التوائم السيامية من الحالات الطبية النادرة التي تحصل مرة واحدة بين كل 50 الى 100 الف ولادة، يموت منها 75 في المئة، 40 في المئة منها تولد ميتة و35 في المئة لا تعيش اكثر من يوم واحد. اما البقية فإنها تكون ملتصقة ببعضها من اعلى الصدر حتى الحوض، وهذا ما يؤدي الى تقاسم التوائم لعضو او اكثر من اعضاء الجسم الداخلية الاساسية. والتوائم السيامية هي غالباً توائم متناظرة تفشل في الانشطار عن بعضها البعض كلياً في المرحلة التي تكون فيها البويضة المخصبة جاهزة للانشطار الى قسمين لينمو كل منها مستقلاً ويصبحا جنينين منفصلين. ونظراً لكونها متشابهة Identical فانها تكون غالباً من جنس واحد، ذكراً او انثى، تتشابه في عديد من المواصفات وبالذات لون الشعر والعينين. ولكن هنالك حالات نادرة جداً يختلف فيها جنس التوأم السيامي. يبدأ تكوين التوائم السيامية عادة عندما تتأخر البويضة المخصبة في الانقسام او الانشطار مدة تتجاوز الاسبوعين فتفشل عملية الانشطار الكلي وينمو الشطران الملتصقان ليصبحا جنينين متلاصقين. وتعود تسمية هذه الظاهرة الطبية الى اول حالة ولادة من نوعها تم تسجيلها في المراجع الطبية الرسمية عام 1811 للتوأم الشهير تشانغ وأنغ بونكر وهما من اصل سيامي او تايلندي اكتشفهما تاجر اسكتلندي يدعى روبرت هانتر عام 1823 وهما يسبحان بالقرب من ساحل بانكوك. ثم نقلهما الى الولاياتالمتحدة الاميركية كظاهرة عجيبة جلبت له ولهما ثروة لا بأس بها. وقد استمرت حالة التصاقهما هذه قرابة 63 سنة تزوجا خلالها من شقيقتين اميركيتين تدعيان سارة واديلايد بيتز وانجبا 22 طفلاً. والطريف ان التوأم كان يتنقل بين منزلي الزوجتين بين الحين والآخر لتأدية واجباتهما الزوجية وبحلول عام 1874 توفي التوأم بفارق 3 ساعات عن بعضهما عن عمر يناهز 63 عاماً. التوأم السيامي العربي في بريطانيا من أشهر التوائم السيامية في المملكة المتحدة وايرلندا وربما اوروبا والعالم، التوأم العربي السوداني حسن وحسين صالح، اللذان ولدا عام 1986 في السودان وتم نقلهما بصحبة عائلتهما وفريق طبي بريطاني كان يزور البلاد الى لندن لاجراء عملية جراحية معقدة لفصلهما عن بعضهما، بعد ان تبرع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بتغطية نفقات كافة العمليات الجراحية اللازمة ومعيشة التوأم مدى الحياة. وكان البروفسور لويس سبيتز استاذ جراحة الاطفال في مستشفى غريت اورموند ستريت في لندن وأحد كبار الجراحين في جنوب افريقيا والعالم اجرى لهما عملية الفصل عام 1987 مع فريق طبي ضم 24 طبيباً وممرضة وفنياً، بعدما كان التوأم متصلاً من الصدر حتى الحوض. وتشارك التوأم بكبد واحدة ومصران غليظ، بينما تمتع كل منهما بساق واحدة ويدين وقلب وكلى منفصلة. واستغرقت العملية المعقدة 15 ساعة من الجراحة الدقيقة لفك ارتباط بعض الاعضاء الاساسية داخل جسديهما. ومنذ ذلك الوقت تعرض كل منهم لأكثر من 5 عمليات جراحية اضافية مع احتمال تعرضهما لعمليات اخرى مستقبلاً. وسوف