لا يزال التوتر متفاقماً بين السودان وجارته الشرقية أريتريا، بعدما إستضافت "الجبهة الشعبية للديموقراطية والعدالة" الحاكمة المؤتمر الخامس ل "التجمع الوطني الديموقراطي" السوداني المعارضة، الذي رأس جلساته التي بدأت السبت الماضي السيد محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديموقراطي الذي يعد أحد أكبر حزبين في السودان. وشارك في المؤتمر حزب الأمة مثّله أمينه العام الدكتور عمر نور الدايم، والحركة الشعبية لتحرير السودان رأس وفدها العقيد جون قرنق، واتحاد الأحزاب الجنوبية برئاسة إليابا جيمس سرور، والحزب الشيوعي السوداني مثله عضو أمانة لجنته المركزية التيجاني الطيب بابكر، والقيادة الشرعية للقوات المسلحة مثلها الفريق المتقاعد فتحي أحمد علي، وقوات التحالف السودانية رأس وفدها العميد عبدالعزيز خالد عثمان، ومؤتمر البِجا مثله أمينه العام محمد طاهر بابكر، وعدد من الشخصيات القانونية والسياسية، والفكرية السودانية المستقلة. افتتح المؤتمر الأمين العام للجبهة الشعبية للديموقراطية والعدالة الاريترية الأمين محمد سعيد بكلمة نوّه فيها الى عمق العلاقات بين اريتريا والسودان، وقال: "... هناك هموم مشتركة بيننا تتمثل في حالة الاستقرار واستتباب الأمن في السودان، والعمل المشترك لتحقيق مصالح شعبينا، ومصالح شعوب منطقة القرن الافريقي، وحوض وادي النيل، والبحر الأحمر". وأضاف: "كل هذا يفرض علينا التعاون والتعاضد، ومن هذا المنطلق تتضامن الجبهة الشعبية للديموقراطية والعدالة مع الشعب السوداني الشقيق من أجل الديموقراطية والعدالة والسلام، والوحدة في السودان المستقر، والمساهم في استقرار وأمن، ومصالح شعوب المنطقة". وقال المسؤول الاريتري ان انعقاد المؤتمر يأتي في ظرف بالغ الأهمية، "فالشعب في ربوع السودان ينتظر النتائج التي ستخرجون بها، والوضع الاقليمي، والدولي مهيأ للشعب السوداني من أجل استعادة حقوقه، وسيظل موقفنا مع الشعب السوداني". وحضّ المؤتمر على الخروج بقرارات محددة وعملية، حتى يثبت "التجمع الوطني الديموقراطي" أنه البديل الحقيقي للجبهة الاسلامية القومية، التي تتهمها المعارضة السودانية بالاستيلاء على الحكم في 30 حزيران يونيو 1989. وقال رئيس المؤتمر ورئيس الحزب الإتحادي الديموقراطي السيد الميرغني إن ما يدعيه نظام الخرطوم من توجه نحو الاسلام، "انما هو انتحال للاسلام وتلبيس، وتدليس، و هو حكم الأهواء. ومن هذا المنطلق فاننا نتصدى لهذا الباطل وممارساته التي تتعارض مع مقاصد الاسلام، ومناهجه، وسائر الأديان السماوية التي تدعو الى التآخي والعدل. ورأى الميرغني أن التحدي الكبير الذي يواجه المعارضة السودانية الآن يتمثل في "ضرورة وحدة الصف والكلمة، وتناول القضايا المطروحة بجدية وتجرد تام". ورسم الميرغني معالم السودان الجديد بعد اسقاط "نظام الجبهة الترابية"- على حد قوله - فقال إنه السودان "الذي يتساوى أبناؤه في الحقوق والواجبات، لا يفرق بينهم إختلاف العرق ولا الدين، ولا الثقافة، بل توحدهم وتربطهم أخوة المواطنة وصون وحدة البلاد، والتقسيم العادل للثروة والسلطة، والتنمية المتوازنة، والإهتمام بالمناطق الأقل نمواً، والمتضررة من الحرب". وأشار العقيد قرنق - في كلمته أمام المؤتمر - الى أنه كان من المفترض أن يعقد المؤتمر في وقت سابق، ولكن