الذين عبروا بمبنى المتحف الوطني خلال الحرب، هو الواقع عند خطوط التماس القديمة، يعرفون الحالة التي كان وصل اليها هذا الصرح الذي يفترض أنه يرمز الى الشخصية اللبنانية والوحدة الوطنية. واليوم لا يمكن تصوّر عملية إحياء بيروت من دون اعادة الاعتبار الى الذاكرة وترميمها، وانقاذ ثروة من التحف والآثار والقطع النادرة والكتب من التلف والضرر والضياع. هذا هو الهاجس الذي حرّك مجموعة من المتحمّسين قبل سنوات، تطوّعوا كل في مجال خبرته التقنية والعلمية للمباشرة في رفع أكداس الغبار ومحو بصمات سنوات العنف والجنون، ووضع الاساسات الاولى لبعث المتحف الوطني، تحت رعاية السلطات المختصّة. هكذا تجهّز المختبر العلمي الجديد للمتحف، وأقيمت معارض للفت نظر الرأي العام تراثنا المشرّد فلنحتضنه - 1993 بفعل مجموعة من الجهود الفرديّة ومساعدات المؤسسات والافراد. وفي لندن تبلورت عام 9931 "جمعية أصدقاء متحف بيروت الوطني" ترأسها الدكتورة كلود سرحال، خرّيجة السوربون في علم الآثار كامتداد لتلك الجهود، وتضم أعضاء لبنانيين وبريطانيين. هدف الجمعية هو تقديم كل عون مادي وتكنولوجي ممكن للمتحف الذي شوهت القذائف بناءه، وحولته الى هيكل منخور من الاسمنت والحديد. بين أعضاء الجمعية التي تتولّى نشر مطبوعات وتنظيم لقاءات وحلقات دراسية ومعارض، للتعريف بالمتحف ومقتنياته ونشاطاته، مهندسون معماريون وعلماء آثار وغيرهم من أصحاب الاختصاص الذين كرسوا أنفسهم لمساعدة متحف بيروت على العودة الى سابق عهده، كمركز مرموق للبحث العلمي يتمتع بسمعة عالمية. وضمن هذا السياق أقامت الجمعية في 3 آذار مارس ندوة في المتحف البريطاني في لندن، حول "مدينة بيروت والتنقيبات الاثرية فيها". شارك فيها وزير الثقافة والتعليم العالي اللبناني ميشال إده، والمدير العام للآثار في لبنان الدكتور كميل الاسمر، والمشرف على أعمال التنقيب وسط بيروت التجاري عالم الآثار الفرنسي فيليب ماركيز. أشار الوزير إدّه الى مكانة بيروت التاريخية، وثروتها الاثرية التي تستحق قدراً كبيراً من الاهتمام. وتناول كميل اسمر عملية ترميم وتأهيل المتحف التي ينتظر انتهاؤها خلال ستة اشهر. وتوقف اسمر عند المحاولات المستمرة حالياً لاخراج التحف والقطع الأثرية بأنواعها وأحجامها المختلفة، تمهيداً لعرضها في الاطار الذي يليق بها. ونوه الدكتور اسمر بمساعدات "الجمعية اللبنانية البريطانية لاصدقاء متحف بيروت"، فهي مكنت من تجهيز مبنى الادارة الذي تم تأهيله حديثاً بمكتبة صور ومختبر جديدين تتوافر فيها أحدث المعدات. ثم قدم شرحاً وافياً عن الحفريات التي تقوم بها، في الوسط التجاري، المديرية العامة للآثار اللبنانية. أما فيليب ماركيز الذي اختارته اليونسكو منسقاً للحفريات، فتوقف عند المسح الاركيولوجي الذي تم في منطقتي ريفولي وبيبلوس وكشف معلومات جديدة، تلقي مزيداً من الضوء على موقع التل الاصلي الذي بنيت فوقه بيروت القديمة. وعلى اثر الندوة، استضافت جامعة لندن لقاء مغلقاً بين اختصاصيين، ضم الدكتورة سرحال والدكتور اسمر ونفر من علماء الآثار البريطانيين والعالميين للتباحث في المسائل العلمية والتقنية المتعلقة بهذا الموضوع.