رياح و امطار على عدة اجزاء من مناطق المملكة    مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    المخزونات الغذائية والطبية تتناقص بشكل خطير في غزة    تراجع النفط وسط تأثير التوترات التجارية    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية    الهدد وصل منطقة جازان.. الأمانة العامة تعلن رسميًا عن الشوارع والأحياء التي تشملها خطة إزالة العشوائيات    أمير منطقة جازان يرعى حفل تخريج الدفعة ال20 من طلبة جامعة جازان    ولي العهد يتبرع بمليار ريال دعماً لتمليك الإسكان    ولي العهد يعزز صناعة الخير    الفالح: 700 فرصة استثمارية في الشرقية بقيمة 330 ملياراً    توجّه دولي يضع نهاية لزمن الميليشيات.. عون:.. الجيش اللبناني وحده الضامن للحدود والقرار بيد الدولة    بوتين يعلن هدنة مؤقتة في ذكرى انتصار الاتحاد السوفيتي    الانتخابات العراقية بين تعقيدات الخريطة وضغوط المال والسلاح    النصر يتوج بكأس دوري أبطال آسيا الإلكترونية للنخبة 2025    المنتخب السعودي للخماسي الحديث يستعد لبطولة اتحاد غرب آسيا    نادي الثقبة لكرة قدم الصالات تحت 20 سنة إلى الدوري الممتاز    في الجولة 31 من يلو.. نيوم لحسم اللقب.. والحزم للاقتراب من الوصافة    كلاسيكو نار في نصف نهائي نخبة آسيا للأبطال.. الأهلي والهلال.. قمة سعودية لحجز مقعد في المباراة الختامية    رافينيا: تلقيت عرضا مغريا من الدوري السعودي    بالتعاون بين وزارة النقل و«كاوست».. إطلاق مشروع «أرض التجارب» لتطوير قطاع النقل بالمملكة    السعودية ومصر تعززان التعاون الصناعي    الضيف وضيفه    شدّد على تأهيل المنشآت وفق المعايير الدولية.. «الشورى» يطالب بتوحيد تصنيف الإعاقة    زواجات أملج .. أرواح تتلاقى    أمير المدينة يدشّن مرافق المتحف الدولي للسيرة النبوية    الأمير فيصل بن سلمان:"لجنة البحوث" تعزز توثيق التاريخ الوطني    وفاة «أمح».. أشهر مشجعي الأهلي المصري    حكاية أطفال الأنابيب (2)    مباحثات دولية حول تأثير التقنيات الحديثة لتمويل الإرهاب في اجتماع الرياض.. اليوم    استعراض منجزات وأعمال "شرف" أمام أمير تبوك    «الشورى» يقر توصيات لتطوير مراكز متخصصة للكشف المبكر لذوي الإعاقة والتأهيل    وزارة الداخلية تواصل تنفيذ مبادرة "طريق مكة" في (7) دول و(11) مطارًا    محمد بن عبدالرحمن يلتقي نائب "أمن المنشآت"    بيئة جدة تشارك في فعالية «امش 30»    مستشفى الملك خالد بالخرج يدشن عيادة جراحة السمنة    محافظ محايل يكرم العاملين والشركاء في مبادرة "أجاويد 3"    هيئة الربط الخليجي ومعهد أبحاث الطاقة الكهربائية ينظمان ورشة عن الذكاء الاصطناعي التوليدي    6.47 مليارات ريال إيرادات المنشآت السياحية في 90 يوما    فرقنا نحو المجد الآسيوي: إنجازات غير مسبوقة.. ونهائي نحلم به    يايسله: الهلال لا يقلقني    46 قتيلا في انفجار ميناء إيران    شذرات من الفلكلور العالمي يعرف بالفن    GPT-5 وGPT-6 يتفوقان على الذكاء البشري    انطلاق ملتقى "عين على المستقبل" في نسخته الثانية    مكتبة الملك عبدالعزيز تعقد ندوة "مؤلف وقارئ بين ثنايا الكتب"    أمير المدينة المنورة يدشّن المرافق الحديثة للمتحف الدولي للسيرة النبوية    تدشين 9 مسارات جديدة ضمن شبكة "حافلات المدينة"    جمعية الخدمات الصحية في بريدة تفوز بجائزة ضمان    