الذهب يتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية وسط مخاوف الحرب التجارية    "تعليم الرياض" يتصدرون جوائز معرض " إبداع 2025 " ب39 جائزة كبرى وخاصة    3 مستشفيات سعودية ضمن قائمة "براند فاينانس" لأفضل 250 مستشفى في العالم    النمر العربي.. مفترس نادر يواجه خطر الانقراض    الصقيع يجمد المياه في الأماكن المفتوحة بتبوك    مجمع الملك سلمان لصناعة السيارات.. الحلم تحول إلى واقع    ترامب يعاقب المحكمة الجنائية الدولية بعد ملاحقة نتانياهو وغالانت    العُلا.. متحف الأرض المفتوح وسِجل الزمن الصخري    مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يناقش العنف في الكونغو    ملامح الزمن في ريشة زيدان: رحلة فنية عبر الماضي والحاضر والمستقبل    طقس بارد وصقيع في شمال المملكة ورياح نشطة على الوسطى والشرقية    ناقتك مرهّمة؟!    «سدايا»: طورنا أقصى قيمة ممكنة في الذكاء الاصطناعي لتبني الاستخدام المسؤول    «تبادل القمصان»    «الشورى» يوافق على 5 مذكرات تفاهم مع دول شقيقة وصديقة    كأس العالم للرياضات الإلكترونية يضم "FATALFURY" إلى قائمة بطولات الأندية لنسخة 2025    «حصوة وكرة غولف» في بطنك !    أدريان ميرونك يتصدر منافسات الأفراد في أول أيام بطولة "ليف جولف الرياض"    لأول مرة.. مبيعات التجارة الإلكترونية عبر «مدى» تتجاوز 1.000.000.000 عملية    أمانة المدينة تدشّن نفق تقاطع سعد بن خيثمة مع "الدائري الأوسط"    ما العلاقة بين لقاحات كورونا وصحة القلب ؟    أضرار الأشعة فوق البنفسجية من النافذة    «قيصر» السوري يكشف عن هويته بعد أعوام من تسريب صور التعذيب    إنترميلان يسقط بثلاثية أمام فيورنتينا بالدوري الإيطالي    أرض الحضارات    الأردن: إخلاء 68 شخصاً حاصرهم الغبار في «معان»    سبق تشخيصه ب«اضطراب ثنائي القطب».. مغني راب أمريكي يعلن إصابته ب«التوحد»    يا بخت من زار وخفف    لماذا لا يجب اتباع سنة الأنبياء بالحروب..!    لا تحسد الثور على كُبر عيونه    العالم الصلب تسيل قواه.. والمستقبل سؤال كبير !    فقط في المملكة العربية السعودية !    كيف كنا وكيف أصبحنا    دور وزارة الثقافة في وطن اقرأ    أمانة القصيم تُقيم برنامجًا في الإسعافات الأولية مع هيئة الهلال الأحمر    القادسية يتغلّب على الرائد بثنائية في دوري روشن للمحترفين    خلال مشاركتها في مؤتمر ليب 2025.. «السعودية الرقمية».. بوابة الابتكار الحكومي للعالم    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس الجزائر في وفاة رئيس الحكومة الأسبق    «أخضر 20» يخسر ودية إيران    وكيل وزارة الداخلية يرأس اجتماع وكلاء إمارات المناطق    "الرياض للجولف" يحتضن أبرز البطولات العالمية للرجال والسيدات    الملك وولي العهد يُعزيان ملك السويد في ضحايا حادثة إطلاق نار بمدرسة    الحميدي الرخيص في ذمة الله    ولي العهد يطلق تسمية "مجمع الملك سلمان" على منطقة صناعة السيارات بمدينة الملك عبد الله الاقتصادية    تغيير مسمى ملعب الجوهرة إلى ملعب الإنماء حتى عام 2029م بعد فوز المصرف بعقد الاستثمار    ثبات محمد بن سلمان    «8» سنوات للأمير سعود في خدمة المدينة المنورة    لبلب شبهها ب «جعفر العمدة».. امرأة تقاضي زوجها    رعي الحفل الختامي لمسابقة التحفيظ .. أمير الرياض: القيادة تهتم بالقرآن الكريم وحفظته والقائمين عليه    النزاهة مفهوم عصري    مفتي عام المملكة يستقبل المشرف على وحدة التوعية الفكرية بجامعة الملك فيصل    آدم ينير منزل شريف    الشريف والمزين يزفان محمد    ملك الأردن : نرفض محاولة تهجير الفلسطينيين    إطلاق برنامج التعداد الشتوي للطيور المائية في محمية جزر فرسان    الرديني يحتفل بعقد قران نجله ساهر    ألما يعرض 30 عملا للفنانة وفاء الشهراني    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية والرئيس الألماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غازي القصيبي في حوار مع "الوسط" : مفهوم "التطبيع" ينطوي على مفارقة وامكانات التعايش الحضاري مع اسرائيل شبه معدومة 1 من 2
نشر في الحياة يوم 03 - 04 - 1995

غازي القصيبي، في روايته الاولى "شقة الحرية" دار الريس 1993، او محاولته الروائية كما يفضل المؤلف ان نسمي تلك التجربة التي اثارت منذ صدورها الكثير من النقاش، يلجأ الى عناصر اوتوبيوغرافية لا تترك مجالاً للشك لنسج ملامح شخصياته، وتحديد الاطار الزماني والمكاني للصراعات والاسئلة والاحداث. ولهذا ربما غلبت قراءة محددة للرواية، تعتبر ان هذا الشاعر السعودي انما يروي نفسه من خلال فصول كتابه، وترى ان فؤاد الطارف، الشخصية المحورية التي تشكل عموداً فقرياً في البنية السردية، هو صوت القصيبي.
