لا تستطيع ان تجد اسرائيلياً واحداً، سواء كان مسؤولاً سياسياً او عسكرياً او خبيراً او محللاً مطلعاً، "يجرؤ" على التحدث اليك علناً او بشكل مفصل عن قوة اسرائيل ومنشآتها النووية. فهذا الموضوع هو "الاخطر" على صعيد الامن القومي الاسرائيلي، وهو "سر الاسرار". الاسرائيلي الوحيد الذي "تجرأ" على ذلك هو موردخاي فعنونو الذي كشف لصحيفة "الصنداي تايمس" البريطانية عام 1986 معلومات واسراراً لم تنشر من قبل عن قوة اسرائيل النووية، خصوصاً عن مفاعل ديمونة النووي في صحراء النقب، وزود الصحيفة بصور وخرائط عن هذا المفاعل، فخطفه الاسرائيليون وحكموا عليه بالسجن المؤبد. وهو لا يزال معتقلاً على رغم كل الحملات والضغوط التي مورست على السلطات الاسرائيلية للافراج عنه. لا أحد في اسرائيل يرىد التحدث علناً عما يسمونه "سر الاسرار". وهذا ما لمسته خلال زيارتي الاخيرة للدولة اليهودية. ولم يتيسر لي، بالطبع، زيارة منشآت مفاعل ديمونة لان ذلك "ممنوع بتاتاً". ومع ذلك تمكنت، من خلال اتصالات اجريتها في اسرائيل، وكذلك في لندن وواشنطن مع مسؤولين وخبراء اميركيين وبريطانيين معنيين بهذه القضية، من الحصول على معلومات مثيرة للاهتمام عن قوة اسرائيل النووية. والواقع ان اسرائيل هي الدولة النووية الوحيدة في الشرق الاوسط. وهي اقوى دول الشرق الاوسط عسكرياً. فهي مجتمع حربي بغطاء مدني. ومع ذلك يشكو المسؤولون الاسرائيليون باستمرار من اخطار وتهديدات تواجه "أمنهم القومي". وترافق هذه الشكاوى طلبات للحصول على مساعدات عسكرية وعلى انواع متقدمة من الاسلحة والمعدات الحربية، من الولاياتالمتحدة ودول اخرى. وتحتفظ اسرائيل بقوة نووية حقيقية، لا تقبل اطلاع اية دولة في العالم عليها، كما ترفض السماح لاية منظمة او جهة دولية بپ"التفتيش" على المنشآت النووية. ومع ذلك تدعي انها تريد تحقيق السلام مع العرب. فهل هذا يعني ان اسرائيل مستعدة للتخلي عن سلاحها النووي، اذا ما تم التوصل الى سلام مع الدول العربية المجاورة لها ومع الفلسطينيين؟ أهمية الجولان هذا ليس هو السؤال الوحيد الذي يثيره واقع امتلاك اسرائيل القوة النووية. فطالما ان اسرائيل تملك قوة حربية هائلة، فلماذا تتمسك بالاراضي العربية المحتلة عام 1967 "لاسباب امنية"؟ ولماذا تريد اسرائيل "مستوطنات امنية" في غور الاردن؟ هل الهدف منها منع اي غزو من الاردن؟ وهل مثل هذا الخطر وارد؟ واذا لم تعد سورية تمثل خطراً امنياً فعلياً على اسرائيل فلماذا هذه الاهمية التي توليها اسرائيل لمسألة سرعة الانسحاب من الجولان ومدى هذا الانسحاب؟ ولماذا يمكن ان تشكل دولة فلسطينية ضعيفة التسليح اي خطر على الدولة اليهودية؟ واذا ما حصلت فلسطين على الاستقلال فما هي اخطار الهجمات الفدائية والصاروخية من لبنان عندئذ؟ وهل يظل هناك اي مبرر لوجود حزام امني وجيش من المتعاملين مع اسرائيل في جنوبلبنان؟ طرحنا هذه الاسئلة وسواها على زئيف شيف، ابرز محلل عسكري في اسرائيل وأحد أكثر الصحافيين الاسرائيليين اطلاعاً على شؤون بلده العسكرية. ولشيف، الذي يعمل في صحيفة "هآرتس"، علاقات واسعة مع كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين الاسرائيليين. ولم نبدأ الحوار مع شيف بالتساؤل عن قوة اسرائيل النووية بل بطرح سؤال حول الجولان. لماذا تشكل إعادة مرتفعات الجولان الى سورية مشكلة سياسية او دفاعية لاسحق رابين في الوقت الذي تملك اسرائيل قدرات عسكرية كبيرة؟ - المستوطنات اليهودية في الجولان ليست دينية. والذين يقطنونها ليسوا متعصبين. لذلك فإن اخراجهم من تلك المستوطنات لن يؤدي الى سقوط الحكومة. وسيكون اسهل سياسياً من اخلاء بعض المستوطنات في الضفة الغربية. اسرائيل تدعي ان المستوطنات في الضفة الغربية موجودة في منطقة "متنازع عليها"، نظراً الى الناحية الدينية من جهة، والى كونها استولت على هذه المنطقة من الاردن، اي من الحكم الاردني وليس من الحكم الفلسطيني. ولهذا ربما كان هناك اصرار على وجود حزام امني بمحاذاة غور الاردن، اي خطة آلون القديمة. اما بالنسبة الى الليكود فهو يرفض بالطبع اية تنازلات جغرافية لان المسألة برمتها بالنسبة اليه قضية دينية. من الناحية العسكرية ألا تعتبر الجولان قضية لا قيمة لها من وجهة النظر الاسرائيلية؟ - عندما احتلت اسرائيل الجولان عام 1967 لم يكن هناك اي تصور اطلاقاً لامكان احلال السلام مع سورية. ولهذا كانت اسرائيل تعتبر الجولان بمثابة نقطة الانطلاق لأي غزو سوري محتمل، وايضاً بمثابة نقطة انطلاق لأي غزو اسرائيلي ممكن لسورية. وكان هناك اجماع اسرائيلي على وجوب الابقاء على الجولان. والسبب المباشر لذلك هو منع تعرض منطقة طبريا لاية هجمات. ولكن في الوسع الآن اطلاق الصواريخ فوق الجولان وفوق اية قوة اميركية عازلة مثلاً. والذي حدث ايضاً هو ان الحكومة حثت الناس على الانتقال من الكيبوتز الموجودة في اسرائيل الى الجولان وأغرتهم بعرض الاراضي الزراعية عليهم. وهكذا فإن مشكلة الجولان ليست مع الرأي العام الاسرائيلي، وانما هي مع البرلمان الاسرائيلي. اذن ما هو رأيك في الحل الممكن للمشكلة؟ - يجب ان تشمل صفقة الحل مع سورية تعريفاً واضحاً لطبيعة السلام. وان يشمل السلام حدوداً مفتوحة وتجارة بين الجانبين. اما الاعتراف الديبلوماسي فهو ليس ضرورة، لا سيما انه يمكن سحب مثل هذا الاعتراف في اي وقت. فالاميركيون مثلاً يقطعون علاقاتهم مع دولة او اخرى باستمرار. يضاف الى ذلك اننا بحاجة الى ضمان الامن على الارض. ولهذا يجب ان تكون الحدود منزوعة السلاح مع سورية. على الجانبين؟ - بالطبع. نعم. ويمكن تأليف فريق اسرائيلي - سوري مشترك للاشراف على ذلك، او لربما قامت الولاياتالمتحدة بدور الاشراف. الا تستطيع الولاياتالمتحدة القيام بكل شيء؟ ام هل يمكن ان تؤدي الاممالمتحدة المهمة بصورة افضل؟ - لا. يجب ان يقدم الاميركيون المساعدة فقط لا ان يحلوا محل الاسرائيليين. والاممالمتحدة؟ ربما في نهاية الامر. وماذا بالنسبة الى لبنان؟ - يجب ان يتم الاتفاق مع لبنان في الوقت نفسه. فاللبنانيون يتفاوضون من موقف ضعيف. وكان في وسعهم ان يصبحوا في موقف أقوى لو كانوا يحتجزون بعض الاسرى الاسرائيليين مثلما كان الحال مع سورية عام 1975. كما ان اسرائيل لا تريد وجود قوات سورية في جنوبلبنان. لماذا؟ اذا اغلقت سورية الحدود الاسرائيلية - اللبنانية بقوة عازلة فإنها ستحيّد حزب الله. - "الحزام الامني" مسألة تتعلق بالفدائيين اللبنانيينوالفلسطينيين وصواريخ الكاتيوشا، وهي نتيجة لغزونا لبنان الذي كان يفترض ان يجابه ذلك! والميزة، بالنسبة الى لبنان، هي انه ليست لدينا اية مطالب في اراضيه، اذ ان خطة "نهر الليطاني" اصبحت ميتة الآن. ولكنني لا اعتقد ان اسرائيل ستنسحب من جنوبلبنان الا اذا تم التوصل الى تسوية كاملة مع لبنان، والى نزع اسلحة حزب الله. ولكن في الامكان وضع ترتيبات تكتيكية مع الحكومة اللبنانية والقوى المسلحة تتضمن خفض الوجود الاسرائيلي. تدمير مفاعل ديمونة وهنا انتقل الحديث الى السلاح النووي فقلت لشيف: هل تعتقد ان السلام بين العرب واسرائيل سيؤدي الى نزع السلاح النووي في الشرق الاوسط؟ - حين يتحقق السلام يمكن الحديث عن نزع السلاح النووي. لكن ذلك يتطلب التحقق من ذلك والسماح لفرق التفتيش بالقيام بمهمتها. هل تقبل اسرائيل، في حال تحقق السلام، ان تقوم فرق تفتيش عربية بالتحقق من امكان امتلاك الدولة اليهودية اسلحة نووية؟ - كلا. لا اظن اننا على استعداد لقبول تفتيش عربي. هذا يعني ان الاسرائيليين يعتزمون الخداع والغش في ما يتعلق بقدراتهم النووية. يجب على الاقل ان يقبل المسؤولون الاسرائيليون فكرة تأليف فرق تفتيش مشتركة عربية - اسرائيلية للتأكد من نزع السلاح النووي في اسرائيل. - هذا أمر من الصعب علي ان اخوض فيه نظراً الى القوانين الاسرائيلية. عام 1973 خلال حرب اكتوبر احتجتم الى يومين لاعداد صواريخ "أريحا" ارض - ارض نووياً اي لتزويدها برؤوس نووية. وهذا أمر اكده لي مسؤولون اميركيون معنيون مباشرة بهذه المسألة. هل لدى اسرائيل الآن قواعد لاطلاق صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية؟ - لا استطيع ان اقول شيئاً عن هذا الموضوع. وانا لا اقول حتى اني اعرف عنه شيئاً. لكن اذا كان لدى الاسرائيليين قواعد لاطلاق صواريخ ارض - ارض قادرة على حمل رؤوس نووية فإنه يمكن للاقمار الصناعية الاميركية او الاوروبية او سواها ان ترصدها وتكتشفها؟ - ليس بالضرورة. اذ يمكن اخفاء مثل هذه القواعد، كما ان منصات الصواريخ هذه يمكن ان تكون متحركة. أليست افضل وسيلة لجعل الشرق الاوسط منطقة خالية من الاسلحة النووية هي تدمير منشآت مفاعل ديمونة النووي؟ - هل لديك اسئلة اخرى غير هذا السؤال؟ وانتهى الحوار مع شيف. والامر الخطير الذي كشفه لنا هذا الخبير الاسرائيلي البارز هو ان اسرائيل يمكن ان تملك قواعد او منصات لاطلاق صواريخ ارض - ارض قادرة على حمل رؤوس او قنابل نووية. والواقع ان ما هو معروف عن الترسانة النووية الاسرائيلية مصدره المخابرات البشرية البحتة، بما في ذلك الملحقون العسكريون في السفارات المختلفة في اسرائيل الذين يقودون سياراتهم وهم يحملون الكاميرات. قال لي ملحق عسكري في تل ابيب: "في وسعك ان تجد دائماً قاعدة عسكرية اسرائيلية "سرية". فما عليك الا ان تنظر الى الحيز الفارغ على الخريطة. وعندما تصل الى هناك ابحث عن حواجز الاسلاك الشائكة وبعض الاشواك او الاشجار الشوكية". وهناك ايضاً مراقبة الاقمار الصناعية. ونظرا الى ان اتفاقية الجولان التي توصل اليها هنري كيسنجر عام 1974 تحظر نصب اية صواريخ ارض - جو على الجانبين فإن الطائرات العسكرية الاميركية تحلق علانية فوق الجولان وتلتقط صوراً تزود بها الحكومتين السورية والاسرائيلية. 300 رأس نووي وقد أكدت مصادر دفاعية بريطانية وثيقة الاطلاع في لندن لپ"الوسط" ان اسرائيل تملك حالياً 300 "رأس حربي نووي"، اضافة الى كمية غير محددة من القنابل النووية. ويمكن لصواريخ "اريحا" ان تحمل رؤوساً نووية او كيماوية. ويتراوح مدى هذه الصواريخ بين 500 كلم و1500 كلم. اما النسخة الاخرى من "أريحا" التي يمكن اطلاقها من الجو فربما كانت مزودة بأجهزة ارشاد لضمان الدقة. ولكن خبراء المخابرات في لندن لا يعتقدون ان لدى اسرائيل صواريخ كروز فعلية وتتميز كروز بقدرتها على التحليق على ارتفاع منخفض تحت مستوى التقاط الرادار لها وعبر التضاريس الوعرة. وهكذا فهي ترتفع او تنخفض اثناء طيرانها لملاءمة التضاريس التي تمر فيها. ونظراً الى ان الاقمار الصناعية يمكنها ان تكشف عن وجود صوامع اطلاق الاسلحة النووية الثابتة فان الافتراض العام هو ان قدرات اسرائيل الرئيسية على اطلاق الرؤوس الحربية النووية والكيماوية متحركة وتحملها هياكل دبابات سنتوريون البريطانية الصنع. ولما كان المجال الجوي الاسرائيلي يتمتع بحماية شبه كاملة فإنه سيكون من الصعب مهاجمة منصات الاطلاق المتحركة. الا ان الصواريخ يمكنها ان تهاجم القواعد الجوية وغيرها من القواعد كما يمكنها قصف منشآت مفاعل ديمونة النووي. ووفقاًَ لما ذكرته مصادر عسكرية اميركية وثيقة الاطلاع لپ"الوسط" فإن اسرائيل تحسب حساباً لامكان حدوث هجوم صاروخي عربي على قواعدها ومنشآتها. او هذا ما قاله، على الاقل، المسؤولون الاسرائيليون للمسؤولين العسكريين الاميركيين. وعلى هذا الاساس طلبت اسرائيل الحصول على شبكات رادار "ريثون بيف يوز" من الولاياتالمتحدة لتصبح "بمثابة نظام" لتصويب صواريخ آرو السهم الاسرائيلية المضادة للصواريخ. وتأمل اسرائيل في زيادة دقة صاروخ آرو ضد الصواريخ المهاجمة عقب التجارب التي اجرتها عليه الشهر الماضي. وقد طورت اسرائيل صاروخ "أريحا - 1" ارض - ارض القادر على حمل رأس حربي نووي واحد في الستينات بمساعدة تكنولوجية من شركة داسّو الفرنسية التي اسسها مارسيل بلوخ - وهو يهودي غيّر اسمه الى مارسيل داسو. وكان مدى "أريحا - 1" حوالي 500 كلم وهو يستند على داسو م د - 600. وبعد