القبض على مواطن بتبوك لترويجه مادة الحشيش المخدر    محافظ تيماء يرأس الجلسه الأولى من الدورة السادسة للمجلس المحلي    بلدية مركز شري تُفعّل مبادرة "امش 30" لتعزيز ثقافة المشي    جامعة الأمير سلطان تطلق أول برنامج بكالوريوس في "اللغة والإعلام" لتهيئة قادة المستقبل في الإعلام الرقمي    أمير الشرقية يرعى تخريج الدفعة ال 46 من جامعة الملك فيصل    بتوجيه من ولي العهد.. إطلاق اسم "مطلب النفيسة" على أحد شوارع الرياض    السعودية تمتلك تجارب رائدة في تعزيز ممارسات الصيد    كيف تحل مشاكلك الزوجيه ؟    مدير الجوازات يستعرض خطة أعمال موسم الحج    ملتقى «توطين وظيفة مرشد حافلة» لخدمة ضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرئيس الاريتري يقوم انجازات الدولة الفتية وأوضاع القرن . أسياس أفورقي ل "الوسط": معركة السودان ضدنا خاسرة سلفاً والغرب يتعامل مع افريقيا كأن الاستعمار مستمر
نشر في الحياة يوم 16 - 10 - 1995

بزغت اريتريا دولة فتية من حرب طويلة لم تترك لها بنية تحتية سالمة، في قارة تعاني من التخلف والاضطرابات وذيول مرحلة الاستعمار. في هذا الحديث مع "الوسط" يرسم الرئيس الاريتري اسياس افورقي صورة بلاده بعد عامين على استقلالها متطرقاً الى اوضاع جيران اريتريا في القرن الافريقي.
مرت أربع سنوات على تحرير اريتريا وعامان على استقلالها، فما هي أبرز الانجازات التي حققتموها؟
- في رأيي لا يمكن مقارنة حصيلة انجازاتنا في هذا الميدان أو ذاك بأي دولة اخرى لأسباب عدة ابرزها اننا خرجنا بعد نضال مرير من حرب الثلاثين سنة حتى أتت على الأخضر واليابس. لذلك نقول ومن دون أدنى مبالغة بأننا نبدأ من الصفر. ومع ذلك فإن كل القرائن تؤكد ان اريتريا دولة يعمّ في ارجائها السلام والاستقرار والأمان الذي تفتقره اكثر من دولة مجاورة. وهذا في حد ذاته انجاز كبير.
وأحب في هذا الصدد الاشارة الى ان اريتريا ورثت اقتصاد حرب يرثى له، ووضعاً معيشياً بائساً، وأطلال بنية تحتية اقتصادية، اضافة الى تحول اجزاء واسعة من الحقول في صحراء قاحلة.
فقررنا منذ البداية درس امكانات البلاد، وفتح المناقشات امام الخبراء الاقتصاديين الاريتريين، بهدف معرفة حقيقة الوضع الاقتصادي الاريتري، والوقوف على تجارب الدول الاخرى، بهدف وضع اسس اقتصادية صحيحة وقوية، تفادياً للوقوع في تجارب عقيمة.
ما هي الأسباب الكامنة وراء سياسة حكومتكم في تسريح المقاتلين والموظفين؟
- في بلد صغير مثل اريتريا لسنا بحاجة الى جيش ضخم قوامه 100 ألف مقاتل، ولذا قررنا تسريح المقاتلين على دفعات، الى ان نصل الى العدد الملائم لواقع بلادنا.
وبالنسبة الى الموظفين، وجدنا انفسنا خلال فترة وجيزة امام مشكلة التضخم الاداري، مع كل العواقب السلبية المترتبة على ذلك، ولم يكن امامنا اي خيار آخر غير تسريح هؤلاء الناس.
في الآونة الاخيرة تم تسريح 10 آلاف مقاتل وموظف من كل الدوائر الحكومية. وبما ان كل مقاتل او موظف هو رب اسرة، فإن ذلك يعني تضرر زهاء 30 أو 40 ألف مواطن من ذلك القرار؟
- لا تقوم الدولة بالتسريح فقط، بل انها تحاول معالجة مشكلة من دون خلق مشكلة اخرى، وذلك بسعيها الى استيعاب المسرحين في حقول انتاجية اخرى كالزراعة والصناعة وإعادة بناء طرق المواصلات... الخ.
وهكذا فإن هؤلاء الناس عوض ان يكونوا عالة على الدولة، يساهمون في دفع عجلة التنمية.
