* الرباط تفرض التأشيرة والجزائر تغلق الحدود * المخاوف وشبكات التخريب توقظ الرياح الحارة الصراع الدائر في الجزائر لا يعني الجزائر وحدها. فأي تسوية بين السلطة و"جبهة الانقاذ" ستشكل سابقة تعني الدول الآخرى . واستيلاء "الانقاذ" على السلطة بفعل حسم عسكري لن تقتصر آثاره على الداخل وحده . والامر نفسه ايضا في حال ادى الصراع الى انفجار الجزائر وتهديد وحدة اراضيها. واذا كان المصير الجزائري يعني الدول المجاورة ، وربما البعيدة ايضا فإن الرياح الحارة بكرت في الهبوب على العلاقات المغربية - الجزائرية وهي شائكة اصلا. وترافق ذلك مع قيام فرنسا بترحيل 20 جزائريا من أعضاء "الإنقاد" أو المقربين منها. في هذا الملف تحاول "الوسط" من الرباطوالجزائر وباريس تسليط الضوء على التدهور الجديد في العلاقات المغربية - الجزائرية وخلفياته ، أضافة الى مايثيره النزاع المفتوح في الجزائر من مخاوف تتجاوز اطار المغرب العربي. لم تكن العلاقات المغربية - الجزائرية تحتاج الى دليل يثبت كونها حلقات توتر متصلة، غير ان حادث الهجوم المسلح على الفندق في مراكش، والذي اتهمت بتنفيذه عناصر جزائرية، اكد مدى التدهور الذي بلغته في السنوات الاخيرة، مثلما اكد استحالة تحول اتحاد المغرب العربي الى "طاقية اخفاء" لجبل الخلاف الذي تراكم ابان عهد الرئيس بومدين، وساعدت السياسة الجزائرية من بعده، على بلوغه مستوى كبيراً من الخطورة. ان الوقائع بين المغرب والجزائر تكاد تكون معروفة جيداً، قبل اعادة العلاقات الديبلوماسية بينهما في 5 حزيران يونيو 1988، فعلى رغم المساعي المكثفة التي بذلت ولا تزال تبذل، عربياً ودولياً، من اجل تسوية نزاع الصحراء الغربية بعد انسحاب اسبانيا من المنطقة في 28 شباط فبراير 1976، فإن نزاع الصحراء شكل على الدوام حاجزاً اعاق كل محاولة جدية لتقارب مغربي - جزائري، ذلك ان هذا النزاع أخذ في الاتساع ليتطور من قضية تصفية استعمار أوروبي الى قضية خلاف بين ثلاث دول عربية هي المغرب وموريتانيا من جهة، والجزائر من جهة اخرى، وظهور طرف رابع تمثل في "الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب" التي تعرف اختصاراً ب "البوليساريو". عمل عسكري منسق! وإذا كانت موريتانيا اختارت الانسحاب، في وقت مبكر، من النزاع، فإن وقوف ليبيا الى جانب الجزائر، اعتباراً من كانون الثاني يناير 1976، زاد من اشتعال النزاع، خصوصاً، وقد اصبحت الدولتان تعملان في اطار عمل عسكري منسق في مواجهة كل من المغرب وموريتانيا، لم يتوقف عملياً الا عام 1984، عندما وقّع العقيد القذافي والملك الحسن الثاني على معاهدة "الاتحاد العربي الافريقي". وساعدت ظروف المنطقة آنذاك، تحت وطأة الحرب الباردة، على "تعريب" قضية الصحراء و"تدويلها"، فكان ان وجدت جبهة البوليساريو في اطراف عديدة بينها "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" حليفاً لها، لاقامة "وحدة كفاح تضم القوى التقدمية لاتخاذ المبادأة وتحدي المخططات والمناورات الامبريالية والصهيونية" وبدأت الجبهة في تدريب عناصر من البوليساريو على السلاح، بعد ان تم التأكيد على "عزم الجبهتين على مواصلة الكفاح الشعبي المسلح، وتكثيف