رشيد ميموني: الضحية المثلى اغتيال عبدالقادر علولة هو اول اغتيال لمثقف جزائري حدث بعد مغارتي الجزائر، وتابعته من منفاي المغربي. ولهذا كان وقعه علي اكثر الماً وقسوة. علولة كان من اصدقائي المقربين، مثله مثل الطاهر جعوط والهادي فليسي ومحفوظ بوسبسي ويوسف سبتي. انهم اصدقاء من محيطي القريب جداً اغتيلوا في الاشهر الاخيرة. وهذا شيء فظيع جداً ولا يحتمل، خصوصاً بالنسبة الى من يعيش بدوره تحت التهديد. ماذا يمكن ان يقول المرء عن علولة سوى انه اصبح مع السنوات اكبر رجال المسرح الجزائريين الاحياء؟ واعتقد انه اغتيل بسبب منزلته هذه ... كان رجل مسرح بارزاً وله شعبية كبيرة. ولم يكن بوسع القتلة ان يجدوا ضحية "أمثل" من علولة، فمنطقة وهران بكاملها فجعت به بيتاً بيتاً وعائلة عائلة. ورأينا كيف نزل الجميع الى الشوارع للتنديد بهذه الجريمة السافلة. انا شخصياً لا زلت حتى الآن اجد صعوبة في تقبل حقيقة موته. ومع اني تابعت جنازته على شاشة التلفزيون الا انني عاجز عن الاقتناع بأن شخصاً بمثل طيبة وسخاء علولة يمكن ان يقتل بهذه البشاعة. زياني شريف عياد ك التغيير من داخل كان علولة رجل مسرح بارزاً، له شعبية كبيرة في الجزائر، ويبدو هذا واضحاً من خلال الجموع الغفيرة التي سارت في جنازته وخرجت في مظاهرات عارمة تنديداً باغتياله. وقد بين هذا بشكل قاطع ان رجال المسرح الذين اريد دوماً تهميشهم ومحاصرتهم في الجزائر باقون على الرغم من كل شيء في ذاكرة الناس وقلوبهم. لكن لا يجب ان يفهم من هذا ان علولة رجل سياسي، فهو كان يرفض دوماً الالتزام السياسي بالمعني الحزبي الضيق. كان فقط متعاطفاً ومساهماً في النضالات السياسية والاجتماعية العادلة، فكانت له اضافة الى انتاجه المسرحي المعروف نشاطات شتى في اوساط الطلبة والمسرحيين الشباب الهواة، كما انه اعطى كثيراً من جهده ووقته لدعم الجمعيات الثقافية والاجتماعية بمختلف انواعها، بدءاً من جمعية الحفاظ على الثقافة الشعبية، الى جمعية مساعدة الاطفال المصابين بالسرطان. علولة كان رجلاً صعب المراس، وحين يكون مقتنعاً بفكرة ما فإنه يصر على التمسك بها وتنفيذها بأي ثمن. في فترة معينة توصلت انا الى قناعة بأنه لم يعد هناك مجال للبقاء في مسرح الدولة والاستمرار في العمل ضمنه والمضي بعيداً في الابداع والبحث المسرحي. ولهذا قررت، بعد تجربة 20 سنة من العمل في المسرح الوطني الجزائري، مغادرة هذه المؤسسة وانشاء فرقة "مسرح القلعة" المستقلة. اما علولة فعبر عن رأي مخالف ربما كان اكثر سخاء، لحل ازمة مسرح الدولة في الجزائر. فهو كان يؤمن بقوة بالمؤسسة المسرحية العمومية، وكان يقول ان لتغيير يجب ان يتم من الداخل، ولهذا فضل البقاء في المسرح الجهوي في وهران، وأسس ضمنه "تعاونية اول مايو". وكان مستعداً لبذل كثير من الجهد لتحقيق القدر البسيط الذي انتجه في السنوات الاخيرة من اعمال مسرحية. وفي هذا الموقف النضالي كثير من الاخلاص في خدمة مؤسسات مسرح الدولة والحفاظ عليها. محمد شويخ: تفاؤل بريختي تعرفت على عبدالقادر علولة منذ بداياته الاولى، حين تقرر انشاء "مسرح الجهوي" وفصله عن "المسرح الوطني" في الجزائر العاصمة. آنذاك جاء علولة لدعم النواة الاولى التي كانت تعمل في وهران مع المسرحي ولد عبدالرحمن كاكي. ومنذ البداية، لم يشأ ان يكون تابعا لنموذج مسرحي جاهز، وكان يطمح الى الجمع بين تجارب بعض المسرحيين البارزين في المغرب العربي، كالمغربي الطيب الصديقي، والجزائري كاكي، والتونسي علي بن عياد. وعلى غرار كاكي، كان علولة ينطلق من المسرح البريختي كمرجعية عالمية، ثم بدأ يميل الى استلهام اشكال الاحتفالية في