"ميتران وفلسطين"* عنوان كتاب باللغة الفرنسية صدر عن دار"فايار"للنشر، وهو من تأليف الديبلوماسي الفرنسي والمستشرق جان ? بيار فيليو. يتولى فيليو منصب مستشار في السفارة الفرنسية في تونس وسبق ان عمل مستشاراً لرئيس الحكومة الاشتراكي السابق ليونيل جوسبان، وعمل في سفارات فرنسية عدة في الشرق الاوسط، في دمشق وعمان ولبنان. حصل فيليو على اذن خاص من وزارة الخارجية لنشر كتابه، لأن الديبلوماسيين الفرنسيين ممنوعون من نشر كتب مرتبطة بالسياسة الخارجية لبلدهم. يروي فيليو في الكتاب الذي يوزع في الاسواق في 9 تشرين الثاني نوفمبر المقبل قصة اكتشاف الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران لفلسطين والقضية الفلسطينية، فهو كان مثله مثل معظم ابناء جيله يعتبر ان الارض المقدسة هي ارض اسرائيل وفقاً"لما كان يعرفه من التوراة ومرجعياتها، اذ انه كان كاثوليكياً من الريف". ويقول فيليو ان ميتران اكتشف تدريجاً فلسطين والقضية الفلسطينية، ويروي كيف زار للمرة الاولى القدس عام 1949 خلال جولة على الشرق الاوسط، وشعر بالاحباط لأنه لم يزر الجانب الاسرائيلي. ثم عندما اصبح أميناً عاماً للحزب الاشتراكي الفرنسي زار ميتران اسرائيل سنة 1972، وكانت له روابط مع غولدا مائير وشيمون بيريز وإيغال آلون، في اعقاب"ايلول الاسود". وقدم آلون لميتران في"الكيبوتز"الذي كان يقيم فيه عدداً من الاعيان الفلسطينيين المعارضين لمنظمة التحرير الفلسطينية والموالين للاردن. واعتبر آلون ان مثل هذا اللقاء يكفي لتكوين ميتران فكرة عن الواقع القائم، ولكن في اليوم التالي توجه ميتران الى غزة حيث صدم بالوضع السائد فيها، وبالبؤس الذي يعم مخيمات اللاجئين في القطاع. وفي شباط فبراير 1974، دعاه الرئيس المصري انور السادات الذي اثار اعجاب ميتران الكبير نظراً لرغبته في السلام، الى مصر وأصر عليه ان يلتقي ياسر عرفات. فنظم رئيس تحرير صحيفة"الاهرام"في حينه محمد حسنين هيكل، حفلة استقبال، تخللها لقاء رسمي بين ميتران وعرفات اتسم بالبرودة. فعرفات في حينه لم يكن اتخذ قراره بحمل المجلس الوطني الفلسطيني على تبني خيار القبول بوجود دولتين والتحرير التدريجي لفلسطين. وتم هذا اللقاء قبل سنة من لقاء عرفات بوزير خارجية فرنسا في حينه كلود شيسون وقبل سنتين من فتح مكتب لمنظمة التحرير في باريس. ويتناول فيليو معركة مخيم تل الزعتر في لبنان عام 1976، والعلاقة الوليفة التي كانت قائمة بين ميتران والحزب الاشتراكي اللبناني الذي كان يتزعمه كمال جنبلاط. ويشير الى ان هذه العلاقة جعلت ميتران يلتزم في شكل كبير مع الحزب الاشتراكي اللبناني اثناء حصار تل الزعتر، واثارت انتقادات بالغة لدى الزعيمين المسيحيين كميل شمعون وبيار الجميل. وتدخل ميتران عبر الاشتراكية الدولية والامم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الاحمر لوقف المجازر المقيتة التي تعرض لها سكان المخيم. وبعد مضي شهرين على سقوط تل الزعتر تحدث ميتران للمرة الاولى عن الدولة الفلسطينية، وهو لم يكن تولى الرئاسة بعد. وعند توليه الرئاسة اعتبر انه مرتبط بوعد تجاه اسرائيل، فزارها اولاً، وأيد قصف المفاعل النووي العراقي"اوزيراك"وخفف من اهمية ضم الجولان، لكنه، في كلمته امام الكنيست تعمد الحديث عن الدولة الفلسطينية. وبعد مضي ثلاثة اشهر، اجتاحت اسرائيل لبنان، فلم يتحمل ميتران الحصار الاسرائيلي الذي فرض على بيروت ولا المعارك الرهيبة التي استهدفتها، فتدخل اكثر فاكثر، وكان عرفات في تلك الفترة محمياً من الفلسطينيين فيما كان ارييل شارون يريد تصفيته. غادر عرفاتبيروت لاحقاً والى جانبه السفير الفرنسي وبحراسة جنود فرنسيين، فيما اختار ميتران في 14 تموز يوليو 1982 الحديث رسمياً عن شرف الفلسطينيين وضرورة حماية كرامتهم. ويعرض فيليو بالتفصيل، كيف تحول ميتران بين الفترة التي سبقت توليه الرئاسة وبعدها، الى دعم القضية الفلسطينية ومساعدتها. واهدى فيليو كتابه الى صديقه وزميله الشهيد سمير قصير والى السفير الفرنسي الراحل لوي دولامار الذي اغتيل في لبنان. وقال فيليو ل"الحياة"ان اهداءه الكتاب لدولامار مرده الى كون الاخير ديبلوماسياً يحظى باحترام كبير وقد قتل اثناء ممارسته عمله من اجل فكرة عليا عن دور فرنسا في لبنان والعالم العربي. واغتيل دولامار غداة اللقاء الذي نظمه بين وزير خارجية فرنسا آنذاك كلود شيسون وعرفات. واضاف فيليو ان قصير كان صديقاً قريباً جداً ومناضلاً كبيراً من اجل القضية الفلسطينية والحقوق العربية. * Jean-Pierre Filiu. Mitterrand et la Palestine, edition Fayard.