النضال في فلسطين والصحراء الغربية حتى يتم النصر والتحرير"! وبموازاة ذلك، عقدت البوليساريو روابط مع عدد من حركات التحرر الوطني التي كانت تتلقى الدعم المباشر من ما كان يعرف بالاتحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي، ومع كوبا بدرجة رئيسية. وكان هدف هذه الحركات والدول "الثورية" في مساندة البوليساريو، معارضة المغرب كدولة معتدلة او متهمة بموالاتها للغرب. وما ينبغي التأكيد عليه دائماً، ان سوء التفاهم بين المغرب والجزائر فرض نفسه منذ استقلال الاخيرة عام 1962، حيث خاض البلدان معارك مسلحة بسبب خلافات على الحدود بعد ثلاثة أشهر من الاستقلال، اعتبرت بداية تاريخ الحروب العربية - العربية، ذلك ان الجزائر التي وقّعت مع المغرب عام 1961، أي خلال سني الثورة، اتفاقاً سرياً ينص على تسوية مشكلة الحدود، أرادت تحقيق بعض المكاسب، بالتنصل من التزاماتها، مأخوذة بنشوة انتصارها المدوي على الفرنسيين. لقد حدث ما حدث على عهد احمد بن بله، بيد ان عهد خلفه هواري بومدين، وان شهد انفراجاً في علاقات البلدين، لاسيما لجهة "العمل المنسق لتحرير الصحراء وتصفية الاستعمار الاجنبي فيها" كما نص على ذلك البيان المشترك الصادر في ايار مايو 1970، في ختام لقاء "تلمسان" بين بومدين والحسن الثاني، والذي تعزز بعد قليل بعقد قمة نواذيبو التي ضمت الى جانبهما الرئيس الموريتاني مختار ولد داده، الا ان بومدين لم يتراجع عن تعهداته فحسب. بل شجع مجموعة من الصحراويين المنحدرين من قبائل الرقيبات ذات الارتباط الوثيق بالطوارق الجزائريين، وانطلاقاً من الجزائر، على تكوين "حركة مقاومة الرجال الزرق" - مورحوب - يتزعمها ادوار موحا اسم حركي وهي حركة حددت مطالبها باقامة دولة مستقلة في الصحراء الغربية، ترفض اي تعاون مع اسبانيا، وأية صيغة للتقارب مع المغرب أو موريتانيا، كما نادت باقامة نظام ديموقراطي شعبي في الصحراء. وقد أشيع وقتها ان لهذه الحركة علاقات مع الحزب الشيوعي الاسباني مع "حركة تقرير مصير واستقلال جزر الكناري" التي كانت تتخذ من الجزائر مقراً لها. مع تكوين هذه حركة "موحورب" دخلت قضية الصحراء طوراً جديداً دفع المغرب وموريتانيا اللذين ظلا يعملان سوية، آنذاك، لتنسيق خططهما، والتحرك في اتجاهين متوازيين، اولهما: السعي من خلال الأممالمتحدة لاسترجاع الصحراء من اسبانيا التي استحوذت عليها وعلى اجزاء مغربية اخرى، منذ 1904، بموجب معاهدة ثنائية مع فرنسا، وثانيهما: ابقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع الجزائر، التي لم تعلن حتى ذلك الوقت اية ادعاءات لها في الصحراء، بهدف كسبها لصالح مساعيها، او الاتفاق معها على صيغة مرضية تكفل في النهاية نجاح هذه المساعي. وإذا كان المغرب قد وقع في حزيران يونيو 1970 معاهدة مع موريتانيا نصت على تخليه عن مطالبه الخاصة باقامة "المغرب الكبير" الذي تمتد حدوده حتى السنغال، ليشمل بذلك موريتانيا نفسها وفقاً للخريطة التي نشرها زعيم حزب الاستقلال المغربي علال الفاسي وجعلها اساساً للمطالب الاقليمية المغربية وأنهى بذلك الخلاف القديم بين الدولتين، فقد وجد نفسه مضطراً بعد عامين لتوقيع اتفاق