عشرون عرضاً للأزياء الراقية لشتاء 95 - 96 في باريس، على مدى خمسة أيام، كانت نوعاً من اخراج مسرحي رائع، تبارى فيه المصممون وهم هذه المرّة يعدون على الاصابع، لأن دور الأزياء الراقية كالقلاع الجميلة الحصينة لا يستطيع تسلق اسوارها والعيش وراءها غير ابطال الأساطير. روائع، لكنها خطرة. هكذا تُلخص الموضة الشتائية المقبلة الراقية. انها جميلة جداً، لكنها ايضاً هشة جداً، ولأن تصاميمها مستوحاة من اناقة الملكات في قرون غير بعيدة، فهي مخيفة بجمالها الهش، بفخامتها غير المعقولة، وربما الضرورية على عتبة الانتقال من عهد رئاسي الى آخر. ومن يداوم على حضور مثل هذه العروض التي تحلم كثيرات ان تشاهد واحداً منها لا بد انه لاحظ حضور السيدة شيراك، صاحبة الكشتبان الذهبي التي كانت ترعاه وتمنحه بيدها الى اجمل عرض. كانت منذ اليوم الأول للعروض، تشارك في مهرجانات هذه الظاهرة الموضوية الفرنسية على الصعيد العالمي. كانت تفعل ذلك من قبل، لكن حضورها عرض كريستيان لاكروا الذي افتتح عروض الأزياء، اكَّد على أنها ستبقى الراعية للموضة الفرنسية وصناعتها، وان اصبحت السيدة الفرنسية الأولى. والموضة هذا العام كانت مسيطرة وواثقة على الرغم من انها لا تمثل اكثر من 6 في المئة من أرقام عمليات الموضة الحسابية. لكنها حجر الأساس لكل النشاطات الازيائية المتفرعة عنها ولكل اسواقها وشهادتها. كل سنة عن سنة ترتقي اكثر هذه الأزياء الراقية. فهي اكثر من راقية عند لانفان. واكثر من عرض عند كاردان. ويطرح بالمان لغزاً مع مصممه اوسكار دي لارنتا الأميركي الذي ينتهي عقده معه وبعد اشهر عدة. هوبير جيفنتشي الذي ارتبط اسمه باسم اودري هيبورن قدم عرض ازيائه الفخم لآخر مرة بعد ان استمر في هذه المهنة ثلاثة وأربعين عاماً. طبعاً، هناك من سيخلفه، لكن على مستوى آخر. وهناك همس يدور حول جون غاليانو قد يفتح عهداً جديداً في دار جيفنتشي القابعة في جادة جورج الخامس. مع اطلالة العام 2000، اربعة من كبار الموضة الراقية يكونون قد غادروا دورها. لكن كل نهاية قرن يبشر بتحول وبتطور، وكلمة "سأتماسك" تبقى معلقة على الشفاه وكذلك على خشبات عروض الأزياء في قاعات اللوفر والفنادق الفخمة، وبتغطية اعلامية خارقة كالعادة. ان العروض هي استعراضات مدهشة هذه المرة لدرجة ان شركة مرسيدس طلبت الى كريستيان لاكروا ان يعرض مجموعة موديلاته الشتائية للمرة الثالثة امام ستين من مدعويها. وقبض مقابل ذلك مبلغ ثلاثمئة الف فرنك فرنسي. وان كان هذا المبلغ يغطي بعض المصاريف فقط، لكن التصفيق الذي حصل عليه من نخبة مدعوي شركة المرسيدس سيعوض عليه اضعافاً. كل العروض الفخمة جرت تحت وابل من التصفيق على كل حال. في عرض حياتي فرساس، كانت مادونا مع المغني كارلوس في الصف الأول. صرعة التصاميم انها كانت كلها بلون الثلج تحتها كميات من التطريز. ممنوع العبوس عند فرساس. الشتاء ضاحك كالصيف والتنانير قصيرة تختال بها العارضات الشهيرات ناومي وكلورديا ونادجا. وليس من زر واحد على موديل من موديلاته. لقد احتلت السحابات مكانها، من الأعلى الى الأسفل، ومن الصعب ارتداء ثوب من اثوابه من دون مساعدة. لكن الموضة الراقية تفرض ذلك. انيقات الأساطير سبع وثلاثون دقيقة مدة عرض نينا