في فصل الشتاء يبدو أن كل شيء يسير بطيئاً في غزة. إذ أن الجماهير التي كانت تذرع الطرق في الصيف تقبع داخل البيوت حول مدافيء الكيروسين، بينما استقر الغبار الذي كان يغطي الشوارع في فصل الصيف الحار، في برك مياه الأمطار المنتشرة في كل مكان. ويمكن هذه المياه الثمينة أن تعوض النقص المضطرد في مياه الينابيع لو أنها فصلت عن المجاري الملوثة. إذ أن المياه تغمر مساحات بأكملها. لكن حركة المرور أصبحت أفضل هذه الأيام حتى مع مياه الأمطار الغزيرة بعدما أزال الفلسطينيون معظم الحواجز التي أقامها الاسرائيليون على الطرق الرئيسية والفرعية. كما أن رجال الشرطة الفلسطينية يشرفون على حركة المرور عند تقاطع الطرق. وقد أبقى أصحاب السيارات على أرقام سياراتهم النافرة التي كان الاسرائيليون رخصوها لهم مع أن ثمة سيارات تستخدم أرقاماً جديدة أضيف اليها حرف "P" وهو الحرف الأول من كلمة فلسطين بالانكليزية، خصوصاً تلك السيارات التي يستخدمها أعضاء السلطة الوطنية وسيارات الشرطة الفلسطينية. كذلك يمكنك أن تشاهد عدداً من اشارات المرور الجديدة التي تبرع بها عربي من الناصرة... لكنها لا تعمل حتى الآن! إن غزة مستعدة الآن للتحرك الى الأمام، بعدما مضى على عودة ياسر عرفات الى المدينة ستة أشهر. لكن المصاعب كأداء. إذ أن أكبر مشاريع الأشغال العامة التي كانت السلطة الفلسطينية تنوي البدء بتنفيذها، وهو رصيف ميناء على البحر الأبيض المتوسط، أصبح الآن في حالة يرثى لها كما أن البحر يهدد بابتلاعه بعدما كان يفترض فيه أن يقف رمزاً للبداية الجديدة في المدينة. ولعل هذه الحالة المزرية للرصيف أشبه بتورية محزنة لوعد اتفاق أوسلو الذي ولد ميتاً! إذ يقول أحد المارة: "أتمنى لو أنه يغرق في البحر". والى الجنوب قليلاً من الرصيف، وقبالة محطة بنزين جديدة أقامها أحد العائدين من الكويت توجد مكاتب عرفات. وكما هو الحال بالنسبة الى كل شيء في غزة لا يزال العمل جارياً في بناء تلك المكاتب. ومع أن عرفات يستخدم منزل أحد أعيان غزة مقراً رسمياً له فإنه يقضي معظم وقته الى جوار البحر حيث يعيش حياة بسيطة وينام في غرفة صغيرة يعلو سقفها طبق لاستقبال محطات تلفزيونية عبر الأقمار الاصطناعية. شعارات محل شعارات وقد دفعت الحكومة اليابانية خمسة ملايين دولار لتنظيف الجدران في شوارع المدينة، مما وفر عملاً لفترة قصيرة لكثيرين من أبناء المدينة التي تبلغ نسبة البطالة فيها حوالي خمسين في المئة. وكان تنظيف تلك الشوارع رمزاً للبداية الجديدة التي يأمل الفلسطينيون الشروع فيها: مسح شعارات الانتفاضة وتهديدات الانتقام من المتعاونين والانتصار على اسرائيل. ولكن إذا استثنينا الجدران المحيطة بمكاتب السلطة الفلسطينية - المقر السابق للادارة العسكرية الاسرائيلية - سنجد أن الناس بدأوا يكتبون فصلاً جديداً في تاريخ غزة على الجدران البيضاء بعد تنظيفها من الشعارات السابقة. إذ أن جزءاً كبيراً من الشعارات الجديدة يمجّد هاني العابد الذي قتل في انفجار سيارة ملغومة. والجميع هنا "يعرفون" ان الجناة هم عملاء الاستخبارات الاسرائيلية الذين يواصلون نشاطهم في غزة حتى الآن. ومن تلك