رشح رئيس الجمهورية اللبنانية إميل لحود نفسه لإعادة انتخابه مرة أخرى أمس في كلام نقل عنه ووزعه المكتب الاعلامي في القصر الجمهوري، في خطوة مفاجئة رأى فيها المراقبون اشارة الى اتخاذ دمشق قرارها بدعم ترشيحه، بعدما كان يردد على الدوام انه لن يطلب التمديد أو التجديد لنفسه. وأكد لحود انه "ليس يائساً من امكانية تنفيذ المستوى الداخلي من خطاب القسم الذي اطلقه عند انتخابه في العام 1998، واعداً بالاصلاح وبدولة المؤسسات والقانون، وانه في حال رغبت الغالبية النيابية بإسناد هذه المهمة اليه، فهو جاهز لها بحسب الأصول الدستورية المعتمدة التي تحدد آلية التعديلات الدستورية على أساس المصلحة العامة، وليس على أساس الشخص". وأضاف: "أما اذا رغبت الغالبية النيابية اسناد هذه المهمة الى أي شخص آخر، فذلك يعود الى تقدير ممثلي الشعب في اختيار المرشح المناسب الذي يستطيع بنظرهم وبنظر الشعب الذي يمثلونه، ان يقوّم السياسة ويصلح الاقتصاد ويمنع الفساد الاداري ويكرّس استقلالية القضاء، أي المرشح الذي يستطيع، اضافة الى الحفاظ على المستوى الاستراتيجي الذي تم بلوغه، ان يقول على المستوى الداخلي نعم حيث يجب، ولا حيث يجب، أي حيث تكون مصالح الناس لا حيث تكون مصالح أهل الحكم والسلطة". وشدد لحود على أن "مسألة الاستحقاق الرئاسي يجب ان يُنظر اليها من هذه الزاوية، لا من زاوية من سيأتي الى موقع الرئاسة أو من سيغادره". وكان لافتاً ان لحود تحدث للمرة الأولى في المعلومات التي وزعها القصر الجمهوري عن لسانه، عن اشتراكه في المسؤولية عن تعثر تطبيق الشق الداخلي من خطاب القسم والاصلاحات، مع الرئاستين الثانية والثالثة وبقية السلطات، بعدما كان يلقي اللوم على الآخرين، بحسب قول مصدر وزاري لبناني. وشكل اعلان لحود ترشيحه، بطريقة غير مباشرة، هجوماً مضاداً، كما يبدو، على تصاعد الاعتراضات على تعديل الدستور اللبناني الذي يحول دون اعادة انتخاب رئيس الجمهورية عند انتهاء ولايته، من اجل اتاحة بقائه في سدة الرئاسة. وكان اهم هذه الاعتراضات وآخرها من البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير. وذكرت مصادر وزارية ان لحود نُصح من دمشق وبعض حلفائها بالانفتاح على الفرقاء الآخرين من أجل تأمين دعمهم لاعادة انتخابه وان "اعلانه للمرة الأولى اشتراكه في مسؤولية تعثر الاصلاحات جاء بعد ان قيل له انك تطلب من الآخرين اعادة انتخابك لكنك تتهمهم بأنهم وراء عدم تطبيق الاصلاحات في وقت تشارك في كل القرارات والسلطة وترأس كل جلسات مجلس الوزراء وأنت منزه عن كل شيء وهم المتهمون". وذكرت المصادر الوزارية ان كلام لحود هو "اعتراف بما قيل عن اشتراكه في المسؤولية طوال السنوات الماضية عن السلبيات التي حصرها بالآخرين، وهذا جديد". وجاء ترشيح لحود نفسه للمهمة في وقت قالت مصادر نيابية لبنانية ل"الحياة" ان بعض المؤيدين للتجديد له "بدأوا يطرحون منذ مدة حلاً وسطاً لهذا الخيار يقضي بتمديد ولايته بضع سنوات بدلاً من ولاية كاملة ست سنوات أو تعديل الدستور لتقصير الولاية الى خمس سنوات مع حق التجديد لرئيس الجمهورية". وذكرت هذه