تعذر وجود عاصمة لديها إستعداد لإستضافة أحزاب المعارضة، "مما جعلني أقترح المناطق المحررة في جنوب السودان مكاناً، الى أن جاءت المبادرة من الرئيس الأريتري أسياس أفورقي". وحض قرنق المؤتمرين على تتويج أعمالهم بإتفاق عام على سبل إنهاء الحرب الأهلية الدائرة في السودان، وإشاعة العدالة بين سكانه، في مناخ سلمي، رأى أن منافعه لن تقتصر على حدود السودان، بل ستتضح آفاق الاستقرار، والتنمية الاقتصادية والتعاون في عموم المنطقة. وحمّل قرنق الجبهة الاسلامية القومية مسؤولية "إجهاض السلام" الذي قال إنه كان على وشك التوصل إليه مع حكومة رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي، كما حملها مسؤولية فشل مبادرة الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر في نيروبي، في كانون الأول ديسمبر 1989، ثم مفاوضات أبوجا الأولى والثانية العامين 1992 و1993، ومبادرة "الهيئة الحكومية للتنمية ومكافحة الجفاف" إيغاد التي لم تحرز تقدماً يذكر منذ العام الماضي. وأبلغ الزعيم الجنوبي السوداني المؤتمرين بأن القوات الحكومية السودانية حاولت، خلال الفترة من تشرين الأول اكتوبر 1994 وآذار مارس 1995، السيطرة على مناطق الحدود السودانية مع أوغندا وكينيا، وغرب الاقليم الإستوائي، غير أنه قال إنها فشلت، وتكبدت خسائر بشرية قدرها بتسعة آلاف قتيل. ورأى قرنق إن المنطق السليم يُملي عدم البدء بالتساؤل عن سبل إسقاط "نظام الجبهة القومية الاسلامية، لأن ذلك سؤال خاطئ، فالأجدر بنا طرح السؤال الصحيح: كيف نحقق السلام والعدالة في السودان؟ ونبحث عن اجابة صحيحة له". برنامج قرنق للسلام وحدد قرنق برنامجه للسلام في البنود التالية: 1- إن وحدة السودان لا تفرض بالقوة، بل بالارادة الحرة لشعوبه. 2- في السودان الدين ليس قاعدة للحكم والتفرقة، بقدر ما هو شأن فردي، بخلاف الدولة التي هي شأن عام. 3- الإقرار بحق تقرير المصير لشعب جنوب السودان ولبقية المناطق المهمشة، على أن يتم ذلك بعد سقوط نظام الفريق عمر البشير، وعلى أثر إنتهاء المرحلة الإنتقالية في "السودان الجديد". وأشار الأمين العام لحزب الأمة الدكتور عمر نور الدايم، في مداخلته، الى عزلة الحكومة السودانية، وقال إنها عزلة فرضها النظام بنفسه على نفسه "بسبب مواقفه المتطرفة والعدوانية ورعايته للإرهاب، وموقفه المعادي للأشقاء والأصدقاء، وسباحته ضد تيار العصر المتجه نحو الديموقراطية، والحرية، واحترام حقوق الانسان". وخلص الى أن ثمة أربعة دروس يمكن استخلاصها من تجارب الماضي، إذ "إن في السودان تنوعاً دينياً وعرقياً وثقافياً ينبغي الإعتراف به والتعامل معه على أساس التعايش السلمي ... كما أن المجموعات الوطنية المختلفة المكونة لذلك التنوع تتطلع الى العدل في كل المجالات، ولن تقبل نظاماً لا يقوم على العدل ... وأن أهل السودان دفعوا ثمناً غالياً لما خاضوه من حرب ... ولا يمكن لأحد، ولا تملك مجموعة وطنية حقاً خاصاً لتحكم الآخرين، بل ينطلق الحكم من قاعدة تأمين حقوق المواطنة لجميع السودانيين". وأشار نور الدايم، وهو وزير سابق للمال والزراعة والإعلام، الى أن مبادرة "إيغاد" لحل مشكلة جنوب السودان تشمل الاعتراف بحق تقرير المصير للجنوب، وعلق على ذلك بأنه أضحى للمطالبة بحق تقرير المصير، للمرة الأولى في تاريخ السودان، سند