الشعارات الجديدة: "الكتائب الاسلامية ستواصل هجماتها على اليهود للثأر لشهداء حماس". ويعلق فلسطيني متقدم في السن على ذلك بقوله: "ان هذا هو الأثر النفسي الذي تركته الانتفاضة". لكن الانتفاضة انتهت، ورحل الاسرائيليون وأصبحت لحركة "حماس" صحيفتها الخاصة. ومع هذا فإن الجدران وأبواب المحلات التجارية هي أفضل وسيلة شعبية للاتصال هذه الأيام لأنه - كما يقول العجوز الفلسطيني - "ليس هناك من سيطلق الرصاص عليك إذا كتبت شعارات على الجدران"! ارتفاع الجدران في أحد أيام كانون الأول ديسمبر تعطلت أجهزة الكومبيوتر في نقطة أريتز التي يعبر منها الفلسطينيون الى اسرائيل. وهكذا كانت النتيجة أن أكثر من عشرة آلاف فلسطيني يحملون تصاريح للعمل في اسرائيل لم يستطيعوا العبور، فعادوا الى بيوتهم، اضافة الى ذلك لم يستطع أكثر من أربعمئة من أبناء غزة الذين يدرسون في جامعة بيرزيت في الضفة الغربية التوجه الى الجامعة لأن السلطات الاسرائيلية لم تستطع التدقيق في تصاريحهم نتيجة تعطل الكومبيوتر. ومع ذلك استطاع اثنان وثلاثون منهم الهرب للدراسة في بيرزيت الى أن اعتقلتهم السلطات الاسرائيلية بتهمة مغادرة غزة في صورة غير قانونية، وأعادتهم الى القطاع. قبل اثنتي عشرة سنة، حين كانت اسرائيل تعتبر منظمة التحرير الفلسطينية منظمة ارهابية قرر وزير الدفاع آنذاك أرييل شارون إزالة نقطة التفتيش التي كانت موجودة في أريتز، ولم تعد هناك أي علامة لتذكير المسافر من غزة الى اسرائيل بتلك النقطة. أما اليوم، وفي الوقت الذي يفترض أن اسرائيل والمنظمة توصلتا الى سلام بينهما، وفي الوقت الذي يلتقي ياسر عرفات مع رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين في صورة منتظمة، نجد أن الطلاب الفلسطينيين لا يستطيعون الدراسة في جامعة فلسطينية، كما أن الجدران التي تفصل غزة عن اسرائيل تزداد ارتفاعاً يوماً بعد يوم. ذلك أن نقطة عبور الحدود عند أريتز ونقطة التفتيش الرئيسية عند مفترق طرق نيتزاريم فيهما تذكير بالحرب المستمرة التي تشنها اسرائيل على "حزب الله" في جنوبلبنان. ومن المفارقات الكثيرة في غزة هذه الأيام أن تنطوي اجراءات "بناء الثقة" بين الاسرائيليين والفلسطينيين على ازدياد ارتفاع الجدران التي تفصل بين الطرفين، في صورة مضطردة. ولعل من تلك المفارقات أيضاً أن الفلسطينيين مجبرون الآن أكثر من أي وقت مضى على مواجهة واقع لا حول لهم ولا طول فيه. البريد والجواز وفي قطاع غزة لا توجد خدمة بريد. صحيح أن السلطة الفلسطينية أصدرت طوابع جميلة، لكن اتحاد البريد الدولي لا يعترف بها حتى الآن. ولهذا لا بد للمرء، إذا أراد أن يرسل رسالة من غزة، أن يتوجه الى أريتز لشراء الطوابع الاسرائيلية ووضعها في صندوق بريد هناك. كذلك تنوي السلطة الفلسطينية اصدار جوازات سفر فلسطينية خلال هذا الشهر. لكن هذه الخطوة لن تكون أكثر من مجرد رمز مهم في تاريخ فلسطين لأنه ليس هناك على ما يبدو أي جهة تعترف بجواز السفر الفلسطيني حتى الآن، بما في ذلك الجامعة العربية. مثلاً، الدكتور سعود الشوا الذي كان عمه رشاد رئيساً لبلدية غزة لجيل من الزمن، في الثامنة والثلاثين