الحياة الثقافية في الجزائر تضررت كثيراً بالأحداث التي مرت بها البلاد أثناء العشرية الأخيرة، سواء بسبب الوضع الأمني أو نتيجة مشكلات التحول من اقتصاد الدولة الى اقتصاد السوق. ومن القطاعات التي أصابها الركود والتقهقر، قطاع المسرح الذي لا يمكن أن يحيا، كما يعرف الجميع، في أجواء العنف وانعدام الأمن. وحسب الباحثين، فإن المسرح الجزائري قد سجل تاريخ ميلاده سنة 1926 بمسرحية "جحا" لعلي سلالي، المعروف ب"علالو". ومن أهم الأحداث التي شهدها منذ ذلك التاريخ تأسيس الفرقة المسرحية لجبهة التحرير الوطني سنة 1957 التي ساهمت في التعريف بالقضية الوطنية وفي جلب التأييد لها في العديد من البلدان الصديقة والشقيقة. وحسب الباحث أحمد بيوض فإن مدة ازدهار المسرح الجزائري بعد الاستقلال هي الممتدة من 1983 الى 1989. وتعد العشرية الأخيرة أسوأها على الإطلاق. والحقيقة أن بوادر أزمة المسرح الجزائري ظهرت مع الأزمة الاقتصادية التي جاءت على أثر انهيار أسعار النفط، فحينها شرع بعض رجال المسرح يغادرون الوطن الى فرنسا حيث نشأت حركة مسرحية جزائرية ناطقة بالفرنسية. وأدى انتشار العنف ضد المثقفين الى توسيع نطاق الهجرة، لاسيما بعد اغتيال عبدالقادر علولة وعزالدين مجوبي، الوجهين البارزين في المسرح الجزائري. وهكذا تحوّل الى باريس كل المخرجين المسرحيين المعروفين أمثال سليمان بن عيسى، زياني محمد شريف عياد، حميدة آيت الحاج، فلاف، والممثلين سيد أحمد أفوي وفريدة عمروش وغيرهما. وهكذا مر المسرح الجزائري بعشرية سوداء ظل أثناءها صامتاً أو يكاد، يعلو الغبار خشباته ويكتنف الحزن والوحشة جدرانه. ربما هذا ما جعل من الشهر المسرحي الذي نظم من 15 نيسان ابريل الى 16 أيار مايو الجاري حدثاً ثقافياً وطنياً، فوضع تحت رعاية رئيس الجمهورية، وحضر رئيس الحكومة برفقة وزير الثقافة والاتصال وكذا وزيرا الصحة والتضامن، بمعية عدد من السفراء المعتمدين، افتتاح هذا الشهر المسرحي. وصادف هذا الشهر نهاية أشغال ترميم كل من قاعة المسرح الوطني محيي الدين بشطرزي التي استغرقت 5 سنوات وقاعة مسرح كل من عنابة ووهران. ولإعطاء هذا الحدث أهمية استدعى المنظمون الى جانب 21 فرقة وطنية 7 فرق مسرحية عربية من لبنان وسورية وتونس والمغرب والأردن، إضافة الى فرقة فرنسية. كما حضرت في المناسبة وجوه فنية عربية معروفة مثل يونس شلبي وحسن مصطفى وسهير المرشدي وأشرف عبدالغفور ومحمد سلماوي وثريا جبران وناجي جبر وغيرهم. وتميزت العروض المقدمة بتنوع موضوعاتها وعدم تمركزها حول همّ واحد. وهي موضوعات يمكن حصرها عموماً كما يلي: - عروض ذات محتوى تاريخي قابل للإحالة على الحاضر، كنموذج عن ذلك مسرحية "رقصة سالومي الأخيرة" التي مثلتها فرقة المسرح القومي المصري، والتي تدور أحداثها حول مملكة سالومي وسقوطها في أرض فلسطين. وهو عمل حول الفساد والاستبداد والثورة. وكذلك مسرحية "الجثة