عريض في الجنوب وسند اقليمي ودولي. "وهذا هو حصاد التعصب، والحماقة التي عاشها السودان" منذ العام 1989. وفي شأن العلاقة بين الدين والدولة، قال الدكتور نور الدايم "نؤكد بكل قوة أننا في الحركة السياسية المعارضة ملتزمون إتفاق نيروبي 17 ابريل/ نيسان 1993، الذي نص على تنظيم علاقة الدين والدولة في سودان المستقبل، وأساسه أن تؤسس الدولة في السودان على أساس المواطنة لا الدين". وبحكم وزن الحركة الشعبية لتحرير السودان العسكري والبشري، والثقل الشعبي لحزب الأمة والحزب الاتحادي الديموقراطي، إعتبر مشاركون في المؤتمر أن الأوراق التي قدمتها القوى الثلاث تجسد الخطوط السياسية العريضة للوثيقة الختامية للمؤتمر. والملاحظ عدم وجود أي خلاف جوهري بين الطروحات السياسية للقوى الثلاث، خصوصاً حول وحدة السودان، مع الاقرار بمبدأ تقرير المصير الذي لا يعني بالضرورة الانفصال حسبما صرح العقيد قرنق ل "الوسط"، وفصل الدين عن الدولة، أو "ممارسة النشاط السياسي على أساس المواطنة" على حد تعبير الدكتور نور الدايم. متابعة اريترية ومشاورات وتابع المسؤولون الأريتريون تفاصيل اللقاءات الثنائية والجماعية بين قادة المعارضة السودانية، وإلتقوا عدداً منهم لمناقشة القضايا التي تواجه نضالهم ضد حكومة بلادهم.ذولوحظ أن أكثر ما استأثر بالنقاش مشروع "لواء السودان الجديد" الداعي الى نقل المعركة من جنوب السودان الى شماله، وهو إقتراح تقدمت به أصلاً الحركة الشعبية لتحرير السودان. وسألت "الوسط" الدكتور منصور خالد المستشار السياسي لقرنق عن مدى إجماع قوى المعارضة على الفكرة، فأجاب: "في حقيقة الأمر أن الدكتور جون قرنق لم يطرح شيئاً جديداً عندما نادى بضرورة نقل الحرب من الجنوب الى الشمال، بل أعاد الى الأذهان موقف الحركة الشعبية المنادي بأن تحمل كل فئات المجتمع السوداني المهمّشة السلاح لإنتزاع حقوقها الشرعية. ولا توجد الفئات المهمشة في جنوب البلاد فقط، بقدر ما توجد في شرق السودان وغربه وشماله". وأضاف الدكتور خالد: لتلك الفكرة أسبابها التي كثيراً ما يغفلها الناس، وهي أن أسلوب الإنتفاضات الشعبية رغم أهميته وأبعاد دلالاته، لا يمكن أن يصلح لإسقاط النظام، خصوصاً أن الجبهة الاسلامية القومية كوّنت ميليشيات مسلحة لن تتورع أبداً في اللجوء الى السلاح إذا ما تحركت جماهير الشعب السوداني، ولذلك فإن الحركة الجماهيرية لا بد أن تسلح نفسها بغية الدفاع عن نفسها. ولا أعتقد أن هناك تحفظات أو إعتراضات على هذه المسألة في الوقت الراهن، لأن ميثاق عمل التجمع الوطني الديموقراطي ينص على استخدام كل الوسائل لإطاحة النظام الحاكم في الخرطوم، بما فيها تصعيد النضال المسلح. ويذكر أنه في مقابل تلك الدعوة، كان رئيس حزب الأمة ورئيس وزراء السودان السابق المهدي المعتقل منذ 16 أيار مايو الماضي دعا الى إلتزام ما سماه "الجهاد المدني" وسيلة للخلاص من النظام. وكان من أهم الأسئلة التي طرحت في أروقة مؤتمر أسمره: كيف يمكن تجاوز التناقض بين الفكرتين؟ قال الدكتور خالد: لم يُنادِ المهدي بإلغاء النضال العسكري والإقتصار على الجهاد المدني. صحيح أنه دعا الى الجهاد المدني، وهذا أمر يخصه، وله أسبابه الخاصة والمتعلقة بالظروف الموضوعية التي يوجد في خضمها، علماً أن العصيان أسلوب من أساليب الجهاد المدني، ويمكن أن يساهم ويؤدي الى سقوط أنظمة ديكتاتورية. وفي تحليلنا لا يمكن إقتلاع نظام الفريق البشير بغير القوة، ليس لأنه قوي، وإنما لأنه نظام عقائدي قادر على الدفاع عن نفسه الى أبعد الحدود. وعلى عكس الأنظمة الديكتاتورية التي تعاقبت على السودان، فإن النظام الحالي يعرف أن سقوطه يعني سقوط فلسفته السياسية، ونهاية الأفراد الذين يوجدون في قمة هرمه. ورداً على سؤال عن تصريح أدلى به الفريق عبدالرحمن سعيد الرجل الثاني في تنظيم "القيادة الشرعية"، أكد فيه معارضة تنظيمه فكرة محاربة القوات المسلحة السودانية، ورفضها تزويد حركة العقيد قرنق بأي معلومات، قال الدكتور خالد: "هناك مدرسة سياسية سودانية بين العسكريين ترتكز على عدم إستعداء الجيش حتى في ظل الظروف الراهنة. وأنا أختلف معها. لأن المؤسسة العسكرية السودانية الراهنة قبلت أن تكون أداة قهر في يد السلطة الحاكمة، وغدت عدواً يحمل السلاح في وجه المعارضة، وكثير من الإخوان في الشمال يشعرون بنوع من النفور والإشمئزاز عندما يسمعون أخبار انتصارات قوات الحركة الشعبية على الجيش الحكومي. علماً أننا في الحركة نفصل بين الجيش كمؤسسة، وبين الضباط والجنود الوطنيين. وأعتقد إذا ما نظر الى هذه المسألة من هذه الزاوية، فيمكن الوصول الى قناعة مشتركة بصورة موضوعية". "الأمة": 3 سيناريوهات توجد، بنظر الأمين العام لحزب الأمة الدكتور نور الدايم، ثلاثة سيناريوهات ل "سقوط أو اسقاط" نظام الفريق البشير: - السيناريو الأول: "عودة النظام الى رشده واقتناعه بإخفاقاته في كل الميادين، والإستجابة الى نداء الجماهير السودانية، على غرار ما حدث في جنوب افريقيا، وزامبيا وأنغولا، ونيكاراغوا. أي تصفية النظام سلمياً عن طريق الانتخابات. وهكذا يمكن حقن دماء السودانيين". - السيناريو الثاني: "ويقوم على الإنتفاضة الشعبية كالتي أسقطت نظامي الفريق إبراهيم عبود العام 1964، والمشير جعفر نميري العام 1985". - السيناريو الثالث: "لن نلجأ اليه إلا في خاتمة المطاف، وبعد تعذّر السبل الأخرى، وهو يتمثل في إعتماد أسلوب الكفاح المسلح في الشمال أسوة بما يحدث في الجنوب". ورأى الدكتور نور الدايم أن بوادر السيناريو الثاني - الإنتفاضة - داخل بدأت تطفو على سطح الأحداث داخل السودان، وأن مقومات "الجهاد المدني"، بمفهوم رئيس الوزراء السابق المهدي، في طريقها الى التحقق. وسألت "الوسط" الدكتور نور الدايم عن سبل إزالة التناقض بين حزبه والحركة الشعبية لتحرير السودان في شأن نقل الحرب الى الشمال والجهاد المدني، فأجاب: إن أبواب العمل مفتوحة أمام الحركة الشعبية للقيام بنشاط عسكري في أي جزء من السودان، لأن شمال السودان ليس حكراً على الأحزاب الشمالية، كما أن جنوب السودان ليس وقفاً على الأحزاب الجنوبية. ومن حق أي تنظيم سوداني ممارسة نشاطه في أي بقعة من أرض الوطن". وقال الأمين العام لحزب الأمة إن السودان في حاجة الى دولة "لا هي اسلامية ولا هي علمانية، إنما تقوم على أساس المواطنة وحقوق الانسان المنصوص عليها في المواثيق الدولية، وذلك في مناخ سياسي محكوم بالديموقراطية". أسلوب بغير النظام وسألت "الوسط" الدكتور أحمد السيد حمد نائب رئيس الحزب الاتحادي الديموقراطي عن موقف حزبه من فكرة "الجهاد المدني" ومشروع "لواء السودان الجديد"، فأجاب: "يدعو الحزب الاتحادي