يحتاج التوأم لتغيير الساقين الاصطناعيتين باستمرار لتلائم نمو الساقين الأخريين وتتماشى معهما. وتكاد لا تمر مناسبة او لقاء مع والدي التوأم محمد وفايزة الا ويكيلان فيها المديح والشكر والامتنان لمكرمة العاهل السعودي وسخائه الذي لا يمكن نسيانه فقد اتاحت هذه المكرمة لهم ولاولادهم فرصة العيش الكريم على رغم المصاعب النفسية والاجتماعية الاخرى التي لا ما زالا يواجهانها بشجاعة وعزم وارادة صلبة جعلتهم سفراء نموذجيين لكل العائلات الاوروبية التي تواجه صعوبات تلك الظاهرة النادرة. وتأكيداً على الدور الهام للتوأم العربي، واعترافاً بفاعليته قدمت زوجة رئيس الوزراء البريطاني جون ميجور جائزة الشجاعة للتوأم حسن وحسين عام 1992. وما زال البروفسور سبيتز وفريقه وغيرهم من الجراحين يتابعون باهتمام تطور نمو التوأم في عامه التاسع ويستعينون بوالديهما محمد وفايزة لتثقيف عائلات التوائم السيامية واطلاعها على السبل الناجعة لتربية اطفالها وتشجيعها على مواجهة المصاعب المحتملة التي قد تعترض طريقها. وكان البروفسور لويس سبيتز اجرى عمليات جراحية عدة لفصل 11 توأماً خلال العشرين السنة الماضية، نجح 9 اطفال فقط من اصل 22 منهم في تجاوز اخطار العملية ومن بينهم حسن وحسين. وفي العام 1993 تمكن البروفسور ادوارد كايلي، استشاري الجراحة في مستشفى غريت اورموند ستريت في لندن وفريقه الطبي المكوّن من 22 عضواً بينهم 7 جراحين و4 اطباء تخدير و8 ممرضات من فصل توأمين سياميين ذكرين ملتصقين من اعلى الصدر الى اسفل الحوض، يتقاسمان الكبد والمصران والاعضاء التناسلية، ويملك كل منهما قلباً وذراعين وساقاً واحدة فقط.. وأسفرت العملية عن تقاسم الكبد والمصران بالتساوي بينهما مع اعطاء احدهما الاعضاء التناسلية الذكرية بحيث ينمو طفلاً متكامل الذكورة، بينما ينمو التوآم الآخر كأنثى بعد تركيب اعضاء تناسلية انثوية اصطناعية له. وهذا بالطبع لن يلغي حقيقة ان كلاهم ذكر وان هنالك صعوبات كبيرة ستواجه التوجه التوأم الانثى الى حين تغير طبيعته كلياً مع مرور الزمن. حضر العملية الدكتور ماريو كاناني اخصائي الاطفال المسؤول عن نقل التوأمين السياميين من مستشفى سانتوبونو في نابولي في ايطاليا الى مستشفى غريت اورموند ستريت في لندن، وشارك والديهما الفرحة الكبيرة بنجاح هذه العملية الجراحية الماراثونية التي استغرقت 16 ساعة. وقد عبّر البروفسور كايلي عن تفاؤله بأن تكون فرصة نجاح التوأمين في البقاء تتعدى 60 في المئة، خصوصاً وان اوضاعهما الصحية كانت مستقرة وقابلة للمزيد من التحسن مع مرور الوقت. تجدر الاشارة الى ان مساحة الالتصاق بينهما كانت اكبر من اي حالة اخرى سبق فصلها، وكان احتمال وفاة احدهما وارداً بنسبة 40 في المئة. وبالفعل توفي احدهما نتيجة صعوبة في التنفس عام 1994. ومساء الخميس 14 ايلول سبتمبر الجاري انجبت البريطانية ميلاني استبوري 25 سنة توأماً سيامياً مؤنثاً بعد عملية جراحية قيصرية ناجحة اشرف عليها فريق طبي