حين وصلت مجموعة صغيرة من موظفي مجلس الشيوخ الأميركي للاستماع الى أوري لوبراني كان أفرادها يتوقعون منه أن يتحدث عن السياسة الاسرائيلية نحو لبنان و"حزب الله". لكنه اختار الحديث عن ايران وليس عن لبنان. ويقول أحد الموظفين الذين حضروا الاجتماع انه حاول اقناع ضيوفه الأميركيين بامكان اطاحة النظام الاسلامي في طهران، وقال: "في وسعنا فعلاً أن نطيح هذا النظام شريطة أن نبذل الجهد اللازم لذلك". وكانت جهود اسرائيل لدفع الولاياتالمتحدة الى انتهاج موقف من المواجهة مع ايران حققت بعض النجاح منذ حرب الخليج، اذ أصبح البلدان يعتبرانها أقوى خطر اقليمي على "استقرار" المنطقة، كما انهم يعتبران "الأصولية الاسلامية" العدو الاقليمي الأول - ليس للغرب وحده فحسب، بل لكل نظام عربي أيضاً. وعلى رغم انتهاج واشنطن استراتيجية أكثر تشددا حيال ايران، فإن الادارة الاميركية لم تحتضن السياسة الاسرائيلية حيال ايران بالطريقة التي فعلتها خلال الثمانينات، في فترة "ايران غيت". كذلك أخفق لوبراني في اجتماعه الأخير في الكونغرس في اقناع ضيوفه بوجهة نظره. إذ قال أحد المشتركين في الاجتماع: "لم يقدم لوبراني أي دليل على الاطلاق لدعم آرائه. والواقع ان حديثه كان نوعاً من أحلام اليقظة أكثر منه تحليلاً دقيقاً أو وافياً للوضع". وأضاف المسؤول الأميركي: "سألته، لماذا تعتقد بأن هذا الأمر ممكن؟ وما هي جماعات المعارضة الايرانية الجاهزة لذلك؟ لكنه لم يستطع دعم ما ذكره لنا. والحقيقة أننا فوجئنا بعرضه الهزيل". وخلافاً للزيارات السابقة التي قام بها لوبراني لواشنطن، كان هذه المرة ضمن الوفد الرسمي الذي رافق رئيس الوزراء شمعون بيريز في زيارته للعاصمة الاميركية الشهر الماضي. وهو مسؤول الآن عن "تنسيق السياسة الاسرائيلية حيال لبنان، ومن المتحمسين لتمديد خط أنابيب النفط الاسرائيلي بين إيلات وعسقلان. وظل في الأشهر الأخيرة على اتصال وثيق باللوبي الاسرائيلي في واشنطن اللجنة الاميركية الاسرائيلية للشؤون العامة - أيباك من أجل صوغ القوانين التي تفرض عقوبات على الجهات التي تستثمر الأموال في ايران. وهو أيضاً معروف بخبرته في الشؤون الايرانية منذ أن شغل منصب رئيس الاستخبارات الاسرائيلية موساد في السنوات الاخيرة من حكم الشاه. وكان بين أول الذين حذروا المسؤولين من أن نظام الشاه في طريقه الى الزوال. بيريز أيضاً وعلّق أحد مراقبي شؤون الشرق الأوسط في مجلس الشيوخ على اشتمال الوفد الاسرائيلي الأخير على لوبراني بقوله: "إن في هذا دليلاً الى أولويات بيريز". والواقع أن الزعيم الاسرائيلي نفسه ركز في تصريحاته ومحادثاته الخاصة والعامة - أثناء تلك الزيارة - على ايران أيضاً. ففي الثاني عشر من كانون الأول ديسمبر الماضي قال في كلمته أمام الكونغرس: "ان امتلاك الأصولية الاسلامية قنبلة نووية هو كابوس العصر الذي نعيشه. ولهذا علينا أن نمنع حدوث ذلك أياً كان الثمن". ويستمتع بيريز، مثل سلفه، بالتركيز على خطر ايران. اذ أن