الديموقراطي الى تعرية النظام داخلياً، وعزله خارجياً، لإسقاطه من دون اللجوء الى العنف، وحتى الآن لم نسع الى امتلاك سلاح، ولن نلجأ اليه، وفي رأينا ليس من الحكمة إستخدام السلاح، لأننا قادرون على إسقاط نظام الفريق البشير من دون سلاح، ومن خلال تنظيم المظاهرات الشعبية". وقال الدكتور حمد، وهو وزير سابق للتجارة والمواصلات، إن الجبهة الإسلامية القومية أقامت في السودان "دولة إرهابية بمعنى الكلمة، فغدت لا تُعير الإنسان قيمة، وتزج بآلاف من المواطنين الأبرياء في غياهب سجونها". إتحاد الأحزاب الجنوبية يتألف "إتحاد الأحزاب الجنوبية" الذي شارك في مؤتمر أسمره من ستة أحزاب، هي: التجمع السياسي لجنوب السودان، وحزب الشعب التقدمي، وحزب سانو، ومؤتمر الشعب السوداني الإفريقي، والمؤتمر الإفريقي السوداني، والحزب الفيديرالي السوداني. وقال رئيس هذا التكتل الحزبي إليابا جيمس سرور ل "الوسط" إن السودان "بلد إفريقي وليس عربياً، لأن عدد العرب لا يتجاوز 30 في المئة من مجمل سكان السودان الذي يقدر بحوالي 25 مليوناً. وعلى مدى تاريخنا فإن البلاد كانت تحت هيمنة الأحزاب الشمالية التي سعت بشتى الوسائل الى خلق هوية عربية للسودان، ودمجه في عموم منطقة الشرق الأوسط. وهذه السياسة أدت الى بلقنة السودان، دون أن تكون القوى السياسية السودانية الشمالية واعية لذلك. ووظفت اللغة العربية لتحقيق تلك الغاية، لكونها لغة الدين الإسلامي الذي تعتنقه غالبية الشعب السوداني". وقال سرور إن العلاقة بين شمال وجنوب السودان محفوفة بالشكوك، ومفعمة بعدم الثقة لأسباب تاريخية تعود جذورها الى تجارة الرقيق، وسياسة المستعمر البريطاني، ومواقف الأحزاب السياسية الشمالية من سكان جنوب السودان. والحل، في نظره، يكمن في تأسيس "دولة جديدة على قاعدة حديثة، توفر العدالة لكل أبناء السودان، سواء أكانوا من الشمال أو الجنوب، من الشرق أو الغرب. والإقرار بتعددية البلاد العرقية، والثقافية. وفصل الدين عن الدولة، وفتح باب مشاركة الجميع في صياغة مستقبلهم عبر نظام ديموقراطي يرتكز على أكبر قدر من لامركزية السلطة، للخروج بالبلاد من معضلة المركز الذي يملك كل شيء، والأطراف التي تفتقر الى كل شيء". وأشار سرور الى عمق مشكلة الهوية في البلاد، وقال: السودان بلد افريقي كما ذكرت، دخل عضوية الجامعة العربية إمتثالاً لنفوذ عدد من الدول العربية والأقلية العربية السودانية، ولذا كان لا بد من إدراج إعادة تحديد خصائص الهوية السودانية ضمن جدول أعمال مؤتمر التجمع الوطني الديموقراطي في أسمره. الحزب الشيوعي السوداني على رغم أن الحزب الشيوعي السوداني لم يعد ذلك الحزب المؤثر محلياً واقليمياً، بعد الضربة القاصمة التي تلقاها على يد نظام الرئيس السوداني السابق جعفر نميري العام 1971، فإن أطرافاً عربية وغربية عدة ترصد دوره في إطار التجمع الوطني الديموقراطي، مع أن الحسابات الايديولوجية القديمة ولت الى غير عودة بإنتهاء الحرب الباردة، وإنهيار الإتحاد السوفياتي السابق. وقال عضو أمانة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني التيجاني الطيب، الذي رأس وفد الحزب الى مؤتمر أسمره، ل "الوسط": "نعمل نهاراً وليلاً، في الداخل والخارج، تحت الأرض وأمام الأضواء، لاسقاط نظام الجبهة القومية الاسلامية في الخرطوم. وذكر، رداً