مماثل مع الجزائر، تخلى بمقتضاه عن المطالبة بالصحراء الجزائرية، وخاصة تندوف موضع النزاع المسلح الذي نشب في تشرين الأول اكتوبر 1963، واعترف بأن "وادي الذهب" يشكل الحدود الطبيعية الفاصلة بين الدولتين. اما الجزائر فقد تعهدت من جانبها بإشراك المغرب في عملية استغلال الحديد المستخرج من منجم "كارة جبيلات" بتندوف، وكذلك بمساندته ديبلوماسياً في مطالبته باسترجاع الصحراء من اسبانيا. غير ان المغرب لم يصادق على هذا الاتفاق الا عام 1992، وفي نطاق خطوة تردد انها استهدفت تطمين قادة الجيش الجزائري ومساعدة الرئيس الراحل محمد بوضياف على تنفيذ خطة أعدها لحل قضية الصحراء. الجزائر في الواجهة عرفت العلاقات المغربية - الجزائرية منذ ذلك التاريخ وحتى الآن اكثر الفصول تشابكاً وتعقيداً وانعكست على منطقة المغرب العربي والمنطقة العربية بوجه عام. ولم تفلح جهود الوساطة التي اضطلعت بها المملكة العربية السعودية ومصر والسودان والعراق وسورية والجامعة العربية في احتواء النتائج التي ترتبت على الخلاف حول الصحراء والذي دخل مرحلة من الصدام المسلح. وإذا كان هناك في المغرب من يلقي اللوم على المسؤولين الذين تولوا ملف الصحراء ويرجع اليهم العديد من الاخطاء والهفوات، فإن المغرب بمختلف مكوناته السياسية يتفق على ان نزاع الصحراء ما كان لينشب، وبالتالي لينتهي الى ما هو عليه الآن لولا تراجع الجزائر عن تعهداتها بدعم المطالب المغربية في الصحراء، والى ما تسميها بنزعة الهيمنة ابان عهد الرئيس بومدين، فالمغرب الذي اسقط ورقة اسبانيا باقامة دولة ناطقة بالاسبانية على حدوده كان يأخذ على بومدين سعيه للعب ورقة فرنسا، وهي عزل المغرب بفصله عن موريتانيا والدول الافريقية الواقعة جنوب الصحراء، فضلاً عن رغبته في التوسع هناك لايجاد ممر نحو المحيط الأطلسي. ولكن الى اي مدى تتحمل الجزائر مسؤولية النزاع؟ للاجابة على هذا السؤال، لا بد من المرور بالوقائع التالية: شرعت لجنة تصفية الاستعمار التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنذ 1964 بتطبيق قرار منح الاستقلال للبلاد والشعوب المستعمرة في "الصحراء الاسبانية" حتى 1974، حين تلقى الأمين العام للأمم المتحدة تقريراً من الحكومة الاسبانية جاء فيه "ان الشعب الصحراوي هو صاحب الثروات والخيرات التي تحتوي عليها ارضه وانه ستكون للصحراويين جميع الحقوق التي يتمتع بها المواطن الاسباني" كما جاء فيه "ان هذا الوضع الجديد لن يمس بشيء حق تقرير المصير الذي يملكه السكان وانه لا يشكل سوى مرحلة انتقالية لحين ممارسة هذا الحق". وهنا، تجدر الاشارة الى ان الجنرال فرانكو كان قد انشأ "الجمعية العامة للصحراويين" بمثابة برلمان يتولى اجراء استفتاء تقرير المصير الذي لا يعني سوى استقلال الصحراء في دولة او ابقائها مرتبطة باسبانيا. رد الملك الحسن الثاني برسالة الى فرانكو ذكر فيها "التدهور الشديد في العلاقات بين المغرب واسبانيا نتيجة المبادرة من طرف واحد والتي اقدمت عليها اسبانيا في الاقليم الصحراوي والتي تضع المغرب امام ضرورة الدفاع عن حقوقه المشروعة" وبعد أيام من ذلك ألقى خطاباً تناول فيه تطورات الصحراء وموقفه من الاستفتاء