عقد من الزمن طورت اسرائيل صاروخ "أريحا - 2" الذي يصل مداه الى 1500 كلم. وصاروخ "أريحا - 2" ارض - ارض له مرحلتان من الاندفاع الذاتي. اما الرأس النووي الذي يحمله فيقدر بحوالي طن متري، اي ضعف ما يحمله أريحا - 1. ومن الواضح ان صاروخاً برأس نووي وزنه الف كيلوغرام سيكون اكثر فعالية الى درجة كبيرة من القنابل النووية التي استخدمتها الولاياتالمتحدة ضد هيروشيما وناغازاكي عام 1945. والواقع ان نشر صواريخ "أريحا - 2" اكثر من مئة منها على منصات سنتوريون المتحركة لم يبدأ الا في عام 1990، اي بعد التجربتين اللتين اجرتهما اسرائيل على اطلاق الصاروخ عامي 1986 و1987، تبعاً لما ذكرته المصادر البريطانية لپ"الوسط". وقد طورت اسرائيل "أريحا - 2" بالتعاون مع جنوب افريقيا، ففي حزيران يونيو 1989 اطلقت صاروخ أريحا - 2 او سلاحاً مشابهاً جداً له من موقع الى الشمال قليلاً من مدينة كيب تاون الى المحيط الاطلسي. وقالت مصادر المخابرات الغربية المطلعة ان منصات اطلاق سنتوريون لها مرتكز يحمل أربعة صواريخ. الا ان قسم أنظمة الصواريخ في شركة الصناعات العسكرية الاسرائيلية يطور الآن منصة اطلاق تستند على الدبابة الفرنسية أيه إم إكس - 13، تستطيع اطلاق 13 صاروخاً، كما يطور نسخة معدلة من تلك المنصة يمكنها اطلاق 18 صاروخاً قصير المدى. صواريخ سورية قال مدير وكالة المخابرات الاميركية المتقاعد وليام ويبستر لپ"الوسط" قبل فترة قصيرة ان خمسة عشر بلداً على الاقل في العالم الثالث يمكن ان يصبح لديها صواريخ عابرة للقارات بحلول نهاية القرن. فلو كان الاتحاد السوفياتي هاجم الولاياتالمتحدة مثلاً او حدث العكس فان كلا من الدولتين سيكون أمامهما فترة تحذير تبلغ حوالي ثلاثين دقيقة. لكن الصواريخ التي تطلق لمسافات قصيرة لا تعطي فرصة كبيرة للاجراءات الدفاعية. ويعتقد معظم الخبراء العسكريين الغربيين بفعالية "الردع المتبادل"، ويشيرون الى ان هذا الردع في عهد الحرب الباردة انقذ العالم من امكان نشوب حرب بين الدولتين العظميين طوال نصف قرن. وتبعاً لوكالة المخابرات المركزية الاميركية، فهناك عشر دول في الشرق الاوسط لديها الآن انظمة لاطلاق الصواريخ المتوسطة المدى بينها اسرائيل وايران وسورية ومصر وليبيا وربما العراق. اما الصواريخ التي يزيد مداها على 900 كلم فهي موجودة في ثلاث دول في الشرق الاوسط وآسيا، كما تقول الوكالة، وهي اسرائيل والهند وربما العراق. كذلك تبحث ايران منذ فترة عن هذه الصواريخ وتحاول الحصول عليها من الصين وكوريا الشمالية. وكان احد وزراء حكومة اسحق شامير قال علانية ان اسرائيل لديها "ليس مجرد القوة الرادعة لاسقاط الصواريخ الموجودة لدى سورية والعراق بل والقدرة ايضاً على مهاجمة المناطق المأهولة فيها الى درجة تفوق قدرة تلك الدول مرات عدة". والصواريخ المتوسطة المدى 200 - 900 كلم موجودة في الدول الثلاث الواردة اعلاه اضافة الى ايران ومصر وليبيا وباكستان وربما افغانستان. وجميع هذه