على سؤال عن طبيعة العلاقة بين الحزب الشيوعي السوداني والأحزاب التقليدية السودانية، وكيف يعمل معها تحت مظلة التجمع الوطني الديموقراطي، "أن علاقة حزبنا بحزب الأمة والحزب الإتحادي الديموقراطي لم تعرف يوماً حالة إستقرار ما. فهي دائماً وأبداً في حال مد وجزر، بين تنسيق مرحلي وعداء آني، أو فتور موقت، ويُعزى ذلك الى الخلافات الجوهرية بين الخيار الأسلامي للحزبين، وخيارنا الماركسي. وهما خياران يقفان على طرفي نقيض. ولا يتم اللقاء بيننا إلا في الساعات الحرجة والدقيقة في تاريخ السودان، مثل الظروف التي يمر بها السودان الآن". وأضاف: "نحن في الحزب الشيوعي ملتزمون ميثاق التجمع الوطني الديموقراطي القائم على الفصل القاطع بين الدين والدولة، أي العلمانية من دون الاشارة اليها، لأنها حُمِّلت ما لا تحتمل من تفسيرات ومضامين. ونأمل أن تلتزم ذلك الأطراف الأخرى كلها". وأقر الزعيم الشيوعي السوداني بأن بلاده تمر الآن بمفترق طرق، تواجه فيه خيارات صعبة "بين الوحدة والتشرذم". وقال "إنها تمر حالياً بمنعطف تاريخي بالغ الدقة، فإما أن يسمو الناس الى مستوى التحديات، أو التراجع عن المسؤولية، ثم البكاء بعد فوات الاوان". وفي أسمره، إبان انعقاد مؤتمر التجمع الوطني الديموقراطي، إلتقت "الوسط" الخاتم عدلان أحد المنشقين عن الحزب الشيوعي السوداني، وسألته عن أسباب استقالته من الحزب الشيوعي السوداني، فقال: "لقد مات الحزب الشيوعي السوداني، ولم يعد قادراً على تحريك ساكن حتى إذا إلتهم المرء عشاءه، ولذلك لم يعد هناك مبرر لوجودي داخله، وذلك بعدما أمضيت 30 عاماً بالتمام والكمال، من دون كلل أو ملل في عضوية هذا الحزب. تحت الأرض تارة. وتحت الشمس طوراً، وفي غياهب السجون تارة أخرى". وإضاف "إن أسلوب عمل الحزب القائم على المركزية الديموقراطية كان يترجم عملياً بطريقة ديكتاتورية. وعلاوة على ذلم، فإن الحزب الشيوعي السوداني لم يعقد مؤتمراً تنظيمياً منذ 27 عاماً، وهذا يعني عدم تجديد قيادته ومكتبه السياسي ولجنته المركزية". ووجه عدلان اتهاماً خطيراً لقيادة الحزب الشيوعي، إذ قال إنها كانت على علم بمخطط الجبهة الاسلامية القومية لقلب نظام الحكم الديموقراطي، "بل كانت تملك معلومات دقيقة عن أسماء الإنقلابيين، وساعة الصفر. ومع ذلك ركتفت بإبلاغ رئيس جهاز الأمن في حكومة المهدي، ولم تقم بأي خطوة تذكر لتعبئة مؤيديها وجماهيرها، وتوعية الرأي العام السوداني بمخاطر ما كان آتياً". حملت "الوسط" اتهامات عدلان الى التيجاني الطيب عضو أمانة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، فرد عليها بالقول: "ينص دستور حزبنا على عقد المؤتمر العام للحزب كل عامين. وكنا ننوي عقد مؤتمر عام في تشرين الأول أكتوبر 1969، غير أن وقوع إنقلاب 25 أيار 1969 حال دون تحقيق مرادنا، فتعذّر عقد المؤتمر. وفي العام 1971 دخلنا تحت الأرض على أثر قيام الرائد الشيوعي هاشم العطا بمحاولة إنقلابية فاشلة ولم نخرج الى السطح إلا بعد 14 عاماً، أي مع الإنتفاضة الشعبية التي أطاحت السلطة العسكرية، هذه هي الأسباب الموضوعية التي حالت دون عقد مؤتمرنا على مدى 28 عاماً. وهي حقيقة لا ينكرها أي شيوعي". وأقرّ التيجاني الطيب بعدم تجدد قيادة الحزب الشيوعي السوداني على مستوى المكتب السياسي واللجنة