الذي تعد اسبانيا لاجرائه قائلاً: "ان السؤال الذي يجب ان يستفتى عليه السكان هو: هل ترغبون في البقاء تحت وصاية الدولة التي تحتلكم أو العودة الى الوطن الأم؟" ووقتها ابدى العاهل المغربي استعداده لضمان مصالح اسبانيا بمنحها قواعد عسكرية لمدة محدودة مقابل اعترافها بالسيادة المغربية على الصحراء، وتوقيع اتفاقية مشتركة لاستغلال الثروات المائية والبرية للصحراء. وإزاء الصمت الجزائري حيال هذه التطورات قامت حملة اعلامية مغربية تهاجم النوايا الجزائرية وعدم مساندتها المطالب المغربية في الصحراء، قابلتها حملة جزائرية مضادة شديدة اللهجة، تؤكد "وقوف الجزائر الى جانب تحرير الصحراء" وتصاعدت هذه الحملة بعد تسرب انباء عن تراجع بومدين عن موافقته في قمة الرباط العربية 1974 على اتفاقية سرية تم التوصل اليها قبل ذلك في فاس، بين الملك الحسن الثاني والرئيس الموريتاني مختار ولد داده لاقتسام الصحراء الغربية بين المغرب وموريتانيا. لقد تكشف اخيراً ان الجزائر تمسكت بحق تقرير المصير دون ان تعترف لا للمغرب او موريتانيا بأي حق لهما في الصحراء. وأخذت الصحافة الجزائرية توضح الخطوط العريضة للسياسة الجزائرية من قضية الصحراء وهي: 1 مساندة حركات التحرير 2 اعتبار النضال الجاري في الصحراء، هو نضال بين التقدمية والاقطاع، بين نظام ملكي استبدادي وحليف للاستعمار، وشعب عربي يناضل من اجل بقائه 3 ان أي مفاوضات يجب ان تكون بين البوليساريو، الممثلة للشعب الصحراوي، وكل من المغرب وموريتانيا 4 ان أية وساطة في قضية الصحراء لا يكون لها اي معنى ما لم يكن هدفها التوصل الى انقاذ الشعب الصحراوي وصيانة وجوده. ولا نجدنا بحاجة للقول ان هذه السياسة ظلت تحكم مواقف الجزائر طوال السنوات الماضية. وتكاد الوقائع بعد ذلك ان تكون معروفة جداً، فالمغرب الذي اعتبر دائماً الصحراء جزءاً من اراضيه، قام بتنظيم "المسيرة الخضراء" التي اتجهت الى مدينة العيون، عاصمة الصحراء، مطلع تشرين الثاني نوفمبر 1975، بعد ان افتت محكمة العدل الدولية بوجود علاقات قانونية تربط سكان الصحراء بالمغرب، لتبدأ بعدها مفاوضات مغربية - اسبانية - موريتانية أدت الى اتفاق ثلاثي ينتهي بمقتضاه الوجود العسكري الاسباني في الصحراء في ميعاد غايته 28 فبراير 1976. وكان أول رد فعل على الاتفاق صدر عن الجزائر حين ادانت سياسة "الامر الواقع" في الصحراء. وما ان دخلت القوات المغربية هناك حتى شرعت السلطات الجزائرية في طرد الرعايا المغاربة المقيمين في الجزائر، وحشدت قواتها على الحدود مع المغرب لتدخل بعد فترة قصيرة في اشتباكات مسلحة مع القوات المغربية في منطقة "امغالا" في الصحراء، وهي الاشتباكات التي انتهت باحتلال القوات المغربية للمنطقة وأسر عدد من أفراد القوة الجزائرية، وعلى رغم ادعاءات السلطات الجزائرية حينها ان القوة المهاجمة كانت من البوليساريو. وعلى كل حال، فإن الجزائر تولت منذ ذلك الوقت تزويد البوليساريو بالسلاح والعتاد، كما تولت الدفاع عن مواقفها في المحافل الدولية. اثناء ذلك جرى خلط غريب للأوراق، فحركة "مورحوب" التي عارضت أي تقارب مع المغرب، اعلنت انها تنضم الى وجهة نظره، وبعثت بمذكرة في