التراث الشعبي، وركز بحثه على الافادة من شخصيات وزشكال "الحلقة" و"القوال" و"المداح"... اما تجربتي الاساسية مع علولة فكانت في مسرحية "العلق" 1968 اول نص كبير من اقتباسه، وكانت تتناول آفة البيروقراطية. اشتغلت معه في هذه المسرحية كممثل ومساعد مخرج، وكان انذاك يلاقي الكثير من الصعوبات والعراقيل في مسرح وهران، فرغبت في التعاون معه من باب التعاطف المبدئي، على حساب كاكي وأصدقائي الآخرين. ولم اندم على هذا، فقد كان علولة يتمتع بموهبة خارقة، وتجربة العمل معه كانت مثمرة جداً. ثم افترقنا بعد تحولي الى السينما، لكننا كنا نلتقي بانتظام ونتناقش حول تجاربنا ومشاريعنا. وأذكر انني فكرت به للتمثيل في فيلمي "القلعة"، أردته يومها ان يؤدي الدور الذي عاد فلعبه الشيخ جيلالي عين تادلست. لكن علولة قال لي ان فيلم "القلعة" يبرز اكثر الجوانب السلبية في المجتمع، فيما انه ربما الجانب البريختي في شخصيته، جعله يميل دوماً الى التفاؤل. اختلفنا اذاً، ودار بيننا نقاش مطول فلم اتمكن من اقناعه. لكن هذا الاختلاف لم يمنعه من التعاون معي ومساعدتي في كل ما طلبته خلال مرحلة التحضير للفيلم ثم عندا نجازه، خصوصاً على مستوى النص حيث افادتني كثيراً بنصائحه وملاحظاته... أحميدة عياشي: قتلة علولة ليسوا من نظن ! عمقت معرفتي بعبد القادر علولة آواخر السبعينات، حين شاركت في اول عمل مسرحي لي ضمن مسرح الشباب في مدينة سيدي بلعباس قرب وهران. ودارت بيننا في تلك المرحلة نقاشات طويلة حول مسرحيته "لقوال" التي اثرت آنذاك في عدد كبير من الفرق المسرحية الشابة، لما تضمنته من تناول جديد ومتميز للمتخيل اللغوي الجزائري. وتوثقت علاقتنا اكثر حين انتجت مسرحيتي الاولى "قدور البلاندي" عرض فردي نال رواجاً كبيراً في الجزائر مطلع الثمانينات. وكان علولة في تلك الفترة يطرح مفهوم الحلقة في المسرح، واختلفنا لأنه كان يرى ان عناصر الحلقة لا يمكن ان تتوفر في عرض فردي مونودراما. كان يطرح مفهوم الحلقة على مستوى النص وعلى مستوى اللباس. بحيث يكون محاكاة لأشكال الحلقة التقليدية كما هي معروفة في الاسواق الشعبية. اما انا فكان رأيين ان الحلقة في المسرح يجب ان تتجاوز هذه المحاكاة لتتجسد اكثر على الخشبة من خلال الجسد والصورة والاشارة. كان علولة في منتهي التسامح، ومتقبلاً للرأي المخالف. كنت ارى ان الاحتفالية لا تتجسد فعلياً في مسرحه، فهو لم يستطع تحقيق قطيعة نهائية مع المسرح الارسطي... وكانت لديه قابلية لسماع هذه الاراء، فقد كان دوماً متفتحاً للنقاش ومتواضعاً كثيراً، خصوصاً في تعامله مع المسرحيين الشباب الهواة، حيث كان يناقشهم ويتعامل معهم معاملة الند للند، وكان مستعداً دوماً لمد يد المساعدة لهم بمختلف الاشكال، حتى انه كتب نصوصاً عدة لفرق مسرحية شابة. خلال اخر لقاء لنا اذكر انني سألته عن رأيه في التطورات السياسية في الجزائر بعد توقيف الانتخابات، وعما اذا كان يجب اجراء حوار مع الاسلاميين. فصمت ولم يشأ الاجابة. اغتيال علولة اربطه بدراما شاملة عمت الجزائر، وعملت على تعميقها اطراف في السلطة بتزكية من قبل بعض المثقفين. واعتقادي ان من قلتوا علولة او ادوا الى اغتياله هم هؤلاء انفسهم الذين بكوه لاحقاً، لانهم هم الذين خلقوا وضعاً افرز القتلة! كما ان علولة مات في ظرف غامض جداً له علاقة بحملة التصعيد السياسي التي كانت في تلك الايام تسعى بكل الوسائل للحؤول دون حصول حوار او اتفاق مع الاسلاميين. فقتله علولة ليسوا ربما من نظن. وفي كل الاحوال فإن هذه الجريمة جزء من مأساة عامة، وفي اعتقادي ان الذين تاجروا بموته ليست اياديهم بريئة من دم هذا الفنان الكبير!