ريتشي، وخمسة وسبعون موديلاً للنهار والسهرة كل واحد منها ينافس الآخر جمالاً. وفعلاً لم يكن يفكر المصمم جيرار بيبار الا بسيدة اجتماعية من طبقة خاصة حين حقق موديلاته. الترواكار بالفراء للنهار والثوب الطويل حتى باللون الأحمر والقبعة الكبيرة للسهرات. ثوب العروس كان بلون زهري فاتح لكن الفوال الطويل بقي بلونه الأبيض. ان كانت اثواب سهرة كريستيان لاكروا ادهشت الحضور بثقل التفتا فيها وبكثرة المجوهرات التي ترافقها، فلم تكن المصممة تورنت اقل منه تفجراً ألواناً في موديلاتها الشتائية المقبلة. بل كانت اكثر منه جرأة باستخدام الاستراكان والأورغنزا وبحصر الخصر كأن العارضات في موديلاتها قد ولدن مشدودات القامة حتى الاختناق. وهذا بخلاف المصمم الايطالي الشاب غالانت الذي جعل الحضور يشهق امام عرض موديلاته بثنيات دقيقة تهادت العارضات فيها باقات تتهدل. جيانكو فيري الذي لا يعرف الاعتدال في تصاميمه لكريستيان ديور، حاول ان يتفوق على زملائه باستيحائه الاضواء من رسام الألوان والبريق بول سيزام. وكان هذا يقول دائماً: "ان مَنْ لا يملك ذوق المطلق فهو يعيش عيشة خاملة". وجاءت موديلات جياني فيري بمثابة تحية مسبقة للرسام العالمي الذي سيقام له معرض خاص له في القصر الكبير في باريس في ايلول سبتمبر المقبل. ومن لم يسمع بالرسام الكبير سيزام، فهو يستطيع ان يتعرف عليه فعلاً من خلال ألوان الأرض والثمار والخضرة والمياه في موديلات جياني فيري وبتطريزاته الرائعة التي راحت تلمع كالمرايا. حتى النساء في لوحات سيزام كانت بيهاتهن على خشبة العرض، كأنَّ سنوات 1888 و1890 و1891 قد عادت عبر انيقاتها الى الحاضر. والتاريخ استحضرته دار كارفن بدورها في مناسبة مرور خمسين سنة على وجودها في الساحة الموضوية الباريسية. ومن الطبيعي ان تكون سنوات الموضة التي توقفت عليها هي الخمسينات. الجاكيت القصيرة والتنورة الضيقة للنهار والمخمر والتطريز للأمسيات. أوليفيه لابيدوس فاق سواه بالذهب. موديلاته قادمة من القرن الثالث الميلادي. الحرير كثير والذهب عيار 18 يغطيه حقيقة، مع التفتا والدانتيل. وعلى خشبة العرض لوحظ الفرق بين موضة النهار وموضة السهرات، فحين اختفى الذهب ظهر اللون الأسود في تنانير رومانطيقية واسعة تعلوها صدريات مشدودة الى الخصور بالتطريز. وحلم لوكاونت هيمانت، المصمم الياباني الذي نزل الى ساحة الموضة الراقية في باريس، بخطيبة دراكولا حين صمم موديلاته. رادنجوت طويل وياقة عريضة وشعر احمر وجزمة "مروسة" وشال ينزلق حتى الأرض. وجو العرض تغيَّر مع موديلات فالنتينو الذي بدا سعيداً كل السعادة عبر رومانطيقية الوانه وبتحيته غير المباشرة الى بالانسياغا بباقات تايوراته المستديرة. وسعادة فالنتينو مستمدة هذه الأيام بالدرجة الأولى من بيعه قبل اسابيع اكثر من 64 ثوباً لنساء حضرن عرس بول إبن ملك اليونان السابق الذي جرى في لندن. كوكوشانيل من جديد عند جان لوي شيرر احتل المشلح مكان المعطف وفي محاولة للتأكيد ان هناك فرقاً بين الموضة الجاهزة والموضة الراقية. كثير من الفراء والياقات البيضاء على التايور وتطريز بطول 70 سنتمتراً على أثواب السهرة. لكن المفاجأة هذه المرة كانت في عرض شانيل، وليس لأن السيدة برناديت