هذا الشأن الى محكمة العدل الدولية، بينما اعلنت جبهة البوليساريو، عن نيتها في تسلم السيادة والسلطة في الصحراء وبعثت الى الأممالمتحدة بمذكرة تطالبها بپ"تأكيد الحق الثابت للشعب الصحراوي في الاستقلال". وفي 27 شباط فبراير 1976 أعلنت الجبهة قيام "الجمهورية الصحراوية العربية الديموقراطية" على الأراضي التي تسيطر عليها، وباعتراف الجزائر بها، اعلنت كل من المغرب وموريتانيا قطع علاقاتهما الديبلوماسية معها. خلال عهد الرئيس الشاذلي بن جديد عرفت العلاقات الجزائرية المغربية فترات تهدئة، وإن لم تستمر طويلاً. ففي شباط فبراير 1983 التقى بالملك الحسن الثاني، في أول لقاء مغربي - جزائري منذ قطع العلاقات، وفي ايار مايو 1987 تم ثاني لقاء بينهما. والواقع ان بن جديد بعد وصوله الى السلطة عام 1979 عمل على كسر الحاجز النفسي بين البلدين، فأعيدت العلاقات الديبلوماسية في 5 حزيران يونيو 1988. وتم تشكيل لجنة مشتركة لتدعيم التعاون الثنائي. وإذا كانت عودة العلاقات، بعد 13 عاماً من القطيعة، فرضتها ظروف عقد القمة العربية في الجزائر في ذلك العام، فإن اجواء الانفراج بدت تتضح اكثر اثر اجتماع الاقطار المغاربية الخمسة في ما عرف بقمة "زيرالدة"، في العام نفسه، والتي شكلت انطلاقة جديدة باتجاه تأسيس اتحاد المغرب العربي بعد ذلك بفترة قصيرة. وقد لعب المغرب دوراً بارزاً في الارتقاء بأهمية الحدث، حينما أقدم على خطوة لفتت انظار المراقبين باستقباله في كانون الثاني يناير 1989 وفداً من البوليساريو، ما اشعر الجزائر بإمكانية ازالة ما يعوق علاقاتهما من حواجز، خصوصاً وان الأممالمتحدة كانت قد شرعت في الاعداد لمشروع استفتاء تقرير المصير في الصحراء. وجاء انبثاق "اتحاد دول المغرب العربي" من قمة مراكش في 16 شباط فبراير 1989، ليشير الى امكانية "تعايش الازمات" او التقليل من شأنها إزاء الأهداف الكبرى. لقد ادعت السياسة الجزائرية الحياد دائماً في قضية الصحراء، واعتبرت النزاع الدائر بشأنها نزاعاً ثنائياً بين المغرب والبوليساريو، بينما كان هذا الادعاء يعوزه الاثبات، ذلك ان الأراضي التي تقيم عليها البوليساريو معسكراتها هي أراض جزائرية، كما ان الدعم اللوجستي الذي تتلقاه يأتي في غالبيته من الجزائر، وظل الأمر هكذا الى ان اعترف بوضياف، ولأول مرة، بوجود خلاف بين المغرب والجزائر بسبب قضية الصحراء. وليس بين المغرب والبوليساريو ليدعم مواقف سابقة لفرحات عباس ويوسف بن خدة وحسن الأحول والشيخ محمد خير الدين وغيرهم من الذين نددوا باختلاق بومدين لهذا الخلاف، لكن سرعان ما وجد بوضياف نفسه مضطراً في النهاية للقول: "ان عليه الأخذ بعين الاعتبار هذا الوضع الناتج عن ممارسة سياسية محددة خلال سنوات عدة والمحافظة على كلمة الجزائر ودورها في المنطقة". لماذا تراجع بوضياف؟ لقد كان لافتاً انه في كل مرة تقترب فيها الصحراء من الحسم، وتلوح بالتالي بادرة تحسن في الاجواء المغربية - الجزائرية، تجهض البادرة في المهد. وقد حصل الأمر مرات عدة في السابق، ويحصل الآن مع بدء لجنة التحقق من الهوية انجاز مهمتها في تحديد لائحة الصحراويين الذين يحق لهم التصويت في الاستفتاء الذي تقرر اجراؤه في شباط فبراير المقبل، بعد تأجيلات استمرت منذ 1991، فهناك من يعتقد بوجود اطراف جزائرية لا يروقها ارساء أسس تقارب سليمة لاعتبارات داخلية تتصل بمراكز القوى، وهي التي ظلت تدفع، الى الواجهة، خلافات البلدين، وتعطل الافكار التي تتبادلها القنوات الديبلوماسية لجهة البحث عن صيغة مرضية لتسوية هذه الخلافات، سواء المرتبطة بالعلاقات الثنائية او ذات الصلة بنزاع الصحراء. وعندما لقي بوضياف حتفه بتلك الصورة الدراماتيكية، كانت ثمة فرضية ترى ان اغتياله كان نتيجة مساعيه لاعادة الثقة بين البلدين، بما يساعد على وضع نهاية سريعة للنزاع. وباستثناء الزيارة الخاصة التي قام بها بوضياف ولقائه بالحسن الثاني، فإن الاتصالات على المستويات العليا بين البلدين قطعت تماماً، وكانت انباء قد تحدثت عن قمة تعقد في ايفران صيف 1992 بين العاهل المغربي والرئيس السابق علي كافي، الا ان الاوضاع الامنية في الجزائر حالت دون ذلك. وعاد الحديث ثانية عن ترتيب قمة مغربية - جزائرية تجمع العاهل المغربي الملك الحسن الثاني والرئيس الجزائري الأمين زروال، تعقد على هامش القمة المغاربية السادسة التي استضافتها تونس في نيسان ابريل الماضي، الا ان اتفاقاً تم على تأجيلها الى موعد آخر. العودة الى نقطة الصفر والواقع، ان العلاقات المغربية - الجزائرية خلال الشهور القليلة الماضية لم تتراجع فحسب، بل تدهورت على نحو سريع. فقد لوحظ تصعيد جزائري في قضية الصحراء تجلّى في الرسالة التي وجهها الرئيس الجزائري زروال الى منظمة الوحدة الافريقية بمناسبة حل لجنة تصفية الاستعمار بأفريقيا ووصف فيها الصحراء بالبلد المحتل، فضلاً عن تصريحات سابقة لوزير الخارجية الجزائري محمد صالح دمبري قال فيها ان بلاده لن تقبل ما أسماه سياسة الأمر الواقع في الصحراء. والنتيجة المستخلصة هي ان كل الافتراضات التي تم التفكير فيها بتحسين علاقات الرباطوالجزائر، بما فيها افتراض التغيير في الموقف الجزائري من قضية الصحراء انتهت الى فشل، كما تبددت الفرص التي اتاحها قيام الاتحاد المغاربي لاحتواء الخلاف بينهما، او التوصل الى مخرج بعيد عن المجازفات. ولا شك في ان حادث الهجوم المسلح الذي تعرض له فندق من فئة خمس نجوم في مراكش، وتوجيه الرباط الاتهام رسمياً الى عناصر جزائرية وفرنسية من اصل جزائري بتنفيذه، في سياق مخطط ارهابي يستهدف أمن المغرب، يضع في الميزان مستقبل الاتحاد الذي تتولى الجزائر رئاسته حالياً، مثلما اسهم في ادخال علاقات البلدين دائرة التوتر الشديد. ويمثل القرار المغربي الزام الجزائريين ومن هم من اصل جزائري، وسواء اكانوا مقيمين في وطنهم او الخارج، نظام التأشيرة الذي الغته معاهدة تأسيس الاتحاد قبل خمس سنوات تقريباً، في اعقاب القاء القبض على عناصر مسلحة مزدوجة الجنسية جزائرية - فرنسية في كل من فاس والدار البيضاء ووجدة، والذي ردت عليه الجزائر بإغلاق حدودها البرية بشكل تام مع المغرب، يمثل عودة قسرية الى اجواء القطيعة التي سادت البلدين منذ عام 1976. بل ان القطيعة ستكون حتمية اذا ما اثبتت التحقيقات المغربية وجود اهداف سياسية وراء اعمال الشبكة الجزائرية المسلحة. ويجدر التذكير بمواقف اوساط