من عمره، وهو من أعضاء مجلس أمناء الجامعة الاسلامية في غزة ومن أصدقاء حركة "حماس". إلا أنه لن يتخلى عن وثيقة السفر التي أصدرتها اسرائيل التي تشير الى أن جنسيته "غير واضحة" لأن جواز السفر الذي ستصدره السلطة الفلسطينية في رأيه "وثيقة سجين في سجن غزة الذي تحتفظ اسرائيل بمفاتيحه". لقد أصبحت السلطة الفلسطينية التي لم يمض على تسلمها مقاليد السلطة سوى أقل من عام أشبه باليتيم. وهي تتعرض للانتقاد من الجميع، بمن فيهم أولئك الذين يفترض أنهم يدافعون عنها. لكنها، على رغم جميع مساوئها وعيوبها، تعمل بنشاط. وليس من المستغرب أن لا يكون عملها على ما يرام لأنها لا تزال الى درجة كبيرة مولوداً اسرائيلياً كما نصت على ذلك اتفاقات أوسلووالقاهرة. ومع ذلك فهي تجمع الضرائب، وتصدر التصاريح والرخص، وتسعى الى توفير فرص الأعمال مع أن هذه الفرص نتيجة لحسابات سياسية أكثر منها حسابات اقتصادية. والشوارع الآن أنظف مما كانت. كما أن الناس يطيعون أوامر الشرطة. وهكذا، هناك من الناحية الشكلية، على الأقل، حكومة أو سلطة حاكمة تعزز نفسها. بندق فارغ لكن السلطة الفلسطينية بالنسبة الى صلاح عبدالشافي، نجل الدكتور حيدر عبدالشافي، ليست سوى "بندق فارغ" تفتقر الى العمق مثلما تفتقر الى التأييد الشعبي. وصلاح خير مثال على "النظام العالمي الجديد". فبعدما تخرج من احدى الجامعات الألمانية أصبح يدير الآن برنامج المساعدات الأميركية لتشجيع الاستثمارات الخاصة وتطوير القطاع الخاص. وهو يقول: "اننا ننسى أحياناً أن علينا أن ننظر الى الأمر كله على أساس أنه عملية مستمرة مما يعني أنه يحتاج الى وقت طويل. وعلينا ألا ننسى أن اسرائيل تركت وراءها بنية أساسية اجتماعية ونفسية تعاني من ضرر كبير. ولهذا علينا أن نتحلّى بالصبر لأن الوقت لم يفت. ومع ذلك فانني أقول إن هناك اشارات من السلطة الفلسطينية تثير القلق. كان المثقفون الفلسطينيون يتوقعون أن تضع السلطة حداً لتدهور الأوضاع في غزة وأن تبني كياناً أساسياً من القوانين والأنظمة التي تعيد الحياة فعلاً الى المجتمع الفلسطيني. لكن الطريقة التي تعمل بها السلطة ستؤدي الى المزيد من التردي والتدهور. والواقع أن السلطة تعود بنتائج عكسية لأن هناك وزراء من دون وزارات. لقد طور عرفات هذا النظام طوال السنوات السبع والعشرين الماضية ثم نقله من تونس الى غزة. لكن الحال في غزة مختلفة عن تونس لأن النظام يواجه الآن مشكلات يومية. فإذا أراد أحد المستثمرين أن يأتي الى غزة فإنه يريد أن يعرف من أين يحصل على الرخصة اللازمة، وما هي القوانين والأنظمة التي سيخضع لها. لكنه لا يستطيع الحصول على أي جواب الآن. ولهذا فإن النظام يواجه أزمة حادة. لكن غزة ليست ذلك المكان الذي يمكنه أن يجتذب المستثمرين الذين يسعون الى تحقيق الأرباح حتى وإن كانت هناك سلطة فلسطينية أفضل. إذ أن رأس المال "جبان" وهناك الكثير من الأسباب التي تجعله يخاف من غزة. وكان الهدف من المساعدات الخارجية هو شراء السلام الذي وعد به اتفاق أوسلو. ولهذا اعتقد أبناء القطاع بأن أجيال البؤس والمعاناة التي عاشوها أوشكت على الانتهاء، وأن غزة ستتحول الى مونت