المركزية. وعزا ذلك الى عدم انعقاد مؤتمرات الحزب منذ العام 1967. ولكنه نفى وبشدة سيادة أسلوب ديكتاتوري داخل الحزب، وقال: "الخاتم عدلان لا يعرف إلا الوسط الطلابي، والمثقفين. وهو غير مؤهل للحكم الموضوعي على أسلوب سير الحزب في شتى الجوانب". ثم استدرك قائلاً: "هناك حالات إستثنائية إتخذت فيها القيادة قرارات إستثنائية، لأن ظروف نشاطات الحزب تحت الأرض لم تكن مواتية لطرح كل القضايا على بساط النقاش لأسباب أمنية وعملية". وإعترض القيادي الشيوعي السوداني بشدة على اتهام عدلان الحزب بمعرفته أن الجبهة الإسلامية القومية تستعد للقيام بإنقلاب عسكري. وقال: "كنت شخصياً من أول الذين إعتقلتهم عناصر الجبهة. ولو كنا في الحزب على علم بإنقلابها، فهل يعقل أن نسلم أنفسنا كالخرفان لذئاب مفترسة؟". "القيادة الشرعية" للجيش أعلن قيام تنظيم "القيادة الشرعية للقوات المسلحة السودانية" إثر نجاح إنقلاب الفريق البشير العام 1989. وإنضم التنظيم الى عضوية التجمع الوطني الديموقراطي المعارضة في أيلول سبتمبر 1990. يتزعم التنظيم القائد العام السابق للجيش الفريق فتحي أحمد علي، ويعاونه الفريق عبد الرحمن سعيد النائب السابق لرئيس هيئة الأركان. سألت "الوسط" الفريق سعيد عن سبل الخلاص من مأزق السودان الراهن، فأجاب: الكل مجمعون على أن النظام الحالي غير شرعي، وأنه أتى الى السلطة بالبندقية، وتجب لذلك إزاحته بالبندقية أيضاً". وإوضح أن القيادة الشرعية تقوم بتنسيق نشاطاتها في الداخل والخارج بصورة عملية، وأشار - خصوصاً - إلى أن النظام تمكن من إحباط مخطط كان التنظيم ينوي تنفيذه في أغسطس آب 1991، "فإعتقل من إعتقل، ومع ذلك فالأمل معقود على القوات المسلحة لإسقاط المجموعة الحاكمة في الخرطوم". وسألته "الوسط" عن مدى إستعداد تنظيم القيادة الشرعية للتعاون مع حزب الأمة في ظل دعوة الأخير الى إسقاط النظام عن طريق الجهاد غير العسكري، فقال: لسنا دعاة إراقة الدماء، ولسنا محترفي قتل. وإذا كان ممكناً تحقيق الأهداف المنشودة من دون خسائر وقتال، فلا إعتراض لدينا، سنؤيد ذلك الخيار من دون أدنى تحفظ. لكن اذا لم يحقق أسلوب الجهاد المدني الغاية المنشودة فينبغي الركون الى الخيار العسكري بلا تردد أو تململ. ففي ظروف السودان المعقدة والصعبة، لا يجب أبداً اسقاط خيارات الجهاد المدني والانتفاضة الشعبية والمواجهة العسكرية. وأعرب الفريق سعيد عن اعتقاده بضرورة وجود "تنسيق عسكري" بين القيادة الشرعية والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة العقيد قرنق، "حتى لا يكون العمل العسكري محصوراً في المناطق الجنوبية، وبهدف توسيع نطاقه ليشمل كل الاقاليم الشمالية بما فيها العاصمة الخرطوم". ورأى الفريق سعيد أن نقل الحرب من الجنوب الى الشمال سيُعجل بسقوط الفريق البشير. وسألنا الفريق سعيد عن التناقض البيِّن بين تصريحاته الأخيرة في شأن محاربة النظام، وتصريح أدلى به ل "الوسط" في كانون الثاني يناير 1994، جاء فيه أن "القيادة الشرعية أعلنت منذ اللحظة الأولى لانضمامها الى التجمع الوطني الديموقراطي أنها لن تحارب الجيش السوداني، ولن تعطي معلومات عنه الى حركة العقيد قرنق". فردّ: قلت هذا الكلام في وقت من الأوقات وما زلنا عند موقفنا من هذه المسألة. وأضيف إلى ذلك أنه لا تجب مقاتلة الجيش السوداني