المطوقة" لفرقة المسرح الجزائري الوطني محيي الدين بشطرزي. وهي تروي وتمثل نضال الشعب الجزائري خلال 132 سنة ضد الاستعمار. - قضية المرأة التي تناولتها مسرحية "السنونوة" للمخرجة الجزائرية المهاجرة مجيدة آيت الحاج. الفرقة التي غاب عنها ممثلوها الفرنسيون والبلجيكيون لأسباب أمنية حسبما يبدو. والمسرحية تتناول مشاكل المرأة الجزائرية في سياق هاجس الموت والإرهاب. وضمن موضوع المرأة نفسه ومشاكلها، وخصوصاً المرتبطة منها بالحياة الزوجية، يمكن إدراج مسرحية "مبروكة" للفرقة الجهوية بعنابة. - الواقع السياسي العربي، لا سيما في عرض "خرطونيا" لمسرح محمد اليزيد الذي تناول بالنقد والسخرية واقع العرب. وكذلك مسرحية "الزعيم" لفرقة مسرح الجزيرة. وهي عبارة عن "مونولوغ" يفضح في قالب كوميدي ما في "الزعامة" وفي حق قضية "الزعيم" من زيف وانتهازية وميكيافيلية. - الدراما البسيكولوجية، كما في مسرحية "سفر" د.سليم صنهاجي، من فرقة مسرح مدينة تونس. - الحب والعشق، وذلك في مسرحية "بليلة قمر" الغنائية والراقصة لفرقة "كركلا" اللبنانية. وفي "حب وجنون في زمن المحبوب" التي أنتجها الديوان الوطني للثقافة والإعلام وأخرجتها فوزية آيت الحاج، من الجزائر. وكذلك في عرض "على شط بحر الهوى" الذي أنتجته فرقة مدينة تونس بالاشتراك مع شركة الفنانين المشتركين. - ثم هاجس الفن والإبداع الذي انفردت به مسرحية "البتول" لمسرح "اليوم" المغربي. ويلاحظ في العروض المقدمة انتشار ظاهرة الاقتباس. فعلى سبيل المثال، نجد "بليلة قمر" مستوحاة من شكسبير، والبتول" من نص "مارينا" للكاتبة ميشال مافني، و"على شط بحر الهوى" من عمل للكاتب الإيطالي لوكانتير. الخ... وقدمت العروض باللغة العامية والفصحى وبالفرنسية حال واحدة. لكن ذلك لم يحل دون إقبال الجمهور، مما يعني أن السنوات العشر العجاف مسرحياً لم تأت على روح الفرح والفرجة. وأهم العروض التي استحسنها النقاد عرض "بليلة قمر" لفرقة "كركلا" و"رقصة سالومي الأخيرة" لفرقة المسرح القوي المصري. وربما كانت أكبر خيبة هي تلك التي تتعلق بعرض "الجثة المطوقة" التي وقع شبه إجماع بأنها لم ترق قط الى مستوى الرواية التي ألفها الكاتب الجزائري المعروف كاتب ياسين التي اقتبست منها المسرحية. لكن هذا الإخفاق يبدو طبيعياً إذا أخذنا في الاعتبار سنوات الركود والعقم التي عاشتها الحركة المسرحية الجزائرية. وأهم انتقاد وجه لهذا الشهر المسرحي اقتصاره على تقديم العروض من دون تنظيم ندوات ولقاءات بين رجال المسرح المشاركين، الأمر الذي لم يسمح بتبادل الخبرات والآراء وطرح القضايا والمشاكل الخاصة بالمسرح العربي. لوحظ كذلك غياب رجال المسرح الجزائريين المهاجرين. فهل هي القطيعة النهائية مع الوطن؟ لكن السؤال الذي يفرض نفسه في الأخير على الجميع هو التالي: هل سيسجل التاريخ أن شهر المسرح هذا كان بداية بعث جديد للحركة المسرحية الجزائرية؟