لكن ماذا لو كان المؤلف هو كل شخصياته مجتمعة؟ ماذا لو كانت الرواية مسرحاً تعتمل فوقه التناقضات والصراعات الداخلية التي تختصر مرحلة سياسية وفكرية مفصلية في تاريخنا الحديث، هي مرحلة صعود الوعي القومي العربي؟ وبهذا المعنى لا يعود مستغرباً ان يشكل الماضي مرآة امينة لقراءة الواقع، وان تستحيل ذاكرة ذلك الطالب الخليجي الشاب الذي ام القاهرة طلباً للعلم، ضوءاً مسلطاً على الراهن بتمزقاته وخيباته.
حين قصدنا غازي القصيبي في مناسبة صدور آخر مجموعاته الشعرية "واللون عن الأوراد" منشورات "ايكوز" لندن، كان يدور في ذهننا الكثير من الاجتهادات والتساؤلات. وما ان استقبلنا الاديب بابتسامته المعهودة، خالعاً قبعة السياسي والديبلوماسي ليعود ذاك الشاعر الذي بدأت مغامرته مع الشعر وهو في الخامسة عشرة من عمره ... حتى تفرعت الاسئلة لتشمل الشعر والأدب وقضايا ثقافية وفكرية عامة.
يعرف القصيبي ان الكلمات تبقى غير مجدية ان لم تكن طريقنا الى مواجهة الذات والتواصل مع الآخر والابحار نحو أقاليم عذراء حميمة في النفس البشرية. من هنا تميزت آراءه بالصراحة والجرأة، كما يكشف هذا الحديث الطويل الذي تنشر "الوسط" حلقته الاولى.
يصنفك بعض النقاد في تيار الرومانسية الجديدة، ويبدو شعرك كأنه يقفز او يتجاوز مرحلة الحداثة التي طبعت الستينات والسبعينات، ليتواصل مع رومانسيين سبقوا هذه المرحلة مثل الياس ابو شبكة وابراهيم ناجي وحتى خليل مطران ... ما رأيك؟
- يجب ان نعرف ان هذه مجرد تصنيفات، انها من صنع النقاد، من صنع الاكاديميين والمنظرين. عندما تجتمع حصيلة معينة من نتاج أدبي، تعقبها التنظيرات. ألفت نظرك أولاً الى ان كل هذه التصنيفات غير واضحة المعالم، وهي ابعد ما يكون عما يسميه المناطقة التعريف "الجامع المانع" ... وثانياً الى انها متغيرة طيلة الوقت ... وثالثاً الى ان معاييرها نسبية. فما تقصده انت ب"الرومانسية"، غير ما يقصده شخص ثان. علينا ان نتعامل مع هذه المصطلحات بكثير من الحذرلأنها مجرد ادوات اكاديمية تسهل عملية البحث.
لا بد ان ننظر الى التصنيفات ضمن السياق التاريخي الذي سلخت عنه لتطبق بشيء من التسرع احياناً، على الاطار العربي. جميع هذه التصنيفات تقريباً، ظهرت في التراث الاوروبي محاطة بواقع محدد. وعندما نقلت خارج اطارها، استعملت بكثير من العشوائية، ومن دون فهم احياناً لما تستدعيه من خلفيات. الرومانسية مثلاً ظهرت كثورة. في الواقع كانت تعبيراً عن عنفوان الفرد، ورد الاعتبار الى المشاعر الانسانية في الادب والشعر. تمردت على الاساليب القديمة، وأعلنت فردية الانسان ومقدرته على مجابهة قدره. تستطيع ان تقول انها تحمل ملامح وجودية: مواجهة الفرد المجتمع، لتلك الآلة الذي تطحنه. هذا الاطار التاريخي يختفي لدى بعض نقادنا، فتطلق الرومانسية على اي أدب فيه تهويمات ،فيه قمر وفيه بحيرة ... اي ان الرومانسية سلخت من اطارها التاريخي.
وردت في سؤالك عبارة الحداثة ايضاً. الكل يتحدث عن الحداثة. لا اعتقد ان هناك في العالم العربي اكثر من بضعة اشخاص يقصدون الشيء نفسه عندما يتكلمون عن الحداثة. من خلال تجربتي اظن ان تسعين في المئة من الذين يتكلمون على "الحداثة" يقصدون "التحديث"، اي التجديد. والكثير من الشعراء الشباب، وهنا اتكلم عن الخليج بالذات، لا يعرفون الفرق بين التحديث Modernisation وبين الحداثة Modernity. الحداثة بالمعنى الغربي، لها جذور تاريخية بعيدة في عصر النهضة، ولها جذور تاريخية بعيدة في عصر النهضة، ولها جذور في القرن التاسع عشر، عندما بدأ مفكرون يبحثون في النصوص الدينية بمقاييس نقدية، قبل ان ينتقل البحث الى شتى مظاهر الحياة. انا اعتقد ان اغلب الذين يتناولون هذا الموضوع - باستثناء أدونيس وقلة غيره - يتكلمون على الحداثة بينما هم يقصدون التحديث والتجديد. وهكذا فإن تسمية الحداثة ارتبطت لدينا بمرحلة الأربعينات والخمسينات وبحركة شعراء التفعيلة.