الذي يتعرض للتصفية، فلا تزال في صفوفه عناصر وطنية نظيفة". قوات التحالف الوطنية وهذا تنظيم عسكري جديد أعلن عن نفسه في شباط فبراير 1995، بقيادة العميد الركن عبد العزيز خالد عثمان، وهو ضابط من أبناء مدينة الخرطوم بحري، ويحظى بشعبية واسعة في الثكنات العسكرية في مدن العاصمة السودانية. وتمكن خالد من الفرار من السودان حيث كان يقضي عقوبة بالسجن بعدما دانته محكمة عسكرية بمحاولة قلب النظام. وإنتمى حال وصوله الى مصر الى تنظيم القيادة الشرعية، غير أنه ما لبث أن أعلن إنشقاقه عنها ليكون تحالف القوات السودانية الذي قرر مؤتمر أسمره قبوله في عضوية التجمع الوطني الديموقراطي. سزلنا العميد عبد العزيز خالد في البداية عن ظروف الإنشقاق، وهل يساهم في تعطيل العمل المعارض؟ فقال: كثيرون لا يعرفون حقيقة تاريخية، وهي أنه بمجرد وقوع إنقلاب 1989 شرع الضباط في تنظيم أنفسهم لمقاومته وإسقاطه، قبل أن يغادر بعدهم البلاد العام 1990. وتلقينا منهم رسالة مفادها أنهم يريدون تكوين هيكل خارجي يساعدنا في رفع مستوى نضالنا ضد السلطة الانقلابية في الخرطوم برئاسة الفريق البشير، وأردنا من التذكير بهذه الحقيقة التاريخية، إثبات مسألة مهمة، وهي أن العمل العسكري بدأ في الداخل، وليس في الخارج، أي أن "القيادة الشرعية" تحديداً لم تكن أكثر من عامل خارجي مساعد لنا في نشاطاتنا الداخلية. ورأي أن النظرة العسكرية التقليدية الى القيادة الشرعية أثبتت من خلال التجربة عدم قدرتها على إستيعاب واقع السودان، ووضع تصورات وخطط عملية لاسقاط النظام، وهي لا تأخذ في الاعتبار تصفية الجبهة الاسلامية القومية عدداً من الضباط، وضباط الصف، والجنود الذين كان بالإمكان الإعتماد عليهم إعتماداً كبيراً في إسقاط النظام. وتابع "توصلنا من خلال قراءتنا للواقع السوداني الى خطة "الإنتفاضة العسكرية" التي لا تؤمن بها القيادة الشرعية وهذا خلاف محوري بيننا. ولا يقتصر خلافنا على الجوانب العملية، بل ثمة خلاف سياسي عميق يتمثل في أننا لا نريد كالآخرين الاكتفاء بإسقاط نظام الفريق البشير، والعودة بالسودان من جديد الى تجاربه القديمة والعقيمة، بل نريد إرساء دعائم سودان جديد، بعيد عن دوامة الانقلابات، والإنقلابات المضادة، وقائم على إحترام التعددية، والديموقراطية، والعدالة، والرفاهية. وفي نقد حاد لقيادة تنظيم "القيادة الشرعية"، قال العميد عبد العزيز خالد "إن هؤلاء الضباط فشلوا مرتين: الأولى في حماية النظام الديموقراطي المنتخب برئاسة المهدي من إنقلاب الفريق البشير، وفشلوا مرة ثانية في القيادة الشرعية، لأنهم لم يقوموا بأي نشاط عملي يذكر على مدى السنوات الست الماضية". مؤتمر البِجا أنشئ تنظيم "مؤتمر البجا" العام 1958 في مدينة بورتسودان. ويتزعمه حالياً طاهر عثمان بليه. ويقول أمينه العام محمد طاهر بابكر "إن التنظيم طالب منذ قيامه بإقامة سلطة غير مركزية، ونادى بتوزيع عادل للثروة والسلطة، لكن من دون جدوى. والأدهى من كل ذلك أن الحكومات التي توالت على الحكم، بالإنتخابات أو الإنقلابات، دأبت على تجاهل الأطراف، الأمر الذي أسفر عن تهميش معظم أقاليم السودان، وأدى ذلك الى إعتماد قبائل البجا في خاتمة المطاف الى تبني مشروع الكفاح المسلح في مناطقهم في شرق السودان، دفاعاً عن حقوقهم، وذوداً عن خصائصهم القومية.