الدول لديها صواريخ قصيرة المدى اقل من 200 كلم، اضافة الى الجزائر. وتقول مصادر المخابرات الاميركية ان اسرائيل والهند هما الدولتان الوحيدتان بين دول العالم الثالث اللتان تملكان اسلحة نووية. اما مخزون الاسلحة الكيماوية فهو موجود في اسرائيل ومصر وايران وسورية وليبيا والعراق. وقال مارتن نيفز من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن لپ"الوسط" ان اكثرية هذه الصواريخ تمثل قوة رادعة في رأي الدول التي تملكها. وينسب نيفز الى الرئيس الايراني هاشمي رفسنجاني قوله ان السياسة الايرانية تهدف الى ضمان "القضاء على اية فكرة لدى جيراننا بمهاجمتنا بالصواريخ". وقد حصلت تلك الدول على معظم هذه الصواريخ من مصادر اجنبية، باستثناء اسرائيل التي تستطيع تزويد نفسها بالعناصر الاساسية للاسلحة النووية. اما الدول التي زودت تلك التكنولوجيا فهي المانياوالصين والجمهوريات السوفياتية السابقة وايطاليا واليابان وبريطانيا والولاياتالمتحدة وفرنسا وكندا. وقد استطاعت اسرائيل، بفضل تفوقها التكنولوجي، ان تصبح مورداً للتكنولوجيا النووية لدول مثل جنوب افريقيا وتايوان. وهناك تقارير غير مؤكدة تفيد ان اسرائيل قدمت مساعدة مماثلة للصين. وقد اكدت مصادر عسكرية اميركية وثيقة الاطلاع لپ"الوسط" ان اسرائيل لديها نظام ارشاد وتوجيه لصاروخ "أريحا" وان محاولاتها شراء "سوبر كومبيوتر" من الولاياتالمتحدة هي من اجل تحسين هذا النظام. ونظام الارشاد والتوجيه هذا يجعل الصواريخ تصيب اهدافها بدقة اكبر. ويتساءل نيفز: ما هو امكان تعرض اسرائيل للهجوم؟ ويجيب: "في الوضع السوري - الاسرائيلي فقط، يمكن للصواريخ ان تغطي الاهداف التي لا بد من تحييدها في المراحل الاولى من الصراع. فإذا شنت سورية هجوماً مفاجئاً على المواقع الاسرائيلية في مرتفعات الجولان، ينبغي عليها في هذه الحال ان تدمر بسرعة المواقع الاسرائيلية الدفاعية وان تعيق عملية التعبئة الاسرائيلية. ويشير بعض التقديرات الى ان سورية لديها 24 منصة لاطلاق صواريخ فروغ، و18 منصة لاطلاق سكود و18 منصة اخرى لاطلاق صواريخ اس اس 21. واذا كانت كل منصة اس اس 21 مزودة بستة صواريخ فإن في وسع سورية ان تطلق ما بين 36 و54 طناً من القوة التدميرية على الاهداف الاسرائيلية. اما بستة صواريخ لكل منصة سكود فإن في وسع سورية ان تطلق 100 طن من القوة التدميرية ولكن بدقة اقل نوعاً ما. واذا توافر دعم من مئتي طائرة هجومية في الخط الامامي بما في ذلك طائرات ميغ 23 وميغ 29 وسوخي 24 فإن في وسع سورية ان تطلق 800 طن اخرى خلال الطلعة الاولى. واذا ما اخذنا في اعتبارنا حجم الجيش الاسرائيلي النظامي في الشمال وهو فرقتان فإن مدى الاهداف الاسرائيلية هناك غير واسع. ولذا فإن جميع الاهداف تقع في نطاق ومدى الانظمة السورية. وهكذا فإن اي مخطط عسكري سوري يمكنه ان يخلص الى نتيجة وهي انه يمكن مهاجمة غالبية المنشآت والمرافق الاسرائيلية واصابتها ببعض القوة التدميرية على