لنرجع الى مسألة التصنيفات. اذا كان لا بد منها فأنا اعتقد ان اي شاعر او اي اديب يجب ان يكون كلاسيكيا ورومانسياً وواقعياً. فمن دون الاسس الكلاسيكية، سيكون مقطوع الصلة بتراثه. في جامعات الغرب مهما كان موضوع دراستك لا بد ان تبدأ بالاغريق. كيف يمكن ان تتصور شاعراً عربياً لم يقرأ المعلقات؟ في اعتقادي ان كل الشعراء المبدعين لهم خلفية كلاسيكية. اما الرومانسية فكما اسلفنا تعبر عن ثورة الفرد في وجه الحضارة المادية التي تحوله الى مجرد آلة ... والشاعر تحديداً يبدأ من اعلان تميزه في مواجهة القطيع. لا يمكن للرومانسية بهذا المعنى ان تغيب عن اي عمل شعري او ادبي خالد. نصل الى الواقعية. من اين نستقي وحينا نحن الشعراء؟ لا يوجد في رأيي مادة خام سوى البشر. حتى شعر الوصف لا مفر من ان يردنا الى النفس البشرية، او يحيلنا اليها ويعكس اختلاجاتها بطريقة غير مباشرة. الشاعر دائماً يتكلم عن نفسه. لا اتصور ان شعر الوصف يمكن ان يوجد اليوم بصفة مستقلة.
كان شاعر عظيم، أو موهوب، لا بد ان تتوافر فيه اذاً الروافد الثلاثة: الكلاسيكية والرومانسية والواقعية. واذا اختل جانب من هذه المعادلة الثلاثية، فسينعكس هذا الخلل على النص بحيث لا تسعه مقاربة الابداع الخالد.
لست روائياً!
لكن رومانسيتك قد تتجلى في الخيار الشعري الذي يتجرأ على كتابة الحب والمشاعر وسط واقع قاتم مقيد ومحدود الافق ...
- انا لا اتعامل مع شعري بمنظار الناقد. لكنني اعتقد انك لو حدقت بالمجهر، فستجد ان شعري يشتمل على المكونات الثلاثة. واذا كانت تقصد الذاتية، فكل شعري ذاتي. واذا كانت الذاتية ذنباً، "أشهد الله ان ذنبي عظيم". لا بد ان يكون الشعر ذاتياً كي يكون شعراً اصيلاً. لكن شعري ايضاً واقعي. لا تجد قصيدة واحدة غير ناتجة من تفاعلي مع الواقع وناسه. كل شعري عن البشر. وفي رأيي الخاص، هذا هو تعريف الواقعية!
اما النظرة الماركسية التي قننت الادب وفرضت عليه ان يصف واقعاً اجتماعياً وان يعبر عن معاناة الطبقة الكادحة ... فهي تحجيم للواقعية وتضييق لمفهومها وحصر لها من دون مبرر. على كل حال، تلك النظرية ماتت ولا داعي ان نتكلم عنها قبل عشرين سنة كان يمكن ان يعتبر كلامي ثورياً، اما اليوم فلم يعد احد يقول بتلك النظرية حتى بقايا الماركسيين. الواقعية بالمعنى القديم، معنى وصف البؤس فقط، تجاوزها الزمن.
لننتقل مؤقتاً الى النثر، فقد خضت ايضاً تجربة الكتابة في النثر، وفي الرواية تحديداً فهل لجأت الى النثر للتعبير عما يضيق به الشعر؟
- أحب ان ابدأ بملاحظة في منتهى الصراحة، وهي انني ارفض ان اسمى روائياً. اما السبب فبسيط. عندما يصنع ابنك رغيفاً من الخبز، انت لا تستطيع ان تسميه خبازاً. يحدث ان يلهو ابني في المطبع ممارساً بعض التجارب، وأحياناً يأتيني بقطعة "كعك"، فهل يسعني اعتبره فراناً لمجرد انه انتج قطعة واحدة؟ في الحقيقة المحاولة الواحدة لا تجعل من الانسان روائياً. و"شقة الحرية" مجرد محاولة. لا اعرف ان كان ستتبعها في السنوات اللاحقة محاولات اخرى، انما لا بد من الانتظار ريثما يحدث تراكم، من ناحية الكم على الاقل، يكفي كي استحق هذا الوصف. لكنني لست روائياً في الاساس.
تسألني ان كان الشعر يضيق ببعض الافكار والمواضيع؟ في اعتقادي ان الرواية تنطوي على مجالات وامكانات يصعب على الشعر ان يحتويها. الشعر عبارة عن تجربة. والتجربة هذه يمكن ان تكون محصورة، ضيقة، صغيرة. لا يطلب من الشاعر، استثنينا الشعر الملحمي طبعاً، فهو يتميز بوضع خاص، اكثر من التعبير عن تجربة. عندما يشعر الشاعر انه يحب او يكره، عندما يشعر بالظمأ، بالشوق، ينقل الينا هذه الحالات من خلال القصيدة. الرواية انا اعتبرها قصة طويلة. يمكننا ان نستطرد فنتحدث عن عقدة وشخصيات ورموز، ولكنها في الاساس قصة طويلة. والشعر لا يسعه ان يعالج ما تعالجه القصة الطويلة. لا اظن ان المسألة هي عجز من جانب الشعر. كل ما في الامر ان التجربة الروائية تختلف عن التجربة الشعرية. وانا لا افهم ما يدور الآن من كلام عن نهاية عصر الشعر، وسيادة حقبة الرواية ... اعتقد انها تعميمات خاطئة.
