أعلن عن مشروع جديد للبلقان في 17 الشهر الجاري يماثل مشروع "مارشال" الذي أعدته واشنطن لأوروبا ومن ضمنها ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. وتمت بلورة المشروع في 27 الجاري حين اجتمع كبار المسؤولين من الاتحاد الاوروبي والولاياتالمتحدةوروسيا ودول البلقان، الى ممثلين عن "صندوق النقد الدولي" و"البنك الدولي" وبنك "الاستثمار الاوروبي" ومؤسسات مالية دولية اخرى تحضيراً للمشروع الذي سيبحث في قمة الدول الصناعية في كولون بعد ثلاثة اسابيع. وعلى رغم الهزة السياسية في روسيا، وغضب الصين الناجم عن قصف طائرات حلف الاطلسي لسفارتها في بلغراد، سيستمر تعاون روسياوالصين لانجاح مشروع ينفذ تحت مظلة الاممالمتحدة لوضع قاعدة حل للمسألة البلقانية، وفق ما اوضح وزير الخارجية البريطاني روبن كوك. ويشمل المشروع تقديم مساعدات تقدر ب100 مليون يورو 66 مليون جنيه تدفع لمقدونيا والبانيا ومونتينغرو لمعالجة ازمة اللاجئين من كوسوفو. ولم يكن واضحاً كيف ستسدد الاموال الى مونتينغرو والحيلولة دون استئثار بلغراد بها، في اعتبار انها ما تزال تتحكم بالتجارة والضرائب في المقاطعة. يهدف المشروع الى اعادة اعمار البلقان بعد حرب كوسوفو ورسم خريطة جنوب شرقي اوروبا شاملة صربيا بعد اصلاحات سياسية فيها تجعلها وثيقة الصلة باوروبا. ومع ان المشروع ما يزال في مرحلته التحضيرية، فان نتيجته النهائية ستجعل البلقان منطقة تجارية مفتوحة ذات صلة وثيقة مع الاتحاد الاوروبي، عبر اتفاقات تبرم مع كل دولة على انفراد تتضمن تعهداً بالتزام الديموقراطية، بمن في ذلك يوغوسلافيا ما بعد ميلوشيفيتش. وبسبب هذه الثنائية في الالتزامات اكتسب المشروع صفة الميثاق، ولم يعد كمعاهدة جماعية. تستند التسوية التي سينطلق مشروع "مارشال" البلقان بعدها على مبادئ اتفاق "رامبوييه" الذي يعني حكماً ذاتياً لكوسوفو وليس استقلالها. و كان حجب الاستقلال عنها بذريعة الحيلولة دون تقوية القومية الالبانية في المنطقة، وهو مكيال مختلف عما جرى مع الصرب الذين احتفظوا بموجب اتفاق دايتون سنة 1993 باراضي البوسنيين المهجّرين والمفقودين. ويرجح ان يتكرر الامر في شمال كوسوفو. متى يبدأ التنفيذ وعلى اي اساس؟ من الواضح ان كل الخطط الاقتصادية المعدة او قيد الاعداد والبلورة تتوقف على نجاح الخطط العسكرية التي قد تقع على عاتق اوروبا اذا لم تقرر واشنطن المشاركة في الحرب البرية. ولاوروبا قوة ناجمة عن حصيلة موازنات الدفاع في بريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا المقدرة بين 100 و150 بليون دولار، وهي تعادل 3 في المئة من الناتج القومي العام فيها. ان الهدف السياسي المعلن للمشروع هو اعادة سكان كوسوفو وضمان امنهم، بينما تفرض الجغرافيا العسكرية شروطها، وتحديداً اعادة حوالى مليون مهجّر الى اراضيهم قبل منتصف شهر تشرين الاول اكتوبر بداية سقوط الثلوج. وتتطلب الخطة وفق تقديرات الخبراء حوالى شهرين، وهذا يعني نقل قوات حفظ السلام والمهندسين العسكريين الذين سينظفون المنطقة من الالغام قبل مطلع ايلول سبتمبر. ويتطلب الامر نقل 16 الفاً من القوات بسرعة تجنباً لحدوث فراغ قوة في كوسوفو. ومع عودة اللاجئين سيتطلب الامر وجود 40 الف عسكري وليس 23 الفاً وفق اتفاق رامبوييه. وتتطلب العملية شهراً على الاقل لتكون جاهزة في مواقعها، اي ان تبدأ بالتحرك في مطلع تموز يوليو في حال التوصل الى اتفاق تلتزم به بلغراد. ولأن الحل المقترح لا يبدو مضموناً الآن، زادت احتمالات العمليات الارضية التي تبدو لندن متحمسة لها وتحاول اقناع الاميركيين منذ قمة الحلف في واشنطن في نهاية نيسان ابريل الماضي. واذا رجح هذا الخيار فانه يحتاج الى شهر لتنفيذه، اي انه يجب البدء به في منتصف تموز في ابعد احتمال، ويعتمد ذلك كله على مدى نجاح غارات الاطلسي في شل القوة العسكرية الصربية. ويرى الخبراء انه استناداً الى خبرة حرب الخليج التي مكّنت القصف الجوي لشهر ونصف من تقدم القوات البرية في اربعة ايام، فان قصف اكثر من شهرين في يوغوسلافيا يجعل تقدم قوات الاطلسي البرية اكثر يسراً، خصوصاً ان يوغوسلافيا اصغر من العراق بكثير. يضاف الى ذلك ان استخدام الصرب القصف المدفعي لتحقيق التطهير العرقي يشير الى قدرة عسكرية ميدانية متدنية، ومع ذلك فان ضمان نجاح العمليات البرية يتطلب زيادة القوات المهاجمة الى 80 الف عسكري. فهل تستطيع اوروبا تجهيز هذا العدد من القوات الضاربة في هذا المدى الزمني القصير؟ واذا قررت بريطانيا وفرنسا والمانيا خوض هذه الحرب فستحتاج الى دعم دول الاتحاد الاوروبي ودول حلف الاطلسي، وهذا ما جرى بحثه في مجموعة محاضرات عبر السنوات الخمس الماضية، وخلاصتها ان العملية ممكنة وضرورية ليس لاعادة سكان كوسوفو الى بلادهم وحسب، بل كي لا يصبح حلف الاطلسي طي النسيان، وفق ما يذكر المحلل العسكري تيم غاردن استناداً الى تقديرات مساعد رئيس الاركان البريطاني السابق السير تيموثي غاردن. ولا يلغي هذا الخيار احتمال انهيار القوة اليوغوسلافية في اول هجوم جدي، او اقتناع بلغراد بأن الحل الديبلوماسي هو خيارها الوحيد. وهذا ما يمنح الاتحاد الاوروبي ثقة بالنفس وبالمستقبل، ويدعم العلاقة مع الولاياتالمتحدة ليكوّنا شراكة فعّالة في تحقيق السلم والأمن الدوليين. واي حل من دون ذلك المستوى من النجاح يعني انتصار الرئيس الصربي، وخسارة حلف الاطلسي صدقيته وانهيار العلاقات بين طرفي الاطلسي، وهو خيار من غير المحتمل المجازفة به الا بافتراض رغبة واشنطن دفع اوروبا الى الانشغال بمتاعبها لعرقلة تطور الاتحاد الاوروبي والضغط على عملته "اليورو" حتى لا ينافس الدولار. * صحافي سوري مقيم في بريطانيا.