بدا واضحاً ان التطورات التي شهدتها دولة قطر الاسبوع الماضي حسمت لمصلحة اميرها الجديد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، بعدما أزيح والده الامير السابق الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني علي آل ثاني العام 1972. واثر اعلان التغيير الثلاثاء الماضي تدفق افراد الاسرة الحاكمة والمواطنون لمبايعة الامير الجديد ايذانا ببدء عهد جديد في تاريخ هذه الدولة الخليجية، خصوصاً بعد اعلان عدد من الدول المهمة وبلدان المنطقة اعترافها بالوضع الجديد في قطر. وأثار اعلان تولي الشيخ حمد بن خليفة الحكم مخاوف في عدد من العواصم، من احتمال عودة والده الشيخ خليفة من سويسرا التي لا يزال مقيما فيها. وكان هدد بذلك في تصريحات بثت في يوم خلعه. ورأت مصادر ديبلوماسية ان احتمالات عودة الشيخ خليفة اثارت مخاوف من احتمال اندلاع صراع. لكن مصادر مطلعة في الدوحة استبعدت حصول ذلك، مؤكدة ان الامير الجديد يمسك بزمام الوضع منذ ان بدأ ترسيخ نفوذه قبل ثلاث سنوات وأكثر. ورغم الملفات الرئيسية المفتوحة التي يتعين على الشيخ حمد ان يعالجها ان عاجلاً او آجلاً، فإن دولاً في مركز صنع القرار القطري، أو - على حد تعبير ديبلوماسي خليجي - ان ثمة "رأساً واحداً" هو الذي سيتخذ القرارات في كل الملفات. ولوحظ ان قوات الأمن القطرية لم تتخذ اجراءات غير طبيعية اثر التطورات الاخيرة، وفيما اغلق مطار الدوحة بضع ساعات، تأكد ان لا صحة للأنباء التي تحدثت عن قيام السلطة القصرية الجديدة باغلاق الحدود مع المملكة العربية السعودية. وأبدى المراقبون ومحررو الشؤون الاقتصادية والمالية ارتياحاً، وقدراً أكبر من الاطمئنان بعدما بثت اجهزة الاعلام القطرية بيانات تؤكد مبايعة القوات المسلحة القطرية الأمير الجديد. وجاءت احداث التغيير في قطر بعدما بدا منذ العام 1992، عندما اعلن تشكيل الحكومة القطرية الحالية، ان الشيخ حمد بن خليفة يمسك بمقاليد الأمور في هذه الدولة النفطية التي تملك احد اكبر احتياطات من الغاز الطبيعي في العالم. وشكلت الحكومة عامذاك بزعامة الشيخ حمد نفسه، وخرج منها أخوه الشيخ عبدالعزيز بن خليفة الذي كان يشغل في سابقتها منصب وزير النفط والمال، واختار الاخير الاقامة منذ ذلك الوقت في العاصمة الفرنسية باريس. وبقي اخواه الشيخ عبدالله وزيراً للداخلية، والشيخ محمد وزيراً للمال والاقتصاد والتجارة. غير ان المراقبين لاحظوا ان والدهم الشيخ خليفة اعتكف منذ نحو شهرين في قصر الريان - مقر اقامته - ناقلاً معه مكتبه الخاص وديوان المحاسبة التابع له، وأنشأ الى جانبه مكتباً للموظفين. فيما بقي الشيخ حمد يدير مجلس الوزراء وشؤون الحكومة والدولة من قصر الدوحة قصر الحكم. وقال ديبلوماسيون في الدوحة ان اعتكاف الشيخ خليفة مثل ذروة مساعيه لاصلاح العلاقات بين ابنائه، والمحافظة على التضامن بين افراد الاسرة الحاكمة. وقصر زيارته للديوان الأميري على يوم واحد في الاسبوع طوال السنة الماضية. وعندما غادر الشيخ خليفة الدوحة في آخر مهمة رسمية قام بها، زار