الاقل في اي هجوم اولي مباغت". ويخلص نيفز الى القول ان انظمة الصواريخ العربية هي للردع لا للهجوم. ويضيف القول: "بينما تربط الدول العربية بما فيها سورية، علانية، بين امتلاك القدرات الكيماوية وبين الترسانة النووية الاسرائيلية، فان الدور الرئيسي للاسلحة الكيماوية يمكن ان يتمثل في ضمان الردع في حالة نشوب صراع مع اسرائيل. فالصواريخ المسلحة كيماوياً يمكن ان توازن التفوق الجوي والارضي الاسرائيلي. ولهذا فمن المؤكد ان القوات الاسرائيلية ستأخذ في حسبانها، وبعناية شديدة، المجازفات التي ينطوي عليها تصعيد الحرب من خلال القصف الاستراتيجي". ويختم بالقول: "اذا ما شنت سورية هجوماً بالصواريخ المزودة بالرؤوس الحربية الكيماوية على المدن الاسرائيلية فإن اسرائيل ترد بالمثل. واذا ما اخذنا في اعتبارنا تفوق اسرائيل الجوي فإن من غير المحتمل ان تستخدم صواريخ اريحا لحمل المواد التدميرية ضد الاهداف المدنية السورية. فكما حدث في حرب عام 1973 من المرجح ان تعتمد اسرائيل على سلاحها الجوي للقيام بمثل هذه المهمة. ولكن من ناحية اخرى، اذا ما دخل العراق في اي وقت المعمعة وهاجم اسرائيل بالصواريخ، فإن الرد الاسرائيلي يمكن ان يشتمل على مهاجمة العراق بالصواريخ لان هذا يصبح ضرورة نظراً الى المصاعب التي ستواجه الطيران الاسرائيلي في مثل هذه الحالة، ونظراً الى التعقيدات التي ترافق الغارات الجوية البعيدة المدى اثناء الحرب الشاملة". قوة اسرائيل الحربية، خصوصاً النووية منها، تجعل السلامپمع الدولة اليهودية لا قيمة فعلية له ما لم يتم تجريد اسرائيل من اسلحة الدمار الشامل. وما لم يتم، خصوصاً، التأكد من ذلك والحصول على ضمانات دولية فعلية وفرض رقابة منتظمة على المنشآت الحربية والنووية الاسرائيلية. وهذا هو الجانب الاخطر، والاكثر اهمية، في مفاوضات السلام العربية - الاسرائيلية. واذا لم يتم تجريد اسرائيل من اسلحة الدمار الشامل، في اطار اتفاق سلام مع العرب والفلسطينيين، او وضع قيود مشددة على هذه الاسلحة، فإن الدولة اليهودية ستفرض، حينذاك، على الدول العربية المجاورة لها، ما يسميه سفير اوروبي بارز معتمد في تل ابيب: "السلام النووي". ووفقاً لما قاله هذا السفير الاوروبي لپ"الوسط": "ان المسؤولين الاسرائيليين يرغبون، بل يسعون، الى فرض السلام النووي على الدول العربية المجاورة وعلى الفلسطينيين. والتحدي الكبير الذي يواجه العرب هو التمكن من تأمين قوة ضغط دولية كافية لربط اية اتفاقات سلام مع الدولة اليهودية بتجريد هذه الدولة من انيابها التدميرية وخصوصاً النووية منها. * * * هذه هي حصيلة التحقيق الذي اجراه راسل وارن هاوي حول قوة اسرائيل النووية وعلاقتها بمفاوضات السلام. ومع هذا التحقيق ننشر الصور الملونة الوحيدة في العالم لمفاعل ديمونة النووي، من الخارج ومن الداخل. وهذه الصور هي ملك صحيفة "الصنداي تايمس" البريطانية الاسبوعية. وقد حصلت "الوسط" على حقوق نشرها من الصحيفة البريطانية.