اصيبت الكرة المصرية في مقتل ومن المؤكد انها تحتاج الى وقت غير قصير حتى تستعيد التوازن الذي فقدته بعد خروج المنتخب الاولمبي منتخب الامل من تفصيات دورة اتلانتا. كانت الطموحات كبيرة ليس في الوصول الى نهائيات الدورة الاولمبية ولكن في الفوز بإحدى ميدالياتها. ولتحقيق الامل وبلوغ الطموح لم يتردد اتحاد الكرة المصري، بدعم كامل من المجلس الاعلى للشباب والرياضة، في دفع 25 ألف دولار شهريا للمدرب الهولندي الشاب رود كرول لكي يقود المسيرة نحو عهد جديد. وفر المصريون كل الامكانات للمنتخب الاولمبي ولم يدخر المسؤولون جهدا او مالا لرفع مستوى اللاعبين فكان الصرف بالملايين واللعب والاحتكاك مع منتخبات من مختلف الدول بداية باليابان ومروراً بأوروبا وانتهاء بأميركا. ولكن كل شيء ضاع لأن الطرف الثاني في الدور قبل النهائي للتصفيات الافريقية لدورة اتلانتا كان امام لاعبي نيجيريا الذين بهروا العالم في السنوات الخمس الاخيرة. وعلى رغم قناعة المصريين بأنه ليس في الامكان افضل مما كان، وان الخروج من الدورة الاولمبية امام النيجيريين منطقي الا ان هناك من يشعر بالألم والمرارة لأن خيبة الامل جاءت من فريق الأمل! وقد تضاربت الاتجاهات والاراء حول رود كرول الذي تولى مهمة المنتخب المصري منذ حوالي العام، البعض يرى انه ادى ما عليه، وانه صنع فريقا يمكن ان يكون هو المنتخب الاول بعد اقل من عامين، لاسيما وانه يجمع بين صفوفه نخبة ممتازة من اللاعبين الذين ربما يزيدون في مستواهم على كثيرين في المنتخب الاول. والبعض يرى انه عمل كل ما في جهده في مرحلة انتهت والمفروض ان يعاد النظر في امر المدرب الهولندي، والاستغناء عنه لأنه يتقاضى 25 الف دولار شهريا، وهو مبلغ كبير للغاية، والبعض يرى ان الاستفادة من خبرات كرول مع الناشئين مفيدة لاسيما بعد ان امضى في مصر وقتا كافيا يستطيع من خلاله ان يعمل وينتج. وهؤلاء الذين يفضلون بقاء كرول مع الناشئين يستندون الى ان مصر ستنظم كأس العالم للناشئين تحت 17 سنة. وأيا كانت الاتجاهات والاراء فإن كرول له وجهات نظر في المنتخب الاولمبي، وفي مسيرة الكرة المصرية، وعلى رغم اخفاقه في المهمة التي اوكلت اليه الا انه يرى في هذا الاخفاق فائدة تمكن استثمارها، كما أفادنا في الحوار الآتي: هل من سوء حظ المنتخب المصري ان يقع أمام نيجيريا؟ - نعم... سوء حظ. ولكن كيف يتحدد مصير منتخب، بالحظ؟ - المسألة مسألة وقت.. كنت اتمنى ان يتأخر لقاء نيجيريا لاشهر عدة أخرى او لأعوام عدة، حتى يتم تعويض جانب من الفارق بين الكرة المصرية وبين الكرة النيجيرية. هل هذا الكلام منطقي؟ - نعم... فلو ان القرعة لم توقع الفريق المصري في طريق نيجيريا لكان من الممكن الوصول الى نهائيات اتلانتا في صيف 1996، ولو ان الفريقين التقيا في الدورة الاولمبية لكان من الممكن ان يكون الوضع افضل لانه مازال هناك عام كامل يمكن استثماره في رفع مستوى وكفاءة لاعبي مصر. هذه حسابات نظرية؟ - بل تستند الى الواقع بأن فكرة القدم فوز وهزيمة، انني ارى خروج الفريق المصري من دورة اتلانتا جاء بشكل منطقي، فلم ننهزم امام فريق درجة ثانية او ثالثة، بل كانت الخسارة امام فريق كله من المحترفين. اذن الفوز النيجيري منطقي؟ - نعم. واين الطموح؟ - فترة العمل المركزة التي امضيتها مع الفريق المصري كانت مليئة بالطموح، كنت وما زلت اقول للاعبين انه لا فارق بين فريق وآخر، وان الكبير لابد له ان يهزم الكبار، من هذا المنطلق عملنا، وتعبنا وفزنا على موريشيوس مرتين قبل ان نواجه المنتخب النيجيري، وللتذكير اقول ان المباراة الاولى في لاغوس كان يمكن ان تنتهي الى غير ما انتهت به المباراة وهي فوز النيجيريين 3/2، لقد اهدر لاعبو مصر اربع فرص ثمينة لا يمكن ان تضيع، ولو ان لاعبا مثل احمد فاروق احرز هدفا من الفرص التي اتيحت له لتغير الموقف الآن. ولكن، المنتخب النيجيري لم يلعب بكل طاقته كما يقولون؟ - من هم الذين يقولون؟ في المباراة الاولى امتلأ الملعب الوطني في لاغوس بحوالي 70 الف متفرج، وبذل اللاعبون جهدا جبارا حتى يفوزوا 3/2، ويومها باتت لاغوس ليلة حزينة لأن الانطباع الذي كان سائدا هو ان الامل ضعيف في القاهرة. وماذا حدث؟ استطيع ان اقولها بصراحة، لقد كانت هناك قناعة لدى الغالبية من الجماهير ان تجاوز عقبة نيجيريا صعب، ولكن كان التحدي الداخلي عظيما، لأن النجاح معناه الانجاز غير المسبوق، ولاشك ان المسؤولين عن الفريق النجيري ادركوا صعوبة موقفهم وجاؤوا بكل المحترفين ورصدوا مكافآت كبيرة، وبين الطموح المصري وبين خبرة وكفاءة محترفي نيجيريا كان من الضروري ان يفوز احد الفريقين، وكانت الغلبة للفريق النيجيري مسألة توفيق. تقويم مباراة القاهرة وما هو تقويمك لمباراة القاهرة بين مصر ونيجيريا؟ - احب دائما ان اكون صريحا، ومن منطلق هذه الصراحة اقول ان المهمة كانت شاقة لاكثر من سبب... فالفريق النيجيري خطير ولديه مجموعة من اللاعبين الموهوبين الممتازين المحترفين، وبمقدورهم ان يحرزوا هدفا في اي وقت، كانت مهمتي كمدير فني صعبة لانه كان يتعين علي ان اوقف مصادر الخطورة في هذا الفريق القوي، ونجحت الى حد كبير في ذلك وخصوصا في نصف الشوط الاول الذي كان يمكن ان يزيد فيه الفارق لصالح المصريين. ومن اسباب مشقة المباراة ايضا ان اللاعبين المصريين لم يتمكنوا من الاحتفاظ بتوازنهم قبل اللقاء لانهم كانوا يدركون ان الجماهير التي ستقف خلفهم تتشوق للفوز، وهذا الشوق من شأنه ان يهز اي لاعب. بين قدرات الفريق النيجيري والظروف الصعبة التي يؤدي فيها المنتخب المصري المباراة، كان يتعين على الجهاز الفني ان يتعامل مع الحدث بمنطق، واستطيع ان أقول ان كل شيء كان يسير على خير ما يرام، الى ان وقع اللاعب تامر مصطفى في خطأ قلب موازين المباراة رأسا على عقب. وعلى رغم انني ارفض كلمة "لو" في الكرة الا انني مضطر لاستخدامها الان، وهو انه لو لم يخطىء تامر لما وقع هذا الانهيار في نفسيات اللاعبين. اي ان الفرصة كانت موجودة لنتجاوز عقبة نيجيريا؟ - ومن قال غير ذلك، اننا كنا نعمل على اقصاء الفريق النيجيري لان ذلك واحد من اكبر طموحات الكرة المصرية. ولكن لم نوفق وهذه ليست نهاية العالم. هل تعتقد ان فريقك ادى الواجب ؟ - نعم، والخروج كان مشرفا ولكن في الوقت نفسه اشعر بنوع من الالم والمرارة لأن هناك من يحملونني وحدي المهمة كما يحملونني مسؤولية الخروج. ومن المسؤول؟ - المسؤولية جماعية، مسؤولية الجهاز الفني والجهاز الاداري واتحاد الكرة والمجلس الاعلى والاندية. وهنا ينبغي ان اشير الى ان السياسة الكروية التي تتبع في مصر تعطي الاندية كل الحقوق، من دون ان تلعب الاندية الدور المطلوب منها، وعلى سبيل المثال لم يكن هناك تنسيق بين الجهاز الفني للمنتخب الاولمبي والاجهزة الفنية للأندية كل طرف كان في وادٍ... والواقع ان الاندية تتحمل عبءاً كبيرا لأنها كانت تقتل لاعبي المنتخب الاولمبي، فلا تشركهم في مباريات الدوري، ولا تقدم لهم اي نوع من انواع الرعاية، الامر الذي يجعل لاعب المنتخب الاولمبي اقل من اي لاعب آخر، وهذه مشكلة. هل كنت تريد اشراك المنتخب الاولمبي في الدوري فعلا؟ - نعم، كنت من اقوى المؤيدين لاشتراك المنتخب في الدوري واذكر ان الدكتور عبدالمنعم عمارة رئيس المجلس الاعلى للشباب والرياضة عرض عليّ هذه الفكرة قبل ان اتولى مسؤولية المنتخب، كان ذلك في فرنسا اثناء دورة الفرانكوفون في تموز يوليو 1994، وبعد ان عدنا الى القاهرة، تم طرح الفكرة بشكل اوسع، واوصت اللجنة الاولمبية بذلك، ولكن لا ادري رفض اتحاد الكرة، ان هذه احدى السلبيات التي انعكست على المنتخب الاولمبي. ظروف الكرة المصرية واين يشارك المنتخب الاولمبي في الدوري، في اي دولة، انها بدعة؟ - لكل بلد ظروفه وقد جمعت تصورا كاملا عن ظروف الكرة المصرية وعن السياسة التي تسير عليها، والمتاعب التى تواجهها لهذا كنت حريصا على ان يشارك المنتخب في الدوري. وكم كنت حزينا للرفض لاني علمت بعد ذلك ان الاندية هي التي اجبرت اتحاد الكرة على الرفض. كيف كان رد فعل المسؤولين في مصر بعد الخروج امام نيجيريا ؟ - بصراحة كان رد الفعل مفاجأة شديدة جدا، لان حجم الاحزان دفع بعضهم الى عدم الحديث معي او سؤالي. واذا كان هذا هو رد فعل الغالبية بما فيهم القيادات الكبيرة، الا ان هناك من كانوا يعتقدون ان المنتخب ادى ما عليه. وما هو رد فعلك انت؟ - اشعر انني بذلت كل جهدي وهذا كافٍ، ان الدنيا لن تتوقف لان منتخب مصر لم يتأهل لدورة اتلانتا. اذن ما هي المميزات التي اكتسبها الفريق المصري معك؟ - لقد عملت مع المنتخب الاولمبي المصري لمدة عام تقريبا، اهم ما تحقق هو انه اصبح هناك نوع من الالتزام والجدية بين افراد الفريق، اضف الى هذا ان المنتخب يلعب كرة جيدة اشاد بها الجميع، وهذا انجاز في حد ذاته لان طبيعة الكرة المصرية الي تتسم بالبطء وبعدم القدرة على اداء الواجبات اليومية بفاعلية، تكاد تكون اختفت تماما في المنتخب الاولمبي الذي خرج من التصفيات الاولمبية بشرف، فقد حقق الفريق انتصارين على موريشيوس وادى كأحسن ما يكون امام نيجيريا. واستطيع ان اؤكد حقيقة اخرى وهي ان المنتخب الاولمبي المصري لو استمر واخذ الرعاية الكاملة فسيكون له مستقبل عظيم في المستقبل القريب، اما اذا تم تسريح الفريق وتم الاستغناء عن لاعبيه بعد الدورة الافريقية فستكون الخسارة كبيرة، لان كل الجهد الذي تم بذله من قبل سيكون في الضياع. هل تعتقد ان تجربتك مع الكرة المصرية قد نجحت؟ - نعم.. في حدود الامكانات التي توفرت ارى ان التجربة نجحت ولكن لا أبالغ اذا قلت انني كنت اكثر المتفائلين في الفوز بميدالية في الدورة الاولمبية. من خلال تجربتك، ما هو تقويمك للاعب المصري؟ - اللاعب المصري يحب كرة القدم، ولكنه يفتقد الى الكثير من مقوماتها واهم هذه المقومات الالتزام. ان هناك مجموعة ممتازة من اللاعبين الممتازين فنيا، ولكنهم يفتقدون الى الاصول التي يرتكز عليها اللاعب الجيد، ويكفي انني استبعدت من المنتخب بعض اللاعبين لأسباب اخلاقية ولو انهم ملتزمون لافادوا المنتخب.. ايضا اللاعب المصري نتاج مسابقات ضعيفة وسياسة كروية غير مجدية اضف الى هذا ان عملية الاحتراف لم تأخذ دورها الطبيعي الذي جعل دولة مثل نيجيريا اقل امكانات من مصر تشق طريقها الى العالمية، ولو ان اتحاد الكرة المصري وضع سياسة واضحة واجبر الاندية على الالتزام بها، لتغير الموقف. وهل نقلت وجهات نظرك الى المسؤولين في اتحاد الكرة؟ - مرارا وتكرارا... آخرها منذ ايام عندما التقت معي اللجنة الفنية لتسألني عن الاسباب التي ادت الى الاخفاق في تصفيات اتلانتا، وقلت لهم انه ليس هناك اي اخفاق، ولكن المسألة مسألة امكانات، والفريق النيجيري افضل خبرة ومستوى، وتلك حقيقة لا يمكن ان نغفلها، وقلت لاعضاء البعثة الفنية يجب ان تفتحوا الباب امام الاحتراف بداية من اللاعبين الصغار ونهاية باللاعبين الكبار. اذن الاحتراف هو الحل؟ - نعم، ولكن ليس احتراف الكلام، وانما احتراف كرة القدم. هل تقبل ان يخفض اتحاد الكرة المصري راتبك.. وان تعمل مع الناشئين. - لا. هل ستمضي بعد الدورة الافريقية؟ - إذا لم اجد المناخ المناسب، فسأرحل طبعا. وبماذا تعد في هراري؟ - لا أعد بشيء... نحن نعمل من اجل ان نفوز في كل مباراة، فإذا تحقق الفوز فقد نكون انجزنا شيئاً واذا لم نحقق فلابد ان هناك اخطاء يجب تلافيها، ان الدورة الافريقية لها اهمية كبيرة واتصور ان إثبات الوجود فيها لا يقل عن التأهل للدورة الاولمبية. وهل ستفوز بميدالية في زيمبابوي؟ - قلت اننا نعمل دائما للفوز.. وهذا يكفي. ما هي رسالتك للمسؤولين عن الكرة في مصر؟ - لا تدعوا المنتخب الاولمبي يفلت من بين ايديكم لقد كسبتم فريقا للمستقبل على رغم الخروج من دورة اتلانتا والدليل على ذلك ان هذا الفريق احرج نجوم نيجيريا المحترفين.