يتذمر أريتريون في المدن الكبرى من الاوضاع الاقتصادية، ولا يرون بوادر انفراج في المستقبل القريب؟
- نحن لا نملك عصا سحرية لحل قضايا اقتصادية شائكة ومزمنة بين عشية وضحاها.
فعلى مدى السنوات الأربع المنصرمة بذلت الحكومة مجهودات جبارة لتحسين المستوى المعيشي في ظل ظروف صعبة. وخير دليل على ذلك ان مصانعنا القديمة التي كانت متوقفة عن الدوران والانتاج، تمت صيانة اعداد كبيرة منها، وغدت عملية بنسبة 75 في المئة، اضافة الى قيام 369 مؤسسة اقتصادية جديدة بين عام 1991 و1993، تلتها 354 مؤسسة اخرى في عام 1994، ما أدى الى ارتفاع معدل صادرات البلاد للعام الفائت بنسبة 38 في المئة، وهي نسبة قياسية مقارنة مع ظروفنا، ومع اوضاع الدول المجاورة لنا.
التقيتم قبل فترة القيادات الدينية المسيحية والاسلامية فماذا بحثتم معها؟
- بحثنا في جملة مسائل، منها فصل الدين عن الدولة، وحددنا دور وصلاحية كل طرف على ضوء المرسوم التشريعي الرقم 73 لعام 1995، والخاص بضبط وتنظيم نشاطات المؤسسات الدينية. وبناء على المادة الثانية من المرسوم تكون الاديان والمؤسسات الدينية منفصلة عن الدولة كمؤسسة سياسية. ولا يجوز للمؤسسات الدينية ممارسة أي نشاط سياسي سواء كان مؤيداً للدولة ام مناهضاً لها.
في اطار هذا المرسوم الجديد هل تستطيع المؤسسات الدينية ممارسة نشاطات اجتماعية؟
- فصل الدين عن الدولة لا يعني بالضرورة فصله عن المجتمع، وعليه فإن بإمكان المؤسسات الدينية وفي حدود ما يسمح لها الدستور، ممارسة نشاطات اجتماعية، كمساعدة المعاقين واليتامى والمعدمين. ولكن لا يحق لها ابداً القيام بأعمال اغاثية او خدمات اجتماعية بالوكالة عن حكومات او مؤسسات اجنبية.
ما هي الضوابط التي تحكم علاقات المؤسسات الدينية الاريترية بالجهات الخارجية؟
- من حق المؤسسات الدينية الاريترية اقامة علاقات دولية شرط ان تقتصر على الجوانب الروحية وأن تكون متحررة من أي حسابات سياسية، أو مصالح مادية. ولا يجب ان تمس او تتعرض تلك العلاقات من قريب أو بعيد لأمن الشعب الاريتري ووحدته.
الدستور والتعددية الحزبية
متى سيرى الدستور الاريتري النور؟
- كلفنا مفوضية الدستور إعداد مسودة دستور حتى تطرح للمناقشة قبل ان يصادق عليها المجلس الوطني البرلمان ولن يكون ذلك بعيداً.
هل توجد في الساحة الاريترية حالياً مقومات قيام احزاب سياسية؟
- نحن حريصون قبل كل شيء على اعتماد دستور ديموقراطي. والسؤال المطروح والمحفوف الى حد كبير بالضبابية هو: هل الديموقراطية مرهونة بالتعددية الحزبية او بكلام آخر هل توجد علاقة عضوية بين المسألتين بحيث لا تتوافر ديموقراطية في أي بلد من البلدان ما لم تكن هناك تعددية حزبية؟
والاشكالية الثانية المطروحة تتمثل في النقاش الدائر الآن حول مدى توافر شروط قيام احزاب سياسية. وهل ستتأسس الاحزاب بقرار حكومي أم على ضوء مادة دستورية بصرف النظر عن واقع البلد الراهن على الأقل؟
والاشكالية الثالثة هي في كيفية تحديد وحصر عدد الاحزاب السياسية، هل سيصل عددها بين ليلة وضحاها الى ثلاثين حزباً ام ستكون قاصرة على ثلاثة أو أربعة احزاب؟
والشيء اللافت للنظر ان معظم المتحدثين والمتحمسين لمسألة التعددية الحزبية في اريتريا يستندون الى التجارب السياسية في الولايات المتحدة وفي بلدان أوروبا الغربية، وقلما يقدمون أو يرتكزون على قراءة نقدية لتجارب التعددية الحزبية في الدول النامية، لا سيما في دول القارة الافريقية. وأعتقد بأنهم يرتكبون خطأ فادحاً، لأن واقع أريتريا يختلف نوعياً عن واقع الدول الغربية، ومشابه الى حد كبير لواقع دول العالم الثالث مع وجود خصائص مميزة حول هذه القضية او تلك بين بلد وآخر.
