هل كانت حادثة محاولة اغتيال الرئيس المصري محمد حسني مبارك، في اديس ابابا الاثنين الماضي، الشرارة التي سينطلق منها الحريق الكبير الذي يأمل مناوئو حكومة الفريق عمر البشير ان يدمرها؟ وهل ستقود سلسلة ردود الافعال الناجمة عن المحاولة الى دور مصري في انقلاب عسكري يكون المدخل اليه دعم المعارضة السودانية لفتح جبهة في الشرق تزيد اعباء الجيش السوداني المثخن بالجروح جنوباً، والهائه حتى الترنح بعمليات محدودة على جبهة مثلث حلايب شمالاً؟ لا شك في ان التفاقم الخطير في التوتر الذي اعقب محاولة الاغتيال الفاشلة يعد اخطر ازمة تواجهها حكومة الفريق البشير، وان لم تكن اخطر ازمة تشهدها العلاقات المصرية السودانية. فقد بلغت طوراً مماثلاً العام 1958، ووصلت الى مرحلة حشد الجيوش، ودق طبول الحرب، والتهديد بنقل ملف مشكلة حلايب الى مجلس الامن. غير ان الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر غلّب العقل على الانفعال، وقرر سحب وحداته العسكرية من حلايب ليخمد حريق الازمة. الأزمة بعيون مصرية حرص الرئيس مبارك اثر عودته سالماً من مطار بولي الدولي في اديس ابابا على استبعاد الحكومة السودانية من الاتهامات التي تورطها في محاولة اغتياله. وشدد مراراً، في كلمات ارتجلها امام آلاف المصريين والسودانيين الذين تدافعوا لتهنئته بالنجاة من موت محقق، على انه يعتقد ان وراء الحادث الدكتور حسن الترابي الامين العام للمؤتمر الشعبي العربي الاسلامي ومرشد الجبهة الاسلامية القومية التي تعتبر القوة الاساسية وراء نظام الفريق البشير. وعزز الجانب المصري اتهاماته للسودان بالاشارة الى واقعة ضبط اسلحة في صعيد مصر قبل محاولة الاغتيال بيومين، يقول المصريون انها مهربة من السودان. وأشاروا الى ان المنزل الذي رابط قناصان ممن هاجموا الرئيس مبارك على سطحه، استأجره سوداني. وذلك على الرغم من ان الرئيس المصري اكد، اثر وصوله القاهرة مباشرة، ان مهاجميه "ليسوا اثيوبيين ولا سوداً". وعندما وقع الاشتباك بين الوحدات العسكرية المصرية وعناصر الشرطة السودانية في حلايب منتصف الاسبوع تضاربت العاصمتان في اعلانهما عن خسائره، اعلن مبارك انه قرر طرد 70 شرطياً سودانياً من نقاط مراقبة في حلايب. وبرر قراره بأنه رد على استيلاء الحكومة السودانية في اليوم السابق على استراحات تابعة لوزارة الدفاع المصرية في الخرطوم. وبدا واضحاً ان مصر مستعدة تماماً لاحتمال القيام بپ"عمل عسكري وقائي"، او "على الاقل التحسّب لتصعيد من ذلك القبيل" على حد تعبير خبراء عسكريين غربيين. وشن الرئيس المصري اعنف هجوم من نوعه على الخرطوم عندما وصف نظيره السوداني بأنه "سكرتير للترابي". واشار، في كلمة ارتجلها امام حشد من الفنانين المصريين الذين هنأوه بنجاته من الاغتيال، الى انه ليس ضد الشعب السوداني الذي وصفه على مدى يومين ب "الطيبة"، لكنه قال ان على الحكومة السودانية ان تبحث عن وسيلة تواجه بها عجزها المستمر عن مواجهة تردي الوضع الاقتصادي بدلاً من تعليق كل شيء على "المشجب المصري". وقال مبارك للفنانين المصريين "ارجو الا يفكروا في التصعيد لأني لن اسكت … اتمنى الا أصل الى ما افكر فيه، وارجو ان يساعدوني … انا لا اريد ان اجرح الشعب السوداني، ولكن اذا تمادوا في الموقف واتخذوا اجراءات فلدي اجراءات كثيرة اتخذها حتى اصل الى الهدف الذي اريده. كل