عباس عبدالله حجل أوغلو مواليد 1940، قنصل أذربيجان في اسطنبول منذ العام 1993. وهو في الوقت نفسه من كبار مثقفي وشعراء اذربيجان، وكان اميناً عاماً لاتحاد الكتّاب الاذريين منذ العام 1967 حتى تعيينه قنصلاً لبلاده في اسطنبول. ومع انه كان عضواً في الحزب الشيوعي حتى العام 1990، الاّ أنه كان في طليعة الحركة القومية في بلاده، ومزّق علناً بطاقته الحزبية بعد ثلاثة أيام على الدخول الشهير للدبابات الحمر الى باكو في 19 كانون الثاني يناير 1990. وهو يحمل شهادة دكتوراه في العلاقات السلافية - التركية، ومناصر شديد للرئيس الآذري المخلوع ابو الفضل ألتشي بك. وتتسم آراؤه ازاء مختلف القضايا الحساسة المتعلقة بأذربيجان بصراحة نادرة، كما يتضح من الحوار الآتي: كيف تقوّم الوضع الداخلي في اذربيجان اليوم؟ - على الصعيد الاقتصادي لا نستطيع القول أن الوضع جيد، لأسباب كثيرة. في أذربيجان اليوم مشكلة ما يزيد على مليون ونصف المليون لاجىء أذري. معظمهم جاء من الجمهوريات السوفياتية بعد نيلها الاستقلال، مثل تركمانستان واوزبكستان وجورجيا، اضافة الى 300 ألف اذري هُجّروا على أيدي القوات الارمنية. والسبب ليس فقط الحرب مع ارمينيا، فهناك اتراك كانوا يعيشون منذ الفي سنة في جورجيا اجبروا الآن على الهجرة. ومعظم هؤلاء المهاجرين قصد العاصمة باكو المحدودة الامكانات للاستيعاب. وانعكس كل ذلك على الاوضاع الاقتصادية بحيث ان الراتب الشهري للجندي، وهو يتقاضى اكثر من غيره، لا يكفي لشراء 30 رغيف خبز. أما على الصعيد السياسي فإن عدم الاستقرار كان سمة منذ الاستقلال لسبب واحد هو أن ورثة النظام الحزبي الواحد ايام الشيوعيين لا يريدون تأسيس جمهورية ديموقراطية ومتعددة الاحزاب. ما هو واقع العلاقة الحالية بين الرئيس حيدر علييف والرئيس السابق ابو الفضل التشي بك؟ - لا توجد، على حد علمي، علاقات بين علييف والتشي بك. لكن لا يمكن القول بوجود اختلاف جدي بينهما. اذربيجان هي الوحيدة بين الجمهوريات التركية المستقلة التي لا يرابط فيها جنود روس. والحفاظ على هذا الواقع نقطة التقاء مهمة مشتركة بين علييف والتشي بك. لماذا ألغت الحكومة الاذربيجانية حصة ايران البالغة 5 في المئة في "اتفاق القرن" النفطي وأعطتها لتركيا؟ - السبب الرئيسي يعود الى انعدام التجربة على الصعيد الدولي لدى الدولة الاذربيجانية التي أعطت ايران حصة من الاتفاق النفطي كونها جارة ومسلمة، لكن من دون التشاور مع اعضاء الكونسورسيوم. وعندما عرف هؤلاء بذلك، اتخذوا موقفاً معارضاً وكان ان تراجعت الحكومة عن اعطاء حصة لايران. لكن، لا يجب ان تضخّم ايران هذه المسألة. فوزير خارجية اذربيجان حسن حسنوف وجه رسالة الى ايران حول امكان التعاون لاستخراج النفط في حقول اخرى في اذربيجان. لترفع روسيا يدها وقفت ايران بشدة ضد نظام الرئيس السابق ابو الفضل ألتشي بك، وقابلت بارتياح مجيء حيدر علييف مكانه. الآن كيف تنظر الى واقع العلاقات بين البلدين؟ - لا أقيمّها على أنها جيدة. وتتحمل ايران مسؤولية ذلك. فهي تعرف ان ارمينيا معتدية ومع ذلك تطور علاقاتها معها وتبيعها الغاز الطبيعي والوقود، وهي تعرف ان ارمينيا احتلت اراضي دولة مسلمة أخرى. ولو كانت ايران دولة مسلمة وجارة لما ساعدت ارمينيا وقدمت لها الدعم. هل من تطورات جديدة بالنسبة الى مشكلة ناغورني قره باخ؟ - مسألة قره باخ متأتية اصلاً من استقلال اذربيجان والجمهوريات الاخرى، ومنها ارمينيا، عن الاتحاد السوفياتي. لأن روسيا اصبحت منعزلة ومقطوعة الممرات الى العالم، في البلطيق واوروبا الشرقية والقوقاز وآسيا الوسطى. والقوقاز هو بوابة روسيا الى الشرق الاوسط ولا تريد خسارة هذه البوابة. ومن اجل ذلك حرّكت روسيا مشكلة قره باخ بين اذربيجانوأرمينيا ومشكلة ابخازيا في جورجيا. المسألة في جوهرها هي التدخل الروسي. وكما فعلت روسيا عامي 1905 و1915 اثناء الحرب التركية - الارمنية، لقمع حزب الطاشناق القومي ومطالبه القومية، فهي تسعى اليوم لضرب هذا الحزب واثارة الفتنة بين الارمن انفسهم عبر حظر الرئيس الارمني تيربتروسيان لحزب الطاشناق بطلب من روسيا. ان هدف روسيا الوحيد هو اثارة الفتن. واذا رفعت روسيا يدها عن القوقاز تنتهي مشكلة قره باخ فوراً. تركيا لم تفهم كيف تقوّم العلاقات الحالية بين تركياواذربيجان، خصوصاً بعد خلع التشي بك المؤيد بقوة لتركيا ومجيء علييف الاقل حماساً لمثل هذه العلاقات. - العلاقات بين البلدين لم تكن على درجة ممتازة خلال حكم التشي بك، كما انها ليست سيئة خلال حكم علييف. المشكلة ان تركيا لم يكن لها في اي وقت اية سياسة او برنامج محدد مع "الخمسة"، أي الجمهوريات التركية. يجب ان نعرف اولاً من أي نافذة يجب أن ننظر الى العلاقات بين اذربيجانوتركيا. لنفترض ان اذربيجان ليست تركية ولا حتى مسلمة. لننظر الى المسألة من زاوية المصالح الخارجية. في جوار تركيا دولتان معاديتان لها: روسياوأرمينيا. وأرمينيا لها مطالب في اراضي تركيا. وهي اليوم تحتلُّ اجزاء من اذربيجان. وغدا قد تحاول ذلك مع تركيا. ومن زاوية الوضع الجيوبوليتيكي فإن اذربيجان كانت على الدوام بوابة الشرق للشيوعيين الروس. مفتاح هذه البوابة اليوم اما أن يكون بيد الروس أو بيد الاذريين انفسهم. واذربيجان هي بوابة تركيا الى آسيا الوسطى والهند والعالم الاسلامي. وسياسة روسيا ازاء الجمهوريات التركية مركزها، ليس تركيا، بل اذربيجان. يجب ان تفهم تركيا ان وقوفها مع اذربيجان ودفاعها عنها ضد ارمينيا هو دفاع عن مستقبل تركيا. اذا خسرت تركيااذربيجان او اذا ذهبت قره باخ وعادت اذربيجان مستعمرة للروس ففي ذلك ضرر أكيد لتركيا. هل تعتقد بأن هناك تنافساً ضمنياً بين تركياواذربيجان على قيادة "العالم التركي"؟ - يجب الاشارة اولاً الى أن اتاتورك رأى الوضع الراهن منذ ستين عاماً وبالضبط عام 1933. يقول اتاتورك: "سيأتي وقت ينهار فيه الاتحاد السوفياتي، مثل العثمانيين والامبراطورية النمساوية - الهنغارية. وداخل الاتحاد السوفياتي يوجد اخوة لنا في الدين واللغة. وتركيا يجب ان تستعد لتكون راعية لهم". بعد ستين عاماً ينهار الاتحاد السوفياتي ويأتي من يقول من القادة الاتراك ان ذلك الانهيار كان مفاجأة لهم. يا للاعتراف المضحك! لا يوجد في برنامج كل الحكومات المتعاقبة بعد اتاتورك اية كلمة عن اتراك الاتحاد السوفياتي. لم يكونوا يرون وجود "اتراك الخارج". كان ذلك ممنوعاً في الصحافة. أتاتورك كان يقول عام 1921: "ان نخجوان وزينغيزور وقره باخ يجب ان تكون داخل حدود اذربيجان". وأنا أقوّم ذلك عالياً. مسألة أخرى مهمة. خلال سبعين سنة من عمر الاتحاد السوفياتي، كانت اذربيجان، بالنسبة الى الاتراك السوفيات، نموذجاً وملجأً لكل المضطهدين الاتراك من جنود وعلماء وفنانين. واليوم ان ملهم معظم الحركات الثورية في شمال القوقاز هو اعلان اذربيجان استقلالها ورفضها للوجود العسكري الروسي على اراضيها. ان واقع الدول التركية اليوم هو مثل الدول العربية. الجميع من اصل عربي، لكن هناك مصريون وسوريون ولبنانيون... الخ. الآن، وبعد سبعين عاماً، تأتي تركيا للحلول محل الروس قائلة بأن هذه الشعوب تركية وليست اذرية او اوزبكية... هذا مضحك. اذربيجان هي قلب العالم التركي. وهي انبوب التنفس بين الاناضول وتركستان، اذا انكسر انتهى العالم التركي. العرب يقتلوننا هل من محاولات اذربيجانية لتوثيق العلاقات مع العالم العربي خصوصاً ان هناك نشاطاً مكثفاً للاسرائيليين في اذربيجان؟ - اذربيجان منذ اعتناقها الاسلام في القرن السابع وهي جزء من العالم الاسلامي الى أن وقعت تحت السيطرة الروسية في اوائل القرن التاسع عشر وانقطعت عن العالم الاسلامي والعربي. بعد الاستقلال تأسست من جديد علاقات مع العالم العربي ودخلت في منظمة المؤتمر الاسلامي. لكن ذلك لا يكفي. هناك دول عربية تدعم احتلال الارمن لاراضي اذربيجانية. وهذا مناقض لتعاليم القرآن الكريم. ليؤسسوا علاقات صداقة مع ارمينيا لكن ان يقتلونا فهذا لا يُصدق. من هي هذه الدول؟ - معروفة ولاحاجة لذكر الاسماء. والعلاقات مع اسرائيل؟ - يوجد في اذربيجان، ولا سيما في باكو، جالية يهودية لها ثقل ثقافي. وتوجد علاقات ديبلوماسية وثقافية مع اسرائيل. لكن ليس بالحجم الكبير الذي يتناقله الاعلام. التأثير الاكبر يمكن ان تقوم به تركيا. وهو ما لا تقوم به مع الاسف. تأسست أخيراً "جبهة تحرير اذربيجان الجنوبية" الواقعة في الاراضي الايرانية وتلقت دعماً من الرئيس السابق التشي بك. كيف تنظرون الى هذه المسألة؟ - أنا، كشاعر وكاتب، مع توحيد الاذريين. نحن اخوة. لكننا كدولة اذرية، لا وجود لدينا لأي برنامج او سياسة توحيد ازاء اذربيجانالايرانية. لكن التجارب التاريخية تشير الى التوحيد اكثر منها الى التقسيم. المانيا قُسمت لكنها عادت للتوحد. وهناك مثال عربي وهو توحيد اليمن. الامة يجب أن تتوحد. لكن ليس بالسلاح، بل بطريقة سلمية، نحن لا ادعاءات لنا في اراضي ايران. وجل ما نطالب به هو اظهار ايران التفهم للموقف الاذري ازاء أرمينيا وقره باخ ووقف مساعداتها لهما.