مصر، وتونس، ثم حل بزيوريخ في زيارة وصفت بأنها خاصة. وكان مقرراً ان يصطحب معه في جولته الاخير وزير الديوان الاميري السيد عيسى الكواري، وعدداً من الوزراء وكبار مستشاريه. غير ان مصادر مطلعة ابلغت "الوسط" انه في اللحظة الأخيرة اضطر الامير السابق الى مغادرة البلاد من دون المسؤولين الذين كان ينوي اصطحابهم معه. والذي كانوا يتابعون الاوضاع في قطر لم يفاجأوا بإعلان ازاحة الشيخ خليفة بالطريقة نفسها التي أزاح بها ابن عمه الامير السابق ابان قيامه بزيارة لايران، اذ بدا ان شد الحبال بين افراد الأسرة الحاكمة في السنوات الثلاث الأخيرة بدأ يرجح كفة الشيخ حمد. وبقيت دول الخليج العربي تراقب الوضع في الدوحة بحذر شديد، معتبرة ان ما حدث هناك شأن من الشؤون الداخلية لقطر التي لا يجوز التدخل فيها. اعترافات وبادرت سلطنة عمان الى الاعتراف بالوضع الجديد، وأوفد السلطان قابوس بن سعيد وزير البلاد السلطاني سيف بن حمد البوسعيدي الى الدوحة مهنئاً. ومن جهته بادر الشيخ حمد بن خليفة الى ارسال أخويه الشيخ محمد بن خليفة، والشيخ عبدالله بن خليفة، ووزير خارجيته الشيخ حمد نب جاسم بن جبر آل ثاني الى المملكة العربية السعودية، ودولة الامارات العربية المتحدة، والبحرين، والكويت - التي تشاركها قطر عضوية مجلس التعاون لدول الخليج العربية - لاطلاع قادتها على الوضع في بلاده. وتنفست عواصم عدة في المنطقة الصعداء بعدما ذكرت اذاعة الرياض - في اليوم التالي للتغيير - ان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز أكد حرصه على استمرار العلاقات الأخوية الثابته بين دولة قطر والمملكة العربية السعودية. وقالت الاذاعة ان خادم الحرمين الشريفين اعرب عن شكره وتقديره وتمنياته بالتوفيق والنجاح للشيخ حمد بن خليفة. وأذيع في طهران ان الرئيس الايراني هاشمي رفسنجاني بعث ببرقية تهنئة الى الشيخ حمد. ولد الأمير الجديد العام 1950. وبعد اكماله مراحل الدارسة النظامية في بلاده، ابتعث الى كلية ساند هيرست العسكرية البريطانية التي تخرج فيها عدد من القادة العرب، أبرزهم العاهل الاردني الملك حسين، والأمير خالد بن سلطان قائد قوات التحالف ابان أزمة الخليج. وتخرج الشيخ حمد العام 1971 وعاد الى قطر ليصدر مرسوم بترقيته الى رتبة مقدم، وعين قائداً للكتيبة المتحركة الأولى. وعندما اعلن والده توليه الحكم في العام التالي، رقى الشيخ حمد الى رتبة لواء، وعين قائداً عاماً للقوات المسلحة. وبعد ذلك بخمس سنوات اختاره والده ولياً للعهد، وعينه العام 1971 وزيراً للدفاع، وهو منصب بقي يشغله حتى توليه الحكم الاسبوع الماضي. وقام الشيخ حمد طوال الفترة الماضية بتكريس جانب كبير من وقته لتحديث القوات المسلحة القطرية، وتوفير احدث الآليات والمعدات وسبل التدريب لجنودها، وزيادة عدد افرادها. ولذلك اجمع مراقبو الشأن الخليجي على ان الشيخ حمد حسم المعركة لمصلحته منذ يومها الأول باحكامه السيطرة على القوات المسلحة. وبات واضحاً وقوف الجيش معه بعدما تلقى ديوانه، اثر التغيير، برقية من الشيخ حمد بن عبدالله