ما اقوله اعنيه، واتمنى ألا اصل الى ما هو مخطط في رأسي". رد الفعل السوداني يتسم الرئيس الفريق البشير بهدوء وبرود شديدين مهما كان توتر محيطه. وقد رد على الاتهامات المصرية في مؤتمر صحافي عقده في اديس ابابا اوضح فيه ان مرافقيه تلقوا افادات من الحكومة الاثيوبية بأن المنزل الذي اشار اليه الرئيس المصري كان مستأجرا قبل نحو عام لمواطن سوداني، لكن مالكته الاثيوبية افادت بأن المدعو محمد سراج، الذي تبحث عنه السلطات الاثيوبية، استأجره قبل 5 ايام من وصول مبارك الى اديس ابابا. وقال البشير ان سراج ليس سودانياً. ورفض اتهامات مصر له بأنه يقتسم الحكم مع الدكتور الترابي. وقال ان مصر تدرك انها تواجه حرباً عنيفة مع "الجماعات الاسلامية" اسفرت عن اغتيال رئيس سابق وتستهدف قوات الامن المصرية يومياً، "فلماذا لم تسأل مصر نفسها عن صلة تلك الجماعات بمحاولة الاغتيال قبل القاء تبعتها علينا؟". وغداة اعلان الخرطوم ان حادثة حلايب اسفرت عن مقتل شرطيين سودانيين قال العميد محمد بشير سليمان المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة ومدير فرع التوجيه المعنوي في القيادة العامة "ان الجيش السوداني يعتبر الهجوم الذي تعرض له مساء الثلثاء الماضي رجال شرطة سودانيون في حلايب هجوماً على الجيش السوداني". وأضاف في تحدّ لا يخفى "بمشيئة الله سيثبت الجيش السوداني في حلايب اننا مصممون على تحويل خنادق الجيش المصري الى مقبرة لهم". وكرّست الخرطوم اذاعتها وصحفها لتعبئة الرأي العام السوداني تحسباً من تصعيد محتمل. واشار المسؤولون الى اعتقادهم بأن ثمة جهات تعمل على اثارة حفيظة مصر ضد بلادهم. اكثر من سيناريو الخبراء الغربيون المختصون في العلاقات بين مصر والسودان رجحوا ان التصعيد المصري وتهديدات الرئيس مبارك قد تكون مؤشراً الى خطة مصرية لتوجيه "ضربة استباقية" للسودان، وذلك بشن غارة جوية محدودة على هدف في الخرطوم او احدى ضواحيها، واشاروا، في هذا الصدد، الى ان نظرية "الضربة الاستباقية" تتطلب عادة ثلاث خطوات اساسية: تأمين المبررات، المناورة الداخلية، والمناورة الخارجية. وطبقاً للوضع الراهن فان المبررات متوافرة للقاهرة، عن طريق تحميل السودان مسؤولية محاولة اغتيال مبارك، وحشدت مصر جبهتها الداخلية بتكثيف حملات اعلامية ضد من سماهم مبارك "العصابة التي تحكم" جنوب وادي النيل. وكرست بثها المرئي والمسموع منذ الاثنين الماضي لذيول محاولة الاغتيال وتنبيه الشعب والعالم اجمع الى المخاطر التي يمثلها بقاء النظام السوداني. وفي سياق الحملات الاعلامية الراهنة جددت اتهاماتها للسودان بتدريب اصوليين وايوائهم. وتقوم النظرية المصرية الاساسية لكشف مدبري محاولة الاغتيال على تأكيد انهم عبروا الى اثيوبيا من الاراضي السودانية. ورجح خبراء آخرون ان يقتصر الامر على هذه الحملات التي قد تبلغ ذروة اشد من التصعيد. ويرون ان مبارك لن يقدم على الخيار الذي رفضه عبدالناصر العام 1958. وأثار ملف الازمة برمته تساؤلات عدة عن قدرة الجيش السوداني على الاشتباك مع نظيره المصري، وهو امر - حسبما ذكر الديبلوماسي السوداني السابق الحارث ادريس المقيم في بريطانيا - لم يحدث منذ نجاح الفراعنة في تدمير مملكة النوبة السودانية قبل العام 1600 ق.م. ورأى مراقبون ان التدهور المفاجئ في العلاقات الثنائية "لا بد من ان يكون مرتبطاً بمؤتمر المعارضة السودانية" الذي عقد اخيراً في العاصمة الاريترية اسمرة. وقرر المؤتمر تصعيد النضال المسلح لاسقاط حكومة الفريق البشير. وطبقاً لهذا السيناريو فمن المحتمل ان تشارك مصر في خطة لاستنزاف طاقات النظام السوداني على المحاور الآتية: - فتح جبهة حرب عصابات جديدة في شرق السودان، وذلك بتوفير امدادات وتغطية لمقاتلين من تنظيم "مؤتمر البَجا" الشرقي السوداني، وعناصر من تنظيم "قوات التحالف السودانية" العسكري السوداني المعارض. والمعروف ان منطقة شرق السودان بهضابها الممتدة وسهولها الشاسعة تصلح لشن حرب عصابات طويلة الأمد. - تصعيد الوضع في مثلث حلايب لحمل الخرطوم على الزج بعدد كبير من قواتها شمالاً للرد على هجوم مصري محتمل. - تقديم مساعدات للجيش الشعبي لتحرير السودان الذي يتزعمه العقيد جون قرنق لمواصلة عملياته في جنوب السودان. ديبلوماسي أثيوبي قال لپ"الوسط" انه يعتقد بأن ثمة سيناريو مصرياً مرسوماً لپ"ضرب النظام السوداني، بطريقة مشابهة لقيام تنزانيا بضرب نظام الرئيس الأوغندي السابق الجنرال عيدي أمين". وأضاف: "لكن السؤال المهم هل نظام الترابي - البشير مثل نظام أمين؟ هناك جانب مهم لا يمكن لأي مخطط عسكري أو استراتيجي اغفاله: اذا حصلت حرب مصرية - سودانية فالجيش السوداني لن يخوضها بمفرده، فستحارب معه تنظيمات أصولية مدربة تدريباً رفيعاً كالأفغان العرب والمنفيين الفلسطينيين وجماعات المجاهدين المطاردين في بلدانهم. وأشار مصدر آخر الى انه يعتقد بأن سيناريو الحرب سيحدث ضرراً لا يمكن تحديد مداه "على العلاقات بين شعبي البلدين". وقال "سيجر هذا السيناريو، في الضرورة، احتمالات تدخل ايران والعراق الى جانب القوات السودانية. لأن الخرطوم لم تخف منذ انعقاد مؤتمر أسمرا انها تستعد لخوض حرب ضد أميركا". غير أن خبراء غربيين آخرين رأوا ان مصر قد تفضل عدم التورط في حرب مباشرة واللجوء عوضاً عن ذلك الى التعجيل بپ"انتفاضة" سودانية تطيح النظام. لكنهم قالوا ان فرص قيام انتفاضة "ضئيلة، لأنها بحاجة الى قيادة والقيادات السودانية المهمة اما في السجون الصادق المهدي أو متخفية محمد ابراهيم نقد أو في الخارج محمد عثمان الميرغني".ش وأضافوا ان الحكومة السودانية "فطنت مبكراً الى ما يحاك ضدها فعمدت قبل انعقاد مؤتمر أسمرا الى اعتقال رئيس الوزراء السابق المهدي لتطبق ما يسميه مخططوها "استراتيجية اجهاض الانتفاضة". هل يذهب البشير؟ ويرى بعض قادة الحزب الاتحادي الديموقراطي الموالي تقليدياً لمصر، المنادي منذ الأربعينات بالوحدة معها، "ان التريث ضرورة تمليها خطورة المرحلة الراهنة، لأنه على رغم خبث نظام الترابي وارهابه وبطشه فليست ثمة دلائل قانونية ملموسة تثبت تورطه في محاولة اغتيال مبارك". وذكروا لپ"الوسط" ان "نفسية الشارع المصري لن تقبل مطلقاً خيار الحرب على السودان، خصوصاً ان الحكومات المتعاقبة في مصر رفضت على الدوام ان تختط سابقة بحسم النزاع الحدودي بقوة السلاح". كان الرئيس مبارك محقاً تماماً عندما ذكر ان "باله طويل"، كناية عن طول صبره على تصرفات الخرطوم تجاه بلاده. ولا يبدو، من ناحية عملية وواقعية، ان أمامه ما يفعله سوى الأخذ بخيار التصعيد مهما كانت انعكاساته على العلاقات والتحالفات الجيوسياسية في المنطقة. فعلى الصعيد الثنائي استنفد البلدان كل الامكانات التي اتاحتها القنوات