في ظل المعطيات الراهنة هل توجد أرضية بروز قوى سياسية وطنية قادرة على منافسة "الجبهة الشعبية للديموقراطية والعدالة"؟
- حالياً لا توجد أي قوى سياسية مؤهلة لمنافسة "الجبهة الشعبية" وهذا لا يجب ان يؤدي بنا الى طريق التفرد المسدود. كل ما في الأمر اننا لا نريد احراق المراحل والقفز الى المجهول بتجاهل واقع اريتريا السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بقدر ما نسعى الى خلق المناخ الملائم بصورة طبيعية وتدريجية، بحيث يتم شيوع المناخ الديموقراطي، كشرط اساسي ليس لقيام الاحزاب، وانما لحدوث تناوب سياسي بهدوء وشفافية، ولفائدة البلد والشعب على حد السواء.
الخريطة الادارية الاريترية.
ما هي الأسباب التي أملت عليكم استبدال اسماء الأقاليم الادارية القديمة بالأرقام؟
- تفادياً لحساسيات اقليمية نحن في غنى عنها وقع الاختيار على الأرقام كحل وسط، لأن كل الاقتراحات التي قدمت لم تكن مقبولة من البعض او حملت بين طياتها بذور حساسيات قديمة ما زالت عالقة في نفوس البعض الآخر.
عمليات "الجهاد"
هل يواصل تنظيم "الجهاد الاريتري" عملياته العسكرية ضد المواقع والمؤسسات المدنية في غرب اريتريا؟
- بين فترة وأخرى يتسلل فرد تابع لمجموعة الجهاد ويحرق مدرسة هنا، أو يقتل مواطناً هناك، ويوهم نفسه وأسياده بخلق حالة عدم الاستقرار في اريتريا.
هل حركة التجارة الرائجة بين غرب اريتريا وشرق السودان تأثرت بالأحداث العسكرية والسياسية بين البلدين؟
- لم يحدث أي أثر، على العكس فإن التجارة في المناطق الحدودية تضاعفت، على رغم ان السلطات السودانية حشدت قوات وفرضت رقابة مشددة لا لمنع تسلل العناصر المسلحة والمخربة، وإنما لعرقلة السير العادي لتنقل الناس في اقاليم الحدود المشتركة.
هل الوحدات السودانية المرابطة في مناطق الحدود ذات وزن مؤثر؟
- السودان لا يملك امكان حشد قوات فعالة في مناطق الحدود، فما بالك في تورطه في معركة ضدنا هي خاسرة سلفاً.
ونحن غير منزعجين ابداً من مناورات بعض قوات نظام "الجبهة القومية الاسلامية" لأننا نعرف حقيقة الجيش السوداني.
هناك معلومات مصدرها الخرطوم تفيد بأن الحكومة السودانية تحاول جمع كل الاريتريين المناوئين لكم تحت سقف سياسي وعسكري واحد؟
- سفينة "الجبهة القومية الاسلامية" على قاب قوسين او ادنى من الغرق، فمن هو يا ترى الذي سيمتطي ظهر هذه السفينة المترنحة؟
الاريتريون في السودان، والسودانيون في المنطق الشرقية يدركان جيداً وضع نظام "الجبهة الاسلامية" الذي خسر كل اوراقه، وظهر على حقيقته، وبات يركض صوب حتفه، وعليه لا عجب اذا كنا متفائلين في شأن أحداث هذه المنطقة.
اسمرا واديس ابابا
كيف تقوّمون العلاقة بين اريتريا واثيوبيا؟
- الانجاز الكبير الذي تحقق هو ان الناس في اريتريا واثيوبيا طووا صفحة الماضي بدموعها ودمائها ودمارها، وبدأوا طرق ابواب مستقبل مشرق بثقة عالية في النفس وفي الآخر.
والى ذلك، فإننا لم نكتف بمدّ جسور علاقات اقتصادية وثقافية وسياسية وطيدة مع اثيوبيا، بل اننا نعمل سوياً لترسيخ دعائم نظام اقليمي قوي بين جميع دول مجموعة "ايغاد".