وانا على فكرة اختلف جذرياً مع النقاد ومؤرخي الادب الذين يزعمون ان العرب لم يعرفوا الرواية قبل القرن العشرين. عرفنا الرواية تقريباً منذ عرفنا الشعر. من هنا اقف بشدة ضد الكلام السخيف الذي يلقن في المدارس وهو ان الرواية العربية لم تظهر الا في القرن العشرين. انا عندما اقرأ "ايام العرب" في الجاهلية، اجد فيها كل عناصر الرواية. قصة عنترة انا اعتبرها رواية. وكذلك حروب داحس والغبراء ومغامرات المهلهل. حيا امرئ القيس رواية بكل معاني الكلمة. ومنذ عهد مبكر جداً، وحتى قبل الاسلام، كانت "أيام العرب" معروفة لماذا نرزح إذا تحت عبء "عقدة الخواجة" التي جعلتنا نقنع انفسنا بأننا نقلناها عن الغرب، وأن أول رواية هي "زينب" لمحمد حسين هيكل، الى آخر هذا الكلام ... ؟
اظن ان كل ذلك نوع من غسيل الدماغ. يقال ان "الشعر ديوان العرب". وهذا صحيح، لكن الى حد ما، واذا ادرجناه في اطار تاريخي معين. هذا القول ينسب الى سيدنا عمر الذي عاش في صدر الاسلام. لكن الشعر سرعان ما بدأ بعد ذلك يتعرض الى منافسة كبيرة جداً، ولم يعد هو وحده "ديوان العرب". بدأت تظهر الرسائل، وبدأت تظهر المقامات، وبدأت تظهر مؤلفات أخرى لا علاقة لها بالشعر ككتب الفقه. اما ما هو سائد من ان الشعر بقي طيلة هذه القرون ديوان العرب، وانه لم يتعرض الى منافسة الرواية قبل القرن العشرين، فهو يعبر عن جهل عميق بالتراث. ولا يغير من هذا الجهل ان يكون من يرده من اكثر الناس "دكترة"!
"شقة الحرية" تعبر عن زمنها
وهل من السهل دائماً الجمع بين الشعر والكتابة الروائية؟ هل يمكن الجمع لدى المبدع نفسه بين النوعين الادبيين وطريقتي التعبير؟
- لو القينا نظرة سريعة الى التاريخ، او تلفتنا حولنا في هذا العصر، للاحظنا ان بوسع الانسان ان يكون عشرات الاشياء في آن معاً. بامكانك ان تكون موسيقيا ورساماً وناثراً وشاعراً وعالماً وخطيباً ... لكن ليس هذا هو السؤال، السؤال هو مصير نتاجك ومستقبله: هل سيتجذر ويستمر؟ انا لا يهمني ان يقال هذا كاتب وسياسي ومعلق... بل اريد ان اعرف ماذا سيبقى بعد مائتي عام؟ اعتقد ان هذا هو المعيار الحقيقي. انت تعرف "كشاجم" الشخصية المعروفة في كتب التراث، وقد كان متعد المواهب من الادب الى التنجيم، واسمه مشتق من العلوم والفنون التي كان يتقنها ... لماذا يعامل شاعر خاض تجربة الرواية كأنه هو هل انتجت شيئاً جديراً بالقراءة؟
السؤال مطروح على المستوى الذاتي والابداعي البحث. بعض الكتاب يجمعون الانواع المختلفة في منتهى الطبيعية، والبعض الآخر يبقى اكثر ميلاً الى شكل تعبير محدد، ما يجعل التعايش مع اشكال اخرى في مختبره الابداعي الداخلي والحميم، عملية في غاية الصعوبة. التعايش سهل بالنسبة اليك على ما يبدو...
- التعايش سهل لأنني أرى ان التجارب التي يعبر عنها الأدب الروائي، غير التجارب التي يعبر عنها الشعر. لنأخذ "شقة الحرية" على سبيل المثال. انها تتكلم عن تجربة اجيال من الشباب العرب، في فترة تاريخية معقدة، على امتداد خمس سنوات. ولا يمكن للشعر الغنائي، حتى لو استخدم كل امكاناته، ان يعبر عنها. بطبيعة الحال، يمكن التعبير عنها من خلال الشعر الملحمي الذي لم يعرفه الادب العربي. طه حسين له في هذا المجال نظرية مثيرة للاهتمام قد تكون صحيحة، هي ان الشعر الرواية لا يجتمعان، اذا استثنينا الصدفة التاريخية التي عرفها التراث البشري ايام اليونان. اما تجارب الشعر الروائي عندنا، بضع روايات شعرية لأحمد شوقي وعزيز أباظة وباكتير وعبدالصبور ... لكنها لم تكن في رأيي اعمالاً فنية ناضجة، بل مجرد قصائد ملصقة بعضها بالبعض الآخر. لذلك عندما نتحدث عن "مجنون ليلى" او "مصرع كليوبترا" فإننا نتوقف عند قصائد، ولا نتعامل مع عمل روائي متكامل كما هو الامر بالنسبة الى اعمال شكسبير مثلاً. انا لا اشعر بأي تنافر بين المجالين. ربما كان التنافر سيقع لو انني حاولت ان اعبر شعراً عن تجربتين الروائية. ولكنني لم اصل الى هذه الدرجة من البلاهة، وان كان الامل في المستقبل موجوداً...
رأي البعض في "شقة الحرية" أصداء أفكار ومشاغل قد تتخطى الاطار الموضوعي لأحداث الرواية التي ترتبط بمرحلة محددة. فما يدور بين ابطالها من نقاشات وتناول لأيديولوجيات يبدو في بعض الاحيان انعكاسا لنقاشات راهنة من المرحلة التي تكتب فيها؟ هل تعاني الرواية في بعض جوانبها من نزعة اسقاط الحاضر باسئلته وهواجسه وقضاياه؟
- كانت هناك محاولة جدية ومتعمدة من جانبي، ان تظل الاحداث ضمن نطاقها التاريخي. ولو كنت احاول اعادة كتابة التاريخ لظهرت الرواية بشكل مختلف تماماً. أظن ان بعض الذين تناولوا "شقة الحرية" وكتبوا عنها، لم يعاصروا تلك الفترة، فترة الخمسينات. اما الذين قرأوها من المخضرمين، فيدركون ان الرواية تعبر عن زمنها فالشاعر الكبير سليمان العيسى قال: "لم اجد وثيقة تعبر عن تلك الفترة كما فعلت الرواية"... بل ان تفضل وقال "تمنيت لو انني كتبتها"، وهذا اعظم تقدير يمكن ان يقوله اديب لأديب.
اما الذين وجهوا إلي ذلك النوع من النقد، فالارجح انهم لم يعاصروا تلك الفترة، ووجدوا في بعض النقاشات والصراعات والايديولوجيات، أصداء من زمننا، ونقاط تشابه مع ما يجري في الوقت الحاضر. هؤلاء هم الذين يقومون باسقاط الحاضر على الماضي. كل من عاش تلك الفترة، يعرف تماماً ان الرواية كانت امينة تمام الامانة مع زمنها وعصرها.
لقد وصل بعض النقاد الى قناعات غريبة تماماً. هنالك مثلاً من توصل الى ان بطل الرواية تنكر للقومية العربية ... لماذا؟ كل ما فعله انه رفض البقاء في الحركة الحزبية، حركة "القوميين العرب" في الولايات المتحدة. ليس في الرواية اي تنكر للقومية العربية! احياناً - بل دائماً - يسقط القارئ على العمل اشيا تدور في ذهنه هو. اما هذه الرواية، فكتبت لتعبر عن تاريخها، واذا كان تسلل شيء من الحاضر بصورة لا واعية، عن طريق العقل الباطن، فهذه مسألة أخرى لا استطيع التبرؤ منها كلياً. ولكنني احب ان أذكر هنا انني بدأت بكتابة "شقة الحرية" في السبعينات.
هناك من ظن انها كتبت بعد حرب الخليج ... هذا الكلام عار عن الصحة. الفصل الاول كتبته في نهاية السيعينات في الرياض، والفصل الثاني كتبته في الثمانينات في البحرين، قبل أزمة الخليج. ولكن الاشياء متصلة الجذور. الحركة الاسلامية موجودة منذ تلك الايام، والمد القومي كذلك. وذلك لا يعني ان هناك اسقاطاً من الحاضر على الماضي.
زمن الاحباطات القصوى
هناك جانب ذاتي و"أتوبيوغرافي" كبير في الرواية. كأن بطلها يتماهى تقريباً مع كاتبها.
- مقاصعاً تقريباً. لويس بشكل كلي.
اين بطل الرواية اليوم؟ كيف انتقل من موقع الانتفاضة وثورة الشباب والنظرة النقدية الى الواقع ... ليصبح السياسي والديبلوماسي الذي أمامنا اليوم؟
- هنا ايضاً اسمح لي ان اختلف معك ومع أغلب الذين تناولوا الرواية بالنقد والتحليل. حين تتكلم عن البطل تقصد فؤاد، وفؤاد هذا ليس بطل الرواية. في الواقع فؤاد يكاد يكون العنصر المحايد. كتابة الرواية يمكن ان تتم بتقنيات مختلفة. تستطيع ان تروي احداثك من وجهة نظر شخصية متعالية ترى جميع الاشياء. وتستطيع ان تقدمها على لسان راو لا يتدخل في السياق، او من وجهة نظر احدى الشخصيات، او من وجهة نظر اكثر من شخصية. المهم ان هناك تقنيات مختلفة.
انا حاولت ان تكون الشخصيات رموزاً لما كان سائداً في تلك الفترة: هناك شخصية هي رمز الثورة الدائمة يعقوب، وأخرى رمز الثورة المضادة قاسم، وثالثة تمثل تيار المد الديني رؤوف، ورابة تجسد النزعة الرومنسية عبدالكريم ... اما فؤاد فيكاد يكون عنصراً محايداً. لقد اشترك بحذر وبقدر معين، ولكنه ليس - لو امعنت النظر جيداً - من رموز الرواية. بل انه اقل الشخصيات تأثيراً في الاحداث، ويكاد يمكتفي بمراقبتها. انه شاهد، ويشارك ضمن قدر محدود جداً.
لم يخطر في بالي لحظة ان اجعل فؤاد بطلاً للرواية. كما انني لم اقصد ان تكون الرواية سيرة ذاتية، كما يتصور البعض. ولو فعلت لاتخذت الرواية شكلاً مختلفاً، ولبدت الشخصيات الأخري جانبية ليصبح ما يدور في ذهني هو الشيء الطاغي. "شقة الحرية" تحتوي على بعض العناصر الذاتية طبعاً، ولكن الى حد محدود.
الا تفضح الرواية، في مرحلة الاحباط التي نعيش، بعضاً من حنين الى ذلك الزمن ... زمن تكون الاحلام والمشاريع الطوباوية التي تأسس عليها وعلى اجيال كاملة في تاريخنا العربي المعاصر؟
- وهل تظن اننا انت وأنا وحدنا من يحن الى زمن البراءة؟ هناك بين الفلاسفة من بنى منهجه كما تعرف على تلك النظرة المثالية. لكل مرحلة من العمر مشكلاتها. ولا شك ان فترة المراهقة والصبا قائمة على المثاليات التي لا تستطيع ان تجدها عندما تكبر. هناك احلام ستخيب مع مرور الزمن. كما تلاحظ من أجواء الرواية، كان هناك اعتقاد جازم بأن دولة عربية واحدة سوف تقوم خلال اشهر ... كان هذا واقعاً مسلما به، يطغى على قناعات جيلنا. الآن نعيش زمن الاحباطات القصوى كما عشنا زمن الطوباويات القصوى. انتقلنا من النقيض الى نقيضه! وصلنا الى مرحلة من اليأس، بعد ان كنا نعتقد ان الأمة ستحقق الوحدة، وستتغلب على اسرائيل، وستعيد رسالة العرب ... كنا نعيش في أحلام لا تنتهي.
وتسألني الآن هل تحن الى تلك الفترة؟ انا احن دوماً الى البراءة، لكنني اعرف بكل عقلانية انها فترة لن تعود. وأعرف الآن طبعاً ان تلك الاحلام لم تكن احلاماً واقعية. ولكن ما آمله هو ان تعطي الرواية شعوراً بأن حيلاً كاملاً كانت تحركه بالفعل تلك الاحلام. لم تكن المسألة بالنسبة اليهم عملية ايهام او خداع. جيلنا كان هذا تفكيره.
وما هو الميراث الذي تتركونه للأجيال اللاحقة؟ بعد ان غربل الواقع تلك القناعات المسرفة في طوباويتها هل يبقى منها ما يصلح لشباب اليوم؟
- انا احدثك عن الاشياء التي عشتها، عن تجربة جيلي. لا استطيع ان احدثك عن الاجيال التالية. اعتقد ان على كل انسان ان يتحدث عن جيله. كثيرون ممن يصغروني بعشرين سنة مثلاً، قالوا لي: "كم نحسدكم، كم نحسد هذا الجيل على الغنى الفكري الذي عرفه، على تلك الفورة الخصبة التي عاش في اطارها"... انا اعتقد ان كل جيل اتى بعدنا، فقد جرعة من المثالية وتزود بجرعة من الاحباط ... حتى وصلنا الى الجيل الذي ينظر الى كل شيء بمرارة مدمرة ويأس مطلق. طبعاً هذه حالة انتحارية وليس لها مبرر، لكن المجال يضيق الآن بحديث السياسة.
لم لا نتحدث قليلاً عن السياسة؟ بعد انهيار الاتحاد السوفياتي تفاقمت أزمات الهوية، وكانت ترجمة ذلك مزيداً من الحروب الاثنية والطائفية، ما يطرح على بساط البحث مدى قدرة انسان اواخر القرن العشرين على التعايش مع الآخر المختلف. وفي الشرق الاوسط يبدو اننا مدعوون الى شكل جديد من "التعايش" ضمن معطيات سياسية متغيرة ... وفي هذا الاطار فإن موضوع "التطبيع الثقافي" مطروح بحدة هذه الايام: كيف يمكن ان نتعايش مع الآخر؟ والى اي مدى لا يزال يحكمنا الخوف على هويتنا؟
- إذا إسمح لي، قبل الاجابة، ان اخلع قبعة الشاعر، وأضع قبعة طالب السياسة. هناك نظرية تقول ان كل قرن يدفع ثمن الاخطاءالتي اتركبها القرن السابق .... السامل الذي عم العالم خلال القرن التاسع عشر، كان سلاماً وهمياً قام على الكثير من القمع الذي تفجر في القرن العشرين، واتخذ شكل الحروب التي نعرفها. وهذا ما حدث في الاتحاد السوفياتي، عندما زالت القوة الضاغطة، انفجرت التناقضات.
عندنا كان موضوع الهوية مؤجلاً عبر عقود طويلة اذ غطت عليه الخلافة العثمانية. كنا من اتباع الدولة العلية وانتهى الامر. وربما لولا حركة تتريك الدولة العثمانية، لما نشأت حركة القوميين العرب. ولكن عندما اصبحت الدولة العثمانية تركية أولاً، ومسلمة في الدرجة الثانية، بدأت الصحوة العربية، وبرزت أزمة الهوية. وطبعاً كان السؤال مباغتاً ومفاجئاً، ولم يكن هناك متسع من الوقت لاستيعابه كنا رعايا لخليفة واحد مسلم، واذا بنا نجد انفسنا وقد تحولنا الى "عرب"، ثم تحولنا الى دول تحت الانتداب. لم تترك لنا الفرصة لنعالج قضية هويتنا كما تعالجها بقية الامم بهدوء. انما انتقلنا مباشرة من خلافة عثمانية الى الاستعمار بشتى اشكاله.