الديبلوماسية والسياسية، ولم تفلح الاجتماعات على مستوى لجان الخبراء واللجان الوزارية. ولم تنجح محاولات الوساطة التي بذلها الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي بين العاصمتين. وبدا قبل أسبوع فحسب من محاولة اغتيال مبارك ان العلاقات كانت في طريقها الى الانفراج، والشواهد على ذلك عدة اهمها: - كبح الملاسنات بين الجانبين اثر محادثات ناجحة اجراها وزير خارجية السودان علي عثمان محمد طه في القاهرة مع نظيره المصري عمرو موسى في آذار مارس الماضي. - عقد الوزيران اجتماعاً وصفه كل منهما بالنجاح في أديس أبابا قبل افتتاح اجتماعات القمة الپ31 لمنظمة الوحدة الافريقية. - على رغم الارتياب السوداني في نيات مصر، فان الخرطوم تمنّت رفض القاهرة السماح للمعارضة السودانية بعقد مؤتمرها الخامس في مصر، مما اضطرها الى نقله الى أريتريا. غير ان محاولة الاغتيال قلبت كل شيء رأساً على عقب، ولا يعلم احد الى أين ستفضي بالجانبين. لكن العقلاء في عاصمتي البلدين يرون انه ليس امام الطرفين سوى اللجوء الى جهاز آلية فض المنازعات التابع لمنظمة الوحدة الافريقية، وكان لمصر دور كبير في انشائه ورعاية تأسيسه. ويرى هؤلاء انه ليست ثمة جهة اقليمية مؤهلة للوساطة بين البلدين. كما ان السودان يهدد بنقل النزاع الى محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن منذ العام 1958. خبراء الشأن الافريقي في أديس أبابا يعتقدون بأن الضغوط العسكرية لن ترغم حكومة الفريق البشير على الذهاب. وقال أحدهم ل "الوسط": إلحاق هزيمة بالجيش السوداني قد لا يطيح النظام السوداني، ليس لأن الأخير قوي الى درجة اسطورية، ولكن لأن التجربة العملية في انتهاج هذا الخيار اظهرت عدم تحقق تلك النتيجة في كل من الارجنتين حرب الفوكلاند والعراق تحرير الكويت. وأضافوا ان حرباً محدودة ضد السودان لن تعني أيضاً القضاء على "الخطر الأصولي الذي هو أساس مشكلة مصر والمنطقة عموماً، لأن اصولية تنظيمات الجهاد المختلفة أضحت منظمة ومتيقنة بأن القتال والاغتيال وحدهما هما سبيلها الى تحقيق أهدافها المتطرفة". الجماعة الاسلامية والجهاد وإذا تركنا تفاعلات الاحداث الراهنة على الصعيد المصري السوداني، وبحثنا في مدى إدراك السلطات المصرية لخطورة المتطرفين وتربّصهم بالرئيس مبارك، فلا بد من ان نخلص الى ان المسؤولين المصريين لم يغب عنهم مطلقاً ان مبارك في مقدم لائحة المستهدفين من قبل المتطرفين. فالتهديدات التي كانت توجه إلى مبارك ظلت تحتل جزءا كبيرا من البيانات التي كانت أكبر جماعتين متطرفتين تعارضان نظام الحكم القائم في البلاد، وهما الجماعة الاسلامية التي يتزعمها الدكتور عمر عبدالرحمن، المسجون في الولاياتالمتحدة، وجماعة الجهاد بقيادة الدكتور ايمن الظواهري الذي يعيش حاليا في سويسرا. ولم يخل بيان واحد اصدره أي من التنظيمين من تهديد بقتل مبارك، وتصاعدت التهديدات بشدة بعد إحالة مبارك عددا من قضايا العنف الديني على القضاء العسكري الذي اصدر حتى الآن 64 حكما بالإعدام في حق المتطرفين واحكاما أخرى بالسجن ضد مئات منهم. غير ان الاجراءات الامنية المتبعة حفاظا على حياة الرئيس وتأمين تحركاته وتنقلاته وحراسة الاماكن التي يتردد عليها أو يزورها حالت دون تنفيذ محاولة واحدة لاغتيال مبارك على رغم أن السلطات حصلت على اعترافات من متطرفين اكدت ان