كيف استطعتم ان تنتقلوا من حالة حرب مدمرة الى حالة تنسيق امني، وديبلوماسي وتعاون اقتصادي …الخ؟
- اذا كان ثمة شيء اثّر في نفسي بصورة كبيرة فهو موقف الشعب الاريتري النبيل بعد الهزيمة التي أُلحقت بالقوات الاستعمارية الاثيوبية. أذكر بأن افراد الجيش الاثيوبي كانوا يهربون في كل اتجاه لانقاذ ارواحهم. وكان الاريتريون يساعدونهم ويقدمون لهم الماء والغذاء، ولم نرَ اي حادث انتقام واحد، مع انه لا توجد اسرة اريترية لم تفقد عزيزاً، وتقدم شهيداً طيلة حرب الثلاثين سنة. وهذا الموقف الحضاري البعيد عن الروح الانتقامية، والحقد الاعمى، ساعدنا كثيراً في الوصول الى ما وصلنا اليه بالعلاقات بين اسمرا واديس ابابا.
اعادة بناء الأمة الصومالية
كيف ترون اوضاع الصومال بعد خروج القوات الدولية؟
- في البداية كنا نعتقد بإيجابية تدخّل القوات الدولية لوقف حدّ للمذابح الجماعية، والدمار الشامل الذي لحق بكل مؤسسات الدولة. وعندما تأكد لنا ان التدخل الدولي بدلاً من ان يساهم في حلّ الازمة الصومالية، ادى الى تفاقمها وتعقيدها، ناشدنا الاطراف الدولية الانسحاب. لكن الكثيرين عارضوا موقفنا بحجة ان انسحاب القوات الدولية سينجم عنه عودة الصومال الى وضعه المأسوي السابق. لكن رأينا كان على خلاف ذلك، لأن الصوماليين استفادوا من تجاربهم السابقة، ووصلوا الى قناعة تامة بأن ازمة بلدهم لن تحلّ ابداً بالوسائل العسكرية.
ولكن ما الحل؟
- يجب ترك الصوماليين وشأنهم، حتى يلتقطوا انفاسهم بعد حروبهم الاهلية. وعدم الضغط عليهم بإيجاد حلول سريعة لمشاكلهم، وذلك حتى تختمر الامور، وتنضج قناعات كل الاطراف بضرورة الجلوس الى مائدة المفاوضات.
توالدت في الآونة الاخيرة حركات سياسية وعسكرية اسلامية لا عدّ لها في الصومال. فهل هناك مخاطر مصدرها التطرف على هذا البلد؟
- المجتمع الصومالي مسلم بطبعه، ومتمسك بإسلامه، بدليل فشل المستعمر الايطالي في نشر المسيحية بين الصوماليين. ولا يعني ذلك بأن المجتمع الصومالي تحكمه قوانين اسلامية في ظل غياب مؤسسات دينية، وفهم معمّق للدين.
وما هي اذاً القوانين التي تحكم المجتمع الصومالي؟
- انها القوانين الاجتماعية نفسها التي تحكم بالمجتمعات الرعوية وتتحكّم بها. واذا ما تأملنا الخلافات الصومالية، فنجد انها قبلية لا تمت بأدنى صلة الى المسائل الايديولوجية او المذاهب الدينية. فلا يوجد أي مبرر موضوعي لوجود 12 حركة اسلامية في الصومال، بل في تقديري ان هذه الحركات ترفع شعارات اسلامية لمصالحها القبلية من ناحية، ولحساب جهات خارجية من جهة اخرى.
الأزمة الجيبوتية
هناك صراع حاد يدور وراء الكواليس على خلافة الرئيس الجيبوتي حسن غوليد ابتيدون، بين ابن عمه اسماعيل عمر غيلي الرجل القوي في البلاد، ووزير العدل والشؤون الإسلامية مؤمن بهدون فارح، وسائر قادة أحزاب المعارضة السياسية والعسكرية. كيف ترون مستقبل جيبوتي؟
- على غرار الأحداث الدموية بين الهوتو والتوتسي في كل من بوروندي وراوندا، فإن الاستعمار أجج نار الصراع القبلي لخدمة أهدافه. واعتقد بأنه آن الاوان لكي تخرج كل البلدان الافريقية المعنية بما فيها جيبوتي من هذه الحلبة الاستعمارية الانتحارية، وتعيد التفكير في مستقبلها ومصيرها لا على أسس وطنية خارج دائرة الحسابات العرقية والقبلية.