آل ثاني وزير الدولة لشؤون الدفاع ونائب القائد العام للقوات المسلحة، جدد فيها العهد للشيخ حمد "أن نكون الجنوب الاوفياء للدفاع عن أرض هذا الوطن". وعكفت الحكومة القطرية برئاسة الشيخ حمد على تنفيذ برنامج طموح بتكلفة بلغت بلايين الدولارات لاستغلال احتياطات قطر من الغاز الطبيعي، وتحفيز نهضة صناعية في البلاد لتقليل الاعتماد على النفط. ونادرا ما سافر ولي العهد السابق خارج البلاد، وكان يفضل عوضاً عن ذلك تمضية ما يتاح له من اوقات الفراغ في رحلات صيد في الصحراء، وعلى متن يخته في مياه الخليج العربي. وقال عاملون معه انه يبدأ يومه العملي في السابعة صباحاً، ولا يتوقف عن العمل حتى وقت متأخر من الليل. وعين شبانا قطريين يماثلونه في الطموح والاقدام في مراكز اساسية في البلاد، فيما عكف على تنفيذ برنامج لتوطين الوظائف التي يشغلها الاجانب الذين يشكلون السواد الاعظم من عدد السكان البالغ نحو 550 ألف نسمة. وهو ايضاً من عشاق الرياضة، بل عرفته ملاعب بلاده رياضياً سابقاً ولاعباً لكرة القدم. وتولى رئاسة المجلس الاعلى لرعاية الشباب بين العامين 1979 و1991، وعمل على تطوير المنشآت الرياضية في البلاد. اما على صعيد حياته الاجتماعية فهو متزوج، وله خمسة ابناء. أكبرهم الشيخ مشعل بن حمد، وهو في العشرين من عمره، ويمارس اعمالا تجارية، ويعد من النشطين في الحياة الاجتماعية في العاصمة الدوحة. غير ان تولي الشيخ حمد الحكم يبرز الى السطح عدداً من الملفات المهمة التي بقيت تثير ردود فعل متباينة، وتتسم في الغالب بالحذر. ويمكن ترتيبها على النحو الآتي: 1 - ملف العلاقة مع ايران: تقيم قطر علاقات طيبة مع ايران التي تعتبرها الولايات المتحدة من اكبر الدول المعادية لمصالحها في المنطقة. ونسبت مصادرمطلعة في لندن الى ديبلوماسي غربي قوله ان الاميركيين لا يحبون ذلك ولا الاسرائيليين، "لكن القطريين يرونه أمراً منطقياً". ورأى الديبلوماسي الغربي ان القطريين حريصون على الا تكون هناك تعقيدات في علاقاتهم مع طهران، "فبالنسبة اليهم من الضروري تحاشي اغضاب هذه الجارة المهمة، لأنهم يقتسمون معها حقل غاز مهماً". وهي اشارة الى حقل الشمال البحري الضخم للغاز الطبيعي الذي تعتبره قطر ضمانا لرفاهيتها في المستقبل. ويقع جزء منه في المياه الاقليمية الايرانية. 2 - ملف العلاقات مع اسرائيل: ترغب اسرائيل في شراء 2.5 مليون طن من الغاز الطبيعي من دولة قطر. وذكرت تقارير ان وزير الطاقة الاسرائيلي جونين سيجيف ومسوولين اسرائيليين التقوا الشيخ حمد بن خليفة وأجروا معه محادثات في شأن التعاون بين الجانبين. غير انه على النقيض مما ذكر عن تلهف الدوحة الى تطبيع علاقاتها مع اسرائيل، فهي لم تقدم على شيء من ذلك. لكن موقفها المؤيد للتعجيل بالتطبيع اثار مخاوف خليجية، وان كان طمأن واشنطن الى امكان الحصول على دفعة قوية لعملية السلام. ويعتقد - حسب تصريحات المسؤولين في اسرائيل - ان الاتصالات بين الطرفين تدور حالياً حول اقتراح لتصدير الغاز الطبيعي على ناقلات الى اسرائيل مسالاً، على ان يحول هناك غازاً طبيعياً في محطة تبنى في ميناء ايلات المطل على البحر الاحمر. ويعتقد ان اتصالات اسرائيلية تجري مع مصر لاقناعها بالسماح ببناء خط انابيب لنقل الغاز الطبيعي الى اسرائيل مباشرة، دون حاجة الى شحنة ثم معالجته. وتفيد المعلومات ان المفاوضات في شأن امدادات الغاز الطبيعي القطري تجري من خلال شركة انرون الاميركية التي منحتها الدوحة امتياز تطوير حقل ضخم للغاز الطبيعي في اراضيها. 