من مستشفى سانت ماري في مدينة مانشستر البريطانية. وقد ولد التوأم بصحة جيدة وبلغ وزنهما قرابة 6 كلغ. وتنفس الفريق الطبي ووالدا التوأم الصعداء وغمرتهم الفرحة لأن حالة الالتصاق او الالتحام بينهما كانت من النوع الذي يسمح بفصلهما في عملية جراحية لاحقة خلال 12 شهراً من دون الحاجة لاجراء جراحة عاجلة لانقاذ اي منهما. اذ يتمتع كل منها بساقين وذراعين وقلب ورئتين وكلى وحبل شوكي مستقل، ولا يتشاركان الا بالكبد وجزء من المصران. وهذا ما اضطر الاطباء للقيام بعملية سريعة لفك ارتباط المصران بينهما قبل عملية الفصل النهائي لاحقاً. ويتوقع الدكتور آلان ديكسون استشاري جراحة الاطفال الذي اشرف على الولادة ان تتم عملية فصلهما بنجاح لأن كلاً منهما يتمتع بجهاز قلب وأوعية دموية وجهاز تنفس مستقلين. ونظراً لأن تقسيم الكبد في ما بينهما يتيح امكانية نمو كبد منفصل لكل منهما فإنه من المحتمل ان يتابع التوأم حياتهما بصورة طبيعية مستقلة في المستقبل. ولاحظ الدكتور ديكسون ان التوأم المؤنث كلوي ونيكول تتصرفان باستقلالية رغم التصاقهما وتحاولان استكشاف بعضهما باللمس واللكم والعراك البريء. وتعتبر هذه الولادة الاولى من نوعها في بريطانيا منذ 9 سنوات وسيقوم الفريق الطبي بتحديد نقطة الالتحام الداخلية وماهية التصاق القفص الصدري عندهما. اذ اظهرت الفحوصات الجسدية التي أُجريت بعد الولادة، وصور التموجات فوق الصوتية قبل الولادة انهما ملتصقتان من عظمة الثدي حتى السرّة. وسوف يتابع الدكتور مايكل ماريشي استشاري الولادة الذي قام بعملية التوليد والجراح ديكسون فحوصاتهما للتأكد من عدم اشتراك التوأمين بأعضاء جسدية لم يسبق كشفها بوسائل التشخيص العادية. فقد سبق لعدد كبير من التوائم السيامية ان توفوا بعد ايام من الولادة نتيجة اشتراكهم بأعضاء داخلية حساسة. ويتوقع الاطباء ان تتم عملية فصل التوأم نيكول وكلوي خلال الاشهر المقبلة من دون تعقيدات اذا كان الكبد هو العضو الوحيد المشترك بينهما. فقد يلجأ الاطباء الى تفريغ الكبد من الدم قبل تقسيمه وذلك بالاستعانة بموجات السونار فوق الصوتية لتحديد الأوعية الدموية ومن ثم سدّها بصمغ طبي. ويمكن تغطية الجروح الناتجة عن عملية تقسيم الكبد بوضع ممددات للأنسجة تحت الجلد. ويؤكد الدكتور كبيروسي نيكولايديسي، رئيس قسم الطب الجنيني في مستشفى كينغز كولدج في لندن على اهمية الدور الذي تلعبه صور التموجات فوق الصوتية قبل الولادة في تقدير وقت ولادة التوأم وحجمه ومدى الإعاقة التي يمكن ان يعاني منها. هذا اضافة الى المساعدة التي توفرها للاطباء والجراحين خلال تنفيذ عمليات فصل التوائم السيامية وحماية اعضائها المتلاصقة من الضرر والاذى. ان ولادة التوائم السيامية لم تعد امراً مستحيلاً او مستعصياً. فالعمليات الجراحية المتطورة وطبيعة الالتصاق بين التوائم وخبرة الجراحين ودرايتهم، يوفران للأهل المعرضين لمثل تلك الحالات النادرة فرصة ذهبية للاحتفاظ بفلذات اكبادهم ولو بنسب متفاوتة.