فلو أخذنا مثلاً الاشكاليات المجتمعية الجيبوتية بين العيسى والعفر، نجد ان الأزمة ومقومات استمراريتها تكمن في وجود فوارق تنموية كبيرة بين العيسى والعفر، ولا أعتقد بأن القبائل العيساوية هي التي خلقت هذه الظروف، على العكس فإن فرنسا تتحمل قسطاً كبيراً من المسؤولية. ومن الآن فصاعداً على الجيبوتيين أن يفكروا بوضع بلدهم على سكة وطنية جديدة، ولا يمكنهم الاعتماد إلى ما لا نهاية على الوجود الفرنسي فوق ترابهم الوطني.
لكن ذلك لا ينفي وجود صراع على خلافة الرئيس الطاعن في السن؟
- قد لا نكون من اللباقة السياسية واللياقة الأدبية الحديث عن خلافة الرئيس الجيبوتي، ولكن لا أحد خالداً في هذه الحياة. وأعتقد بأن الرئيس حسن غوليد هو أول من يفكر في هذا الموضوع، لأنه يريد الاستقرار لبلده، حتى بعد غيابه، ومن الطبيعي أن يفكر الجيبوتيون واصدقاؤهم ببديل يضمن توازن المجتمع الجيبوتي. فالتطرف، سواء اتى من فئة عيساوية أو من عفرية لن يخدم أبداً مصلحة أحد، على العكس سيضر الجميع.
وما رأيكم في الوجود العسكري الفرنسي في جيبوتي؟
- نحن دائماً نقول إن الوجود الفرنسي له دور ايجابي، ولكن لا ينبغي الركون إليه إلى ما لا نهاية. فإذا سحبت فرنسا اليوم قواتها من جيبوتي، سيبرز فراغ كبير في البلاد يكون مدخلاً سريعاً إلى حرب قبلية شاملة، وعليه من مسؤولية القيادات الجيبوتية ان ترتب أمورها على أسس جديدة تؤدي بصورة تدريجية إلى اذابة الفوارق بين الجميع حتى ينمو المجتمع بصورة متوازنة ومتساوية، وتنتفي كل اسباب الخلافات.
طرحتم فكرة إعادة النظر في مهمة وتركيبة منظمة الوحدة الافريقية في مؤتمري القمة اللذين عقدا على التوالي في القاهرة ثم في تونس. فهل وجدت تلك الفكرة أصداء ايجابية؟
- قلت وما زلت أكرر بأن منظمة الوحدة الافريقية لن تلعب أي دور بتارز لا اقليمياً ولا قارياً ولا دولياً، ما لم يعد النظر فيها من الألف إلى الياء.
وكيف يمكن ان يتأتى ذلك؟
- يجب التركيز في البداية على المنظمات الاقليمية الموجودة في القارة، ثم الشروع في خلق منظمة جديدة لا تكون جثة حية، وانما روح افريقيا النابضة بالحياة.
كيف ترون مقترحات الدول الغربية في شأن اقامة آلية لفض النزاعات الداخلية والاقليمية في اطار منظمة الوحدة الافريقية؟
- إنه شيء مستفز لمشاعر الانسان الافريقي أن يرى الدول الغربية تتعامل مع افريقيا وكأنها غابة عذراء تسعى إلى بسط نفوذها عليها، وكأن العهد الاستعماري لم ينته بعد. هل نحن بحاجة إلى قوات أميركية أو بريطانية أو فرنسية لحل نزاعاتنا الداخلية؟
وهل هناك امكانية لترجمة تلك الفكرة عملياً بالاعتماد على موارد افريقية صرفة؟
- ما زالت دول القارة السوداء تتوسل الدول الصناعية الشمالية لإلغاء ديونها المتراكمة، فمن أين لها الامكانات المالية لإقامة جيش قاري قادر على التدخل الفعال في الحروب الاقليمية أو الأهلية!
والعمل إذن؟
- يجب أن نفكر بصورة براغماتية ونترك جانباً المشاريع الطوباوية، وذلك باقامة منظمات اقليمية على أسس سليمة تتولى اطفاء أي حريق في مهده، بل ترسم خطة تفادي الحرائق على الصعيد المستقبلي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة