قدم معرض الأزياء الجاهزة في باريس لخريف وشتاء 1995 - 1996 ما عنده حيث زاره هذا العام أكثر من 58 ألف مشتر شكل الأجانب بينهم نسبة 53 في المئة. كما بلغ عدد الزائرين غير الفرنسيين للمعرض الذي احتل مساحته الكبيرة كالعادة في منطقة البورت دي فرساي، 31 ألف زائر، إلا أن عدد الزوار من الشرق الأوسط انخفض كثيراً باستثناء زوار الامارات العربية المتحدة الذين زادوا 20 في المئة عن العام الماضي. واحتلت اسبانيا المركز الأول بين المشترين للأزياء الجاهزة الجديدة المقبلة، تلتها كل من ايطاليا وبلجيكا واليابان وبريطانيا والمانيا. تغيير كبير ربما كان التغيير الجذري في الموضة الخريفية - الشتائية المقبلة وراء الهجمة الشرائية عليها. فهناك خمسة اتجاهات واضحة تحدد تلك الموضة، عنوانها الرئيسي "الأزياء اللطيفة". وخلاصة هذه أنها تشدد على أنوثة المرأة لطافة ورقة وراحة وعملية في آن واحد. في الاتجاه الأول هناك غموض وظلال تعبق القامة بهما مع الجاكيت الطويلة المشدودة على الجسم والبنطلون "السيجارة". وألوان هذه الموضة الأسود أولاً، برفقة أخرى غامقة وإن حاول مبتكروها أن يجعلوها فرحة، وهي الخمري والبنفسجي. في الاتجاه الثاني تحمل المرأة أناقة طفولية كون أنسجة موضتها في غاية النعومة والخفة، ومنها الموهير والأونغورا والمحبوكات الفرائية الخفيفة مع كثافة شعرية بألوان رقيقة أيضاً ومشتقة من لون البطيخ. ويحمل الاتجاه الثالث عنوان "الجاذبية"، وحيث كل شيء فيه متلألئ في أقمشة تعبق بالبريق: الفانيل والمحبوكات الممعدنة في ألوان فضية وبرتقالية وبنفسجية وزهرية. ويعود الاتجاه الرابع بالأناقة الى الماضي مع إصرار على الطابع الرجالي فيها: جاكيت محكمة القصَّات فوق بنطلون واسع بطيَّة في الأسفل وبألوان غامقة تمازجها أحياناً خيوط فضية. أو مع إصرار عكسي على الموضة الأنثوية تماماً عبر أثواب قصيرة سوداء تصبح بقصّات شارلستونية للأمسيات. وفي هذا الاتجاه أيضاً عودة الى تايورات الأربعينات، أكمام جاكيتاتها مزينة بالفراء وتنانيرها تغطي الركبة. وآخر اتجاه في الموضة المقبلة يلقي نظرة على الصيف وحضارتها، وكذلك على تقاليد الشرق الأقصى في ما يتعلق بأناقة نسائه. وطبعاً، فسيّد الموضة من خلال تلك النظرة هو الكيمونو لكن مع بعض التحوير، ومثلاً: جاكيت كيمونو مبطنة ومدرزة فوق بنطلون صيني محض. وألوان هذه الموضة غنية ومتعارضة في مزاوجتها مع بعض. لقد تمثلت فعلاً في هذا الاتجاه الأخير حضارتان غنيتان عبر التاريخ، وهما الصين واليابان. وحضارة المرأة فيهما بشكل خاص طبعاً. فالمبتكرون لعبوا لعبة أناقة غريبة وغامضة من خلال كيمونو بطبقات. ولا أجمل من تايور الكيمونو بجاكيتته القصيرة ومن ثوب صيني فيه كل لمسات الشرق الأقصى. ولعبة هذه الموضة الجديدة هي لعبة ألوان في بطانة الجاكيت مثلاً، ومما يجعل الرصانة ظاهرة انما خداعة وفي أقمشة فاخرة وعلى رأسها الحرير طبعاً. وأكثر من ذلك فالمرأة في هذه الموضة أنيقة بغموض وساحرة ببساطة. موضة الكتَّاب والمكتبات جديد موضة 95 - 96 هو أيضاً هذا المزيج بين الموهير والحرير وكأن يكون المعطف من الموهير والثوب تحته من الحرير أو ما يشابهه، أو تكون الجاكيت من المحبوكات بصوفها المجعد كما الخروف وتحتها تنورة فضفاضة من قماش مترجرج. ويزيد في رقة الأناقة الأكسسوارات التي ترافقها، ومثل الكولونات العاجية والأحذية اللماعة بكعوب عالية وكلسات قصيرة يداخلها الكثير من الدانتيل. ولكثرة رهافة هذه الموضة بدانتيلاتها وموهيرها وحريرها، قيل انها قد تكون أقرب الى الثياب الداخلية منها الى ثياب الشارع. غير أن الناحية العملية تبقى لها حصة كبيرة في الموضة نظراً لأن المرأة العاملة تريد الجمع في ثيابها بين الجمالية والرصانة والتجدد أيضاً. موضة المرأة العاملة المثقفة مستوحاة من ثياب الكتّاب والفنانين في القرن الماضي. والقرن الذي سبقه. ويمكن التفكير في جورج ساند وكوليت وحتى أوسكار وايلد وكبار الرومانطيقيين الروس. ويمكن التفكير أيضاً في الرسامين وحيث الحدود ضبابية بين الفنان ونموذجه. كذلك الأمر بين الكاتب وبطله أو بطلة روايته التي فيها تجتاز الشخصيات الغامضة المشهد بنعمة القلم. ولهذا السبب استعارت الموضة المقبلة ألوانها من المكتبات ومن أغلفة الكتب الجلدية مع انعكاس أحمر أو بنفسجي غامق بنبرات خوخية. وليس مسغرباً إذاً الالتقاء بالرادنجوت الرجالي الذي ساد في القرن التاسع عشر، تتهادى العارضات به على خشبات العروض في المعرض العالمي. بينما تثير المعاطف شكل "الروب دي شامبر" بياقته العريضة "الكول شال" وببطانته الفخمة. وعودة الى "الفولار" و"الكرافات" كاكسسوار. ولنقل باختصار ان كل اناقة القرن التاسع عشر الثقافية عادت لتختم قرناً ببصمات الكتّاب والرسامين.