كارلو جديدة، مما شجعهم على قبول أوسلو على رغم كل عيوبه السياسية. كانوا يطمحون الى تحسين مستوى حياتهم ونوعيتها. إلا أن الخير الموعود لم يكن سوى وهم، ولم يقدم المجتمع الدولي مثلا سوى حوالي مئتين وخمسين مليون دولار من أكثر من سبعمائة مليون دولار وعد بها هذا العام. إذ فقد خبراء التنمية من البنك الدولي وغيره من الجهات حماستهم الأولى الى غزة بعدما أخذت الشكوك تراودهم في امكاناتها المحدودة. البطالة... البطالة يقول صلاح عبدالشافي: "إن الناس يتساءلون ما الذي تغير؟ في الواقع لم يتغير شيء". والحقيقة هي أن الحياة في قطاع غزة هذه الأيام أصعب مما كانت قبل عام. كما أن مجمل الانتاج الوطني في القطاع الذي وصل عام 1992 الى أكثر من ثمانمئة مليون دولار انخفض منذ أن تولت السلطة الفلسطينية الحكم بنسبة الربع. ومن أهم أسباب هذا التدهور اغلاق اسرائيل أبواب العمل في وجه الآلاف من سكان القطاع. إذ أن عدد العمال الذين كانوا يعملون في اسرائيل كان المؤشر الأساسي على الوضع الاقتصادي في القطاع منذ عام 1970. فقبل الانتفاضة كان أكثر من نصف القوة العاملة في القطاع يعمل في داخل اسرائيل. وحتى الانتفاضة لم تمنع غالبية العمال من التوجه الى مراكز أعمالهم. وبعدما كان حوالي ثمانين ألف فلسطيني يعبرون من القطاع الى اسرائيل للعمل هناك، أصبح العدد الآن لا يتجاوز أحد عشر ألفاً. وفي مقر السلطة الفلسطينية في وسط غزة ترى الكثيرين من الرجال في مكتب حسن عصفور وغيره من المكاتب. وهم بلا عمل ولذا فهم يبتكرون العمل لأنفسهم حين يقفون كحرس رمزي خارج تلك المكاتب. وحسن عصفور من المفاوضين الرئيسيين الذين توصلوا الى اتفاق أوسلو. ويبدو أنه زعيم له مستقبل كما أن له دوراً مهماً في المفاوضات. لكن المرء يستطيع أن يتعلم عن الفرص الفلسطينية من الجالسين خارج مكتبه أكثر مما يتعلم من غيرهم. وباسم المصري، مدير مكتب عصفور لم يمض على وصوله الى غزة سوى أسبوع واحد. إذ كان يعمل مع عصفور في اتحاد الطلاب الفلسطينيين في بريطانيا. وهو متزوج وله طفلان لكنه ترك عائلته ليتطوع من أجل خدمة فلسطين. يقول: "أعتقد بأن على الفلسطينيين أن يكونوا روّاداً وأن يساعدوا في اقامة دولتنا. ولهذا السبب قررت أن أتطوع لمدة عام". ويريد المصري أن يرى برنامجاً خاصاً لاجتذاب الشباب الفلسطيني من أمثاله للتطوع في سبيل وطنهم. لكنه يقول: "ليست لدينا سياسة في هذا المجال ولذا فأنا أحاول التأثير في الناس من خلال اتصالاتي الشخصية. ومع نهاية العام سيكون هنا ما بين عشرين وثلاثين شخصاً. ولكن من المفروض أن يصل العدد الى ستمئة". ويقول المصري انه جاء لاحلال نصاب النظام "حيث الفوضى" حسب تعبيره: "ليست هناك أي مفاهيم واضحة وليس هناك أي تخطيط، كما أن هناك نقصاً في المعلومات الثابتة. وحين ينتشر مثل هذه الحالة من الفوضى يصبح التخطيط المركزي ضرورة لا غنى عنها". بنك معلومات ويريد المصري أن يضع بنك معلومات أساسية عن المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية مثلاً لأن المفاوضين الفلسطينيين لن يستطيعوا، حين يبحثون اعادة انتشار القوات الاسرائيلية مع الوفد الاسرائيلي، أن يحددوا بمهارة مطالب مفصلة ودقيقة عن طبيعة اعادة الانتشار. ومن الطريف انه لا يعرف أن هناك بنك معلومات عن هذا الموضوع أعده شخص يعمل مع فيصل الحسيني في القدس. لكن الوصول الى القمر من غزة ربما كان أسهل من الوصول الى القدس. وحين يلتقي الوفدان الاسرائيلي والفلسطيني في القاهرة يصل الوفد الاسرائيلي ولديه تفصيلات دقيقة جاءت نتيجة مئات الساعات من العمل التي بذلتها البيروقراطية في وزارتي الخارجية والدفاع. وهي تفصيلات تشمل الخرائط والمواقع والطرق والمسافات وما الى ذلك. بينما يجد الفلسطينيون صعوبة حين يضعون قائمة بأسماء المستوطنات. فهناك خبير فلسطيني واحد يقوم باعداد الخرائط الضرورية والمواقع المهمة لاعادة الانتشار. نعم خبير واحد فقط لم يتقاض راتبه منذ أشهر. يضاف الى ذلك ان الضباط الفلسطينيين لم يقوموا بجولة في الضفة الغربية مثل الاسرائيليين، مما يعني أنهم يفتقرون الى المعلومات الحديثة التي تساعدهم على طرح طلباتهم على اسرائيل. واضافة الى افتقار السلطة الفلسطينية الى القوة في التفاوض مع اسرائيل، فهي أخفقت، على رغم حماسة المصري وعصفور وغيرهما، في تعبئة الجهاز البيروقراطي اللازم. ولذا فإن الافتقار الى السلطة وغياب التنظيم يعتبران من أهم مظاهر الضعف، لأنهما يعيقان حتى أمهر المفاوضين وأبرعهم عن التغلب على الكثير من المصاعب. "حماس" في هذه الأثناء تستغل "حماس" هذه العيوب في السلطة الفلسطينية، ليس لتعبئة أنصارها فحسب بل لتعبئة الفلسطينيين الآخرين لتجعل نفسها البؤرة التي تلتفّ حولها غالبية سكان غزة الذين ربما لا يشاطرون "حماس" تزمتها الديني، لكنهم يؤيدون برنامجها الوطني وانتقادها السلطة الفلسطينية. وفي هذا الجو الذي تعيشه غزة الآن ما يساعد على انتشار الشائعات ونظريات التآمر. من ذلك مثلاً ان الأجانب هم الذين جاؤوا بمرض الكوليرا الذي ظهر بعض حالاته أخيراً، وأن جميع الصحافيين متعاونون مع اسرائيل، أو ادعاء عرفات أن يد طهران الطويلة هي التي تقف وراء "حماس". إذ أن الاستخبارات الاسرائيلية تقدر أن الحركة لا تحصل من ايران إلا على خمسة في المئة فقط من الأموال المتوافرة لديها. إن الادارة الفلسطينية في غزة والعيوب الملازمة لاتفاق أوسلو تعطي "حماس" أرضاً خصبة لزيادة شعبيتها. ومع انكشاف عيوب السلطة الفلسطينية، ومع اتضاح عدم فقدان اسرائيل سيطرتها على أهالي غزة ومستقبلهم، ستجتذب الحركة وحدها من بين جميع المنظمات الفلسطينية تقريباً المزيد من الفلسطينيين الذين يخيب أملهم في الأمر الواقع، والوضع السائد. يقول راجي الصوراني من مركز غزة للحقوق والقانون: "إذا كان لديك مركزان وكان الناس بينهما، وهم يعرفون أن أحد المركزين لم يحقق شيئاً، فإن كل شخص يتحول الى حماس. وهذه هي الدوامة التي نواجهها". ويستطرد: "لو كان الاسرائيليون قد تركوا غزة لكان في وسعنا أن نسلط اهتمامنا على برنامج اجتماعي إداري. وعرفات رجل يحب ادارة كل شيء بمفرده. وهذا غير صحي. فالناس حريصون على الاستقرار وتحسين نوعية حياتهم. لكن هناك شعوراً متعاظماً بينهم بأننا لم نحقق أي شيء، وبأن الحياة تزداد سوءاً وتدهوراً".