ربما كان مؤلّف لطفي الخولي "البحث عن ستالين ديموقراطي - التراجيديا الروسية" آخر كتب أدب الرحلات باللغة العربية. وهو ايضا آخر ما صدر في لغة الضاد عن التجربة الاشتراكية والاتحاد السوفياتي وربما كان الاخير. يتألّف الكتاب من أربعة عشر فصلاً ومقدمة، تلعب فيها العناوين دور علامات الطريق التي تساعد القارئ على الخروج من حيرته، حين يتوه في خضمّ الاسئلة الكثيرة التي يطرحها الكاتب الذي يحاول تبيّن صورة المستقبل، لا عن جرأة واقدام ، وإنما في محاولة منه لتجنب الاقرار بهزيمة الحلم. تتوالى عناوين الفصول على النحو الآتي: السوق كل السلع مستوردة إلا فتيات الليل، لو خرج ماركس من قبره، انهيار مزدوج للنظام والناس، فكرة المؤامرة ونظرية الكسندر الاعرج ، غورباتشوف في جمهورية يلتسين: أسباب السقوط، يلتسين في جمهورية غورباتشوف: القديس والابليس، صبيان يلتسين، صراع كسر العظم بين الرئاسة والبرلمان ، الرئيس الامبراطور، البحث عن ستالين ديموقراطي، غابة الاحزاب، ائتلاف وائتلاف مضاد، حالة "ربما لا... ربما نعم"، القوة الثالثة. وصفحات الكتاب حافلة بالمعلومات وبالارقام والحكايات، ومع ان الكاتب يقدّم بعض التفسيرات أحياناً، أو يوردها على لسان من يقابلهم أحياناً اخرى، الا أن جانب التنظير غائب خلافاً لما ألفناه من كاتب عليم بتاريخ الحركة الاشتراكية وتاريخ وواقع الاتحاد السوفياتي. بل أن الخولي يؤكد، في أماكن عدّة، أنه لا يملك اجابات عن الأسئلة التي يطرحها الوضع الراهن. فمن الافضل ان يقرأ المرء الكتاب ويستخلص منه رؤيته، وربما انتهى الى ما انتهى اليه الخولي، إذ يستعير كلام بطل همنغواي في رواية "العجوز والبحر"، بعد ان هزمته القروش وأكلت سمكته الكبيرة. فعن سؤال "ولكن ما الذي هزمك؟"، يجيب العجوز قائلاً: "لا شيء. أنا الذي مضيت بعيداً". وسيردد هذا القول مع الاستاذ لطفي الخولي ومع عجوز همنغواي ومع فلاديمير مدرس اللغة الانكليزية الذي عرض كتبه وقواميسه للبيع لكي يوفر لنفسه ثمة الخبر، كل من عاصر مرحلة من تاريخ الاتحاد السوفياتي والتجربة الاشتراكية وحمل أحلامها، وأوجعته نهاية الامل. في البحث عن التفسير عاد لطفي الخولي الى كل الاحتمالات، بدءاً من التفسير التآمري الى التفسير الديني الى التفسير المادي للتاريخ الى التفسير الاقتصادي والبنيوي. ولكنه يتوصّل إلى نتيجة يمكن تلخيصها في عبارة شائعة على لسان الروسيين اليوم. عبارة يسمعها من كولونيل سابق في الجيش السوفياتي أصبح يعمل الآن حارساً على باب فندق فخم ويحمل الحقائب: "ومن يستطيع أن يجزم يا سيدي؟ ربما نعم... وربما لا".