التنظيمين وضعا اكثر من خطة لاغتيال الرئيس المصري الا انها جميعا اجهضت قبل تنفيذها. وايقن المتطرفون ان الوصول الى "الرئيس" امر صعب جداً، ولعل ذلك دفعهم الى التخطيط لاغتياله مرتين خارج مصر: الاولى في الولاياتالمتحدة واحبطت قبل ان تنفذ والقي القبض على المتورطين في التخطيط لها، ومن بينهم عمر عبدالرحمن نفسه، والثانية تلك التي انطلقت فيها الرصاصات على موكب الرئيس مبارك في اديس ابابا يوم الاثنين الماضي. نال حراس الرئيس مبارك تقديراً بالغاًً بسبب السرعة الفائقة التي تعاملوا بها مع الحادث وبراعتهم الكبيرة في إفشاله على رغم الظروف المعاكسة، الا ان الحادث اكد قوة الحالة الامنية داخل مصر بعد فشل محاولات مماثلة، الامر الذي دفع الذين يحاولون اغتيال الرئيس المصري إلى المحاولة خارج مصر. وتثبت ذلك سيناريوهات السنوات الاربع عشرة التي حكم فيها مبارك مصر حتى الآن، كما تثبت ان الرئيس مبارك كان مطلوباً للاغتيال من قبل جماعات معينة، حتى قبل ان يتولى منصبه بايام. ففي السادس من تشرين الاول اكتوبر 1981 كان مبارك بصفته نائباً للرئيس انور السادات يجلس في مقعد مجاور له، وكان على مسافة قصيرة من الرصاص الذي اغتال السادات، الا انه لحسن الحظ نجا من العملية، على رغم ان المهاجمين اطلقوا الرصاص بعشوائية وأصابوا بعض الاجانب الذين كانوا حوله في المنصة. وهكذا عرف الشعب المصري رئيسه الجديد وهو مربوط الكف بشاش أبيض، بعد ان تعرض لاصابة بسيطة في عملية السادات، لكنه سرعان ما رفع الرباط لتبدأ جمهورية مبارك محاولات مكثفة لمحاربة "الارهاب". فبعد تمشيط امني حاد إثر اغتيال السادات، وبعدما استطاعت وزارة الداخلية المصرية ان تعيد الاوضاع الى طبيعتها المستقرة بدأت محاكمات عدد كبير من أعضاء التنظيمات الدينية المتطرفة واجتازت مصر فترة من الهدوء في منتصف الثمانينات قبل ان يعود التوتر من جديد في نهايتها ويصبح الرئيس مستهدفاً من الجماعات المتطرفة. الا ان عمليات العنف لم تولد بين يوم وليلة، وانما ارتبطت بظروف خاصة للغاية اخذت منحى التصعيد من التنظيمات السرية التي استهدفت في البداية الرموز الصغيرة، من خفير إلى ضابط شرطة، حتى وصلت الى الوزراء ثم رئيس الوزراء، وما لبثت أن حلمت بالوصول الى الرئيس نفسه. وتوازى هذا التصعيد مع تصعيد آخر، ففي حين كان العنف يحاول السيطرة على مناطق في جنوب مصر، كانت المواجهة الأمنية تتصاعد. ومع انتهاء الحرب الافغانية بدأ توافد المصريين الأفغان لتشهد مصر العمليات المفخخة وتكنولوجيا العنف المتطور، ما دفع الحكومة الى احالة قضايا الارهاب الى محاكم عسكرية. وبشكل عام ارتبط استهداف الرئيس مبارك من عمليات الارهاب بمزيد من الفشل. فقد أشارت تلك الجماعات الى نيتها هذه أكثر من مرة في فتاوى عدة صدر معظمها عن تنظيم "الجهاد"، اذ قال عبود الزمر زعيم التنظيم: "إن معركتنا الرئيسية مع السلطة العلمانية وهو ما يجب أن توجه اليه الجهود". ثم تصاعدت الاشارات عندما حاول هؤلاء اغتيال رجال مبارك نفسه، وفي مناطق قريبة من مسكنه، كما حدث في محاولة اغتيال وزير الاعلام صفوت الشريف ورئيس الوزراء الدكتور عاطف صدقي قرب مسكنيهما في مصر الجديدة. وحسب مصادر عليمة فإن الرئيس مبارك تعرض لنحو سبع محاولات اغتيال من قبل الجماعات المتطرفة لكن المؤكد منها على الأقل أربع. ولعل أشهرها تلك التي جرت نهاية