المصادر ان تزايد المعارضة لتعديل الدستور دفعت بعض مؤيدي بقاء لحود في الرئاسة الى اقتراح حل وسط من هذا النوع، أسوة بالتمديد الذي حصل للرئيس السابق الياس الهراوي في العام 1995، لمدة ثلاث سنوات ولمرة واحدة فقط. وأوضحت هذه المصادر ان بين الأفكار التي يطرحها التمديديون وعوداً للمعارضين للتجديد أو التمديد، بألا يرأس لحود كل جلسات مجلس الوزراء اللبناني، على أن يتم تعديل قانون الانتخاب لاعتماد الدائرة الصغرى لإرضاء البطريرك صفير. وكان البيان الصادر من الدائرة الاعلامية في القصر الجمهوري نقل عن لحود قوله ان "النقاش في الاستحقاق الرئاسي وتنوع الآراء حياله، هما من صلب الحياة الديموقراطية، ودليل صحة وعافية في النظام السياسي اللبناني، حتى ولو بالغ البعض في استغلال هذا المناخ، متمنياً ان تتسم النقاشات بالموضوعية وأن يكون حافزها مصلحة الدولة والناس، لا تعبيراً عن احقاد او تصفية لحسابات ضيقة". وأشار الرئيس لحود رداً على الأسئلة التي ترده حول موقفه من الاستحقاق الرئاسي، بأنه "سبق وعبّر عن برنامجه للحكم في خطاب القسم الذي هو برنامج متكامل على المستوى الاستراتيجي، وعلى المستوى الداخلي". وأضاف انه "راض عما نفذ حتى الآن من خطاب القسم على المستوى الاستراتيجي، لا سيما لجهة العلاقة مع سورية، وحماية المقاومة، والموقف من الصراع العربي - الاسرائيلي ولا سيما رفض التوطين، ومن مجريات الوضع في العراق، وصولاً الى موقف لبنان الواضح من الحرب على الارهاب، وان ذلك قد انعكس ايجاباً على لبنان لجهة مناخ الاستقرار العام الذي يشهده، والذي تُرجم اطمئناناً على المستوى الأمني على رغم تقلبات الأوضاع في المنطقة، وجعل لبنان مقصداً من الأخوة العرب والاجانب على حد سواء، وأتاح للبنانيين تطوير بعض الاستثمارات، كما أتاح للقطاع الاقتصادي، ولا سيما المصرفي، الاستفادة من هذه الايجابيات لتأمين معدلات مرتفعة من النمو، ساهمت في التخفيف من مشكلة خدمة الدين العام". وكان لحود التقى أمس رئيس المجلس النيابي السابق حسين الحسيني ويلتقي غداً الخميس رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي يعارض تعديل الدستور للتمديد أو التجديد لرئيس الجمهورية. وقال جنبلاط أمس في تصريحات لصحيفة "لوريان لوجور" انه يراهن في معارضته هذه على ايجاد اقلية معطلة للتعديل في البرلمان الثلث زائد واحد باعتبار ان التعديل الدستوري يتطلب اكثرية ثلثي ال128 نائب في البرلمان، وهذا تطور في موقف جنبلاط، يعني انه يراهن انه وكتلته 17 ومعظم كتلة رئيس الحكومة رفيق الحريري وبعض النواب المسيحيين والمستقلين يستطيعون تأمين 43 صوتاً ضد التعديل الدستوري. ورأى حلفاء لدمشق ان ترشيح لحود سيؤدي الى مواقف مؤيدة لهذا الخيار من حلفاء لسورية كانوا مترددين أو معارضين، واعتبروا الترشيح اعلاناً لقرار سوري بدعم لحود نظراً الى ان المعارضة الحادة لهذا الخيار جعلت عدم اعتماده هزيمة لسورية في لبنان. وكان الحريري التقى أمس البطريرك صفير من دون الادلاء بأي تصريح، لكن مؤيدي لحود اعتبروا ان التمديد له لمرة واحدة قد يخفض من معارضة البطريرك.