خلال الاستعمار، تغير الكثير من المفاهيم، ووجدنا انفسنا داخل نطاق دول. بعض الدول نشأت نشأة طبيعية، والبعض الآخر ركب تركيباً. وانا لا اقول هذا الكلام من باب الانتقاد، فهذا شأن الدول اصلاً. هناك دول لها وجود تاريخي قائم على الاستمرارية مثل مصر، وهناك دول مثل بولنده تتغير كل عشرين او ثلاثين سنة. وهناك دول عربية من النوع الاخير. المهم اننا عندما تحولنا الى دول ولم نعد عثمانيين، عادت فواجهتنا مشكلة اخرى. فصار السؤال مثلاً: هل نحن عرب اساساً ام مصريون؟ أذكر انني عندما كنت طالباً في بداية الخمسينات، كان هناك سؤال مطروح بجدية: هل مصر اسلامية، او فرعونية، او شرق اوسطية؟ حتى عهد قريب لم تحل مشكلة الهوية.
انا اعتقد إذاً ان مسألة الهوية، لم تعط في العالم العربي الفترة الزمنية الكافية لكي تختمر، خلال فترة وجيزة انتقلنا من الخلافة العثمانية الى الاستعمار الاجنبي، ثم تنازعتنا ايديولوجيات عدة، فلم تعط المسألة المدى الزمني المطلوب لكي تعالج بعمق.
الآن وصلنا في تصوري الى مرحلة اصبح فيها الولاء الاول قطري. حتى أشد الناس تحمساً للعروبة يقول لك لبنان اولاً، او المملكة، أو العراق، او مصر، او السودان ... الوحدة العربية، والوحدة الاسلامية "على العين والرس" لكن شرط ان تنطلق من الدول الموجودة، والا تزيل تلك الكيانات. نحن نشهد الآن اذاً مرحلة انتماء للكيانات الوطنية، ورفض كل ما عداها.
الامور تكاد تستقر في الوقت الحاضر على الولاء القطري. هناك محاولات طبعاً لتذويب الدول القطرية في كيان اسلامي او عربي او حتى اقليمي اوسع، لكنني اعتبرها محاولات غير جادة او غير مجدية. الكلام عن فشل "مجلس التعاون الخليجي"، ليس دقيقاً، فالاجدر بنا الكلام عن نجاح الدولة القطرية. الدولة القطرية في الخليج، اثبتت انها قوية. الامر نفسه ينطبق على "الاتحاد المغاربي": هل هو فشل الاتحاد المغاربي، ام قوة الدولة القطرية في المغرب العربي الكبير؟ لا يوجد ففي الوقت الحاضر عند اي دولة ادنى استعداد لكي تذوب في كيان اخر اقليمياً كان ام قومياً.
أما الذين يتحدثون عن ذوبان الجسم الاسرائيلي في العالم العربي، فاذا كان هناك عالم اعظم من عالم الاوهام فلا شك ان هؤلاء يعيشون في هذا العالم. لا أرى أي وسيلة حضارية او اقتصادية او سياسية تسمح بذوبان دولة اسرائيل في محيطها. الاسباب عديدة، من ضمنها ان هذه الدولة زرعت نفسها بمنطق القوة والعنف، ولم تنم نمواً طبيعياً. هي دولة مهاجرين اتوا من مجتمعات أخرى، وحضارة اخرى وفضوا انفسهم بقوة السلاح. كما انهم اتوا بندوب نفسية عميقة نشأت عن "الهولوكست" المحرقة، حيث أبيد الملايين.
وهنا استطرد لأقول انه لا يجوز لنا كعرب ان نخفف من هول هذه الفاجعة فهي فاجعة بالمقياس الانساني، أي انها جريمة بشعة بحق ملايين الابرياء ... ثم انها فاجعة على المستوى العربي لانها هي التي انتجت دولة اسرائيل. لولا الابادات الجماعية لليهود، لما نشأت دولة اسرائيل. نحن امام دولة اتت نتيجة عطف عالمي، واتت بقوة السلاح. وكان كل من فيها، من اكبر زعيم الى اصغر جندي، يرددون "العرب لا يفهمون الا منطق القوة، ولا يفهمون الا لغة السلاح". وما زلنا بين الحين والآخر نسمع مثل هذا الكلام. وما دامت هذه العقلية مهيمنة في اسرائيل - مع انها بدأت تهتز قليلاً في السنوات الاخيرة، بفعل متغيرات كثيرة - لا يمكن حدوث اي تقارب فعلي. العلاقات مطبعة بين اسرائيل ومصر منذ سنوات طويلة، ولكن هل حصل اي تقارب او اندماج؟
وانا اعتبر ان مصطلح "التطبيع" نفسه يشتمل على اكبر تناقض ذاتي. فالتطبيع ان تجعل ما هو غير طبيعي طبيعياً. اي ان التناقض هو في المعنى ذاته، وهو يحمل في ذاته بذور فشله. العرب يقولون ان الطبع يغلب التطبع. انا لا افهم كيف يغفل مستخدمو كلمة "تطبيع" هذه المفارقة، فهي تعني محاولة جمع ما لا يجمع. انا الان كيف استطيع ان اطبع مع مجتمع يعتبر اهله انفسهم "شعب الله المختار" الذي سخر لهم بقية الامم لتخدمهم؟ عندما يتغير هذا الموقف، قد يتغير البحث. في الواقع انا لا أرى امكانية التعايش الحقيقي على المدى البعيد. اتفاقات الهدنة واردة بطبيعة الحال. صلاح الدين الايوبي الذي هو بطل التحرير، عقد اتفاقيات هدنة وعقد اتفاقيات صلاح مع الصليبيين هناك فرق بين المعاهدة السياسية التي تضطرنا الظروف اليها، وبين التعايش بالمعنى الحضاري والذوبان في المحيط، اي ان تصبح اسرائيل جزءاً عضوياً من الشرق الاوسط، او من الحضارة العربية - الاسلامية.
