إذا كان الملف الداخلي البلجيكي لمسألة ويلي كلاس لا يزال مفتوحاً، فهناك في المقابل اجماع اطلسي على اعتبار ان كلاس فرض نفسه خلال فترة عام واحد بالضبط من توليه منصب الأمانة العامة للحلف، وذلك في فترة بالغة الأهمية سياسياً، سواء حول مستقبل السلام في البوسنة أو مشاريع توسيع الحلف باتجاه أوروبا الشرقية والوسطى أو تجاوز الأفق التقليدي للعلاقات الروسية - الأطلسية. ويبدو كذلك ان الحلف الأطلسي يواجه مشكلة مع أمنائه العامين في السنوات الأخيرة. فبعد الرحيل المفاجئ لمانفريد وارنر العام الماضي، أتت أخيراً الاستقالة المفاجئة لكلاس. ثم إذا كانت الخيارات مفتوحة امام تعيين أمين عام جديد خلال الاسابيع المقبلة، لأن الوضع السياسي والأمني للحلف لا يتحمل الدخول في متاهات كالتي رافقت العام الماضي تعيين جاك سانتير على رأس المفوضية الاوروبية، فإن المراهنات حتى الآن لم تتجاوز حدود التعليقات الاعلامية واتصالات الكواليس بين رؤساء الدول والحكومات الأطلسية على هامش انعقاد الدورة الحالية للأمم المتحدة في نيويورك. ومرة أخرى، المسألة لا تتناول هوية الاشخاص، بل التوازنات الداخلية للحلف الأطلسي، وانطلاقا من ذلك لم يكن العدد الفعلي للأمناء العامين المحتملين محصوراً على ما هو عليه الآن، هناك مرشح واحد معلن رسمياً، هو وزير الخارجية الدانمركي السابق اولمان - ينسن الذي بلغت به حدة المنافسة انه لم ينتظر اعلان استقالة الامين العام السابق. ولكن مهما كانت القناعات الأوروبية والاطلسية لينسن، فهو ينتمي الى بلد لا يتمتع بالعضوية الكاملة في اتحاد اوروبا الغربية، المفترض ان يشكل مستقبلا الجناح الأوروبي لمنظمة حلف شمالي الاطلسي، اضافة الى ان كوبنهاغن خاضت حملة عنيفة ضد استئناف التجارب النووية الفرنسية في جنوب الباسفيك، والمسألة بحد ذاتها قد لا تطرح مشكلة، لو ان الشأن النووي لا يشكل اهمية استراتيجية لمشروع الأمن الأوروبي- الاطلسي خلال السنوات المقبلة. في المقابل هناك مرشح كواليس يتمتع بكل المواصفات لخلافة كلاس بما فيها اتقانه اللغة الفرنسية الى جانب لغة شكسبير، وينتمي الى بلد ذات هوية اطلسية مؤكدة، وهو رئيس الوزراء الهولندي السابق رود لوبيرز، لكن يبدو ان عملية ترشيحه لا تلاقي حماساً مفرطاً من جانب المستشار الالماني هلموت كول، في حين يبدو ان وزير الخارجية البريطاني السابق دوغلاس هيرد يتمتع بالمواصفات المطلوبة والوزن السياسي، وان كان ثمة تحفظات شخصية عن مسألة عبور بحر المانش... من لندن الى بروكسيل. ثم ماذا لو كان الأمين العام للحلف الأطلسي من الجنس الآخر، وذلك للمرة الأولى منذ تأسيسه عام 1949، وهنا لا خلاف على شخصية رئيسة وزراء النروج، غرو هارلم برينتلاند، التي خسرت معركة سياسية العام الماضي، في عدم جر اوسلو الى الانضمام الى عضوية الاتحاد الأوروبي. العامل الجديد الآن ان الأمين العام المقبل للحلف، لا يجب ان يكون فقط ذا خبرة سياسية واسعة وقناعات اوروبية راسخة ومسموع الكلمة في واشنطن، بل المطلوب كذلك ان يتقن لعبة ما بعد الحرب الباردة في اوروبا الشرقية والوسطى ولا يثير أي حساسية من قبل موسكو.