العام 1993 في منطقة مطروح بواسطة تسعة أعضاء من تنظيم "الجماعة الاسلامية" تمكنوا من زرع كميات هائلة من المتفجرات في ممر مطار كانت طائرة مبارك ستهبط فيه. وانكشفت العملية بعد معركة بين الشرطة وعناصر من التنظيم أسفرت عن اصابة احدهم فأجريت له عملية جراحية تفوه خلالها بمعلومات تحت تأثير المخدر، وأكملها بعد أن أفاق، وأعلنت حالة الطوارئ ونزعت المتفجرات، وحوكم المتهمون. في غضون ذلك كشفت الأجهزة الأمنية الأميركية عن خطة أخرى لاغتيال الرئيس المصري أثناء زيارته لواشنطن للقاء الرئيس بيل كلينتون للمرة الأولى. وفي حين عثر على رسم كروكي خارجي لمنزل مبارك مع بعض التنظيمات، تسربت معلومات أخرى عن أن اعضاء في تنظيم تابع للجهاد كانوا ينوون التنكر في ثياب ملابس الحرس الجمهوري ليطلقوا النار على الرئيس، لكن الخطة فشلت أيضاً بعد القبض على المتهمين. وترددت اشاعات عن خطة لاقتحام القصر الرئاسي بطائرة شراعية. وفشلت خطة أخرى أعدها "الجهاد" أيضاً على طريق صلاح سالم خارج القاهرة، حيث تنكر أعضاء في "الجهاد" في ثياب عمال النظافة وحفروا نفقاً تمهيداً لحشوه بالمتفجرات وإشعالها أثناء مرور موكب الرئيس. واجهضت هذه العملية بعد أن قتل قائد "الجهاد" عادل صيام. واللافت أن المحاولة الوحيدة لاغتيال مبارك التي تمكن المتطرفون من تنفيذها وفشلت في أديس أبابا، أسفرت عن نتائج هي لمصلحة الرئيس المصري، على خلاف ما كان يأمل مدبروها، فهو حصل على تأييد دولي وعربي كان يحتاج اليه في معركته مع المتطرفين داخل مصر، وحصل أيضاً على تأييد شعبي غطى على النتائج السلبية لأزمة قانون الصحافة التي تفجرت اثر اقرار مجلس الشعب في 27 أيار مايو الماضي تعديلات على قانون العقوبات والاجراءات الجنائية تشدد من عقوبات النشر وتلغي مادة كانت تمنع حبس الصحافيين احتياطاً، وعلى رغم ان اللقاء الذي عقده مبارك مع نقيب الصحافيين وأعضاء مجلس النقابة ساهم في احتواء الأزمة لفترة، إلا أن أحزاب المعارضة انتقدت إقرار مبارك القانون الجديد بعد ساعات قليلة من اجازته في البرلمان، ورفضه الاستجابة لمطالب الصحافيين لانهاء الأزمة. وكان مبارك في حاجة الى تأييد احزاب المعارضة في مواجهة الجماعات الدينية المتطرفة، خصوصاً ان أزمة قانون الصحافة جاءت بعد سلسلة من الأزمات الأخرى مع النقابات المهنية التي تسيطر على مجالسها جماعة "الاخوان المسلمين" المحظورة، وبعد عملية شد وجذب مع حزب الوفد الذي رفض المشاركة في الحوار الوطني بين الحكومة والمعارضة الذي دعا اليه مبارك في تموز يوليو الماضي، وبعد معاناة من مواقف حزب العمل الذي يرى مبارك انه يساند الارهاب، وان صحيفة "الشعب" التي يصدرها الحزب تفتح صفحاتها لقادة الاخوان، ولا يخلو عدد منها من هجوم على سياسته. وقبل أيام قليلة من محاولة الاغتيال نظمت أحزاب المعارضة مؤتمراً شعبياً حضره نحو 10 آلاف شخص في عرض للقوة لم تخل كلمات المتحدثين فيه من نقد الرئيس شخصياً، اضافة الى هجوم حاد على حكومة عاطف صدقي، وعكس بيان وقع عليه رؤساء احزاب المعارضة مع المستشار مأمون الهضيبي نائب المرشد العام للاخوان المسلمين الخلافات بين الطرفين واتجاه الأزمة بينهما الى التصعيد، ففي اشارة الى تعديلات الصحافة قال البيان: "لقد استهدف الحكم بهذه التعديلات "القانونية" تصفية المظهر الوحيد للديموقراطية في مصر، وهو القدر