اسحق رابين كان وصف نظام طهران بأنه "خمينية من دون خميني". وطرح بيريز، في الكلمة التي ألقاها أمام نادي الصحافة الوطني في واشنطن، منطقه الاستراتيجي الرامي الى تحقيق السلام بين اسرائيل والعالم العربي، فقال: "علينا ألا نألو جهداً لكي ننظم أنفسنا في مواجهة السحب الجديدة التي أخذت تسمم أجواء الشرق الأوسط الأصولية. ونحن نعرف أن ايران أصبحت مقرها الرئيسي، وهي تحاول امتلاك أسلحة غير تقليدية واستخدام الارهاب في جميع أنحاء المنطقة". وأضاف: "ان ايران هي أكبر خطر على العرب والاسرائيليين والسلام في الشرق الأوسط برمته وخارجه أيضاً. فهي تلجأ الى الخداع والكذب، كما أنها تدير حملة مجرمة في المنطقة. والايرانيون هم الذين يمولون ويدربون ويقودون حركة حماس ومنظمة الجهاد... فضلاً عن ذلك لا تزال ايران تسعى الى امتلاك الخيار النووي. وأنا أقول لكم ان الجمع بين رياح الشر والأسلحة غير التقليدية يشكل أعظم خطر علينا جميعاً". بين اسرائيل وروسيا لكن بيريز أقل اقداما من سلفه في محاولة تنفيذ أي استراتيجيات أو مبادرات بمعزل عن واشنطن مثلما فعل رابين في شأن مبيعات الصواريخ الكورية الشمالية والمفاعلات النووية الروسية لايران. اذ يظهر انه على استعداد لطرح مبادرات مستقلة عن الديبلوماسية الاميركية - مثل وضع أساس واسع للمصالح الاسرائيلية - الروسية المشتركة في المجالات التجارية والاستراتيجية - موجهة ضد ايران لكنها لا تقتصر عليها وحدها. وخلال زيارة وزير الدفاع الروسي بافيل غراتشوف لاسرائيل في الشهر الماضي برزت بواعث القلق الاسرائيلية من ايران. اذ كتب المحلل العسكري الاسرائيلي المعروف زائيف شيف: "يكفي أن نتصور ما الذي يمكن أن يحدث إذا قرر الروس بيع ايران أنظمة الأسلحة الحديثة مثل الطائرات البعيدة المدى اضافة الى المفاعلات النووية التي باعوها لها، لكي ندرك ونفهم الأهمية الحاسمة لفتح حوار أمني بين اسرائيل وثاني أهم قوة في العالم". وفي اطار هذا الحوار الاستراتيجي الذي بدأ بين الطرفين شرحت روسيا لاسرائيل بالتفصيل طبيعة مبيعات أسلحتها لايران، وهي صفقة تشتمل على الطائرات المقاتلة الحديثة، وصواريخ أرض - جو، وأرض - أرض المتقدمة. كذلك أشار وزير الخارجية الاسرائيلي ايهود باراك في خطاب أخير الى أن "لدى ايران خطة لصناعة قنبلة ذرية بحلول العام 2001". وهكذا يتضح أن بيريز عقد العزم على تنظيم تحالف أو ائتلاف شرق أوسطي تسانده واشنطن وموسكو والجمهوريات السوفياتية السابقة المجاورة لايران لمواجهة الجمهورية الاسلامية. لكن سورية تشكل عنصراً مركزياً وأساسياً في هذا الائتلاف الذي يتصوره بيريز. وهو يعتقد بأن الخطر الذي تمثله بمرتفعات الجولان أو من دونها أقل كثيراً من خطر ايران التي تملك صواريخ وأسلحة نووية. ويرى أن المنطقة انتقلت فعلاً الى مرحلة الحرب بالصواريخ والأسلحة غير التقليدية. وأعلن بيريز أن مرتفعات الجولان لم يعد لها أي قيمة استراتيجية اطلاقاً، في ضوء تمسك سورية بمسيرة السلام.