شيراك كانت في مقدم الحضور والى جانبها ايزابيل زوجة رئيس الوزراء الفرنسي آلان جوبيه، بل لأن كارل لاغرفيلد المصمم عاد فجأة الى أيام كوكو شانيل بالذات في اثوابها الرصينة التي تلف الجسم بأزرارها وجيوبها المعروفة، من دون أية اكسسوارات على الاطلاق وبتسريحات على الطبيعة، مع عودة الى تايور الثلاثينات كما ابتكرت كوكو بتنورته الضيقة وبالجاكيت المعروفة حتى اليوم بجاكيت شانيل. اما عند اونغارو فقد بانت نفحة الشرق في موديلاته، وشتاؤه سيكون خفيفاً كالريش وحيث المعطف من دون بطانة، والسروال الشرقي حلّ محل البنطلون وبالشال الذي يلف الرأس والكتف على طريقة السيدة الشرقية المحافظة. كان وداع جيفنشي للموضة الراقية اكثر من مؤثر بين العاملات الثمانين معه، وقد ظهر على خشبة العرض معهن جميعاً بمريول العمل الأبيض. بعد 43 عاماً في هذه المهنة، يترك جيفنتشي مقصه الى سواء وهذه ظاهرة لم تعرف في عالم الموضة الراقية حتى الآن. وهي ان يضطر احد عمالقتها الى الخروج من الحلبة ارادياً. ولذلك جاء عرضه وداعاً لمهنته وملخصاً فيه كل عبقريته الرصينة عبر تايورات و"ترواكارات" صفق لها الجمهور طويلاً واقفاً كأنّه يؤدي له تحية الاحترام بأكثر ما يمكن من الاجلال في هذا المقام. السيدة شيراك وسان لوران ظهر تفجر الألوان عند لوي فيرو كالالعاب النارية خاصة لأثواب السهرات في اقمشتها الساتانية والمخملية. ولم يتردد على شد الخصر في اثواب النهار وكأن المرأة ترتدي مشداً دائماً لتصحيح قامتها. اما ايف سان لوران فقد اختار الاناقة والبساطة. وكانت السيدة شيراك في الصف الأول بين الحضور ولأول مرة عند سان لوران منذ ان دخل مهنة التصاميم، ومما جعل الهمس يدور حول امكانية ان ترتدي تصاميمه في الموسم الشتائي المقبل. فهي قالت لإيف عند انتهاء العرض ان موديلاته اعجبتها كثيراً، خصوصاً التايورات منها المعروضة بقصاتها الرجالية - النسائية الانيقة. وأضافت انها ستفكر في الموضوع جدياً، لأن التايور رقم 21 في العرض وهو من الكريب الصوفي بلون كستنائي وتحته قميص حريري بلون بنفسجي. افتتح بالمان عرضه بتايورات بلون اخضر او بيج بهيبة بورجوازية مع معاطف بوجهين، وختمه بأثواب سهرة مطرزة زهرية اللون يداخلها الدانتيل كثيراً. وهذا بخلاف المصمم ميشيل كليف الذي اخرج موديلات غي لاروش على مسرح العرض بتقنية مذهلة حتى كأن الأنيقة في جاكيتته التي تشد الجسم بقصاتها، تمثال فصلي. ولا غرو في ذلك عند هذا المصمم التي يوجه موديلاته عادة الى المرأة الشابة والعملية. وقد أعاد كلين الاكمام الطويلة الى الأثواب في السهرات التي قلل من تطريزها هذه المرة. لكن المدهش بين كل العروض كان عرض باكو رابان الذي تطلع فجأة صوب سنة 3000 من الآن حين فكر في تصميم موديلاته. لقد اضحك الجمهور غصباً عنه حين قدم ثوباً تنورته من الكؤوس والشوك والسكاكين. صحيح ان خاصية باكو هو استخدامه المعدن بدل القماش في موديلاته لكنه جاء في عرضه هذا بالمستحيل، وهو يقول للحضور في نهاية العرض: العالم يسرع، لو نتطلع من الآن لا الى عالم 2000 بل الى سنة 3000، ورطبت هناي موري نهاية العروض بأثواب طويلة تجتاحها الفراشات وهذا للتأكيد ان لكلٍ مزاجه في التصميم وان بقيت الفخامة جامعاً.