يتحدد التوجه الاطلسي في البوسنة، من اجل انجاح مهمة السلام هناك، وقبل ايام من التوقيع في باريس على خطة السلام، في اطار ضغط سياسي يمارسه الرئيس بيل كلينتون على الكونغرس للموافقة على ارسال 20 ألف جندي اميركي لمدة عام واحد من اصل 60 ألف جندي من دول اطلسية وغير اطلسية في مقدمتها روسيا. بالطبع فان اتخاذ قرار من هذا النوع، ومن خلال أهم عملية من نوعها يقوم بها الحلف الأطلسي منذ تأسيسه عام 1949، لا يمكن ان يتقرر الا على مستوى المجلس الوزاري للحلف، ولو ان هذا الاخير، يعاني سياسياً من غياب أمين عام اصيل بعد الاستقالة القسرية لويلي كلاس. كما ان مشاركة وزير الدفاع الروسي، الجنرال غراتشيف، الذي قام لهذا الغرض بزيارة لبروكسيل، تمنح صدقية اكبر للدور الاطلسي، والاهم من ذلك، تعزز هذا الدور، كأهم منتدى لقيادة العمليات الدولية الحساسة بعد نهاية الحرب الباردة. من الطبيعي جداً ان يراعي الحلف حداً أدنى من الحساسية السياسية لموسكو، عندما تتعلق المسألة بالأمن الاوروبي، ومن هنا الاتفاق على التشاور، على مستوى السفراء، لكن من دون ان يعطي هذا التوجه اي دور فعال لروسيا في قيادة العمليات الامنية او حتى في تحديد الاطار السياسي العام لمشروع السلام اليوغوسلافي. في المقابل فإن حدوث خلافات في وجهات النظر، داخل الملف، بين الولاياتالمتحدة وشركائها الاوروبيين، لم يؤثر على التنسيق العام. وحتى الدور القيادي الذي تمارسه واشنطن الآن في تحديد الخطوط الرئيسية للعملية الامنية، لن يؤثر في لعب اوروبا دوراً سياسياً واقتصادياً لدى اتمام مشروع السلام وما ينتج عنه من تصورات اقتصادية وسياسية. ان المهمة التي يعد لها الحلف الاطلسي في البوسنة، تتجاوز كذلك حدود التوتر اليوغوسلافي، ومن جملة اهدافها التأكيد من خلال الحضور الامني المكثف على مشروع عام للاستقرار في اوروبا الشرقية والوسطى، بما في ذلك محيط البلقان، وقد اصبح من الواضح، ان صدقية اي توجه في هذا الاطار تفترض التزاماً سياسياً وانخراطاً أمنياً فعالاً من جانب الولاياتالمتحدة، وهو ما عملت واشنطن على تجنبه طوال اكثر من ثلاث سنوات على الاقل، من عمر الازمة اليوغوسلافية. ان الايقاع الذي سارت به الاحداث في البوسنة، في الاشهر القليلة الماضية، اكد ان الدور الاطلسي لا غنى عنه حين تتجاوز ازمة اقليمية اوروبية حداً معيناً من التعقيد والتراكم، وثمة من يربط الآن بين النجاح المفترض لمهمة الاطلسي في البوسنة، ومشاريع الحلف نحو التوسع التدريجي في اتجاه اوروبا الشرقية والوسطى، وبما يساهم في توفير مناخ ايجابي للاستقرار، من دون ان يشكل ذلك صدمة مباشرة لروسيا. وهناك من يعتبر ايضاً، ان مركز الثقل في مهمة الاطلسي، يتحدد من خلال انتشار القوات وتأمين استمرارية الحل السياسي والعمل على احترام بنود الاتفاق الذي تم التوصل اليه في دايتون، وان من السابق لأوانه التحدث عن نجاح مؤكد في هذا السياق. مع ذلك لم تكن مهمة الاطلسي اكثر وضوحاً وتماسكاً مما هي عليه الآن، ومن هنا تشكل التجربة الحالية امتحاناً لصدقية الحلف في المجال المفتوح للأمن الاوروبي.