغربية ؟ لكنهم يلاحظون ان المغرب لم يتخذ او يعلن عن قرار بالانسحاب نظراً الى شعبية الفكر المغاربي وتغلغله في الرأي العام، سواء المغربي او المغاربي، وانه ينتظر ان يكون لتهديده مفعول ايجابي يقرر بعده الموقف النهائي. غير ان المراقبين يتوقعون للاتحاد المغاربي اياماً صعبة بعد الحماس الطاغي بين 1986 و1991 وفترة التردد وبطء الانجازات بين 1991 واواخر 1995. فالدعوة المغربية للتجميد لا بد من تدارسها في الاجتماعات المقبلة لهياكل الاتحاد والسؤال المطروح بالحاح هو ما اذا كان المغرب سيحضر ام لا هذه الاجتماعات. واذا كان المغرب قرر المقاطعة فهناك سؤالان مطروحان بالحاح: الاول، هل سيستمر الاتحاد المغاربي بأربعة اطراف فقط هي الجزائروتونس وليبيا وموريتانيا؟ وماذا سيكون وضع المغرب في هذه الحالة، هل هو عضو خارج الاتحاد ام عضو فيه مجمّد العضوية؟ الثاني، في هذه الحالة ماذا سيكون مصير الامانة العامة التي يوجد مقرها في الرباط والتي تعتبر اهم جهاز من اجهزة الهياكل المغاربية، فهل ستبقى هناك وهو أمر غير متوقع، غالباً، ام ستنتقل الى عاصمة اخرى من العواصم المغاربية؟ واي من تلك العواصم ستقبل الامانة العامة بعدما كان اختيار الرباط كمقر لها تطلب جهوداً مضنية للتفاوض بين مختلف العواصم التي كانت كل واحدة منها ترى انها مؤهلة لقبول الجهاز التنفيذي الاهم للاتحاد؟ ان الفترة المقبلة لن تكون سهلة لتنظيم لم يصل بعد الى سنته السابعة ولم يستقم عوده ولم يشتد ويواجه اليوم عاصفة تتهدده في وجوده نفسه، وفي احسن الاحوال في البقية الباقية من نجاعته وفاعليته.