وكما يقال ان الثقافة الغربية ثقافة مسيحية - يهودية، فان الحضارة العربية هي حضارة اسلامية، وحتى النصارى واليهود العرب تأثروا بالحضارة الاسلامية، هل تقبل اسرائيل بهذا النوع من التعايش؟ ليس في تصرفات هذه الدولة ما يدل على ذلك. غولدا مائير كانت تقول "اين الفلسطينيون؟ ليس هناك فلسطينيون". الهدنةواردة اذاً، اما التطبيع بمعنى قبول الكيانيين بالتعايش معاً، بنوع من المودة والعلاقات الحميمة، فهذا ما لا أرى أي مؤشر له على ارض الواقع.
من شعر القصيبي
سمراءُ! هل يرجعُ الماضي إذا رجعتْ؟
رؤاه تخطر بين القلب والهَدَبِ
وهل يعوُد إذا عدنا له زمنٌ
من البراءةِ... منقوشٌ على الحِقَبِ؟
وهل أعود صبياً كُلّه خجلٌ
وهل تعودين بنتاً حُلَوة الشَغَبِ؟
1985
***
الشوقُ؟ ما الشوق سوى قُبلةٍ
تهيم فوق الجدولِ الأشقر
والعمرُ؟ هل عمري سوى لحظة
على جناح الموعد الأخضر؟
1957
***
"فلنعترف يا أصدقاءْ
أنا جميعا أغبياء
نحيا على الوهم الكبير... ونستزيد من الشقاء
وإذا ارتمى أحد تجمّعنا عليه
وبنظرة جف الحنين بها...
منحناه التراب"
9195
***
تَعاْلي دقَائق نحلُم فيها
بنافورةٍ من رذَاذِ القَمرْ
بأرجوحة عُلّقتْ في النجومِ
بأسطورةٍ من حديث المَطرْ
بكوخٍ على الغيم... جدُرانُه
ظِلالٌ... وأبَوابُه من زَهرْ
بخيمة عطر يعبّ الغروبُ
شذاها... ويسكر فيها السحر
6519
***
هُزِمتْ أشعُار عنتْر
رجعْت خيلُ أبي الطيّب...
لم تصهلْ مع النصرِ المؤُزّرْ
وارتمى سيفُ أبي تمامَ...
وارتاع الغَضَنّفرْ
وأنا ما زلتُ أحدو النُوقَ...
ما زلت أناجي البيد... ما زلت أنادُي ربع ليلى
وأنا قلت لليلى:
"سوف اصطاد لك الميراجَ يا ليلى بخنجْر!"
6719
***
اضحكي... تضحْك الدنى
واهزجي... تهزج المُنى
وامرحي تزهر الدروب
وروداً... وسوسنا
واخطري... يخطر النسيم
طروباً... مدندنا
وابسمي للطيور... والروض...
والعطر... والسنى
وتعاليْ... فإنني
لم أزل واقفاً هنا
5519
***
تعبث إسرائيلُ في مساجدي
تنتفُ ذقن والدي
وأختفي
كالفأر... في قصائدي
7119
***
بيروت! لا تصفي لي الجرح... أعرفُه
فإنه بدمائي الحمرِ مَعصوبُ
أنا الذي أسرَتْه الرومُ... ماَ لحقتْ
به العِرابُ... وخانه الأعاريبُ
7819
***
ولو جئتني في صباي منحتكِ
شعراً جميلاً
وحباً طهوراً
ولكن أتيتِ... وقد يبس الكرمُ...
والطيرُ هاجر... والعمر أقفر...
ما في ضلوعي سوى رزمةٍ من نُقودْ
فهل انت كالأخريات
َسَبتْكِ النقُود؟ أم البحر
أغناك عن همسة الدُرّ؟
والبدر أفناكِ عن شهقة الماس؟
سيدتي!
اتركيني! فإني أطلتُ الكلام
وأدركني الآن ضوء الصباح
8019
***
كم ذا تمّنيت لو قلتُ... "يا قوم!
ها هي ذي - فالبسوها! - العباءة"
لو قلت: "يا قوم! ها هي ذي - فاحرقوها! -
القصيدة". لو قلت:
"يا قوم! ها هي ذا فاشروبها! - الثمالة من
سكرة المجد! يا قوم! ردوا عليّ
ردائي القديم المُرقّع... صوتي القديم البريء".
8219
***
اتجعلني جداً... وكنت أنا الفتى
تُجنّ به ليلى... وتَعشقه دعدُ؟
اتجعلني جّداً... وكانت قصائدي
ورود خدود يشتهي لَونَها الوردُ
اتجعلني جداً... وكانت رسائلي
سواد عيون بعضُ عشّاقها السُهد!
اتجعلني جداً... وأيُّ مليحة
تهيُم بجدٍ؟ لا سعاد... ولا هِند؟
9419


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.