جزائرية رسمية تصف المغرب بأنه "قاعدة خلفية" لمن تسميهم "الارهابيين"، وتردد بين فترة وأخرى تهماً بمساعدته الحركات الاصولية التي تقوم بأعمال مسلحة تتصاعد يومياً ضد اجهزة الدولة او شخصيات مدنية بارزة، وقد ادعت مرة ان حوالي الف من الافغان المغاربة يقاتلون الى جانب هذه الحركات، وطالبت باغلاق الحدود مع المغرب لما تشكله من مصدر اضعاف للاقتصاد الجزائري "نتيجة عمليات التهريب الواسعة التي تتم عبرها". كما ان اوساطاً محسوبة على "جبهة الانقاذ" انتقدت السلطات المغربية لتسليمها احد قادتها المدعو عبدالحق العيايدة الذي حكم عليه بالاعدام. ومنذ صدور قرار المغرب العفو عن المعتقلين السياسيين عبرت هذه الاوساط عن رغبتها في ان تستفيد من العفو مجموعة من المسجونين المغاربة اتهموا في حزيران يونيو الماضي بمحاولة تهريب السلاح الى الجبهة من منافذ أوروبية. وكانت السلطات المغربية نجحت في التعرف على المهاجمين الثلاثة الذين قاموا في أول حادث من نوعه في المغرب بالهجوم بأسلحة اوتوماتيكية على فندق "اطلس اسني" بمراكش، والذي أدى الى مقتل سائحين اسبانيين رجل وامرأة وإصابة عدد من المواطنين المغاربة بجروح متفاوتة الخطورة. وقد تمكنت من القاء القبض على اثنين هما كمال بنعكشة المدعو رضا الجزائري ووايت ايدير ستيفان وهما جزائريان ولدا في فرنسا، الأول عام 1968 والثاني عام 1972 ويحملان الجنسية الفرنسية، فيما تمكن العنصر الثالث وهو مغربي من مغادرة البلاد في اتجاه الخارج، ليبلغ بذلك عدد المعتقلين في هذه القضية التي تنظر بها محكمة فاس حالياً ثمانية اشخاص. وعرض التلفزيون المغربي انواعاً متعددة للأسلحة المتطورة التي استخدمت في حادث الهجوم وتلك التي ضبطت بحوزة اعضاء الشبكة في مخابئ متفرقة وبينها اسلحة رشاشة من نوع "عوزي" الاسرائيلي وأخرى من صنع روسي وإيطالي ومسدسات اوتوماتيكية وأجهزة ارسال واستقبال معدة للتركيب على السيارات وأصابع متفجرة، اضافة الى الاقنعة التي تستر بها المهاجمون وقت تنفيذ الاعتداء. وأفاد بيان لوزارة الداخلية المغربية ان الشبكة الارهابية كانت تخطط لتنفيذ هجمات اخرى في فاس اذ عثر بحوزة العنصرين الذين اعتقلا في هذه المدينة على سيارة محملة بقطع مختلفة من السلاح الحربي ومستلزماته. وتعتقد مصالح الأمن المغربية انها وضعت اليد على خيوط تعتبر الاكثر اهمية لارتباط دلائلها ومعطياتها بالهجومين اللذين استهدفا مؤسسة "ماكدولاند" بالدار البيضاء والشركة المغربية للايداع والقرض بوجدة خلال ايلول سبتمبر وتشرين الثاني نوفمبر من العام الماضي وكذلك الهجوم على المركز التجاري "ماكرو" بالدار البيضاء في منتصف آب اغسطس الماضي. وفي كل الاحوال، فإن الاوساط السياسية ومعها الرأي العام المغربي تترقب تطوراً محتملاً في علاقة الجزائر مع المغرب، وكان لافتاً اهتمام وسائل الاعلام المغربية بتصريحات الجنرال فرنون والتزر المدير السابق لوكالة الاستخبارات الاميركية سي.آي.ايه والسفير المتجول حين اشار الى احتمال محاولة الجزائر تصدير مشاكلها الداخلية وتوجيه التيار الوطني ونقل الحرب الى حدود بلد مجاور لافتاً الى انه في هذه الحالة سيكون المغرب في الصدارة.