منذ سنوات تعيش الكرة المصرية محنة شديدة، ولكن هذه المحنة تفاقمت تفاقماً ملحوظاً بعد الفشل في بطولة كأس الأمم الافريقية الأخيرة التي أقيمت في آذار مارس الماضي في تونس، وزادت حدة الاحساس بخيبة الأمل لدى جماهير الكرة المصرية بعد المستوى المشرف للكرة العربية والكرة الافريقية في بطولة كأس العالم في أميركا. وقد حاول المسؤولون في المجلس الأعلى للشباب والرياضة وفي اتحاد كرة القدم ان يواجهوا هذه المحنة فخرجت الى السطح فكرة الاستعانة بخبير عالمي يقوم بالتخطيط للعبة، ولقي هذا الاقتراح صدى ايجابيا، لكن اللواء يوسف الدهشوري حرب رئيس اتحاد الكرة تصدى للفكرة وأكد ان طه اسماعيل سيبقى مديراً فنياً للمنتخب الأول حتى كأس العالم. وبين الخبير العالمي والمدرب الوطني ضاعت أشهر عدة من دون احراز أي تقدم. بعد ذلك خرجت فكرة مشاركة المنتخب الاولمبي في الدوري ليستفيد اللاعبون من الاحتكاك المحلي بعد الفشل الاداري في تنظيم دورات تدريبية ولقاءات للاحتكاك مع فرق من الخارج. تحمس المجلس الأعلى للشباب والرياضة واتحاد الكرة واللجنة الأولمبية للفكرة على الرغم من حالة "الهيجان" التي اصابت الأندية، ولكن بدلاً من أن يتمسك المسؤولون في الهيئات الرسمية بقرارهم تظلموا منه وتم إلغاؤه بعد أن ضاعت أيام وشهور في مناقشة هذا القرار. وفي خضم المناقشات والخلافات أدرك الدكتور عبدالمنعم عمارة رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة ان الكلام لم يعد مجدياً وانه لا بد من اتخاذ الخطوات الفعلية التي تضع الجميع أمام الأمر الواقع. وهكذا ظهر الى السطح فجأة المدرب الهولندي روي كرول زميل كرويف في المنتخب الهولندي الذهبي 1974 ودخل في مفاوضات مع الدكتور عمارة، ثم استكملت هذه المفاوضات في فرنسا خلال مشاركة المنتخب الاولمبي المصري في دورة الفرانكوفون خلال تموز يوليو الماضي... وتم الاتفاق على كل شيء ووقع كرول التعاقد مع الاتحاد المصري مقابل 20 ألف دولار شهرياً. وبينما كانت كل الدلائل تشير الى أن طه اسماعيل سيستمر في قيادته المنتخب الأول... إذ بدأ الرجل خطوات الاعداد للقاء السودان في الرابع من أيلول سبتمبر المقبل ضمن تصفيات بطولة الأمم الافريقية، تم الاعلان فجأة عن وصول الهولندي راوتر لقيادة المنتخب الأول، فلم يصدق أحد على اعتبار أن اتحاد الكرة لم يقرر ولم يجتمع، وبعد أيام قليلة تمت اقالة طه اسماعيل وفاروق جعفر وفي اليوم التالي كان راوتر في الميدان مع اللاعبين. "الوسط" التقت الدكتور عبدالمنعم عمارة الذي يبدو أن طموحاته أكبر من الامكانات المتوافرة، وكان لها معه حوار هذا نصه: يقولون انك صاحب القرار في اتحاد الكرة... فما تعليقك؟ - نعم يقولون هذا الكلام والبعض يردد في الصحف ويقول أكثر من ذلك... انهم أكدوا ويؤكدون انني أضع التشكيل الذي يلعب به المنتخب. وما صحة هذا الكلام؟ - كلام فارغ طبعاً. اذن كيف جاء كرول الهولندي قبل أن يفشل الروماني ستايكو؟ - أولاً: الفارق كبير بين المدرسة الهولندية والمدرسة الرومانية، ورغم ان الرومانيين أجادوا في كأس العالم الأخيرة إلا أن هذا لا يعني أن التقويم يكون بمراكز الفرق في المونديال وإلا لاختفت انكلترا من الخريطة وكذلك فرنسا وغيرهما. لهذا فكرنا في احداث نقلة نوعية في مسار الكرة المصرية وجاءت فرصة التفاوض مع كرول وهو اسم معروف ونجم له تاريخه ومدرب مؤهل، فتحدثت معه ومع اتحاد الكرة وكان كل دوري أن أقرب وجهات النظر، ومن يقول ان هذا ليس من حقي مخطئ، لأن الدولة الممثلة في المجلس الأعلى وللشباب والرياضة هي التي تدفع رواتب المدربين، وفعلاً تم الاتفاق وجاء كرول. قصة راوتر وما هي قصة راوتر الذي أعلنت في البداية أنه سيخطط للكرة المصرية وانه ربما يتولى تدريب الاسماعيلي؟ - الصراحة هي أقرب الطرق الى الحقيقة، وأنا لم اقتنع في أي وقت ان المدرب الوطني قادر على تحمل مسؤولية الكرة المصرية في هذه المرحلة الحرجة، لقد أخذ المدرب الوطني كل الدعم وهناك خطط وبرامج لرفع مستواه في الداخل والخارج. ومن خلال مشاورات واتصالات ولقاءات مع خبراء مسؤولين تم التوصل الى أن المدرب الأجنبي الكفؤ هو الذي يستطيع أن يحدث بعض التطور في مسار الكرة المصرية، ولكي أكون أكثر صراحة أقول ان الكلام والصراع بين الوطني والأجنبي لن ينقطع ولو تركنا الأمور تسير بتلقائية فلن يحدث أي تطور أو تقدم، لهذا تحملت وعلى مسؤوليتي الاستعانة بالمدرب الهولندي راوتر وبذلت جهداً خرافياً لاقناع اتحاد الكرة الى أن نجحت في ذلك، وعلى الرغم من أن طه اسماعيل "أخذ على خاطره" وانتقدني إلا أن هذا حقه ومن حقي كمسؤول أن أتخذ ما أراه صالحاً. اذن أنت صاحب القرار في اتحاد الكرة؟ - الفارق كبير بين صاحب القرار والمسؤول الذي يطرح رأيه للمناقشة. إن اقتناع اتحاد الكرة بوجهة نظري لا يعني انني صاحب القرار في هذا الاتحاد. ولكن من الممكن أن يصاب المدرب الوطني بالاحباط؟ - المدرب الوطني بخير، وعليه أن يسعى دائماً لأن يطور مستواه. إذن الأجنبي أصلح؟ - مصر ليست أفضل من نيجيريا والكاميرون وزامبيا في كرة القدم حتى لا تستعين بمدربين أجانب. الى متى يستمر الأجنبي؟ - الأجنبي يستمر طالما أنه أفضل من الوطني، والمدربون الأجانب لا يمكن أن يكونوا كل شيء في الكرة المصرية، فالمدرب الوطني موجود وعليه أن يتعلم. وماذا تقدم للمدرب الوطني؟ - كل شيء... كل ما يتوقعه الناس وما لا يتوقعونه، ان المجلس الأعلى هو الذي يقيم الدورات ويرسل المدربين الى أوروبا للتعلم ويدفع مرتبات معظم المدربين في الأندية. المدرسة الهولندية وهل تعتقد ان المدرسة الهولندية ستنجح في مصر خاصة ان أكثر من نادٍ اتجه الى هذه المدرسة مثل الاسماعيلي والمصري؟ - في اعتقادي الكرة الهولندية هي من أفضل المدارس، والمدربون الهولنديون أثبتوا وجودهم في العالم كله. يقولون انك تشجع الأندية للاستعانة بالهولنديين؟ - ما دام المنتخب الأول والمنتخب الأولمبي تحت مسؤولية هولندية فمن الطبيعي أن أشجع الأندية خصوصاً ان المجلس الأعلى يشجع على الاستعانة بالأجانب ويدفع رواتبهم. يتهمونك بأنك ستهدم المدرب الوطني؟ - أعداء الحق كثيرون، وأعداء النجاح أكثر، وما أسعى اليه هو الحفاظ على سمعة بلدي، ان مصر ليست أقل من أي دولة عربية أو افريقية، وما يتم انفاقه على الكرة كثير، والمردود قليل... وأنا على استعداد أن أُهاجَم في سبيل ان أفعل شيئاً يبقى. ما هي طموحاتك؟ - ان تفوز مصر ببطولة الأمم الافريقية عام 1996 وان تحتل المراكز الثلاثة الأولى في دورة اتلانتا التي ستقام خلال العام نفسه. وهل هذا ممكن؟ - طبعاً ممكن. ولكن افريقيا سبقت مصر جداً؟ - اعترف ان غاناونيجيريا وساحل العاج والكاميرون وزامبيا تقدمت، ولكن إذا تم تعديل مسار الكرة في مصر فإنه يمكن اللحاق بالركب خلال سنوات قليلة، لأن الفرصة موجودة. هل تعتقد ان حبك للاسماعيلي يسبب لك مشاكل؟ - ضعاف النفوس يهاجمونني، ولكن إذا هاجموا كل من أحب مدينته التي عاش فيها، فلن يكون هناك أي انتماء.