المتاح حالياً من حرية الصحافة، خصوصاً الصحافة الحزبية، فأدخل في نطاق الأفعال المؤثمة، كثيراً مما يقع في نطاق حرية الرأي وحق المواطنين في المعلومات، بل وأي رأي أو خبر لا يرضى عنه الحاكم". ولم يكد نبأ محاولة الاغتيال يذاع في مصر حتى كان رؤساء أحزاب المعارضة في مقدمة مستقبلي الرئيس مبارك في مطار القاهرة، ولم يكتف هؤلاء بإدانة الحادث واستنكاره بل ان تصريحاتهم أكدت مساندتهم لنظام الحكم القائم وعلى رأسه الرئيس مبارك. حتى أن جماعة "الاخوان المسلمين" أصدرت بياناً هنأت فيه مبارك على نجاته واستنكرت "المحاولة الآثمة التي استهدفت اغتيال الرئيس". وإذا كانت محاولة اغتيال مبارك أدت الى نتائج "ايجابية"، فهي قد تسببت في مزيد من تدهور العلاقات المصرية - السودانية. وترى السلطات المصرية أن تقاريرها الأمنية تؤكد المآخذ الآتية على النظام السوداني: - تبني واستقبال العناصر المتطرفة و"الافغان العرب" من جنسيات عربية وافريقية وآسيوية ومنحهم التسهيلات والاقامة الرسمية والدعم المادي. - فتح معسكرات للتدريب في الغابات السودانية لتقديم التدريبات الراقية لكل الاصوليين من مختلف الجنسيات بالاضافة الى تسهيل عمليات خروجهم من الخرطوم الى بلادهم للقيام بعمليات ارهابية ضد الأنظمة الرسمية. - اقامة مشروعات استثمارية على الأراضي السودانية وتحقيق عائد لتمويل العمليات الارهابية. - اعداد الأدوات اللازمة الخاصة بالعمليات الارهابية من تدبير الأسلحة، والمفرقعات، وأدوات التزوير للمحررات والوثائق الرسمية. - استقبال "الافغان العرب" وفتح كل الحدود، والموانئ، والمطارات لاستقبالهم دون أي شروط مسبقة. - اقامة المؤتمرات السياسية والدينية لجمع الفصائل الأصولية في الدول العربية للضغط على الأنظمة لتقديم تنازلات لتلك الجماعات. - منح تأشيرات اقامة ل "الافغان العرب" واعتبارهم مواطنين سودانيين من الدرجة الأولى. - توفير فرص التدريب العسكري ل "الافغان العرب". - ضبط مجموعات ضخمة من الأسلحة والمفرقعات في منطقة كوم امبو بأسوان. وجاءت اعترافات المتهمين في القضية رقم 234/95 متضمنة "اشراف احدى ادارات جهاز الاستخبارات السوداني على معسكرات التدريب العسكري، وقيام ضباط في هذا الجهاز باستقبال قادة "الافغان العرب" في مطار الخرطوم، واصطحابهم، في سرية تامة، الى معسكرات خارج العاصمة". - "قيام بعض كبار ضباط القوات المسلحة السودانية بتدريب الكوادر الأصولية على استخدام أحدث الأسلحة بالاضافة الى التدريب الراقي في مجال المتفجرات والاستخبارات". - "القيام بمشروعات تدريب داخل بعض المعسكرات لعمليات الاغتيال السياسي والنسف والتفجير". - "اقامة وتأسيس مكاتب تصدير واستيراد للتمويه على اقامة "الافغان العرب" على الأراضي السودانية". - "اعتبار السودان قاعدة لانطلاق "الافغان العرب" للعودة الى بلادهم أو بعض الدول المجاورة، ومنها اريتريا، وكينيا، واوغندا، واثيوبيا، أو الى بعض الدول الأوروبية كايطاليا، وانكلترا، والنروج، وسويسرا، وبلغاريا، وفرنسا". القوة العسكرية المصرية تعتبر القوات المسلحة المصرية من الأضخم والأفضل تجهيزاً وتدريباً في المنطقة العربية، بفضل جهود حثيثة بذلتها القاهرة طيلة العقدين الماضيين لرفع مستوى قدراتها العسكرية وتزويد جيشها بعض احدث انواع الأسلحة والمعدات. ويقارب مجموع القوات المسلحة المصرية في