3 - ملف الحدود: في رأس هذا الملف المشكلة العالقة مع البحرين. علماً انه لم يطرأ جديد على قضية الحدود مع المملكة العربية السعودية منذ تطويق آثار حادثة الخفوس. غير ان التوقعات تنصرف الى ان العلاقات بين الدولتين الخليجيتني المتجاورتين ستشهد انفراجاً، وتطوراً الى مزيد من التفاهم والتعاون. وبدا واضحاً ان القيادة القطرية الجديدة سعت الى طمأنة الرياض بايفاد شقيق الامير الشيخ عبد الله وزير الخارجية الى المملكة في اليوم نفسه الذي تولى فيه الشيخ حمد الحكم. لوحظ ان اجهزة الاعلام القطرية ابرزت الاربعاء الماضي تمنيات خادم الحرمين الشريفين للشيخ حمد بالتوفيق في مسؤولياته. كما حرصت على الاشارة الى ان امير البلاد حرص على إطلاع مجلس وزرائه الاربعاء الماضي على فحوى المحادثات التي اجراها مبعوثاه مع العاهل السعودي. العلاقات مع بغداد 4 - ملف العلاقات مع العراق: ينظر حلفاء قطر الغربيون بحذر الى علاقاتها الوثيقة المتنامية مع بغداد. وكان وزيرا النفط والخارجية العراقيان لقيا ترحيباً على نطاق واسع في زيارتين قاما بهما للدوحة هذا العام. وشنت قطر حملة نشيطة للتخفيف من عقوبات الاممالمتحدة على العراق. وتمسكت الدوحة بأنها على رغم خوضها الحرب ضد قوات الرئيس صدام حسين في حرب الخليج، فإن الشعب العراقي يجب ان الا يعاني نتيجة تصرفات رئيسه. لكن مسؤولين قطريين يؤكدون ان بلادهم لا تزال على اي حال ملتزمة تماماً عقوبات الأممالمتحدة، وأنها لن تنتهكها من جانب واحد. وذكرت مصادر ديبلوماسية، غير انها لم تسفر عن شيء حتى الآن يثير غضب اصدقاء قطر الرئيسيين في الغرب كالولايات المتحدة. 5 - ملف العلاقات القطرية - الخليجية: يرى ديبلوماسيون ان تسلم الشيخ حمد بن خليفة الحكم في قطر أثار مخاوف من استمرار مواقف قطر المستقلة عن الاطار العام للسياسات التي تتفق عليها الدول الست الاعضاء في مجلس التعاون الخليجي. وأشاروا - تحديداً - الى التقارب مع العراق، ودول عربية اخرى تتهمها الكويت بتبني موقف مؤيد للعراق خلال أزمة الخليج، خصوصاً السودان، والأردن، واليمن. ويرى الديبلوماسيون ان الشيخ حمد يعتبر "المهندس الفعلي" لتلك المواقف. غير انه اكد التزامه المواثيق والمعاهدات ولاتفاقيات الدولية التي ابرمتها بلادها مع الدول المختلفة، وإنها ستبقى عضواً في مجلس التعاون الخليجي، وجامعة الدول العربية، والمنظمات الدولية والاقليمية الأخرى. ويذكر ان قطر دافعت مراراً خلال السنوات الماضية عن مبدأ مشاركة ايرانوالعراق في ضمان أمن الخليج، وهو امر لا يروق لدول خليجية أخرى، ما بقي النظامان في طهرانوبغداد.