الوقت الحاضر نصف مليون جندي، يضاف اليهم نحو 300 الف احتياطي. وتتوزع هذه القوات على اكثر من 320 الف جندي في القوات البرية، ونحو 25 ألفاً في البحرية، وأكثر من 50 ألفاً في سلاح الجو، ونحو 80 ألفاً من عناصر قيادة الدفاع الجوي. وتتوزّع القوات البرية المصرية على تشكيلات رئيسية تضم قيادتي جيشين فيلقين ميدانيين، و12 فرقة مدرعة وميكانيكية، وفرقة حرس جمهوري مدرعة، و6 ألوية مدرعة وميكانيكية مستقلة، و3 ألوية مشاة، ولواءين من القوات المحمولة جوّاً، ولواء مظليين، و7 أفواج قوات خاصة صاعقة، و15 لواء مدفعية، وفوجي صواريخ ارض - ارض. وتشتمل معداتها على حوالى 4 آلاف دبابة، و5 آلاف عربة قتال مدرعة، و2000 مدفع ميدان وهاوتزر ثقيل، و300 راجمة صاروخية وآلاف مدافع الهاون والمدافع المضادة للدروع والصواريخ المضادة للدروع، الى جانب 24 منصة اطلاق صواريخ ارض - ارض من طرازي "سكاد" و"فروغ". وتضم قوات الدفاع الجوي حوالى الف منصة اطلاق صواريخ مضادة للطائرات، وأكثر من 2000 قاذف صواريخ م/ط محمولة على الكتف وعدد مماثل من المدافع المضادة للطائرات. اما القوات الجوية فتضم حوالى 25 سرباً قتالياً رئيسياً، وتشتمل طائراتها على اكثر من 550 مقاتلة وقاذفة وهليكوبتر قتالية، ونحو 200 هليكوبتر مساندة متنوعة، و50 طائرة نقل، ونحو 200 طائرة تدريب، الى جانب 15 طائرة رصد وإنذار وتنصّت وتشويش وعمليات الكترونية متنوعة. أمّا القوات البحرية فتضم 6 غواصات و6 فرقاطات و24 قطعة سطح قتالية رئيسية متنوعة. وتشتمل معدات القوات المصرية على انواع حديثة جداً من الأسلحة القتالية أهمها دبابات "م - 1 أبرامس" الاميركية، ومقاتلات "ف - 16 فالكون" الاميركية و"ميراج - 2000" الفرنسية، اضافة الى انواع عدة من الأسلحة السوفياتية الأصل التي ادخل عليها المصريون تعديلات وتحديثات متنوّعة بمساعدة اميركية وأوروبية. القوة العسكرية السودانية تصعب مقارنة القوة العسكرية السودانية بنظيرتها المصرية، فهي اضعف منها كثيراً في المجالين الكمّي والنوعي على حدّ سواء. كما ان هذه القوات تعاني من مشاكل مزمنة على صعيد التسليح والتجهيز والتدريب وقطع الغيار وخدمات الصيانة والمساندة الفنية واللوجستية. ويقدّر مجموع القوات المسلحة السودانية النظامية حالياً بنحو 120 ألف جندي، منهم 115 الف جندي في القوات البرية، ونحو ثلاثة آلاف في سلاح الجو، وما لا يزيد عن ألف في سلاح البحرية. أما أهم تشكيلاتها فتتألف من فرقة مدرعة واحدة، و6 فرق مشاة، وفرقة محمولة جوّاً، ولواء قوات خاصة، ولواء ميكانيكي، ولواء استطلاع خفيف، و7 ألوية مدفعية، و24 لواء مشاة، و12 لواء دفاع جوّي. وتشتمل معدّات الجيش السوداني على حوالى 350 دبابة، و650 عربة قتال مدرعة، و500 مدفع ميدان وهاوتزر ثقيل، ومئات من راجمات الصواريخ ومدافع الهاون والمدافع المضادة للدروع والمدافع المضادة للطائرات، ونحو 18 منصة اطلاق صواريخ مضادة للطائرات، ومعها عدد غير معروف من قواذف الصواريخ م/ط المحمولة على الكتف. اما سلاح الجو فيضم حالياً نحو 75 طائرة قتالية وعدد قليل من طائرات الهليكوبتر الهجومية، الى جانب حوالى 40 طائرة هليكوبتر متنوعة، و20 طائرة نقل، وعدد مماثل من طائرات التدريب والمساندة. وتقتصر معدات البحرية السودانية على عدد من زوارق الدورية وخفر السواحل وقوارب الانزال والمركبات النهرية.